• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 138 : 140 )

تفسير سورة البقرة.. الآيات ( 138 :  140 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/10/2012 ميلادي - 1/12/1433 هجري

الزيارات: 22236

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات [ 138: 140 ]


يقول الله - تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [138].

 

صبغة الله هي دينه، وفطرته، صبغنا بما ذكر من ملة إبراهيم، صبغة الله وفطرته سبحانه، فطرنا عليها، وهي ما صبغ الله به أنبياءه ورسله والمؤمنين من عباده على سنة الفطرة، صبغة لا تعرف التقاليد الوضعية ولا صنوف الأغراض النفسية. والصبغ في الأصل: ما يلون به الثياب ثم استعير لما ينصبغ به القلب من أنواع التلقين أو من أسباب المحبة وعوارضها وذلك أن اليهود والنصارى يصبغون قلوب أولادهم بالتلقين الباطل مما هم عليه، فيصبغونهم لما يشربون في قلوبهم من ذلك التلقين، وأنشد ثعلب:

دع الشر وانزل بالنجاة تحرزاً إذا أنت لم يصبغك في الشر صابغُ

 

وسمى الدين صبغة لأن هيئته تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغيرها، فالمعنى اطلبوا صبغة الله ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ يعني لا أحسن من صبغته، فهو جماع الخير الذي يزكي النفوس ويطهر القلوب، فيؤلف بين الشعوب والقبائل، ويطهر العقول، ويحرر النفوس من الرق المعنوي الذي تفاقم شره، خصوصاً في هذا الزمان، وكأن الله سبحانه وتعالى بعد محاجته لليهود والنصارى وإبطال مزاعمهم وإرغام أنوفهم، بما قصه إبراهيم وبنيه، وما ذكره من وحدة دينه الذي لا مراء فيها ولا طائفية ولا شقاق، وأمرهم بالإيمان بمثل ما آمنا به، وأن يقولوا: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].

 

فوصف هذا الإيمان منهم بأنه صبغة الله ليبين الفرق العظيم والبون الشاسع بين هذا الدين الذي اختاره الله، وبين الدين الذي اختاره المبطلون ظاهراً جلياً، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحس السليم، فمن أحسن من الله صبغة، وهو يطهرهم بصبغة الإيمان من أرجاس الكفر والوثنية؟ فصبغة الله التي شاء أن تكون آخر رسالاته إلى البشرية لتقوم عليها وحدة إنسانية صحيحة واسعة الآفاق، لا أجناس فيها ولا ألوان ولا حقد ولا عصبية، هي الصبغة التي لا أحسن منها أبداً.

 

ومن تشريف الله للمؤمنين في هذه الآية أن يلحق كلام المؤمنين بكلامه فيها بسياق واحد بلا فاصل، وذلك بحكم الصلة الوثيقة بينهم وبين ربهم، فيقول عنهم: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾. فلا نتخذ أحبارنا وعلماءنا أرباباً من دون الله يزيدون في ديننا وينقصون كما فعله من قبلنا ولا نقبل منهم أن يحلوا لنا بآرائهم أو يحرموا فيمحوا من نفوسنا صبغة الله الموحية للتوحيد، ويثبتوا مكانها صبغة الشر في اليهودية والنصرانية، بل نحن على العكس من ذلك.

 

وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [139] هذا ضرب آخر من محاجة أهل الكتاب، فإنهم كانوا في كل مكان يلوكون بألسنتهم كلاماً للشغب والجدل، فيقولون: نحن أولى بالحق والنبوة لتقدم النبوة فينا، ونحن أحق بالإيمان من العرب، لأننا أبناء الله وأحباؤه، إلى غير ذلك من دعاويهم.

 

وقد جاء الجواب على نسق سابقه مؤتلفاً معه ومتصلاً به غير منقطع، فكان تناسق الآية مع ما قبلها متمماً لإزالة الشبهات الفاشية في القوم على اختلاف مواقعهم، وهذه المحاجة واضحة في أنها كانت مع أهل الكتاب.

 

والآيات السابقات بينت أن الملة الصحيحة هي ملة إبراهيم، وهي لم تكن يهودية أو نصرانية، وإنما هي صبغة الله الإسلام التي لا صبغ لأحد فيها، بل هي بريئة من جميع اصطلاحات الناس وتقاليد الرؤساء الروحيين أو السياسيين فهي الجديرة بالاتباع، ولكن التقاليد والأوضاع حالت بين الناس وبين فهمها بعد ما جرى الأنبياء عليها وطالت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فحلت التقاليد محلها حتى خفيت على الأكثرين جدَّا، فلم تعد تعرف إلا بالاسم.

 

ولذلك جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بتوضيحها وبيانها ونشرها ودعوة الناس إليها، فأوضح سبحانه وتعالى بتلك المحاجة الحق الذي يجب التعويل عليه، ثم جاءنا بهذه الآيات ليزيل الموانع ويبطل الشبهات المعترضة في طريق هذا الحق، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يجابههم بقوله: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ ﴾، بدعواكم الاختصاص به، وزعمكم أنكم أبناؤه وأحباؤه، أو أنه لن يدخل الجنة غيركم.

 

ومن أين جاءكم هذا القرب والاختصاص أو هذه النبوة والجنة؟

﴿ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ ورب العالمين أجمعين فنسبة الجميع إليه واحدة دون تفريق، هو الخالق وهم المخلقون، وهو الرب وهم المربوبون، فلا يتفاضلون إلا بالأعمال البدنية والطهارة النفسية وإخلاص القلوب، فكل منا يقربه عمله أو يبعده.

 

﴿ وَلَنَا أَعْمَالُنَا ﴾ التي تختص آثارها بنا في الخير والشر ﴿ وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ كذلك، ولكن روح الأعمال كلها هو الإخلاص، فالإخلاص وحده هو الذي تظهر به جدوى الأعمال وفائدتها من انبعاثها، فإما أن يكون صاحبها مقربًّا من الله بصدق إخلاصه ومقاصده في أعماله، أو يكون مبعداً من الله لعدم إخلاصه وسوء مقاصده.

 

فالإخلاص في المقاصد هو الوسيلة الوحيدة لمرضاة الله سبحانه.

 

﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ من دونكم يا أهل الكتاب لأننا ملتزمون بوحي الله لم نقصر في تنفيذ أوامره، ولم نعمل على تحريف الكلم عن مواضعه، ولم نتكل على نسب، بخلافكم أنتم، فإنكم نبذتم كتاب الله وراء ظهوركم تارة، وحرفتموه حسب أهوائكم تارة، وجعلتم أحباركم ورهبانكم أرباباً من دون الله في التحكيم والتشريع واعتمدتم وتوكلتم على أنسابكم وعلى شفاعة أنبيائكم، واتخذتموهم وسطاء وشفعاء بدون إذن ولا برهان من الله، وهذا مع انحرافكم عن صراطهم، فكيف ترجون شفاعة ومنفعة من انحرفتم عن طريقه؟!!

 

يا للعقول وزيغة الأذهان، لا ينفعنا ولا ينفعكم إلا التقرب إلى الله بصالح الأعمال والتنافس فيها مع الإخلاص المبني على صدق الإيمان، وهو ما ندعوكم إليه الآن. فكيف تزعمون أن الانتساب إليهم ينفعكم؟ أو التوسل إليهم بالقول ينفعكم عند الله؟ هذا شيء مخالف للعقل الصريح والنقل الصحيح. إنه لا ينفعكم أبدأً إلا الاستقامة على طريقهم المرضية لله والموصلة إليه. وأما التوسل فلا ينفعكم أبداً إلا التوسل إلى الله بما كانوا يتوسلون به من صالح الأعمال والإخلاص فيها، فإن سلفكم لم يكن مرضياً عند الله إلا بذلك، ثم نسألكم يا أهل الكتاب: هل كان إبراهيم مقرباً من الله بسبب أبيه آزر الكافر؟ أم كان قربه وفضله بسبب إسلام وجهه لربه وإخلاصه له وصدق التضحيات في سبيله؟

 

ثم إن الله الذي جعل النبوة والكتاب في إبراهيم وجعله إماماً للناس في الإخلاص والإسلام، قد جعلها في محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا صح لكم يا بني إسرائيل إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن في سلفه العرب أنبياء، فأنكروا نبوة إبراهيم، فانه ليس في آبائه ولا أسلافه أنبياء فالعلة واحدة، وإذا كانت العلة واحدة فكيف لا يتحد المعلول؟

 

وحاصل معنى الآية إبطال جميع الشبهات لأهل الكتاب من زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم الناجون وحدهم، وما سواهم فله النار مهما أحسن في عمله أو أخلص، وأنهم الفائزون عند الله وإن أساءوا في العمل والقصد، لأن أنبياءهم هم الذين ينجونهم ويخلصونهم بجاههم، فالفوز عندهم حاصل بعمل أسلافهم لا بصلاح أنفسهم أو أعمالهم.

 

وهذا الاعتقاد هو هدم لدين الله الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين ودرج عليه من اتبع طريقهم وسنتهم، ذلك أن روح الدين الإلهي وملاكه هو التوحيد أو الإخلاص المعبر عنه بإسلام الوجه، فإذا زال هذا المعنى وحفظت الأعمال الصورية فإنها لا تفيد شيئاً، بل إنها تضر إذا انعدم التوحيد والإخلاص.

 

ولا شك أن أهل الكتاب كانوا قد أزهقوا هذه الروح من دينهم وصاروا على غير دين الله، فمن كان منهم على بصيرة عرف حقيقة الحال وعرف أن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - هو إحياء لروح الدين الذي أماتوه والذي كان عليه جميع الأنبياء والمرسلين، فاتبعه بعضهم وترك الجدال والمشاققة، وقليل ما هم، والأكثرون باقون على المشاققة والمحاجة بالباطل، فلذا يقارعهم القرآن بين الآونة والآونة، وقد تكرم الله علينا بدحضهم حيث علمنا أن نقول لهم: ﴿ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ ﴾ بما تدعونه من الافتراء عليه بالباطل ودعوى المحسوبية الكاذبة المخالفة لرحمته وعدله ﴿ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ ورب العالمين جميعاً، فنسبة الكل إليه واحدة وليس لكم أي ميزة لا علينا ولا على غيرنا، بل قد تكونون من أبعد الناس عنه، لأن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، فلا إدلاء لكم عنده إلا بصالح الأعمال وخالصها، ولنا أعمالنا التي تنفعنا ﴿ وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ كذلك ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ إخلاصاً أنتم له فاقدون.

 

وقوله سبحانه: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [140].

 

هذه الآية مرتبطة بما قبلها تمام الارتباط، وحرف (أم) هنا معادلة لما قبلها، وتقديره بأي الحجتين تتعلقون في أمرنا، هل تتعلقون بالتوحيد فنحن موحدون؟ أم باتباع دين الأنبياء فنحن المتبعون لهم من دونكم؟ أم تزعمون أن الأنبياء المذكورين من إبراهيم فما دونه كانوا هوداً أو نصارى قبل نزول التوراة والإنجيل؟

 

لاشك أن جميع أقوالكم مغالطة للحقائق، فهم إن زعموا أن لهم ميزة علينا بالقرب من الله فالله علمنا أن نصفهم بهذه الآية: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ يأبى عدله وتأبى رحمته محاباتكم أو محاباتنا دونكم، فلا يقرب أحداً عنده إلا الإخلاص والأعمال الصالحة، وإن زعموا أن امتياز اليهودية أو النصرانية التي هم عليها، لأن إبراهيم وذريته كانوا يدينون بأحدهما، فالله يكذبهم في ذلك، وهم يعلمون بقرارة أنفسهم أنهم كاذبون، لأن التوراة والإنجيل لم تنزل إلا من بعد هؤلاء بقرون كثيرة، بل حدث اسم اليهودية بعد موسى، واسم النصرانية بعد عيسى.

 

وقد قال الله تعالى في الآية (65) من سورة آل عمران: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ والإنجيل إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 65] وهم يعلمون تمام العلم أن اسمي اليهودية والنصرانية حدثا بعد هؤلاء، بل حدثا بعد موسى وعيسى عليهما السلام.

 

وإنما أنكر الله عليهم ذلك لعدة وجوه:

أحدها: لأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ثبتت نبوته بسائر المعجزات، وقد أخبر عن كذبهم في ذلك، فثبت أن كذبهم لا محالة فيه.

 

وثانيها: شهادة التوراة والإنجيل على أن الأنبياء كانوا على التوحيد والحنيفية.

 

وثالثها: أن التوراة والإنجيل إنما نزلا بعد هؤلاء الأنبياء إبراهيم وبنيه.

 

ورابعها: أنهم ادعوا ذلك من غير برهان، فوبخهم الله على ذلك بهذه الوجوه.

 

ولما كان هذا القول باطلاً من هذه الوجوه، لا جرم أورد الله هذا الكلام في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار، والغرض منه الزجر والتوبيخ، وأن يخبرنا الله عما في قرارة أنفسهم أنهم يعلمون أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون.

 

ولا شك أن هذه الآية الكريمة نزلت في إقامة الحجة عليهم بأنهم يعتقدون أن إبراهيم كان على الحق وأن ملته الحنيفية هي الملة الإلهية المرضية عند الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الأمر كذلك، وكانت هذه التقاليد التي تقلدوها غير معروفة على عهد إبراهيم، فما بالهم صاروا ينوطون النجاة بهذه التقاليد، ويزعمون أن ما عداها كفر وضلال، فهو سبحانه لا يثبت لهم القول بأن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، وإنما يقول: إنهم لا يقدرون على القول بذلك لأن البداهة قاضية بكذبهم.

 

ولذلك قال الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾؟ يعني أن الله أعلم، وخبره أصدق، وقد أخبر عنهم أنهم ليسوا هوداً ولا نصارى وإنما هم مسلمون، وإذا كان الله قد ارتضى للناس ملة إبراهيم باعترافكم وتصديق كتبكم، وذلك قبل وجود اليهودية والنصرانية، فلماذا لا ترضون أنتم تلك الملة الحنيفية المسلمة لأنفسكم؟ أأنتم أعلم بالمرضي عند الله، أم بما يرضيه؟ لا شك أن الله يعلم وأنتم لا تعلمون.

 

فإن قيل: إنما يصح هذا التساؤل: ﴿ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾؟ فيمن لا يعلم، وهم قد علموه وكتموه. فكيف يصح الكلام؟ قلنا: من قال إنهم كانوا على ظن وتوهم فالكلام ظاهر. ومن قال إنهم علموا وجحدوا فمعناه أن منزلتكم منزلة المعترضين على الله بعدم قبولكم لما ارتضاه الله من ملة الحنفاء إبراهيم وبنيه، تلك الملة التي لا يمكنكم إنكارها، فموقفكم إذن موقف المعترض فلا ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله أعلم.

 

أما قوله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ ففي هذا الاستفهام وجهان:

أحدهما: أنه متمم لما قبله من إقامة الحجة بملة إبراهيم، فكأنه يقول: إن عندكم شهادة من الله بأن إبراهيم وبنيه إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا على حق وكانوا مرضيين عند الله سبحانه وتعالى، فإذا كتمت ذلك لأجل الطعن في الإسلام فقد كتمتم شهادة الله وكنتم أظلم الظالمين، وإذا اعترفتم فإما أن تقولوا إنكم أنتم أعلم من الله بالذي يرضيه، وإما تقوم عليكم الحجة وتحق عليكم الكلمة إن لم تؤمنوا بما تدعون إليه من ملة إبراهيم وأحد الأمرين ثابت لا يقبل المراوغة من مغالط أو مباهت.

 

وثانيهما: وهو أطهر أن الشهادة المكتومة هي شهادة الكتاب المبشرة بأن الله يبعث فيهم نبياً من بني إخوتهم وهم العرب أبناء إسماعيل، وكانوا لا يزالون يكتمونها بالإنكار على غير المطلع في التوراة وبالتحريف على المطلع، فالله سبحانه يبين هنا بعد إقامة الحجة بإبراهيم على أن وهمهم حصر الوحي في بني إسرائيل باطل، لأن في التوراة شهادة صريحة بأن الله سيبعث فيهم نبياً من العرب، فكان دليلاً ثالثاً وراء الدليل العقلي المشار إليه بقوله سبحانه: ﴿ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾. والدليل الإلزامي المشار إليه بقوله: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى ﴾ فكأنه يقول: ما هؤلاء إلا مجادلون في الحق بعد ما تبين. مباهتون للنبي صلى الله عليه وسلم، مع العلم بأنه نبي، إذ ما كان لهم أن يشتبهوا في أمره بعد شهادة كتابهم له، فإذا كان ظلمهم لأنفسهم قد انتهى بهم إلى آخر حدود الظلم وهو كتمان شهادة الله سبحانه تعصباً لجنسيتهم اليهودية التي ارتبط بها الرؤساء بالمرؤوسين بروابط المنافع الدنيوية والأغراض النفسية. فكيف ينتظر منهم الإصغاء إلى بيان أو الخضوع لبرهان.

 

ولا شك أن الاستفهام هنا يتضمن التقريع والتوبيخ المؤكدين بالوعيد في ختام هذه الآية: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ فإن فيه الكلام الجامع لكل وعيد إذ من تصور أن الله تعالى عالم بسره وإعلانه، ولا يخفى عليه شيء من أمره، وأنه من ورائه مجازاة الله، إن خيراً فخير وإن شراّ فشر، لا يمضي عليه طرفة عين إلا وهو حذر خائف. ألا ترى أن أحدنا لو كان عليه رقيب من جهة سلطان يحصي عليه خطواته وما يقول لكان دائم الحذر والوجل مع أن رقيب سلطان الدنيا لا يعرف إلا الظاهر. فكيف بالرب الرقيب الذي يعلم السر وأخفى إذا هدد وأوعد بمثل ختام هذه الآية؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 111 : 113 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 114 : 115 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 116: 117 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 118: 119 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 130: 134 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 141 : 142 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 143 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 144 : 147 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (148 : 149)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 150 : 152 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 153 )

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب