• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (2)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة) (1)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة الفاتحة (5)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/12/2010 ميلادي - 24/12/1431 هجري

الزيارات: 11100

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبودية الله تنمي الأخلاق:

الثالث والتسعون: عبودية الله توجب رعاية الأمانة وحفظها، بجميع أنواعها، فيرعاها فيما كلفه الله من العبادات والشرائع بأدائها على الوجه الأكمل بدون تقص ولا استهانة، وإقامة وجهه لله فيها حنيفاً مخلصاً، وفي المعاملات يؤدي ما وجب عليه من حقيقة الوفاء بالعقود بدون بخس ولا مماطلة، وفي رعايته لأهله وأولاده يقوم بواجب الأمانة نحو الله بحسن تربيتهم على دينه وتوجيههم إليه، وإعدادهم للجهاد في سبيله، ثم رعاية الأمانات الواجب أداؤها إلى أهلها على كل قادر من المسلمين، أئمتهم وعامتهم، وذلك بإناطة كل شيء إلى أهله، فلا تسند وظيفة إلى غير كفئها، ولا يوكل عمل إلى غير أهله، فإن المحاباة في الأعمال والمناصب خيانة للأمانة، وفتح لأبواب الفساد والفوضى، وتعريض لكيان الأمة للخطر، وأي خيانة أعظم من غمط الحق بإبعاد أصحاب الكفايات ونسيانهم، واحتضان كل شرير ماجن أو حاقد أو خائن، أو تقريب بليد أو أرعن بسبب الرشوة أو الواسطة، وقد كشفت الأيام صدق التمثيل النبوي: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة)). قيل: يا رسول الله وكيف تضيع الأمانة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله))[1]. ولا شك أن هذا الإخبار منه معجزة له ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم. وقد جنى الناس أسوأ الثمرات؛ لتضييعهم الأمانة بهذا المعنى.

 

الرابع والتسعون: العابد للرحمن إذا خوفه خصمه بالله وذكره بآياته، وجل قلبه فأذعن للحق، ولم يجرؤ على التمادي في الباطل ليكون ممن قال الله فيه: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ﴾ [لقمان:  7] بل يطهر عقله من كل سلطان سوى سلطان الحق – تبارك وتعالى-،كي تستقيم فطرته على ما خلقها الله طاهرة نقية لا تكدرها الضغائن ولا يستفزها طعن، فيلتزم كلمة الحق في الغضب والرضا، كما أرشده نبيه صلى الله عليه وسلم ويكون ممن وصفهم الله بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الفرقان: 73].

 

الخامس والتسعون:

العابد لله لا يجعل الدنيا أكبر همه والمال غاية مقصودة يستذل به العباد، ويجعله أداة للحسد والبغضاء والضعة، ينهش به كرامة المستضعفين . ويحط من أقدارهم، أو يجعله وسيلة للتسلط وكسب الجاه والترشيات للحكم والمناصب، شأن المفتونين بعبادة الهوى، الساعين للعلو في الأرض، إذ الواجب الذي تقضي به العبودية المرضية هو ما ذكرناه في الوجه الرابع والثمانين وما بعده، فارجع البصر بتلك الوجوه بقوة الإمعان.

 

السادس والتسعون:

عبودية الله توجب على أهلها تربية أولادهم تربية دينية ينشئون بها على طاعة الله ومعرفة حدوده فيما أنزل، وإعدادهم للجهاد في سبيله، بتربية خشنة بعيدة عن أزياء الأعاجم والتخنث والميوعة، فلا يسمحون لهم أن يعيشوا بين أحضان الإغراء والفتنة التي تبثها أمواج الأثير والصحف الخليعة، وما إلى ذلك مما لا يجوز للمسلمين السكوت عليه، بل يجب عليهم الأخذ بيد ولاة الأمور، لإصلاح هذه البرامج؛ ليتسنى لهم تربية أولادهم وذراريهم تربية يعلنون بها واجبهم أمام الله ورسوله وكتابه، ويعتبرون أنفسهم حملة رسالة، لا يجوز لهم التقاعس في نشرها وتركيزها، مهما أقيم أمامهم من العقبات والمتاعب، ليكون بذلك ممن عمل على وقاية نفسه وأهله من نار وقودها الناس والحجارة، كما تستلزم عبودية الله.

 

السابع والتسعون:

وهو عدم السماح لعباد الله بوجود أي فراغ في جميع الأزمنة والأمكنة بين شيبهم وشبابهم؛ لأنهم بكمال إحساسهم نحو واجب ربهم ورسالته، يستغلون جميع أوقاتهم، ولا يفرطون في لحظة منها، بل يستغلون كل فراغ في العالم فيستبقون إلى إشغاله في ذات الله خشية أن يسبقهم المبطلون فيملئوه بالغي والضلال، ويكونوا مفرطين في جنب الله على فسح المجال لأعدائه بذلك، إذ واجبهم يقضي باغتنام كل فرصة واستغلال كل فراغ استغلالا صالحاً مرضياً لرب العالمين، بدلاً من أن يقتلوا الفراغ باللَّهو واللعب، والفسق والفجور، والمجون وقراءة الأساطير الحديثة التي تصد عن ذكر الله، وتشغلهم عن واجبهم نحو كتابهم، شأن المفرطين، الذين يحسبون أنهم يقتلون الوقت والوقت يقتلهم ،بل هم خلاف هؤلاء المفرطين ، يستغلون جميع طاقاتهم ولا يضيعون شيئاً من أوقاتهم، عالمين أن كل لحظة تمر بهم ليس لها عوض ولا قيمة سوى العمل المثمر بها، فيتحسرون عليها لو ضاعت سدى بلا منفعة تقربهم من ربهم، وبهذا الإحساس واصل السلف الصالح أعمالهم؛ ففازوا فوزاً عظيماً.

 

الثامن والتسعون:

عبودية الله لا تستقيم مع خيانة الله ورسوله في الإخلال بأوامره وعدم الانتهاء عن زواجره وتضييع حدوده، وضرب سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بعرض الحائط، ذلك أن الله حمل عباده الأمانة فيما كلفهم به من إقامة شرائع دينه وإيجاب نصرته وحمل رايته، فمن لم يقم بذلك خير قيام، ولم يجعله غاية اهتمامه، بحيث لا يشغله عنه مال ولا ولد، فقد خان الله ورسوله، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الانفال28،27 ]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9 ]فعبادة الله لا يحققها من اشتغل بأمواله وأولاده ومتعه وشهواته عن واجب الله ورسوله أبداً.

 

التاسع والتسعون:

عباد الله لا يزكون أنفسهم عن إعجاب بما فعلوه، فيتردون في الهاوية، بل يؤتون ما آتوا من صالح الأعمال وقلوبهم وجلة يخافون ألا تقبل منهم فيسارعون في الخيرات خشية ورجاء، أما الذين يزكون أنفسهم فقد افتروا على الله الكذب بدعوى ما لم يعلموا قبوله، تجرهم هذه النحلة إلى الإعجاب،الذي يجعلهم يتكلمون على ما عملوه ويفرحون بما أتوا، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، والذنوب يجر بعضها بعضاً، فلذا حق عليهم الوعيد لعدم استقامتهم على عبودية الله وشكره، والاستعانة به على ذلك.

 

المائة:

عباد الله هم الذين يمشون على الأرض هوناً، بتواضع وإشفاق من خشية الله، عارفين قدرهم ومهمتهم الثقيلة على وجه الأرض، ناظرين إلى الناس بعيني الحكمة والرحمة، ولاشك أن مشية الإنسان تنبئ عن صفاته أو بعضها، فالنفس الوقورة المطمئنة الجادة في الإحسان، القاصدة للخير، الراجية للثواب، المشفقة من العقاب، تؤثر صفاتها هذه على مشية صاحبها، فيمشي مشية مطمئنة معتدلة ، فيها وقار وسكينة ممتزجان بجد وقوة، لا بتكبر وخيلاء وتبختر، وليس معنى ذلك أنهم يمشون مشية الذلة والمسكنة التي ابتدعها بعض الصوفية والزهاد، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب لسرعته وقوته، ولكنهم يمشون مشية تتلاءم مع صفاتهم الطيبة المنبثقة من تقوى الله، فلا يشوبها شيء من مشية الجبارين المتغطرسين، تلك المشية الموسومة في الحديث النبوي بأنها مشية: المطيطاء.

 

وفي تلك السمة التي مدح الله بها عباده إعلام بحسن سيرتهم ومعاملتهم لأهل الأرض بما رسمه من قوام الإنسانية، التي زخر بها القرآن من الآداب الاجتماعية التي بها يتكون الإنسان الاجتماعي، لا الصور الإنسانية الممتلئة بالغش والافتراء والأنانية، تلك الصورة المشاهدة التي قرر فلاسفة بني جنسها أنهم مهما أبدعوا في المخترعات ومخروا المحيطات وطاروا إلى السموات فإنهم لايعرفون كيف يمشون على الأرض، بل الإنسانية المثلى تلك التي هي القدوة الوحيدة بالتقى والصلاح لما التزمت من آداب القرآن وأوامره التي يحصل بها ضبط الصلة بين عالم العقل وعالم المادة على وجه بَيّن، لولاه ما كانت زمنية تحيا روح الزمن كله، تلك الآداب والشرائع التي لا يراد بها إلا حرية المنفعة للنوع الإنساني كله، ثم الموازنة بين مقدارها وبين مقدار الحرية التي تنال بها؛ ليكون كل شيء في نصابه الاجتماعي دون طغيان، لأن إطلاق الحرية عبث وإفساد وإطلاق المنفعة ضرر أو ضرار كما هو المشاهد المحسوس اليوم من أعمال الذين ابتغوا غير الله حكماً، وأعرضوا عن هديه، وستكون مشيتهم وبالاعلى قومهم.

 

الحادي بعد المائة:

عبودية الله على هدى وبصيرة تقي أهلها من ضلالة الاحتجاج بالقدر على مايحدث في المجتمع من نزوات الأنانية وفساد الأوضاع وتفاقم الجشع وغلبة الشح؛ لأن الاحتجاج بالقدر وإقحامه في هذه النواحي لا يجوز، إذ هو تخرص على القدر كإقحامه في شئون الطاعة والمعاصي والإيمان والكفر، قال الله تعالى- ردًّا على من يحتج بالقدر-: ﴿ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾[الأنعام: 148 ].

 

فإن القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعائب، وما قُدّر من المصائب يجب الاستسلام له؛ لأنه من الرضا بالله، وأما الذنب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب وجب عليه الاستغفار والتوبة من المعائب التي ارتكبها، أو قصر في إنكارها ودفعها، والصبر على المصائب هو من باب الرضاء بقضاء الله وقدره، بخلاف المقضي الذي هو صنعة الإنسان، فلا يجوز تحمل شيء منه أو الرضاء به إلا حسب موافقة الشرع من العدل والحكمة، وما جرى على خلاف ذلك يجب مقاومته ودفعه حسب الاستطاعة، فعبودية الله تهدي أهلها إلى المسارعة في الخيرات، والتنافس على إقامة العدل يجميع صنوفه بالمبادرة إلى إصلاح المعائب، وتقويم الاعوجاج في أي ناحية، محتسبين ذلك من التواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، وليعلموا أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء بأسبابها، فيأخذوا بالأسباب متبعين كل سبب سبباً، مستعينين بالله جادين في العمل والإبداع وتسخير كل شيء واستثماره، طامحين إلى العزة والقوة والكرامة، لا يستكنيون إلى الذلة والفاقة احتجاجاً بالقدر وتأسياً بالضالين من خلقه الذين أنكر عليهم القرآن ذلك.

 

فبسلوكهم هذا مع استعانتهم بالله وتوكلهم عليه وعدم خشيتهم الأصنام البشرية أوتقديسها تصلح أحوالهم ويرتفع مستواهم ويعيشون عيشة الأحرار الأكرمين، لا عيشة الجبناء الأذلاء المحتقرين.

 

الثاني بعد المائة:

عباد الله يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، فلا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا ينتهبون الأموال أو يأكلونها بتسويل الحاكم أو إغرائه، ولاينتهكون الأعراض بمقاربة الزنا أو القذف؛ لأن هذه الأشياء مجانبة للعبودية، خارقة لحدود الله، مخرجة من طواعية الله ورسوله، كما أن إقرارها وعدم الغضب لله امتعاضاً منها مجلبة للخسران وخروج من الإيمان، فكيف بترويجها والإغراء على فعلها شأن أهل المدنية العصرية الناتجة من التلمذة على الإفرنج، الذي جرَّ إلى استحباب العمى على الهدى، والغواية على الرشد، والخبث على الحب، وإحلال الرذيلة محل الفضيلة، فأولئك من عباد الهوى والشيطان، لا من عباد الرحمن.

 

الثالث بعد المائة:

عبودية الله تحقق لأهلها الأمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ لأن جميع حركاتهم وسكناتهم منوطة بمراقبة رب العالمين، والوقوف عند حدوده بإعطاء كل ذي حق حقه دون غش ولا بخس ولا مماطلة، وذلك باتباع ما رسمه الله ورسوله من العدل والإحسان والصدق والوفاء والاحترام المتبادل حيث قال تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة:195]. وقال: ﴿ و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾ [البقرة:87]. وقال ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الشعراء:183]. وقال: ﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾ [النساء: 135].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به تكن مسلماً، وأحب للناس ما تحبه لنفسك تكن مؤمناً))[2].

 

وقال – أيضاً-: (( والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[3].

 

فالقائمون بعبودية الله هم أهل المدنية الصحيحة والحضارة النافعة، إذ هم الساعون للخير والصلاح والإصلاح.

 

الرابع بعد المائة:

عبودية الله توجب على أهلها رقابة الرأي العام والسلوك العام فيما بينهم، وهذا له قوة التأثير في المحافظة على الأخلاق، واختلاج الحياء لكل نفس (والحياء شعبة من الإيمان)[4] ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خير كله.

 

وكلما ازدادت هذه الرقابة ازداد الحياء في النفوس، وتغلغلت الفضيلة إلى كل بيت، وتضاءلت الجنايات والجنح أو انعدمت، ولهذا وصف الله عباده الصادقين بقوله: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ الآية [التوبة: 71].

 

الخامس بعد المائة:

عبودية الله تقتضي التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شي وفي كل ناحية من نواحي الحياة، وأن يتبع المسلم سننه، ولا يتعلل بقصر العمل والحجة على القرآن وحده، فإن هذا عمل الزنادقة الذين يريدون مسخ الإسلام، والإحاطة بشطره الثاني (السنة).

 

والسنة كالقرآن تماماً من حيث التشريع والعمل بها وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه))[5].

السادس بعد المائة:

يتضح في حصر الابتهال إلى الله بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ تحقيق لتوحيد الألوهية بجميع معانيه، والقيام بواجب العبودية من جميع صنوف العبادات التي تنتزع النفس من التعلق بماديات الحياة، وتوجهها إلى خالقها وفاطرها، لتستمد منه النور، وتستعين به على تسخير الماديات من أجل نصرة دينه، وعلى الوجه الذي يرضيه.

 

السابع بعد المائة:

يتضح في حصر الابتهال إلى الله بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قوة الإيمان بالغيب بحيث يكون كالمشاهدة، وذلك لأن المسلم المصدق بوحي الله يستعمل عقله أولاً بالاستبصار في نفسه وبني جنسه،كيف خلق؟ هل خلق من غير شيء؟ أو خلق نفسه؟ أو لابد له من خالق؟

 

فيتيقن أنه مخلوق من رب قادر مبدع لطيف حكيم أمده بالحياة، ورعاه رعاية تامة شاملة من البداية حتى النهاية.

 

وهو إن فكر في أرجاء السموات والأرض قادة تفكيره إلى هذه النتيجة أيضاً، وبهذا يقوى إيمانه بالخالق المبدع الذي يحس وجود وحدانيته ينطق بها كل مخلوق من مخلوقاته، فيراه بعين بصيرته لا بعين بصره.

 

الثامن بعد المائة:

من حصر الاستعانة بالله – تعالى- ينبعث التجرد عن السطحية ويتولد الفهم العميق لدور المسلم في هذه الحياة على أنه خليفة الله في أرضه، وأن الله سبحانه هيأه لهذه الخلافة والقيام بها، فعليه أن يخلف كما أمره الله، وأن يقوم بهذه المهمة دون تقصير أو تخاذل.

 

التاسع بعد المائة:

عبودية الله-سبحانه- تستلزم العلم النافع الذي يستيقن به العبد صحة ما أنزل إليه من ربه.

 

ذلك العلم الروحي الذي يعرف به أنه عبد مربوب تجب عليه طاعة ربه، وأنه مقيد بحدود وأحكام يحرم عليه تجاوزها، وأنه خاضع لهذه السلطة الربانية في كل حركة وسكنة من حركاته، وأنه لا يجوز أن يخضع لغير هذه السلطة أبداً، ولايسمح لأي فكرة مناهضة للإسلام بالظهور على وجه هذه الأرض.

 

وهذا العلم ضروري لصحة الأقوال والأفعال، وهو مقدم عليها، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد:19] وهذا الذي يورث خشية الله والقيام بواجبه.

 

العاشر بعد المائة:

في حصر الاستعانة بالله قوة معنوية تكسب العابد لله رباطة جأش وعظيم صراحة وجرأة، فلا يداهن ولايتصنع للناس في أي حال من الأحوال، بل يصدع بعقيدته ويجهر بدينه بحدود ما فرض الله دون الخروج إلى حد التهور، أو يخرجه من المقابلة بالحكمة إلى نقمة الهجوم ومرارة التحدي الذي يحل به الفساد بدل الإصلاح.

 

وليس معنى ذلك أن يكون كضعفاء الأنفس والإيمان ممن يسمون الجبن عن إظهار الحق حكمة، في حين هو خور وقلة إيمان.

 

الحادي عشر بعد المائة:

العابد لله والمحقق للاستعانة به والتوكل عليه لا يتصنع للناس بما يغضب الله، بل ولايتصنع خُلقاً ليس من سجيته.

 

فالمتصنع بما ليس من خلقه ولا دينه لا يدع فرصة لإظهار سخيمة نفسه إلا اغتنمها، وهذه عقوبة من الله يكشف بها سريرة كل مخادع.

 

فمتصنع المحبة والإنفاق سرعان ما يظهر حقده وبخله، وكذا متصنع الرفق والتواضع سرعان ما تظهر عظمته وغطرسته إذا سنحت له الفرصة.

 

في حين أن العابد لله تحصل له الاستقامة على مكارم الأخلاق، وكلما ازداد توكله على الله واستعانته به قويت شهامته وعزة نفسه فلا تزلزلها الأحداث، ولا تصرفها كثرة المال عما تدرعت به من الحق.

 

الثاني عشر بعد المائة:

كما أن الضراعة إلى الله بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ مؤذنة بحب الله، والتعلق به، والرغبة إليه، وحسن الظن به.

 

ومنها: إخلاص الاعتقاد، وبراءة من الشرك بجميع أنواعه، والابتداع بشتى أصنافه، والالتزام الكامل بوحي الله قرآنًا وسنة، فهذا هو الحق وغيره هو الضلال، وهل بعد الحق إلا الضلال؟!!

 

الثالث عشر بعد المائة:

الابتهال إلى الله بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ يجب أن يكون صادراً عن محبة صادقة لله، الذي يجب أن يكون أعلى وأغلى محبوب، وذلك بداعي الفطرة والشرع والعقل الصحيح، فإذا صدر ذلك عن محبة صادقة حصل مفعوله الذي لا يقاومه شيء في الدنيا مهما كان ذلك.

 

إن كمال العبودية تابع لكمال المحبة، وكمال المحبة تابع لكمال المحبوب، والله – جل وعلا –له الكمال المطلق من كل وجه.

 

الرابع عشر بعد المائة:

بحصر العبودية والاستعانة بالله براءة مما سوى الله، مهما كان هذا الشيء ومهما كانت هذه القوة.

 

كما أن فيها إعلان العزيمة الصادقة بالإقبال على الله وجعل أوقاته كلها في طاعته، وتكريسها في العمل المثمر الجاد الذي يعود على العبد ومجتمعه بالنفع العميم.

 

الخامس عشر بعد المائة:

في حصر العبودية والاستعانة بالله نجاة من اليأس والقنوط وتحصيل أضدادها التي هي خير وهداية والتي هي قوة الثقة واليقين بالله، فتحصل للمسلم صفات الفتوة المحمدية المطلوبة منه شرعاً وعقلاً.

 

السادس عشر بعد المائة:

في حصر استعانة العبد بربه تأكيده الإقدام على كل عمل مُرْضٍ لله بنشاط، وأن يقاوم المصاعب والمتاعب في سبيل ذلك، فلا تضعف همته، ولا تلين عريكته؛ لأنه يشعر أن الله معه ينور بصيرته ويسدد خطاه ويصوب رميته.

 

السابع عشر بعد المائة:

الضراعة الصادقة من المؤمن الصادق بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ منبثقة من أصلين ينبني عليهما جميع ما قدمناه وما سنذكره أيضاً:

أحدهما: أن الإيمان بالله وتحقيق عبوديته بصدق وإخلاص هو غذاء الإنسان الروحي وقوته وصلاحه وقوامه وفلاحه، وهذا يخالف قول المبطلين: إن العبادة تكليف ومشقة تخالف مقصود القلب ولذته، وما هي إلا مجرد ابتلاء.

 

ثانيهما: أن تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه إذا زاد على قدر حاجته المعينة له، فإن من نال من الطعام والشراب فوق حاجته ضرّه أو أهلكه، وكذلك من النكاح وغيره حتى الدواء والعسل، ومن أحب شيئاً وتتيم به، فلا بد أن يسأمه أو يفارقه، فالضرر حاصل إن وجد وإن فقد، بل قد يحصل له من الضرر بالفراق أكثر مما حصل له من اللذة قبل ذلك، وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله، فإن مضرته أعظم من نفعه، وعذابه أعظم من نعيمه، بل في الغالب يعاقبه الله به، فالعبد لا ينفع ولا يضر، ولا يعطي ولا يمنع إلا بإذن الله ودفعه وتسخيره، فالأمر كله لله أولاً وآجرا وظاهراً وباطناً ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود:56].

 

الثامن عشر بعد المائة:

بتحقيق عبودية الله تتوافر الشجاعة بصفة كاملة شاملة، وذلك بمخالطة الإيمان بشاشة القلوب، وإشرابها حب الجليل الجميل المنعم المتفضل، واطمئنانها لوعده، وتلذذها بالمسارعة لما يرضيه والشوق للقائه، وكون عبد الله يعلم ويجزم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه.

 

التاسع عشر بعد المائة:

بتحقيق عبودية الله يحصل للعابد الاعتدال في جميع أحواله وسلوكه، فلا يطغى بالثراء والمنصب؛ لأن عباد الله وسط بين الإفراط والتفريط.

 

العشرون بعد المائة:

العابد لله لا يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة أعين دخيلة، أو بطانة من غير المؤمنين يُسرون إليهم بالمودة، ويطلعونهم على عورات المسلمين، ويتخذون منهم وسيلة للصد عن سبيل الله بما ينشرونه أو يذيعونه ضد المؤمنين، وضد الإسلام وأحكامه، واللمز بالدعاة والإغراء بتعذيبهم وقتلهم.

 

فالعابد لله حقًّا لا يتخذ أحداً من هؤلاء وليجة يلج بها إلى مصالحه وشهواته النفسية بأي حجة وأي علاقة، ولا يدور من خلف جماعة المسلمين ويتصل بخصومهم، كما هو شأن كثير من المنتسبين للإسلام في زماننا، فهذا يخرج المسلم من عبودية الله إلى عبودية من يهواه.

 

الحادي والعشرون بعد المائة:

تحقيق العبودية يتطلب احتمال الأذى في سبيل الله والجرأة في الحق، وقوله كلمة الحق دون خوف من ظلم أو رهبة من سلطان، ولذا قال صلى الله عليه وسلم )): أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر))[6].

 

الثاني والعشرون بعد المائة:

تحقيق العبودية الصادقة يستلزم محاسبة النفس بشكل دائم ومستمر، محاسبتها على الأقوال والأفعال والنيات، ليبقى العبد في ذلك كله متفقاً مع وحي الله – سبحانه -، ومحاسبة النفس دليل على الشعور بالرقابة الإلهية، وبلوغ العبد مرتبة الإحسان ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))[7].

 

الثالث والعشرون بعد المائة:

في حصر الضراعة الصادقة بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ تخليص للنفس من عبادة آلهة شتى، وتحرير لها من رق الهوى والشهوات وارتفاع بها من الأنانية والانتهازية إلى شرف الصدق والإخلاص، المكون للإنسانية الحقة، وإذا حصر العبد اتجاهه إلى الله في سائر نواحي حياته وجميع أموره فقد خلص نفسه من كل رق وأسر، وكان قلبه خالياً مما سوى الله ومنشغلاً بحب الله ورسوله وتعظيمهما، فلا يكون لشياطين الجن والإنس عليه سبيل، فيتحرك حيث أمره الله مستجيباً، لله لا يحركه أحدا من شياطين الإنس، ولا يستجيب لأحد من طواغيت البشر المضللين، الذين يلعبون على العواطف بشتى أنواع الدجل والتلبيس، ويوجهون الناس إلى ضروب من الجاهلية الجديدة، باسم القومية الفلانية تارة، والمذهب المادي الفلاني تارة، والحركة الثورية تارة، والمبدأ الفلاني تارة، وغيرها مما زادت به فتنتهم، وفي كل مجتمع لا يحقق أهله القيام بمدلول هذه الآية التي هي محض معنى (لا إله إلا الله). وقد أخبر الله بأن الفتنة عن الدين أشد جريمة من القتل وأكبر، كما أخبر في الآية [37،36] من سورة (الزخرف) أنه يقيض للمنحرف عن عبادته شيطاناً يكون قريناً له، يصده عن سبيل الحق ويصرفه إلى كل باطل، ومن هنا يأتي:

 

الرابع والعشرون بعد المائة:

وهو أن عبادة الله ضرورة اجتماعية كما هي فطرة أساسية في الإنسان ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30] لأنه لابد للإنسان منها ، فإن سلك منهجها الصحيح كملت إنسانيته، وقويت شخصيته، وتحرر التحرر الصحيح الذي يرتفع به عن مستوى البهائم، وإن لم يسلك ما رسمه الله لعبادته في سائر نواحي حياته؛ فإن أمره سينعكس مهما حاول خلافه، فإنه إذا لم يحقق عبادة الله ويحصر اتجاهه إليه في كل شيء؛ استعبده الهوى والمادة، واستحوذ عليه شياطين الإنس بشتى أنواع المبادئ والمذاهب المادية والعصبية والنفعية، فتستعبده طواغيت الهوى وشياطين الإنس من اليهود وأذنابهم، كما حصل فعلاً لمن ينقاد لـ (كارل ماركس، وتروتكسي) اليهوديين اللذين نبشا مذهب (مزدك) اليهودي القديم، أو من يقدس (نيتشه، وداروين، وفرويد) وغيرهم من طغاة اليهود وملاحدة النصارى، ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بغير دين يدين به، وشيء يتألهه، إلا إن استطاع أن ينخلع من كيانه ودوافعه أو ينتزع نفسه من الحياة الكونية، ولن يستطيع ذلك كما سنفصله في سورة الأنعام آية (71) ويونس(66) والرحمن (33)-إن شاء الله-.

 

والإنسان إذا لم يتجه إلى الله ولم يخضع لسلطانه فقد كفر به وآمن بما سواه من طواغيت المادة والشهوات، فإما أن يؤلُه نفسه أو يؤلُه إنساناً مثله من رواد المذاهب والمبادئ كما أسلفنا، وماذا وفر الناس على أنفسهم حين كفروا بربهم؟ آمنوا بأنفسهم وكانوا عبيدا لأهوائهم فكلفهم أعظم مما يكلفهم دين الله به أضعافاً مضاعفة، وتسلطت عليهم الأنانية المسعورة، التي زادت بؤسهم وشقاءهم، وجعلتهم يتقلبون من حرب إلى حرب أفظع، ومن ظلمة إلى ظلمة، مهما غالطوا أنفسهم وزعموا أنهم في عصر العلم والنور، فهم في عصر الجهل المركب، والمفاهيم المعكوسة التي جلبت عليهم الصراع والحروب الباردة والكاوية بين آلهة تلك المبادئ والمذاهب، التي آمن بها من رفض الإيمان بالله، واستجاب لأربابها من أعرض عن حكم الله، فالفرد الذي يعيش لنفسه، إنما يؤله ذاته في سلوك ما يريد، فإنه يزن الأمور وفق مصلحته الشخصية وآرائه السطحية، وقد يتسع أفقه فيهتم بأسرته أو يزداد اهتمامه إلى شعبه، بل إلى محسوبيه من شعبه، ومن هنا حصلت البلايا والفتن والمحن، وازداد الشقاق الذي لا نجاة منه أبداً إلا بالرجوع إلى الله، في كل ورد وصدر.

 

والناس الآن على هذا النحو لم يتحرروا من الانقياد لإله ومن التقيد بدين كما يزعمون، بل وقعوا في عبادة آلهة شتى، ودانوا بباطل الهوى المتنوع الذي يطالبهم به الله أرحم الراحمين، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء:122]، ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان:44،43]، والأنانيون يقيدون أنفسهم بوجوب إرضاء مطالبها وتنفيذ رغباتها فوراً على أي حساب كانا دون اعتراف بحواجز أو اعتراف بأي حق لغيرهم؛ لأنهم أمام إلحاح من ضغوط مزاجهم السقيم، لا يستطيعون تأجيله، أو إلغاء بعضه، ولا يبالون بما يكلفهم من أثمان، ولا بما يجرون على البشرية من المجازر وإهدار الكرامة.

 

ذلك أن النظرة المادية للحياة نظرة من شأنها أن تباعد بين الإنسان وبين ما فيه من خصال الخير المفطور عليها، وتسلخه من كل طيب حتى تمسخه شيطاناً أثيماً، وتجعله عدواً لبني جنسه، بل عدواً لنفسه من حيث لا يشعر - والعياذ بالله -فيكون من شر البرية، بل من شر الدواب، كما وصفه الله في عدة سور من القرآن، وكل هذا نتيجة الانفلات من عبادة الحق رب الخلق إلى عبادة الباطل من الهوى والشياطين المختلفة.

 

فالعالم المعرض عن الله في هذا الزمان والمتخلف عن تحقيق عبادته يسيره في كل موقع أناس مسعورون تؤرقهم رغباتهم وشهواتهم، ويفرضون على الناس حبهم وتعظيمهم بشتى أنواع الدجل والتضليل، بحيث أصبح أغلب العالم أو كله مابين إله مشرع متسلط، وبين عبيد منفذين يساقون كالأنعام، فالله – جل وعلا – عاقب من لم يخضع لألوهيته بآلهة لا تقبل معذرة ولا ترضى بتسويف، وسلط على الملاحدة أهواءهم الضخمة ومحبوبيهم من دونه، فحملوهم ما لم يحملهم الله الذي لا يكلف نفساً إلا وسعها، وجعلهم يتحملون كثيراً من الأهواء والمخاطر في سبيل عبادة هواهم، ويتنازلون عن كثير من حقوقهم، وينحدرون بأنفسهم إلى ما يترفع عنه أولو الألباب الذين وصفهم الله، ويعيشون في جحيم من الاضطراب والتخليط في سبيل عبادة الهوى، ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:117].

 

إنهم صم عن الحق فلا ينفذ إلى مسامعهم، وبكم لا ينطقون به، وقلوبهم في عمى عن نور الله، إنهم هربوا من العبادة الصحيحة والدين القيم إلى أديان باطلة بأسماء مزخرفة يسيرها أرباب متفرقون مشيطنون بالدجل والتسلط، وتملكوا على مشاعر أتباعهم، وصادروا منهم كل عقل وتفكير ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾.

 

وإنما قلنا: إن عبادة الله ضرورة اجتماعية، وفطرة أساسية؛ لأن الإنسان في هذه الحياة محتاج إلى عقيدة ونظرية يسعى على ضوئها، كما أنه لابد له من الخضوع لشيء ما والتعلق به، وإن الإنسان ساعٍ كادح، فإما أن يسعى فيما يسعده ويكدح إلى ما ينفعه أو يسعى فيما يشقيه ويخزيه، ويكدح لمن يستغله ويضنيه.

 

وقد أثبت التاريخ أن لكل جماعة من البشر نظريات في تعليل هذا الكون وفلسفات يتمذهبون بها، وقوة تهيمن عليهم في سلوكهم، فإما أن يكون ذلك مرتكزاً على الحدس والتخمين، وتكون القوة ظاهرة عليهم وقاهرة لهم، من تسلط بعضهم على بعض، فهؤلاء يدورون من نظرياتهم في حلقة مفرغة، ينتابهم فيها التغيير والتحريف، ويشقون تحت سلطة من خضعوا له من الدجاجلة والطواغيت، ومثل هؤلاء، تتجارى بهم الأهواء وينتقلون من سيئ إلى أسوأ لما تجرهم نظرياتهم ودجاجلتهم إلى عبادة الهوى والمادة، فيكونون على الحال التي وصفناها، والتي تفاقم شرها في هذا الزمان.

 

وإما أن تكون نظرياتهم منبثقة من مشكاة النبوة ووحي رب العالمين، وخضوعهم للقوة القاهرة العليا الناشئة من الإيمان بالغيب، فهؤلاء هم الموفقون لعبادة الله والذين يحييهم الله حياة طيبة، كما وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ومن هنا كانت عبادة الله ضرورة اجتماعية حتمية وفطرة أساسية، من تنكب عنها فقد ضل سعيه في الحياة الدنيا، وشقي بنفسه وشقي معه من يدور في فلكه، إذ لا صلاح لأهل الأرض إلا بتحقيق عبودية الله على الوجه الصحيح؛ لينالوا الخير في الدارين.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه برقم(59)من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

[2] لم أجده بهذا اللفظ.

[3] أخرجه البخاري (13), ومسلم رقم (45). كلاهما من حديث أنس رضي الله عنه.

[4]أخرجه البخاري(9), ومسلم في صحيحه رقم (9) كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] أخرجه أحمد (4/130) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه.

[6] هذه الفقرة رويت من حديث أبي أمامة , وطارق بن شهاب, وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم .

فأما حديث أبي أمامة فأخرجه ابن ماجه(4012) وأحمد(5/251) وغيرهما , ومداره على أبي غالب عن أبي أمامة وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي غالب, ضعفه البوصيري في الزوائد وابن عدي في الكامل(6/369).

وأما حديث طارق بن شهاب , فأخرجه النسائي (7/161), وأحمد (4/314) ومداره على سفيان الثوري عن علقمة عن طارق به.

وطارق بن شهاب له رؤية فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليست له رواية , وعلى هذا فقد قال العلائي وأبو حاتم وغيرهما : أ ن هذا الحديث مرسل, انظر جامع التحصيل (1/200), والمراسيل لابن أبي حاتم(1/98).

وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد (3/19) , وأبو يعلى (2/353) رقم (1101)من طريق علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري به, وفي إسناده علي بن زيد وهو ضعيف.

[7]متفق عليه : أخرجه البخاري(50), ومسلم (9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الفاتحة (1)
  • تفسير سورة الفاتحة (2)
  • تفسير سورة الفاتحة (3)
  • تفسير سورة الفاتحة (4)
  • تفسير سورة الفاتحة (6)
  • تفسير سورة الفاتحة (7)
  • تفسير سورة الفاتحة (8)
  • تفسير سورة الفاتحة (9)
  • تفسير سورة الفاتحة (10)
  • تفسير سورة الفاتحة (11)
  • تفسير سورة الفاتحة (13)
  • تفسير سورة الفاتحة (14)
  • تفسير سورة الفاتحة (15)
  • تفسير سورة الفاتحة (18)
  • تفسير سورة الفاتحة (19)
  • تفسير سورة الفاتحة (20)
  • الفاتحة (السبع المثاني والقرآن العظيم)
  • تفسير سورة الفاتحة (21)
  • تفسير سورة الفاتحة (22)
  • تفسير سورة الفاتحة (23)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 17 : 24 )
  • التبيان من تفسير كلام الرحمن - الفاتحة
  • تفسير سورة الفاتحة

مختارات من الشبكة

  • أسرار الفاتحة (1) اعرف ربك من خلال سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من مائدة التفسير: (تفسير سورة الفاتحة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير سورة الفاتحة للأطفال(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تيسير الإعراب لآي الكتاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء سورة الفاتحة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • مجلس في تفسير الفاتحة من تفسير ابن جزي المالكي الغرناطي(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب