• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / ملف الحج / خطب الحج


علامة باركود

البيت العتيق عظمة وتاريخ

د. مراد باخريصة


تاريخ الإضافة: 22/10/2012 ميلادي - 7/12/1433 هجري

الزيارات: 93872

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البيت العتيق عظمة وتاريخ


أيها المسلمون عباد الله:

في هذه الأيام يتهيأ الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لشد الرحال إلى البيت العتيق ويستعدون لتلبية نداء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنه الشوق والحنين إلى بيت الله الحرام.

 

هذا البيت المبارك الذي نؤمه كل يوم وليلة خمس مرات وتتصل قلوبنا به عند كل صلاة وتحن إليه أفئدة المؤمنين وتهفوا إليه مشاعرهم وأحاسيسهم فلا ينقطع شوقهم عنه حتى يروه ويتوجهوا إليه ويمتعوا أبصارهم بالنظر فيه والطواف به وتقبيل أركانه.

 

هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله وأول مسجد أقيم لإقامة الصلاة يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران 96: 97] فوصفه الله سبحانه وتعالى بأنه بيت مبارك وأنه هدى للعالمين وأن فيه آيات بينات وأن من دخله كان آمناً يقول أبو ذر رضي الله عنه يا رسول الله أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: ((الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ((الْمَسْجِدُ الأَقْصَى)) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: ((أَرْبَعُونَ سَنَةً)) رواه البخاري ومسلم.

 

عباد الله:

إن الكعبة ما فضلت لجمال جدرانها أو فخامة كسوتها وثمنية بابها وميزابها وإنما فضلت الكعبة لموضعها فقد جعل الله موضعها مباركاً وفضله على غيره من البقاع وشرع فيه عبادات خاصة كالطواف وتقبيل الحجر الأسود.

 

إنها بيت شامخ وصرح عالي وبناء رافع البنيان ثابت الأركان في حفظ من الله وأمان رفع قواعدها خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام.

 

إن شعوب العالم أجمع يحسدوننا على هذا البيت ويتعجبون من ازدحامنا عليه وسفرنا إليه وطوافنا به ويحتارون من اجتماع أكثر من مليونين مسلم حوله ويتسائلون لماذا تطير قلوب المسلمين شوقاً له ويتحملون المشقة والتكاليف الباهظة من أجل زيارته ويتركون أولادهم ولذائذهم لأجل الوصول عنده ويقول الكفار بعضهم لبعض ماذا لو تجمع هؤلاء حول دينهم وعادوا إليه واعتصموا به وضحوا في سبيله.

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الحج: 26]، ويقول سبحانه:﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 97]، كم من دعوات رفعت حول الكعبة وكم من عبرات سكبت أمامها وكم من قلوب تقطعت شوقاً تريد التعبد عندها وكم من أناس ضحوا بأعز ما يملكون لأجل الوصول إليها ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37].

 

جاء أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومعه زوجته هاجر أم إسماعيل؛ وهو يومئذ رضيعاً فوضعهما عند البيت عِنْدَ شجرة كبيرة في مكة وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَاكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى مُنْطَلِقًاً إلى الشام - فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟!! فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، فجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ وهو المكان المرتفع، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ،،وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، فجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى ويتقلب على ظهره وبطنه كالذي ينازع من شدة العطش ويتمرغ في الأرض من الظمأ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ جبل الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا وهي تسَعْى سعي الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَ وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: ((فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا)) فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ أي اسكتي كأنها تخاطب نفسها ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ الصوت مرة أخرى فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ -أغثني إن كان عندك خير- فَإِذَا هِيَ بجبريل عليه السلام - عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أي بمؤخر قدمه- أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ، حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ -أي تجعله مثل الحوض- وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ ويزيد، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ)) -أَوْ قَالَ: ((لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ - لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا)) -أي ماء ظاهراً يجري على وجه الأرضَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا جبريل: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِيه هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ فَكَانَتْ هاجر أم إسماعيل تتغذى بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب.

 

وبينما هي في ذلك المكان إذ مر أناس مِنْ قبيلة جُرْهُمَ كانوا مسافرين في طريقهم فَرَأَوْا طَائِرًا يحوم فوق الوادي- فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، وما عَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي مَاء، فَأَرْسَلُوا واحداً منهم فنزل في أسفل الوادي فإذا هو بالماء فرجع فأخبرهم فأقبلوا فإذا هم بأم إسماعيل ورضيعها عند الماء، فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، وَشَبَّ إسماعيل عليه السلام وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ فأعجبوا به لأنه كان أَنْفَسَهُمْ فرغبوا في مصاهرته فزَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أمه أُمُّ إِسْمَاعِيلَ. - فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا-أي يصطاد لنا- ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، - كالمستخفة بشأنه - فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا (غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ) يعني طلق امرأتك فإنها لا تصلح لك فطلقها. وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى. - فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ أن يلبث، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ.

 

ثم قَالَ لها: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ -وجد ريح أبيه- فقَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ - ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ إبراهيم مَا شَاءَ اللَّهُ أن يمكث، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ عليه السلام يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ شجرة قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟!! قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:127].

 

فلما فرغ من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قال الله عز وجل له: يا إبراهيم أذن في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعلي البلاغ،: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه الناس في مشارق الأرض ومغاربها.

 

﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من القصص والعظات والذكر الحكيم أقول قولي...

 

الخطبة الثانية

ترك إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابنه إسماعيلُ في مكة، ولكنه لم ينسه ولم يغفل عنه وإنما كان يعاوده بالزيارة من حين إلى آخر، وفي إحدى هذه الزيارات رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن الله يأمره بذبح إسماعيل الذي كان يحبه حباً جماً فلم يتردد إبراهيم ولم يتعذر بأنه في سن الشيخوخة ولم يثنه عن عزمه أن إسماعيل ابنه الوحيد ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات:99-112].

 

إنه امتحان صعب أن تؤمر بذبح ابنك، إنه الذبح، وأنت الذي تذبحه ومن؟ إنه ابنه الوحيد هكذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يختبر إبراهيم ليعلم مدى طاعته للأمر وتضحيته في سبيل الله فصار ذبح الأضاحي ونحر الهدي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

 

إن المؤمن حينما يرى البيت العتيق فإنه يتذكر نبي الله إبراهيم الذي بنى هذا البيت وعندما يرى الحجاج يسعون بين الصفا والمروة يتذكر سعي هاجر أم إسماعيل وهي تبحث عما ينقذ ابنها من الهلاك. وعندما يراهم يشربون من زمزم، يتذكر ذلك الموقف العظيم لأم إسماعيل مع جبريل عليه السلام وكيف فجر الله هذا الماء، وعند ذبح الهدي، يتذكر إسماعيل الذبيح، وكيف فداه الله بكبش عظيم.

 

عباد الله:

استقبلوا العشر الأولى من شهر ذي الحجة بالإقبال على الله والإكثار من الأعمال الصالحة فإنها خير أيام السنة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما العمل الصالح في أيام أفضل من هذه الأيام قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".

 

ومن أراد أن يضحي فليمسك عن أشعاره وأظفاره إذا دخلت العشر ولا يأخذ منها شيئاً حتى يضحي كما أمرنا بذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم.

 

المصدر: مدونة الشيخ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- بارك الله فيكم
أبوعبدالرحمن الازهرى 15/05/2013 07:28 PM

بارك الله فيكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة