• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (177)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/2/2013 ميلادي - 16/4/1434 هجري

الزيارات: 124176

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية [ 177]


قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].


لما ذكر الله في هذه السورة المباركة طرفاً صالحاً من محاجة الإسرائيليين، وذكر اختلافهم حتى في القبلة، وأن بعضهم يتجه إلى المغرب وبعضهم إلى المشرق، على خلاف شاسع لا يمكن معه وفاق، وذكر خوضهم الطويل في تحويل قبلة المسلمين إلى الكعبة، مما شغلوا به المسلمين؛ أوضح في هذه الآية أن البر المقصود فعله من العباد ليس هو مجرد استقبال جهة معينة، فيكون البحث فيه والجدال من العناء الذي لا طائل تحته سوى الشقاق.


ومعنى (البر) في اللغة - بكسر الباء -: هو التوسع في فعل الخير، مشتق من (البَرِّ) بفتح الباء الذي هو مقابل البحر في سعته، كما قاله الراغب في مفردات القرآن. ومعنى (البر) في الشرع: ما يتقرب به إلى اللَّه من الإيمان به، والصدق في محبته ومعاملته، والإخلاص في الأعمال الصالحة لوجهه الكريم، فتوجيه الوجوه إلى المشرق أو المغرب ليس هو البر، وإنما البر ما ذَكر اللَّه مجامعه في هذه الآية.


وقد قرأ حمزة وحفص بنصب (البر) يعني: فتح الراء، وقرأ الباقون بضمها على الرفع، وكلاهما ظاهر المعنى.


وقد نفى اللَّه مزاعم الجميع في قوله: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة: 177]. وأوضح مجامع البر في قوله سبحانه: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177] إلى آخر الآية.


وقد قرأ نافع وابن عامر بتخفيف النون من (لكن). وقرأ الباقون بتشديدها. وهذا التعبير الإلهي فيه الإخبار عن المعنى بالذات. فإن هذه الآية الكريمة تمثل لنا المعنى في نفس الموصوف به، فتفيدنا أن البر هو الإيمان باللَّه وما يتبعه من الأعمال الصالحة باعتبار اتحادهما، إذ لا إيمان بلا أعمال، بل الإيمان باعث على الأعمال ودافع إليها، وهي منبثقة منه ومنبعثة عنه، فالأعمال من آثار الإيمان، تستمد منه وتمده وتغذيه، ولذلك ينقص الإيمان بنقصها، ويزيد بزيادتها، كما ينقص بفسادها أو يضمحل. فالأعمال تمثل معنى البر والإيمان في الشخص، أو تمثل الشخص عاملاً بالبر. ولذا أتى اللَّه سبحانه بهذا التصوير البديع للبر معلناً أن الإيمان قوامه الأعمال الصالحات.


وقد ابتدأ اللَّه بذكر الإيمان به وباليوم الآخر، لأنه أساس كل خير، ومنبع كل بر وصلاح، فإن الإيمان لا يكون أصلاً للبر ما لم يتمكن من النفس. الإيمان بالغيب الذي هو مصدر الكمال، ومنبع كل خير وبركة، لأنه يجعل من ضمير الإنسان رقيباً داخليّاً يذكره بالله ومراقبته، ويخوفه من عقوباته العاجلة والآجلة، كما أسلفنا ذلك في أول السورة بمزيد إيضاحات نافعة. فالإيمان الحقيقي هو الذي يدفع صاحبه إلى أعمال البر المطلوبة، ويجعله يسارع في الخيرات والأعمال الصالحات، ويردعه ويمنعه عن فعل كل قبيح، ويجعله يحاسب نفسه ويبكي على خطيئته.


إن القرآن يكثر من ذكر الإيمان باللَّه واليوم الآخر ليغرس حقيقة التقوى في القلوب، ويجعل من ضمير الإنسان رقيباً يراقبه في كل عمل. وقد أكثر اللَّه في القرآن الكريم من تصوير مشاهد يوم القيامة وأهوالها ليغرس في قلوب عبادة الإيمان بالغيب، فيكونون دائماً على استشعار لليوم الآخر، لا تغيب عن أذهانهم أهواله العظيمة، بل يحسبون لها أكبر الحساب، فيكونون على هروب من النار وشوق إلى الجنة.


ومن جهة أخرى أكثر اللَّه في كتابه من ذكر أسمائه الحسنى وعظيم جنابه، وأنه العليم الخبير الذي لا تخفي عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه القوي العزيز، ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، سريع العقاب، شديد العذاب، عظيم الانتقام، وأنه للظالمين والفاسقين بالمرصاد، وأنه ذو الجلال والإكرام، الوهاب، الرزاق، مسبغ النعم والإحسان، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]. وأنه القهار الجبار، وأن رحمته قريب من المحسنين. إلى غير ذلك مما يغرس في قلوب عباده محبته وتعظيمه وحسن رجائه والخوف من عقابه.


كل هذا تركيز من اللَّه سبحانه للإيمان باللَّه واليوم الآخر الذي ينفع أهله منفعة صحيحة تظهر آثارها وبركتها على جميع أهل الأرض، فإن الإيمان يرفع نفوس المؤمنين عن الخضوع والاستبعاد للرؤساء السياسيين الذين استذلوا البشر بالسلطة الغاشمة، وصادورا عقولهم بأنواع الدجل والتضليل، ومن الرؤساء الروحانيين الذين يلعبون على العواطف البشرية بالدعاوى الفاسدة والوساطة عند اللَّه، ودعوى التشريع والكذب على اللَّه وعلى رسله، فكلا السلطتين كاذبتان من هذا النوع، لا السلطة الدينية التي يتحكم أهلها في عقول البشر ويأكلون أموالهم بالباطل من (البابوات) فمن دونهم، ومن سدنة القبور والدعاة إليها من علماء السوء. ولا السلطة الدنيوية المتحكمة في رقاب الناس بالإرهاب والاستعباد لغير اللَّه، على خلاف الحكم الذي أنزل اللَّه مما يهبط بالبشرية إلى أحط من دركة الحيوان المسخر.


والإيمان باليوم الآخر يهدي الإنسان أن له حياة في العالم الغيبي أعلى من هذه الحياة الدنيا، وأحسن في النعيم والخلود، نعيم لا يخطر وصفه على الأذهان، فلا يرضى المؤمن لنفسه أن يكون عمله ومساعيه لأجل خدمة جسده؛ لأنه في هذه لحالة لا يبالي إلا بالأمور البهيمية، وكذلك لا يرضى لنفسه بطريق الأولى أن يكون عبداً ذليلاً لبشر مثله بسبب لقب ديني أو دنيوي، وقد أعزه اللَّه بالإيمان، وإنما أئمة الدين عنده مبلغون لما شرع اللَّه، وأئمة الدنيا منفذون لأحكام اللَّه، وإنما الخضوع للَّه ولشريعته، لا لأشخاص هؤلاء وألقابهم.


وأما الإيمان بالملائكي فهو أصل للإيمان بالوحي؛ لأن من الملائكة من هو سفير بين اللَّه ورسله، فالإيمان بالملائكة أصل للإيمان بالرسل، ومن اعتراه شيء من الشك في أمرهم فلا يستبعد منه إنكار الوحي، كما حصل فعلاً من ملاحدة هذا الزمان، ولا يشك صاحب الدين أن ملك الوحي روح عاقل ينزل من اللَّه على رسله بالوحي المصلح للبشرية بالتوحيد والأحكام كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194] وينزل غيره من الملائكة بأمور الكون بإذن اللَّه كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]. وكما قال: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5]. وقال: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: 4].


وللملائكة وظائف كثيرة: منهم من هو سفير بين الله ورسله، ومنهم الموكل بكتابة أعمال العباد من خير وشر، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10-12]. ومنهم الحفظة على الناس، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 10، 11]. ومنهم الموكل بالريح، والموكل بالسحاب، والموكل بالجبال، ومنهم الملائكة الرحمة وملائكة العذاب من خزنة جهنم وزبانيتها، أعاذنا اللَّه منها، ومنهم الموكلون بالأموات ورئيسهم عزرائيل، وكما قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61].


وهم على نوعين:

ملائكة رحمة لقبض أرواح المؤمنين وبشارتهم بالخير، وملائكة عذاب لقبض أرواح الكافرين وبشارتهم بالشر، كما ورد في حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديثه الطويل المشهور[1]. ومنهم الصافون، ومنهم المسبحون، كما ورد النص القرآني بذلك.


ويلزم من إنكار الملائكة إنكار الوحي والنبوات وإنكار الأرواح، وذلك يستلزم إنكار اليوم الآخر، ومن أنكر اليوم الآخر يكون أكثر همه ملذات الدنيا وشهواتها البهيمية وحظوظها المادية، وذلك أصل شقاء الدنيا قبل شقاء الآخرة. وما قاست البشرية ويلات الظلم والإرهاب وأنواع الفتن التي جلبت التخريب الحسي للبلاد والعباد، والتخريب المعنوي للأدمغة والقلوب، إلا بسبب عدم الإيمان بالغيب الذي أساسه الإيمان باللَّه واليوم الآخر.


فمنكر الملائكة يجره إنكاره لهم إلى إنكار جميع الرسل وجميع المغيبات. ولذا قدم اللَّه ذكر الإيمان بالملائكة على غيره من الإيمان بالكتاب والنبيين.


وقد قدمنا أن الملائكة خلق الروحاني نوراني عاقل قائم بنفسه، وأنهم من عالم الغيب يجب الإيمان بهم دون البحث عن حقيقتهم.


وبعدما ذكر اللَّه الإيمان بالملائكة قال: ﴿ والكتاب ﴾ يعني من جملة البر الواجب الإيمان بالكتاب، ولم يقل (بالكتب)، تنبيهاً إلى أن اليهود والنصارى ونحوهم من أهل الكتاب لو صح إيمانهم بما عندهم من الكتاب لآمنوا بجميع الكتب الإلهية. على أن المقصود من ذلك لازمه، وهو أنهم لم يؤمنوا حق الإيمان بكتابهم، لأنهم لم يعملوا بما أرشدهم إليه، ولو كان إيمانهم صحيحاً لقارنه الإذعان، فأذعنوا وانقادوا للعمل بما في الكتاب، وإنما إيمانهم لفظي لا يجاوز حناجرهم، لأن الإيمان الصحيح يستلزم العمل. فكل من ادعى الإيمان بكتاب التوراة أو الإنجيل ونحوهما ولم يعمل بما فيهما، وخصوصاً الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتوقيره، والجهاد معه في حياته، وفي سبيل الدعوة إلى ملته بعد مماته، فهو غير مؤمن بالتوراة ولا بالإنجيل، بل هو كافر بهما وإن ادعى الإيمان بهما والانتساب إلى من أنزلا عليه. وكذلك من ادعى الإيمان بالقرآن من مواليد الإسلام والمنتسبين إليه وهو غير عامل به، فليس بمؤمن. وقد ورد في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)[2]. فالحديث المشهور: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) نص صحيح يؤيده العقل الصحيح، إذ المؤمن بالقرآن حقيقة الإيمان يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعمل بجميع ما فيه من الأوامر والتشريعات والأحكام. ولذا قال اللَّه سبحانه وتعالى في الآية (14) من سورة الحجرات: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14].


وكثير من أدعياء الإسلام في هذا الزمان حاله أسوأ من حال الأعراب الذين نزلت فيهم هذه الآية خصوصاً من أبرزتهم الثقافة الاستعمارية والجامعات التبشيرية ممن يبيحون الخمور وجميع المسكرات، ويبيحون الزنى حالة الرضا، ويشرعون الأحكام القانونية المعفية لأهل الفواحش من إقامة حدود اللَّه والحامية لهم من العقوبة، ويبثون المراقص وسائر دور اللَّهو المخالفة للحس الديني، فإنهم أبعد من الأعراب الذين نزلت فيهم الآية عن الإيمان والقرآن، وأكثرهم يؤمن به إيماناً شكلياً أو لفظيّاً لابتعاده عن تعاليمه، وفيهم من يسخر به إذا أمن العقوبة حيث يتمركز في مركز حصين، أو يجد دولة علمانية يحتمي بها؛ لأن العلمانية التي أسستها الماسونية اليهودية والاستعمار تحمي جميع أنواع الإلحاد، بل تجعل الحرية كأنها وقف عليهم دون المسلمين، إذ بدعوى حرية الرأي ينتشر الإلحاد لتمركز أهله في الصحافة ووسائل النشر، فتكون الحرية لهم دون المسلمين، وهذا من أخطر خطط الماسونية التي عمل الاستعمار على تنفيذها.


وبالجملة فالإيمان بالقرآن يستلزم العمل بما فيه، لكن من فرط ببعض العمل لا يكون كافراً حتى يستبيح ما حرم اللَّه، أو يحرم ما أحل اللَّه، أو يهزأ بشيء مما شرعه اللَّه، أو يدعو لضده. فمن استباح شيئاً مما حرم اللَّه أو عكسه، أو استهزأ بشيء من أحكام الدين، أو دعا لضده، كان كافرا بذلك لا بمجرد العمل، كالذي يسخر من قطع يد السارق، أو من القصاص، أو من رجم الزاني أو جلده، أو من تعدد الزوجات، أو من الطلاق، أو من الاحتشام والتستر للمرأة، أو يدعو إلى منع الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو طرح حدود اللَّه، أو التبرج والاختلاط، ونحو ذلك مما هو إباحة لما حرم اللَّه، أو تحريم لما أحل اللَّه، أو تعطيل لشريعة اللَّه، فهذا كافر من أعداء الكتاب ومنزِل الكتاب.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ والنبيين ﴾ يعني وآمن بالنبيين كلهم من أولهم إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم بدون تفريق، كما تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: ﴿ قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]. وتخصيص أسماء بعض الأنبياء في هذه الآية لا يقتضي قصر الإيمان عليهم، بل يجب الإيمان وجوباً صحيحاً بجميع الأنبياء والمرسلين على الإجمال، سواء الخمسة والعشرون الذين قصهم اللَّه في القرآن مما لم يقصصه فمن كفر بعضهم أو أنكر واحداً منهم فإنه يعتبر كافراً بالجميع وليس مؤمناً حتى مؤمناً حتى بمحمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أنكر ما جاء به في القرآن، فلا يصح إيمانه.


والإيمان بالنبيين من ضروريات الإيمان، لأنهم المبلغون عن اللَّه وبواسطتهم يسلك المرء صراط اللَّه ويعامله بمقتضى التوحيد الذي يرتضيه.


فالإيمان بالنبيين يستلزم إجلالهم وتوقيرهم على العموم، والبحث عن سيرتهم، والاقتداء بهم في صبرهم ومصابرتهم على التحدي من أممهم، وصمودهم أمام الضغوط الجاهلية، وثباتهم، ومعرفة طريقتهم في الهداية، وأنهم يرشدون الأمم إلى ما يصلح دينهم في جميع شئون الحياة، عكس ما يزعمه العصريون من أن الدين لا شأن له بالحياة، مما هو إفك صراح يكذبه العقل قبل النقل، وأن يأخذوا من حياتهم دروساً وعبراً يهتدون بها في الأعمال وفي طريق الدعوة إلى اللَّه، كما قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90]. ويعرفون موقفهم الروحي الذي لا يشوبه طمع، ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].


وأن أولهم نوح القائل لقومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [هود: 29]. ومَن بعده يقول: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51]. فلا يكون للداعية طمع في مال ولا جاه ولا منصب. ويعرفون موقف الجاهلية قديماً من أهل الدين وحنقهم على الداعية إليه ليعلموا أن الجاهلية العصرية في هذا الزمان وارثة للجاهلية الأولى وامتداد لها، فإن أقدم الجاهلية قد قابلت نبي الله نوحاً عليه السلام بقولها: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء: 111].


وبقولها: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ [الشعراء: 116].


والجاهلية العصرية تسمى أهل الدين (رجعيون، وحشيون، متخلفون، متزمتون) إلى غير ذلك من ألقاب الطعن والتشوية والتنفير بأبشع العبارات التي غلبوا بها أسلافهم من كل جاهلية قديمة، حتى في معاملتهم للدعاة فإن أهل الجاهليات الأولى لم يزيدوا على تسمية الدعاة سحرة أو صادين لهم عن معبوداتهم، كقول عاد لنبيهم: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأحقاف: 22]. وقول فرعون: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ﴾ [يونس: 78].


أما أهل الجاهلية العصرية فهم يرمون الدعاة بما فيه إساءة لتاريخهم وتخبيط لأدمغة السامعين، بزعمهم أنهم عملاء للعدو أو المستعمر ونحوه، ويعملون على أخذ اعترافات كاذبة منهم بتعذبيهم تعذبياً يستحقون الموت عليه، فيستعجلون الموت بالاعتراف بما يريدون ليسلموا من العذاب، فقد بلغوا في الخسة وفقدان الضمير مبلغاً لم تبلغه أئمة الكفر من الجاهلية الأولى، حتى إن قوم لوط أشرف منهم بكثير في مقابلتهم لنبيهم بقولهم: ﴿ أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [النمل: 56]، فلم يصموه بشيء من وصمات الجاهلية العصرية.


وبقدر ما ينطبع الدعاة بأخلاق الأنبياء والمرسلين يصمدون أمام ضغوط الجاهلية الحديثة وما يصيبهم من عذابها، فلا يعترفون بخلاف الواقع استعجالاً للموت على التعذيب، بل يرجون رحمه اللَّه، ويصبرون على ما يلاقونه. وقد صبر بعض أتباع محمد صلى الله عليه وسلم على تعذيب قريش الهائل، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (إن من كان قبلكم ينشر بالمنشار من هامته إلى أسفله فلا يرده ذلك عن دينه)[3].


وحنق الجاهلية على أهل الدين قديم، ولكن زادت الجاهلية الحديثة الافتراء على الدعاة بما يسيء إلى تاريخهم في المستقبل.


والحاصل أن الإيمان بالنبيين على العموم يقتضي ما ذكرناه من معرفة سيرتهم وحسن صبرهم والاقتداء بهم، وأما الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم خاصة فيقتضي محبته وتعظيمه، بل يقتضي تفضيله بالحب على حب النفس والمال والأهل والأولاد والعشيرة والوطن والتجارة وكل شيء، ومعرفة سيرته الطيبة وسنته السنية، وأن يُقتدي به في كل شيء، وألا يقدم على فعل شيء حتى يتصور محبة محمد صلى الله عليه وسلم له فيفعله أو بغضه له فيتركه، وأن يجعل من حياته امتداداً لحياته الطاهرة بالدعوة، وأن تكون شفقته على سنته أعظم من شفقته على نفسه.


إن الإيمان بالله ورسوله يجب أن تظهر آثارهما في ضمير المؤمن ليختلف سلوكه في حياته عن سلوك الماديين، وإلا فما فائدة الإيمان؟! وكيف يجلب حقيقة البر؟ فلا بد من سيطرة حب الله ورسوله على النفوس – نفوس المؤمنين - حتى يضحوا بمراداتها ومحبوباتها في سبيل مراد الله ومحبوبه ومحبوب رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تحصل نقطة التحول للبشرية من فوضى الجموح والشهوات إلى الانضباط في جميع أنواع السلوك وفق عبودية اللَّه ومرضاته الاقتداء برسوله، كما تحصل نقطة التحول من التيه في الضلالة إلى الهداية العامة في جميع الميادين، ومن الاختلاف والتفكك إلى وحدة الاتجاه الموجب لاتحاد الأمة بسببه تحصل قوتها وتستطيع مواصلة الزحف المقدس، فتكون أمة الإسلام هي المعسكر الأول في الأرض، ويتجمع حولها الوجود.


وليس حب الله ورسوله عكوفاً على قراءة الأوراد، أو حمل المسابيح على الصدور، أو قراءة ما يسمى دلائل الخيرات المحتوي على أدعية مخترعة وصلوات مبتدعة لم يرد بها نص عن الله ورسوله، بل فيها ما هو كذب مفضوح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها ما هو انتقاص لله سبحانه يجب تنزيهه منه، وكذلك ليس حب الله ورسوله قراءة قصائد المديح، وعلى الأخص ما فيه الغلو الذي لم يجعل أهله مكاناً للَّه عند مكانة رسوله، كما قال البوصيري في بردته - رحمه الله - غالياً بالرسول:

فإن من وجودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلمِ

 

فجعل الدنيا وضرتها الآخرة من بعض جود الرسول صلى الله عليه وسلم وكرمه! فماذا أبقى للَّه من الجود؟! إن الإنسان لا يجود إلا بما يملكه. وقد جعل البوصيري الدنيا والآخرة بعضاً مما يملكه النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وجعل من بعض علومه علم اللوح فماذا أبقى للَّه من العلم بمنطقه الواضح الصريح الذي لا يقبل التأويل؟ والقرآن ينطق عنه بقوله: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9]. ويقول: ﴿ قُلْ إني لَا أَمْلِكُ لكم ضراً ولا رشداً ﴾ [الجن: 21]، ويقول: ﴿ لَا أَمْلِكُ لنفسي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].


فهذا وحي اللّه سبحانه يخبرنا عن حال رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا منطق الناظم المفرط في الغلو. فمن أي وحي جاءه تمليك الرسول ما لم يملكه، وتعليمه ما لم يعلمه وليس له حق علمه؟ هل عنده مصدر غير وحي اللَّه؟ ثم ماذا فعل هذا وأضرابه والعاكفون على قراءة نظمه للَّه ورسوله من الدعوة والجهاد والعمل المثمر لكتاب اللَّه وسنة رسله؟


ألا يخشون أن يكونوا ممن ورد الحديث الصحيح بأنهم يذادون عن حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم[4] ما أحدثوه من البدع والغلو اللفظي مما هو قول على اللَّه بغير علم وافتراء صارخ.


وقاهم اللَّه من عاقبة السوء.


إن محبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليست بالمبالغة في المديح والغلو الذي يرفعه إلى منصب الألوهية، وإنما محبته بصدق الإيثار والمتابعة وحسن الاقتداء به، وأن تكون الشفقة على سنته ورسالته المعطلة أعظم من الشفقة على النفس والأهل والمال والوالد والولد، وأن يكون حكمه صلى الله عليه وسلم أنفذ على المؤمنين من حكم أنفسهم أو حكم سادتهم.


هكذا الصدق في المحبة الذي ينتج ما ذكرناه من الآثار. فأما المداحون الذين لم يقوموا بواجب الجهاد والدفع بالرسالة المحمدية إلى الأمام فهم صعاليك ليس في حياتهم نفع للدين والرسالة، وقد ينتفع العدو بحياتهم الجامده على الأقوال دون الأعمال. وما أوقف الزحف الإسلامي إلا الجمود على طقوس وأوراد من ناحية العلماء، وانشغل مَن فوقهم بشهوات الدنيا والأغراض النفسية التي تجر الاختلاف والفتن حتى بين الأسرة الواحدة، ويحصل بها إضاعة الكيان وطمع الأعداء. وقد حصل ذلك فعلاً بسبب الأنانية. وفي الحديث الصحيح المشهور الذي رواه الإمام مسلم وغيره في سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)[5].


فالإيمان بهذه الستة ضروري للإنسان ضرورة الطعام والشراب، لأن بها الحياة المعنوية التي هي أفضل من الحياة الحسية البهيمية. فاللَّه عز وجل هو صاحب الكمال المطلق، والعظمة التي لا حد لها ولا نظير، والرحمة الواسعة، والإنعام الذي لا ينحصر، فالإيمان به يفسر لنا هذا العالم، ويجعل لوجودنا قيمة، ولأعمالنا وزناً، ولحياتنا كرامة، ولموتنا غاية، فالكرامة الإنسانية مستمدة من هذا الإيمان، فجميع الآمال التي يحيا بها الإنسان ويعيش عليها ليس لها مصدر غير وجود ذات اللَّه العلية المفيضة لهذه الآمال والتي هي العماد الذي يعتمد عليه الإنسان، سواء اعترف بذلك أم أنكر. ويكفي المؤمن شرفاً انتسابه بإيمانه إلى الخالق البارئ المصور الملك القدوس، الذي له الخلق والأمر، وقوله الفصل، لا معقب لحكمه.


فالإيمان بالملائكة إيمان بجنود غيبية للَّه، أقدرَهم على ما لا يقدر عليه غيرهم كما قدمنا بعض أوصافهم.


والإيمان بكتاب اللَّه إيمان بالمرسوم والمنهج الإلهي الذي يجب علينا اتباعه وحصر التلقي للهداية عليه، لأنه العاصم من إضلال الشياطين ومن تسلط الطواغيت المتنفذين على المؤمنين بهم من دون اللَّه فهو الهادي إلى صراط اللَّه، والحامي لعباده من الشياطين والطواغيت بإذنه. فمن حصر التلقي على وحي اللَّه وقاه الله شر الدجاجلة الذين يحاولون أن يجعلوا من أنفسهم آلهة يشرعون للناس ما لم يأذن به الله، متحدين منهجه ومعطلين لحدوده، ويجعلون من أتباعهم قديسين، ومن المخالفين لهم عملاء ومأجورين، يصمونهم بأبشع الألقاب. فبالتمسك بالكتاب علما وعملاً ينجيهم اللَّه من شر أولئك.


والإيمان برسل الله على ما وصفناه هو إيمان بوحدة البشرية إذا حققت ذلك، وبوحدة إلهها الواحد القهار، ووحدة دينها واتجاهها إليه سبحانه وتعال. ولهذا الإيمان قيمته في ترابط البشرية وارتفاع الخلاف عنها.


والإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالمصير المحتوم للعالم كله، وبالجزاء لكل نفس بما كسبت وأن الناس لم يخلقوا سدىً وهملاً، فهو إيمان بالعدالة الغلهية والحكمة الربانية في الخلق والأمر، إن الحياة ليست فوضى بلا إحصاء أعمال الدنيا في الدنيا وحساب في الآخرة.


وأما الإيمان بالقدر ففيه الراحة النفسية للإنسان العامل المنطلق حينما تعترضه عقبة لم تكن في حسبانه يجزم أن للَّه حكمة في ذلك، فتطمئن نفسه ولا يضطرب أو يتعقد. وفي الإيمان بالقدر وقاية من الكسل ومن الجبن والخوف وتقوية للنفس، حيث يعتقد المؤمن بالقدر حقيقة أن الشجاعة لا تجلب الموت، وأن أسلحة الأعداء ونيرانهم لا تقتل غلا من دنا أجله. وأن الجبن لا يدفع الشر ولا يطيل العمر.


ومن أعظم مهمات الإيمان بالقدر شعور المؤمن حين يعمل أو يحارب بأن له ارتباطاً باللَّه في كل خطوة من خطواته، وأنه ليس وحيداً مهملاً. فالمؤمنون الصادقون المخلصون الحريصون على إرضاء ربهم في جميع حركاتهم وسكناتهم هم الذين تصلح بهم الحياة وتزدهر بهم روابط المحبة والإخاء والتعون المثمر، وهم الذين لا يخشى ظلمهم ولا حيفهم وجورهم، ولا تشقى بهم أمتهم ولا تهان، لأن رقابتهم للَّه تحدد سلوكهم فتصلحه، فلا يجلبون على بلادهم ولا على أمتهم شرَّاً، وفي الرعيل الأول أروع الأمثال على ذلك. ومن عداهم فقد جربت الإنسانية شرهم كما هو واضح. واللَّه المستعان.


وأما قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177] فإن اللَّه سبحانه بعدما أوضح أصول الإيمان أتى بأصول الأعمال الصالحة وبموجبات القوة والفلاح، مبتدئاً منها بما يحقق التكافل الاجتماعي وتحصل به المحبة والوفاق وينتعش به المجتمع الإسلامي ويرتفع عنه البؤس.


وفي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ بيان لقوة تأثير الإيمان في النفوس بأن يكون إعطاء المال في حالة حبه والحرص عليه والشفقة، لا في حالة الزهد به أو الخوف منه، كما وردت الآثار الصحيحة الموقوف منها والمرفوع، فقد قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن نعمة المصري، قال حدثنا أبو صالح، قال حدثنا الليث، حدثنا إبراهيم بن أعين عن شعبة بن الحجاج عن زيد اليامي عن مرة الهمداني، قال: قال عبداللَّه بن مسعود في قول اللَّه: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى﴾ قال: حريصاً شحيحاً يأمل الغنى ويخشى الفقر[6]. وآثار غير هذا موقوفة على ابن مسعود، وكلها في الحقيقة لها حكم المرفوع، إذ مثل هذا لا يعرف بالرأي. وقد روى الحاكم مثله على شرط الشيخين[7].


وقد ثبت حديث صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: (أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال: "أنْ تصدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان كذا)[8]. رواه الإمام أحمد في المسند، ورواه البخاري ومسلم وأبو داود، كما في حاشية الطبري.


فإيتاء المال على حبه إياه من علامات الإيمان الصحيح وثمراته، وذلك أن يكون في حالة أمن وصحة، يرجو الحياة ويخشى الفقر، فينميه لعياله، ولا يخاف من مغتصب يأخذه بأي حجة مذهبية أو طمعية. ولذا جعل اللَّه إنفاق المال في هذه الوجوه من البر الذي يندب إليه ويرضاه ويمدح أهله، بخلاف الذي إذا خاف على ماله وزع شطره أو أكثره توليجاً، أو الذي إذا مرض أو أرهقه المرض فخاف من الموت وزعه على فلان وفلان ممن يحابيهم، فإنه في تلك الحالة وإن كان مأجوراً على حسب نيته إلا أنه لا يعد من أهل البر الممدوحين في هذه الآية والذين فعْلهم يدل على حسن إيمانهم وقوته.


ثم إن هذا الإيتاء للمال غير إيتاء الزكاة المفروضة التي هي ركن من أركان الإسلام، يقاتل تاركه ويقتل جاحده، وإنما ذلك واجب حين تعرض الحاجة إلى بذله في غير وقت الزكاة أو بعد توزيعها، ولا يشترط فيه نصاب معين، بل هو على حسب الاستطاعة، ويتأكد دفعه إلى من تجب عليه نفقته، وإلى المضطر من أي جنس كان، وذلك من الحقوق الواجبة في المال غير الزكاة.


وقد بدأ اللَّه بالأفضل من جهاته، فقال: ﴿ ذَوِي الْقُرْبَى ﴾ فهم أحق الناس بالبر والصلة؛ لأن الإنسان إذا احتاج وفي أقاربه من هو غني فإن نفسه تتوجه إليه بعاطفة القرابة المغروزة في الفطرة والتي سماها الشارع الحكيم قرابة الرحم وأوجب صلتها، كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما خلق اللَّه الخلق تعلقت الرحم بالعرش وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال اللَّه: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب)[9]. وفي الحديث الصحيح الآخر: (أنا الرحمن خلقت وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)[10].


وقد صح جواب النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الصدقة على الأقارب، فقال: (هي صدقة وصلة)[11]. وفي حديث أبي طلحة لما نزل قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول اللَّه، إن اللَّه أنزل هذه الآية وإن أحب أموالي إليّ (بيرحا)، وإني خرجت منها للَّه ورسوله. فقال صلى الله عليه وسلم: (بخِ بخِ ربحت التجارة، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)[12]. وذلك أن الإنسان يتألم لفاقة ذوي رحمه، ويحزن أشد مما يألم ويحزن لفاقة غيرهم وحاجته، لأنه يعتز بعز أقاربه، ويهون بهوانهم، فمن قطع رحمه ورضي بأن ينعم وذوي رحمه بائسون فهو من قساة القلوب المتمردين على الفطرة والدين، وكان بعيداً من البر والخير، متعرضاً للعنة اللَّه وغضبه.


وتتأكد صلة الرحم على حسب القرابة، فكل من كان أقرب رحماً كان حقه أوجب من غيره، ولكل منهم الحق بقدر قرابته.


ثم ذكر اللَّه (اليتامى) بعد ذوي القربى؛ لأن اليتامى يستحقون العطف من جميع المسلمين المؤمنين الذين عندهم فضل من المال، لأن اليتامى بموت كافلهم، وفقدهم حنان آبائهم، تتعلق كفالتهم وكفايتهم والحنو عليهم بأهل الوجد واليسار من المؤمنين، حتى لا تسوء حالهم وتفسد تربيتهم، فتتعقد نفوسهم، ويكونوا مصائب على أنفسهم وعلى الناس، لكن بحسب رعاية المسلمين المؤمنين يشعرون بالكرامة والمواساة، فينغرس في قلوبهم حب الدين الإسلامي الذي عطَّف عليهم أهلَ الخير، وحصلوا بسببه على المواساة والحنان.


ثم بعدما ذكر اللَّه اليتامى أعقبهم بذكر المساكين، وهم النوع الثاني من الفقراء، ذكرهم اللَّه ليشمل بذكرهم الفقراء من باب أولى، وسموا مساكين لأن نفوسهم سكنت للرضا بالقليل من مد كف الذلة. وفي اصطلاح الفقهاء: إن الفقير من لا يملك نصف كفاية سَنته. والمسكين من يملك نصف الكفاية أو أكثر. وعلى هذا فذكر المساكين يندرج تحته اسمُ الفقراء كما سبق. وقد حث اللَّه المستطيعين على رفدهم ومعونتهم من غير الزكاة المفروضة إذا لم تكفِ لسد حاجتهم، وجعل مساعدتهم من أنواع البر.


ثم قال تعالى: ﴿ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة: 177] وهو المنقطع في السفر عن بلاده، لأنه انقطعت صلته بأهله وقرابته ونفد ما في يديه، فصار كأن السبيل أبوه وأمه، فالواجب إعاشته وإعانته بما يكفيه للرجوع إلى بلده، وفي تسميته بابن السبيل تعبير لطيف لا يرتقي إليه سوى وحي اللَّه الذي جاء بلسان عربي مبين. وفي إعانته ترغيب من الشارع للسياحة الشريفة النزيهة. وقد يدخل اللقيط المنبوذ في مسماه بجامع الوضع والحاجة إذا لم تجعل الدولة دُور حضانة.


ثم ذكر اللَّه ﴿ والسائلين ﴾ وهم الذين تدفعهم الحاجة العارضة إلى سؤال الناس لا الذين من طبيعتهم السؤال. وقد أخر اللَّه السائلين عن غيرهم لأنهم يسألون فيعطون، والسؤال محرم شرعاً إلا لضرورة صحيحة.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وفي الرقاب ﴾ يعني دفع المال في حالة حبه والرغبة فيه لتحرير الرقاب، وذلك يشمل شراء الأرقاء المسلمين وإعتاقهم وإعانة المكاتبين على أداء نجومهم – أي: أقساطهم – والمكاتب: هو الرقيق الذي يشري نفسه من سيده يقسطه عليه أقساطاً، فهذا ينبغي معونته، كما ينبغي أيضاً معونة أسرى المسلمين على الافتداء.


وفي الجعل لهذا النوع حقُّا واجباً في أموال المؤمنين دليل على ندب الشريعة إلى فك الرقاب وتحريراً من الرق، واعتبار حرية الإنسان، وأنه لا يجوز استرقاقه إلا إذا بدل نعمة اللَّه كفراً فسلك من مسالك الإلحاد: شرك تحريف أو شرك تعطيل، كشرك الشيوعية وذيولها من البعثية والقومية العقائدية العلمانية ونحوهم ممن بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، فإنهم باعتدائهم على حقوق اللَّه ومنازعتهم سلطانه في الأرض وعملهم على فتنة عباد اللَّه واطراحهم وحي اللَّه ظهرياً قد أخرجوا أنفسهم من الإنسانية الحقيقية التي شرفها اللَّه وأنعم عليها بالحرية الكاملة، وانحازوا إلى الشياطين التي تريد لهم البهيمية في السلوك، فلا عجب إذا صارت حالهم إلى الرق الحسي لأنهم هربوا عن حرمة اللَّه إلى أنواع وأنواع من الرق المعنوي الذي هو أفظع وأنكى من الرق الحسي.


وقد أخر اللَّه حق تحرير الرقاب عن غيره من الحقوق الإنسانية؛ لأن الحاجة في الأصناف الأولى قد تكون لحفظ الحياة، أما الحاجة إلى الحرية فهي حاجة لكمال الحياة.


واعلم أن مشروعية البذل لهذه الأصناف لا تتقيد بزمن معين، ولا تتقيد بملك نصاب، وكذلك المبذول من المال في هذه الطرق لا تقدر بمقدار معين، بل هو أمر مطلق بالإحسان وموكول إلى سجية الباذل وكرمه وأريحيته وعطفه، وإلى حالة المعطي والشفقة عليه، والعمل على وقايته من الجوع، أو من البرد، أو من المرض، أو من الرق والاستذلال.


وقد أهمل كثير من الناس هذه الحقوق العامة التي حث اللَّه عليها في وحيه العزيز، لما فيها من التكافل والضمان الاجتماعي الصحيح، الذي لا تحصل عليه المجتمعات المتبجحة بالاشتراكية إفكاً وزوراً.


فهذه الآية الكريمة من الآيات التي نصت على حقوق الخالق والمخلوق، وعلى الضمان الاجتماعي العام الذي لو طبقه المسلمون لكان حالهم في معايشهم خيراً من حال سائر الأمم، ولما حصل في مجتمعهم التفكك الذي حصل في المجتمعات الأخرى، بل يحصل التكاتف والتراحم الذي يكون سبباً لدخول الناس في الإسلام، وتفضيله على ما سواه، وعلى ما يتصوره الباحثون والمضبوعون من المذاهب المادية.


ثم إن هذه الآية الكريمة مما استدل به المحققون وأفردت بتأليف المصنفات على أن في المال حقوقاً سوى الزكاة. ولا عبرة بقول البعض الذي شذَّ عن ذلك زاعماً أنها نسخت بفرضية الزكاة، فإن هذا غير صحيح لعدة أمور:

أحدها: أن فرضية الزكاة كانت قبل نزول هذه الآية والناسخ لا يكون إلا متأخراً.


ثانيها: أن هذه الآية الكريمة اشتملت على مشروعية هذه الحقوق المفصلة وعلى إيتاء الزكاة مقرونة بها كما سيأتي قريباً.


ثالثها: النصوص المتوافرة من السنة مما يؤيد قول المحققين بوجوبها غير الزكاة. واللَّه أعلم.


ثم قال اللَّه سبحانه وتعالى: ﴿ وأقام الصلاة ﴾ يعني أداها على أحسن الوجوه وأكملها وأقومها وأدومها. وقد ذكر اللَّه إقامة الصلاة في صلب وجوه البر من هذه الآية؛ لأن إقامة الصلاة هي الركن الروحاني الركين، والدعامة العظمى للبر. والقرآن الكريم يكرر المطالبة بإقامة الصلاة لا لمجرد فعل الصلاة، لأن إقامتها لا تتحقق بأداء أفعالها وأقوالها فقط وإن أتى بها المصلي على الوجه الذي ذكره الفقهاء، لأن ما ذكروه من أحكامها هو صورتها وهيئتها، ولكن البر والتقوى يكون في سير الصلاة وروحها الذي تصدر عنه آثارها العظيمة من القوة المعنوية التي يتحقق بها الجهاد النفسي الداخلي، والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وقلب الطباع السقيمة إلى طباع سليمة مستقيمة، كما قال تعالى في ذكر بعض نتائجها الطيبة:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 19-23].


فمن حافظ على الصلاة الحقيقية طهرت نفسه من الهلع والجزع عند حصول المكروهات، ومن البخل والمنع إذا نال الخير، وكان شجاعاً ومقداماً وكريماً جواداً؛ لأنه منطبع بالتكبير وواثق بوعد اللَّه، فلا يخشى من أي قوة ولا يخاف الفقر، عاصياً للشيطان الذي قال اللَّه فيه: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾ [البقرة: 268] فيكون قوي العزيمة، شديد الشكيمة، لا يرضى بالضيم والذلة، ولا ترهبه أي قوة، ولا يخشى في اللَّه لومة لائم، لأنه بمراقبته للَّه في صلاته واستشعاره عظمته وسلطانه الأعلى في ركوعه وسجوده، يكون اللَّه سبحانه غالباً على أمره، فلا يبالي بما يلقى من الشدائد في سبيله ولا بما أنفقه من فضله ابتغاء مرضاته.


أما الصلاة الصورية الخالية من الخشوع والتدبر فإنها لا تعطي صاحبها شيئاً من هذه المعاني، فليست من البر في شيء إذا وقعت مجردة من ذلك، وإنما مشروعيتها للمعارج الروحية التي يحصل بها الارتباط باللَّه تعالى، والاستعانة بها على توجه القلب إليه، وإسلام الوجه له، واستغراقه في مناجاته، وذكره ودعائه، والتلذذ بتلاوة وحيه العزيز. فهذه أسرارها وثمراتها التي تحصل بها الاستعانة على الشدائد، ويحصل من جرائها على الصبر والمصابرة في جميع المقاصد العالية والمجاهدات والتضحيات، ولذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 153].


وقد تقدم الكلام على فضل الصلاة وحقيقة إقامتها وعظيم فوائدها وحسن نتائجها في أوائل سورة البقرة هذه، وفي أواسطها عند الكلام على آية الاستعانة بالصلاة، وأوضحنا شرف قيمتها وما لها من الوزن الكبير والثمرة الجليلة في قلوب المؤمنين، ولكن ذكرنا هنا بعض حِكَمها وفوائدها بمناسبة ذكرها في هذه الآية، ولعظم أهميتها في الدين كان تاركها كافراً يجب قتله في شرع اللَّه العليم الحكيم كما هو منصوص عليه في كتب الفقهاء.


وقوله سبحانه: ﴿ وءاتى الزكاة ﴾ يعني: أعطى الزكاة المفروضة مستحقيها، ولا تجد في القرآن ذكراً للصلاة إلا وهي مقرونة بالزكاة، غير القليل جدَّاً من النصوص؛ لأن الصلاة مهذبة للروح، والمال قرين الروح. فبذله في طرقه المشروعة ركن كبير من أركان البر، وآية من أظهر آيات الإيمان، ولذلك أجمع الصحابة على قتال مانعي الزكاة ومحاربتهم؛ لأنها ركن من أركان الإسلام يختل الدين بتركها. وقد جرى في العصور المتأخرة احتيال على منع الزكاة من قوم لا خلاق لهم، قد ضعف إيمانهم، فلم يقدروا اللَّه حق قدره، معتمدين على كتب فيها من الحيل التي تسقط الحقوق الثابتة في ظاهر الأمر، واللَّه عليم بما يكتمون ﴿ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ﴾ [البروج: 20].


قال صاحب المنار: "وما نسبة هذه الكتب إلى الشرع إلا كنسبة منجل الحاصد إلى الزرع أو العاصفة في القلع".


فالاحتيال في منع الزكاة أو إسقاط بعض الأحكام الناشئة من أقوال المكلفين وتصرفاتهم فعل شنيع يشبه احتيال اليهود أصحاب السبت؛ لأنه احتيال على اللَّه في إبطال فرائضه وإسقاط أحكامه.


ولا أدري هل المحتال على اللَّه يعتقد نقصان علمه، وأنه غافل عن حيلته أو لا؟ فإن كان يعتقد ذلك فهو ملحد في أسماء اللَّه وعلى خطر عظيم. وإن كان لا يعتقد ذلك فكيف يتمادى بجرأته على اللَّه؟!


ومنع الزكاة بأي صورة يهدم في الظاهر ركناً من أعظم أركان دين الإسلام، وينقض في باطن الأمر أساس الإيمان، فإن من لم يمثل أوامر اللَّه ولم ينزجر عن منهياته بإصرار، فهو لم يرض باللَّه ربَّاً، ولا بالاسلام ديناً، ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً؛ لأنه لم يرع أمانته في دينه، ولم يذعن لحكمه، ولم يتقيد بدينه، ولم يطعه ولا رسوله، بل فسق عن أمر ربه واتخذ إلهه هواه، متجرئاً على تبديل كلمات اللَّه.


فمعطل الزكاة ضارب بآيات اللَّه عرض الحائط، وهي آيات كثيرة تأمر بإيتاء الزكاة، لأن الزكاة علامة على الإيمان، وصلاح للمجتمع والعمران. فإذا ضم إلى منعه الاحتيال على اللَّه، كان من المفترين على اللَّه، المبدلين لكلماته؛ لأنه يسمي الحنث العظيم والجريمة الكبيرة حكماً شرعياً. وفعله من حكم إبليس وجنوده، فنسبة قوله إلى الشرع خطيرة قد تدخله في الكفر والعياذ بالله، إذ لا يعقل أن يشرع اللَّه لنا شيئاً ويؤكده عشرات المرات، ثم يرضي بأن نحتال عليه، ونخادع في تركه، ونزعم أنه قد رخص لنا في ذلك.


ما أعظمها من جناية!! وما الفائدة من أن يوجب اللَّه علينا مشروعاته ويكرر وعده ووعيده. هل يكون هذا منه عبثاً ولغواً؟ سبحان اللّه عما يصفون، ليس في وحي اللَّه من كتاب وسنة ما يصح أن يكون شبهة لإبطال شيء من التشريعات بأي حيلة، ولكن أصحاب الحيل لما تركوا الاهتداء بوحي اللَّه استهوتهم شياطين الجن والإنس من علماء السوء والضلال.


ثم إن في تنصيص اللَّه في هذه الآية على إيتاء الزكاة بعد ذكره للحقوق الواجبة، دليل على أن في المال حقوقاً واجبة سوى الزكاة. فهذه الآية تدفع مزاعم القائلين بضد ذلك؛ لأنها احتوت على الجميع، إذ أولها فيه مشروعية إيتاء المال حالة حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وذوو القربى من أقارب لحمته أو من أقارب المصطفى صلى الله عليه وسلم. فأقاربه أحق من قرابة كل مسلم يعطون هبة من المال غير الزكاة.


ثم بعد ذكر اللَّه أولئك ذكر الصلاة، ثم ذكر الزكاة، ليدلل بالنص القاطع أن في المال حقوقاً لأولئك غير الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام وأن جاحدها كافر، ومانعها لمجرد البخل يجبر على دفعها ولو بالمحاربة والقتال، ويجب تعزير المحتالين على منعها بأي حيلة، كالذين يهبون أموالهم لأزواجهم ونحوها قبل تمام الحول بشرط إعادتها إليهم بعد الحول ليدخل الحول وهم غير مالكين. فهل يظنون أن اللَّه لا يعلم سرهم ونجواهم؟!


والعجب أنهمم يسمون هذا من الفقه في الدين، والفقه الصحيح براء مه ومن أهله، بل العمل بهذه الحيلة مخالف للإيمان ومبعد عن البر الذي يرتضيه اللَّه ويندب إليه. فيجب على المسلمين الوقوف عند حدود اللَّه، وألا يتعدوها بتقليد يصدهم عن وحي اللَّه، أو تأويل يجعلهم يحرفون كلام اللَّه.


ثم ذكر اللَّه الخصلة الثامنة من خصال البر على الإجمال، فقال: ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾ [البقرة: 177] وهذا انتقال من البر في المعتقدات والأعمال إلى البر في الأخلاق والمعاملات السياسية والاجتماعية، وابتدأ بأصولها وهو الوفاء بالعهد. وقد ذكر اللَّه الأعمال الدينية بصيغة الفعل، وذكر الأعمال السياسية بصيغة الوصف، لأن الأخلاق صفات والأمور السياسية وإن كانت من صميم الدين إلا أن اللَّه أشار بذلك إلى أن تكون تلك سجية قد انطبع المؤمن عليها بحيث يلتزم بها دون خوف أو رجاء. فهذه ميزة كريمة للسياسة الدينية، بخلاف السياسة المادية، فإن الماديين قد انطبعوا بالنفعية والأنانية والانتهازية، فلا يحصل الصدق منهم والوفاء إلا خوفاً أو طمعاً، فلا يصدقون ولا يوفون بعهدهم إلا تكلفاً وعلى مضض.


أما دين اللَّه الحنيف فإنه يوجب على أهله الوفاء بالعهد، سواء كان مطلقاً لا يتعارض إطلاقه مع الدين، أو مقيداً بأجل معلوم، كما قال تعالى: ﴿ فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]. وقال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل: 92، 91]. إلى أن قال: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 94] إلى غير ذلك من الآيات السياسية.


وقد كرر اللَّه النهي عن التلاعب بالعهود، فقال: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 94].


والدخل في اللغة العربية: هو ما يدخل في الشيء وليس منه، ولذا سمي الأجنبي دخيلاً، وأصل الدخل العيب، والعيب ليس من الشيء الذي يدخل فيه، فلذا لا يجوز إقراره.


فالدخل هنا كناية عن الفساد والخديعة. والمعنى: لا تصيروا أيمانكم دخلاً بينكم فتتخذوها خديعة لأجل أن تكون جهة أقوى من جهة وأكثر، فلا تنقضوا عهد الجهة الضعيفة لتحالفوا من هي أقوى منها، فتكونوا كالحمقاء التي نقضت غزلها من بعد غزله فكان أنكاثاً، وسيأتي ذكرها في تفسير الآية (92) من سورة النحل إن شاء اللَّه.


وقوله: ﴿ فتزل قدم بعد ثبوتها ﴾ أي: تزل أقدامكم عن الطريق الإسلامي الواضح بعد استقامتكم عليه، وفي إفراد القدم وتنكيرها إيذان وإعلان من اللَّه بأن زلل قدم واحدة مهما كانت محذور عظيم، فكيف بزلل الأقدام الكثيرة؟ كما فيه إعلام عن وحدة الأمة الإسلامية، وقد توعدهم بالعذاب في قوله: ﴿ وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [النحل: 94] لأن الصد عن العهد فيه صد عن سبيل اللَّه بسوء الاقتداء وقبح الأثر؛ لأن تطبيق العمل بالإسلام سبب لانتشاره، فإذا كانت خيانة العهد سمة للمسلمين كان ذلك سبة للإسلام ونفرة منه، فيحصل بذلك الصد المعنوي عن سبيل اللَّه، وينالون العذاب العظيم لذلك، وهذا لأن اللَّه يعجل العقوبة للمسلم الخائن ما لا يعجلها للكافر البعيد من اللَّه. وكذلك إذا تشبه المسلمون بالماديين في عدم مراعاة العهد إذا لم يتمش مع مصالحهم.


والعهد: هو ما يلتزم به المرء للآخر، وهو يشمل بعمومه العهد الإيماني الذي يعاهد المسلمون الله عليه من التزام مدلول الشهادتين باتباع الوحيين، وما يعاهد الناس بعضهم بعضاً عليه، ويشترط في وجوب الوفاء بعهود الناس فيما بينهم ألا يكون في معصية الله، ويدخل في ضمن العهد مايتعاقد عليه الناس من العقود الدنيوية، فإن الوفاء بها واجب ما لم تكن فيها مخالفة لأمر الله وشريعته، فإن ما يخالف الشرع يكون عقده باطلاً، ولا عجب في ذلك، بل هو أمر معقول ولا مندوحة عنه، فقد نص أهل القوانين الوضعية الكافرة على أن كل التزام يخالفها فهو باطل، وإذاً فدين الله وشريعته أولى بالمراعاة، فلا يجوز للمسلم أن يعاهد أحداً أو يعاقده على شيء يعلم مخالفته لدين الله في الأصول، أو لشريعته في الفروع، لا بنية الوفاء ولا بنية الغدر، لأن العقد معصية، والوفاء معصيتان، والغدر معصيتان لما يتضمنه من الغدر والغش، بل يكون الوفاء بالعقد أو العهد المخالف للدين أكثر من معصيتين: معصية إبرامه الذي هو نقض لبعض محتويات عهد الإيمان بالله أو كله، ومعصية الإصرار عليه، ومعصية الوفاء به، لأنها غش للمسلمين، وفي الوفاء به أيضاً إخلال بالعقيدة.


هذا، ولا يتحقق البر في الإيفاء بالعهد إلا إذا كان الدافع للوفاء ضمير الإنسان الديني بدون دوافع مادية أخرى أو معنوية، كالطمع والخوف، أو الرياء والسمعة، فمن أوفى بعهده تكلفاً أو طمعاً أو خوفاً لا يكون باراً حتى يصير الوفاء له خليقة دينية منبثقة من تقوى الله وطاعته.


فيجب الوفاء بالعهود والعقود لأنها من مهمات الفرائض التي يكون بها التعايش والعمران، ولا يجوز الإخلال بها بأي تحريض أو مؤامرة أو أي وسيلة خفية، فإن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية، وكذلك لا يجوز العمل بالمكر للتخلص من العهد المعقود عليه ولو بيعاً أو نحوه من المعاملات. ولا يعجل الله الانتقام لأحد على ذنب يفعله كتعجليه الانتقام للغادرين بالعهود والعقود، خصوصاً المسلم الخائن لشرع الله.


وفي نقض العهود والعقود ضياع للثقة، واحتقار للشخصية، وتعرض للإذلال، وفقدان الاقتداء، وعدم تعاون وتناصر، فيحل التخاذل وتنتكس الأمور رأساً على عقب والعياذ بالله.


وقوله سبحانه: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ [البقرة: 177] هنا نصب الصابرين للمدح دون غيرهم من الأوصاف المرفوعة، وليس المراد أن يقدر عامل من مادة المدح فقط، بل المراد أنه معمول لفعل محذوف كأخصُّ الصابرين أو أذكر الصابرين. وعبارة أبي السعود: "نصب على الاختصاص ولم يدرج في سلك ماقبله بأن يقال: (والصابرون) تنبيهاً على فضيلة الصبر"، فهو وإن كان معطوفاً على ماقبله في المعنى الحكمي إلا أنه مغاير له في الإعراب، والمخالفة في الإعراب لصفات المدح تفنن لغوي، لأن تغيير المألوف يدل على زيادة ترغيب في استماع المذكور، ولم تعطف صفة الصبر على ماقبلها لمزيد شرفه.


قال الراغب: "ولما كان الصبر من وجه مبدأ للفضائل ومن وجه جامعاً للفضائل، إذ لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ؛ غير إعرابه تنبيهاً على هذا المقصود".


وهذا كلام حسن، لأن هذه الآية الكريمة جامعة لمجامع الكمالات الإنسانية، وهي صحة الاعتقاد، وحسن المعاملة للخالق والمخلوق، وتهذيب النفس بالصلاة والزكاة، ختمها الله بقوله ﴿ والصابرين ﴾ وقرأ الأعمش والحسن ويعقوب: (والصابرون) عطفاً على ماقبله في الإعراب. وقال الكسائي: "إنها قراءة عبد الله". والقراءة المشهورة بالنصب للمدح كما تقدم. وأنا لا أعتني بالنحو إلا للحاجة.


و (البأساء) اسم من البؤس وهو الشدة والفقر والجهد. و(الضراء) ما يضر الإنسان من نحو مرض أو جوع، أو فقد محبوب، أو نقص مال، أو إتلاف ثمرة. وأجمعوا على تفسير (البأس) بشدة الحرب وقوة اضطرامه، فالصبر محمود في جميع هذه الأحوال وفي غيرها.


وقد خص الله سبحانه هذه الثلاث بالذكر هنا، لأن من صبر فيها كان في غيرها أشد صبراً لما في احتمالها من المشقة العظيمة على النفس والاضطراب الشديد في القلب، فإن الفقر والبؤس إذا اشتدت وطأتهما يضيق لهما ذرع الإنسان، إذ يكاد الفقر أن يفضي إلى الكفر.


ولهذا كانت دعاية الشيوعية وفروعها مركزة على الفقراء ومن أهم أعلى منهم من العمال والطبقات الكادحة لتجذبهم إلى أتون الكفر والإلحاد وإلى مجتمع كله فقير معدم يساق إلى الأعمال كما يساق ثور المدار أو حمار الرحى.


فالصبر ممدوح وعاقبته الخير في الغالب، لأن فيه تحمل الشدة والثبات عليها، رجاء في الله وثقة به واعتماداً عليه حتى يبدل الحال، فإن مع العسر يسراً. فمن غالب نفسه على الصبر متعلقاً بالله قوي الرجاء فيه وتغلب على نفسه في الجهاد الداخلي، فكان ثابتاً على إيمانه لم تزعزعه الشياطين عنه وأثابه الله الخير في الدنيا والآخرة، ومن صبر على البأساء في الحرب انتصر على عدوه الخارجي وسلم من ذل الأسر والاستعباد بإذن الله، والله مع الصابرين.


فهذه الآية الكريمة - آية البر - جمعت بين الدين والسياسة في بدايتها ونهايتها، إذ اشتملت على أصول العقيدة وتكاليف النفس والمال، وركزت حقيقة منهج الله في الحياة، فقد ابتدأها الله بالسياسة العالمية وختمها بها، فأولها قوله: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177].


وقد أوضحنا حقيقة الإيمان بالله وأنه يستلزم عبادته الصحيحة المرضية له، وعبادته مبنية على الحب والتعظيم، ومحبته لا تتحقق إلا بمحبة ما يحبه، والسعي لها يعني السعي لمحبوباته، وبغض ما يبغضه وعداوته والابتعاد عنه، وألا يوالي أحداً من أعدائه أو يسر إليهم بالمودة مهما كانت حالهم أو قرابتهم، ولا يعادي أحداً من أحباب الله لأي غرض نفسي أو طريقة سياسية، بل ولا يتخلى عن أهل الله الذين هم أهل ملته، وإن ابتلوا بحكام يحيدون عن سبيل الله، فليعامل الشعوب معاملة دينية مرضية لله.


فعبادة الله التي هي نتيجة الإيمان ليست مقصورة على إقامة شيء من الشعائر الدينية أو جميعها، بل هي شاملة لجميع نظام الحياة، لا يستقيم حب الله وتعظيمه إلا برعايتها حق الرعاية، فتعظيم الله لا يتحقق إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه في كل ناحية من شئون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولايحصل الإخلال بذلك إلا ممن ضعف إيمانه لنقص حبه لله وتعظيمه، أو من جاهل لا يعرف معنى عبادة الله، بل تسيره شياطين الجن والإنس، وتعصف بعقله أهازيج الدجاجلة.


ومن اعتقد قصر عبادة الله أو حصرها على الشعائر التعبدية فقط كما يريده العصريون من قصر الدين على المساجد ونحوها، فهذا من أجهل الناس باللغة العربية، فضلاً عن المدلولات الشرعية، ومن أجهل الناس بمعاني الألوهية وحقيقة الإيمان بها، فيكون جميع الكفار من أقوام الرسل الذين أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم أعلم منه بمعنى دعوتهم: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]


ومن لوازم الإيمان بالله جعل الحاكمية لله وحده، فلا يحتكم إلى غير شريعته، لا في الأمور السياسية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية، لأن من احتكم إلى غير الله في شيء من هذه الشئون كان رافضاً لألوهية الله أو ملحداً في أسمائه، كالذي يزعم التطور فيبيح ما أحلّ الله أو يحرم ما أباحه بهذا المزعم الخبيث، أو يسقط حدود الله باسم الإنسانية، زاعماً أن حدود الله قاسية لا تناسب العصر. فهذا وذاك قد ألحدوا في أسمائه، فلم يعتبروه عليماً ولا خبيراً ولا محيطاً ولا حكيماً ولا رحمنَ ولارحيماً. وكذلك من يزعم أن سمة العصر أو متطلباته لا يناسبها دين الله ولا شرعه، وأنهما لا يصلحان للعصر الصناعي المتطور في العلم والحضارة. وكذلك من يجعل لنفسه الخيرة في سلوك مايشاؤه من أنواع الحكم والعلاقات الداخلية والخارجية، فإن هذا منازع لله في سلطانه، بعيد من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، فهكذا ابتدأ الله الآية بما هو من لباب السياسة التي يوجب على عباده سلوكها في الحياة إيجاباً قطعياً لا يجوز لهم تخطيه، فلا يكون لهم قصد ولا غاية سواه، ولا يكون لهم نقطة ارتكاز يتجمعون حولها سوى دين الله، فهو المبدأ الذي يتجمعون عليه، ويقاتلون من أجله، ويعيشون من أجله، ويموتون في سبيله، ويتجمع حولهم الوجود كله إذا أخلصوا المقاصد وأصلحوا الأعمال، وأنه لا يجوز أن يكون لهم هدف سوى دين الله وطاعته، فلم يخلقهم الله سدى وهملاً يعملون مايريدون، وأن من خرج عن هذا فليس من الإيمان في شيء وسياسته شيطانية، يتعثر بها، ويشقى بها تابعوه.


ثم ثنى الله في هذه الآية بتكاليف النفس والمال، من إيتاء المال حالة حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة زيادة على ذلك، كما أوضحناه سابقاً. فإن الجمع بين إيتاء الزكاة وبين دفع المال على حبه لتلك الجهات مما يحقق الإنسانية ويضمن كرامتها ويرفعها عن البؤس، ويحفظها من شرور الحقد.


وإقامة الصلاة في الإسلام مظهر لنشاط الإنسان في قواه الثلاثة: جسمه وعقله وروحه، بتوجهها إلى الله جميعاً في ترابط واتحاد، فقيامه وقعوده وركوعه وسجوده تحقيق لنشاط الجسد، وتكبيراته بتفهم، وقراءته بتدبر وتفكير في معانيهما ومبانيهما، يتحقق به نشاط العقل، وتوجهه واستسلامه لله يتحقق به نشاط الروح كلها في وقت واحد، ففيها تعريف للمصلي بفكرة الإسلام كلها عن الحياة واتجاهها بجميع طاقاتها لله وحده في كل الشئون.


ثم ختم الله الآية أيضاً بالسياسة العالمية الممتضمنة للوفاء الصحيح بالعهد الذي لا يراه أهل الجاهلية قديماً ولا حديثاً ولا يتمسكون به إلا وفق أهوائهم ومصالحهم، وقد كرره القرآن كما أسلفنا وجعله من الإيمان، لأنه يحصل به إيجاد جو من الثقة والطمأنينة في علاقات الأفراد والجماعات والدول والأمم ثم الصبر في البأساء والضراء وحين البأس، وهو من صميم السياسة الإنسانية في الجهاد النفسي الداخلي والجهاد الخارجي، وفيه تربية وإعداد للنفوس، كي لاتذهب حسرات مع أي فاجعة، ولا تنهار جزعاً في أي نازلة، بل تثابر على الصبر والمصابرة، ثقة بالله وانتظاراً لفرجه، حتى يحصل انجلاء الغمة ويتبدل العسر إلى يسر بإذن الله ورحمته وفضله، وبذلك قوة ورباطه جأش للنفوس وسلامة من الهزيمة الحسية أو المعنوية.


فيالها من آية واحدة جمعت أصول الحياة الطيبة السعيدة، وجعلتها كلها جزءاً لا يتجزأ، ووحدة لا تنفصم عراها، وطبعتها بعنوان واحد هو (البر).


ولاشك أن هذه الآية خلاصة لمبادئ الإسلام الضرورية التي لاغنى للمسلمين عنها في دينهم ودنياهم والتي يتحقق بتطبيقها صدقهم مع الله وتقواهم له، ولذلك ختمها الله بقوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177] يعني: صدقوا مع الله ومع خلقه في مطابقة أفعالهم لأقوالهم، وفي الترجمة عما في قلوبهم من الإيمان أو مايزعمونه من دعوى الإيمان، فإن الإيمان ليس بالدعاوى بل بالأعمال التي تبرهن عما في القلب، وهم المتقون الذين أخذوا لأنفسهم وقاية من الله بامتثال أوامره.


فالمتقون هم الذين اتقوا مساخط الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأخذوا لأنفسهم وقاية من عذابه، وفي إتيان الله بضمير الفصل بقوله: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ حصر للصدق والتقوى على أهل هذه الأوصاف. كما أن تكرير الله لهذه الواوات في الأوصاف بهذه الآية لاعتبار الجمع. فمن شرائط البر وتمامها أن تجتمع هذه الأوصاف في المؤمن البار ليكون من الصادقين المتقين، ومن اتى ببعضها دون بعض لم يستحق هذا المقام إلا عند استجماعها، فلا يظن الإنسان أنه إذا صبر حين البأس أو في الضراء والبأساء يكون منهم، ولا المقتصر على الإنفاق أو على مجرد الإيمان أو مجرد الوفاء بعهد المخلوقين السياسي فإنه لا يكون منهم، ولكن الموفي بعهد الله الكلي في معاملته لله معاملة المحب لحبيبه في جميع شئون الحياة بتطبيق جميع أوامر الشريعة وتنفيذ جميع شعب الإيمان التي منها مضمون هذه الآية، فهذا يكون من أهل البر الصادقين المتقين، جعلنا الله منهم أجمعين.


ولنختم تفسير هذه الآية بذكر النصوص الصحيحة من كتاب البخاري فقط، ليعرف القارئ والسامع حقيقة الإيمان.


ففي الحديث الثالث عشر من صحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[13]، يعني من الخير. فأين أهل الأنانية والانتهازية من الإيمان؟ ما أبعدهم عن الإيمان بالله، وأبعد منهم دعاة الثورية الماسونية والقائمين بها، لما يحملونه من الحقد والبغض للمسلمين، ومن رزقهم الله من فضله.


وفي الحديث الرابع عشر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده))[14].


وفي الحديث الخامس عشر: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))[15].


ومحبته صلى الله عليه وسلم ناشئة من حب الله، فيجب على من يدعي محبته من ولاة المسلمين وعامتهم أن يقتفي سيرته في معاملته الخارجية للكفار ومعاملته الداخلية للمسلمين، وما يلتزمة من حكم الله في كل الشئون.


وعلى كل زعيم أو غيره من المسلمين أن يمتحن محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أراد أن يفعل فعلاً بأن يعرضه على سنته وما يعلمه من سيرته، فإن كان موافقاً لسيرته، مطابقاً لسنته، ومما يحبه ويسره فعله، أقدم عليه وبادر إليه، وإن كان مخالفاً لسيرته وسنته ولا يحبه بل يبغض فعله، أحجم عن فعله وابتعد عنه.


هكذا المحبة الصحيحة التي لم يبق عند أكثر المسلمين منها إلا المزاعم، ولو حققوها الآن لعاد عزهم ومجدهم وسيادتهم.


وفي الحديث السادس عشر قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقي في النار))[16]. وهذه من لوازم دين الله، لا يتحقق الدين إلا بها، فأين العصريون من دين الله على اختلاف طبقاتهم؟ وهم يوالون أعداء الله، ويحبون ويسلكون ما يبغضه الله، ويرفضون أو يبتعدون عما يحبه الله، ويتخلون عن قضايا المسلمين، ويهتمون بكل مايخالف الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من النظريات القومية الاستعمارية والماركسية الشيوعية وفروعها مما هو من المخططات الماسونية اليهودية؟ وأين الذين يحبونهم من حب الله ورسوله؟ وأين حرص المسلمين على مراعاة دينهم والاحتفاظ به ورعاية أمانات الله فيه؟


وفي الحديث السابع عشر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار))[17]. ويدخل في مسمى الأنصار وحكمهم كل من قام بنصرة ماجاء به محمد صلى الله عليه وسلم وانتصر لسنته فحبهم من الإيمان وبغضهم نفاق، ومن نظر إلى تلاميذ الثقافة العصرية وجد الكثير منهم مبغضاً لأنصار السنة المحمدية والدعاة إلى الدين وساخراً بهم، يسعى لإيذائهم وتشريدهم، وبعضهم يفتك بهم أعظم ضروب الفتك، كما هو مشاهد في كثير من بقاع الأرض، ويحصل على المدح والتأييد من الجهال والانتهازيين الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً.


في الحديث التاسع من صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان))[18]. ورواه غيره ((بضع وسبعون)). ولعل الفرق بين الإجمال والتفصيل. وهي على ثلاثة أقسام: أعمال القلب واللسان والبدن. فأعمال القلب فيها النيات والمعتقدات، وهي أربع وعشرون خصلة: الإيمان بالله: ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته، وتوحيده في الاعتقاد، والاتجاه بحصر التلقي للهداية على وحيه وسلوك صراطه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر بما فيه فتنة القبر وعذابه والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنه والنار، ومحبة الله والحب والبغض فيه، والمولاة والمعاداة فيه المانعة من تولى الكفار وموالاتهم والتلقي من أفكارهم، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، واعتقاد كفاية ما جاء به لجميع شئون الحياة في كل الأزمنة، وحصر الاقتداء بسنته ثم الصلاة عليه.


والإخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء والسمعة والنفاق، كما يدخل فيه مداومة التوبة والخوف، والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ومنه توقير الكبير ورحمة الصغير، وترك الكبر والعجب والحسد والحقد والغضب.


وأعمال اللسان:

وتشتمل على تسع خصال: التلفظ بالتوحيد وتلاوة القرآن وتعلم العلم الموصل إلى الله وتعليمه والدعاء والشكر والذكر بما فيه الاستغفار واجتناب اللغو.


وأعمال البدن:

وتشتمل على أربعين خصلة، منها ما يختص بالأعيان كالتطهير حسَّاً وحكماً، واجتناب النجاسات وستر العورة حتى في الخلوة والظلمة، والصلاة فرضاً ونفلاً، والحج والعمرة كذلك، وفك الرقاب والجود بإطعام الطعام وإكرام الضيف، والصيام فرضاً ونفلاً، والزكاة كذلك، وبذل المال لذي الحاجة، كما نصت عليه آية البر من غير الزكاة، والطواف، والاعتكاف، والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين من الفتن بالهجرة، ولو من قرية إلى قرية أو برية، والوفاء بالنذر والتحري في الأيمان وأداء الكفارات.


ومنها ما يتعلق بالاتباع: كالتعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال، وبر الوالدين، واجتناب العقوق وحسن تربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة، والرفق بالعبيد.


ومنها مايتعلق بالعامة وهي ثماني عشرة خصلة:

القيام بالإمامة العامة والإمرة الخاصة، والعدل ممن ولي شيئاً من الأمور في إمارة عامة أو خاصة، كصاحب العائلة وأي موظف في وظيفته، ومتابعة الجماعة، وطاعة ولي الأمر فيما ليس من معصية الله، والإصلاح بين الناس فرادى أو جماعة، والجهاد، ومنه المرابطة، وأداء الخمس وقتال الخوارج والبغاة ومن استحل شيئاً مما حرم الله، والتعاون على البر والتقوى، ومنه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والقرض مع وفائه، وإكرام الجار وحسن المعاملة، والتزام الصدق فيها وفي الحديث، واكتساب المال من حله وإنفاقه في مستحقه، ومنه ترك الإسراف والتبذير ورد السلام وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس واجتناب اللهو والفجور وإماطة الأذى عن الطريق.


فهذه شعب الإيمان:

بضع وسبعون شعبة بالتفصيل على ما في صحيح مسلم وأصحاب السنن الثلاث، أحببت ذكرها لقلة من تعرض لها.


وليفهم السامع والقارئ من الذين يتبجحون بالإيمان ويزعمون أنه في القلب ولم تترجم أقوالهم وأعمالهم عما في قلوبهم من إقامة شعب الإيمان أن قلوبهم ليس فيها إلا النفاق والإلحاد وانهم أبعد الناس عن البر.



[1] أخرجه أحمد في مسنده [4/287]، والحاكم في المستدرك [1/94]، والبيهقي في شعب الإيمان [1/356] رقم [395] من طرق عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استعيذو من عذاب القبر» - مرتين أو ثلاثاً - ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء.." الحديث.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

وقال البيهقي: هذا حديث صحيح الإسناد.

[2] أخرجه الترمذي [5/180] رقم [2918] من طريق يزيد بن سنان، عن أبي المبارك، عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه [6/146] رقم [30200] من طريق يزيد بن سنان عن أبي المبارك عن عطاء عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً به.

وأخرجه الطبراني في الكبير [8/31] رقم [7295] من طريق يزيد عن عطاء عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عن صهيب به.

وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي وقد خولف وكيع في روايته وقال محمد: أبو فروة بن يزيد بن سنان الراوي ليس بحديثه بأس إلا رواية ابنه محمد عنه فإنه يروي عنه مناكير. قال أبو عيسى وقد روى محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه هذا الحديث فزاد في هذا الإسناد عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عن صهيب ولا يتابع محمد بن يزيد على روايته وهو ضعيف وأبو المبارك رجل مجهول. ا هـ

والحديث ذكره ابن عدي في الكامل [7/270] واستنكره، وقال أبو حاتم بعد ذكر الحديث بطرقه: هذه كلها منكرة...اهـ انظر العلل [2/54].

 

[3] أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب المناقب، باب علامات النبوة رقم [3612] من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه بنحوه مطولاً.

[4] أخرجه البخاري كتاب الرقاق، باب في الحوض رقم [6576]، ومسلم [247] كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في الذين يذادون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم فيقول صلى الله عليه وسلم: ((أصحابي))، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((سحقاً سحقاً))، كتاب الإيمان، باب: سؤال جبريل عن الإيمان.

[5] أخرجه البخاري رقم [50]، ومسلم [9] كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.

[6] أخرجه ابن جرير الطبري [2/96] والبيهقي في شعب الإيمان [3/256] من طرق عن شعبة به.

وقال البيهقي: ورواه سلام عن سليمان المدائني عن محمد بن طلحة عن زبيد فرفعه وهو ضعيف الحديث.

[7] أخرجه الحاكم [2/299] من طريق سفيان وشعبة عن منصور عن زبيد عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه به.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

[8] أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب فضل صدقة الشحيح الصحيح رقم [1419] ومسلم [1032] وأبو داود في سننه [2865] وأحمد في مسنده [2/231] والنسائي في سننه [5/68] وغيرهم.

[9] أخرجه البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة محمد رقم (4830) ، ومسلم (2554) وغيرهما من حديث سعيد بن يسار عن أبي هريرة به مرفوعاً.

[10] انظر ابن حبان (2/187).

[11] انظر ابن حبان (8/133).

[12] أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب الزكاة على الأقارب رقم (1461) ، ومسلم رقم (998) من حديث أنس رضي الله عنه به.

[13] أخرجه البخاري كتاب الإيمان رقم [13]، ومسلم برقم [45]. كلاهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

[14] أخرجه البخاري كتاب الإيمان رقم [14] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[15] أخرجه البخاري كتاب الإيمان رقم [15]، ومسلم برقم [44] من حديث أنس رضي الله عنه.

[16] أخرجه البخاري كتاب الإيمان رقم [16]، ومسلم برقم [43] من حديث أنس رضي الله عنه.

[17] أخرجه البخاري كتاب الإيمان رقم [17]، ومسلم برقم [74] من حديث أنس رضي الله عنه.

[18] أخرجه البخاري كتاب الإيمان برقم [9]، ومسلم رقم [35] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (172 : 173)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (174 : 175)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 176 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (178 : 179)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب