توجيهات للحاج

توجيهات للحاج

الحمد لله الذي أمر خليله ببناء بيته الحرام، وجعله مثابة للناس وأمنا، يترددون إليه بالتواضع وملابس الإحرام.

تركوا أوطانهم وهجروا بلادهم حاملين الزاد ساكني الخيام، هان عليهم السفر لما دعاهم الداعي إلى المسجد الحرام.

فسبحان من أيقظ الهمم وحرك المشاعر نحو المشاعر، من استجار به كفاه ومن انطرح ببابه أكرمه وآواه ومن لاذ بحماه فلا يهضم ولا يضام.

يا من اشتاقت نفسه للحج، يا من استعد وتأهب لشد الرحال افرح بفضل فأنت ذاهب إلى أفضل بقعة، مكان طاهر معظم، ما من نبي إلى وحج بعد إبراهيم - عليه السلام -، وأبشر بالخير، فالحجاج والعمار وفد الله - تعالى -، دعاهم فلبوه رضا ومحبة، فلما دعوه كان أقرب منهم.

لما بناء إبراهيم البت أمره الله أن يؤذن بالناس ليحجوا فقال يا رب: ومن يلغ صوتي؟ فقال: نادهم وعلي البلاغ.

فنادى فأسمع الله - تعالى - صوته الناس والجن فقالوا: لبيك اللهم لبيك.

الفضائل كثيرة والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه..

لكن أين المشتاق؟

بيت معظم مكرم فيه آيات بينات، وأماكن تجاب فيها الدعوات، والرب - تعالى - يباهي ملائكته بأهل عرفة، يقول: ((انظروا لعبادي أتوني شعثا غبرا، أشهدكم أني غفرت لهم)).

يا من يدعى للحج أو المغفرة فلا يجيب أما تخشى أن تكون ممن قال الله فيهم: ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم.

إن من وفق للذهاب للبيت العتيق فقد تعرض لنفحات الخير والرحمة من الرب - سبحانه -.

أما من جلس وهو معذور فلسان حاله يقول:

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر وقد راحوا ومن أقام على عذر كن راحا

فهنيئا لمن حج بيت الهدى وحط عن النفس أوزارها.

أيها الحاج إليك بعض الوصايا والتوجيهات:

1- أن يسأل الحاج عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع وضوح حجة النبي واستفاضتها تجد المخالفات والبدع والأخطاء بسبب الجهل والتقليد وعدم السؤال.

2- اسأل عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تشغل نفسك بالتقليد واتباع، المذاهب مع كونها على العين والرأس فكلهم من رسول الله ملتمس، لكن لا تشتت ذهنك وتذكر: ((خذوا عني مناسككم)).

3- ينبغي تتبع دروس الحج في الإذاعة ووسائل الإعلام والخطباء على المنابر فهو حدث ضخم عظيم يوحد المسلمين، وله أسرار عظيمة لابد أن يتحدث عنها الناس ليعلموا أن الحج ما فرض إلا لحكمة عظيمة (ليشهدوا منافع لهم).

4- على من يريد الحج أن يتعلم المناسك؛ لأنه سيذهب لمشروع العمر بعده ختم عظيم: ((رجع كيوم ولدته أمه))، ألا يجدر بعد ذلك بالحاج أن يضبط المناسك ويحضر الدروس والمحاضرات، وأن يقرأ في الكتب المعتمدة وما أكثرها، وبعض الناس يعتمد على المشايخ يسألهم وقت الحج وهذا لا يتيسر في كل وقت.

5- أن يختار الصحبة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه، وأن يتعاونوا على تطهير نفوسهم ونقاء الحج من الشوائب والبدع والمحرمات.

6- من المفاهيم الخاطئة في الحج ظن بعض الناس أن الحج لا يصح إلا من متزوج، كذلك عدم التفريق بين الركن والواجب والشرط والسنة، وهذه ألفاظ شرعية ينبني عليها أحكام كثيرة لا بد للحاج من معرفتها والسؤال عنها.

افعل ولا حرج: هذه قاعدة عند بعض الحجاج فيقدم على أي مخالفة أو محرم، أو تضييع المناسك أو التساهل فيها، والحديث إنما ورد في الصحيحين في تقديم بعض الأعمال على بعض يوم العيد لحاجة الناس.

البعض يدقق ويسأل عن أمور نادرة ويسيرة وربما شاذة أو عن شيء لم يقع وهذا حرص يحمد عليه فبعضهم يقول: أغمضت عيني فسقطت شعرة من الرموش أو حككت رأسي فسقطت شعرة، أو يكلف نفسه بأعمال لم يشرعها الله - تعالى -، أو المجال فيها واسع مثل لقط حصى الجمار من أي مكان بعضهم ينقل الحصى معه من مزدلفة، وربما يرجع لو سقطت منه حصاة، وفي الوقت ذاته يقعون في محرمات عظيمة من الطواف بالقبور أو الوقوع في بدع خطيرة، أو الرياء أو ظلم الناس، أو إهمال الصلاة وهذا كما قال ابن عمر: "عجبا لكم...".

ومن المفاهيم الخاطئة: سؤال أي متدين في الحج يظن أن ذمته تبرأ بذلك فلا بد أن يعرف من يسأل، ويظن البعض أن الحج يسقط حقوق الناس، فالصواب أن الحج لو غفر لصاحبه فإنه يجب عليه أن يرد المظالم.

واحذر من تسرع الإنسان في الفتوى وهو ليس أهلا لها؛ فقد يضر غيره ويقع السائل في حرج، أو يحرم عليه حلالا أو يحل حراما.

تكثيف الدروس للنساء؛ لأن بعض الحجاج يذهبون بنسائهم ولا يكون معهم داعيات في الحملة، أو عندهم داعية وصوته لا يصل للنساء؛ لضعف إمكانات الحملة، فتبقى المرأة جاهلة بالمناسك ومن حقها العلم والتعلم.

أخي الحاج: لا تنتظر أحدا يدلك على أبواب الخير فالمجال واسع في الحج من ختم القرآن، وكثرة الصدقات وتوزيع الوجبات على الحجاج، وتوزيع الكتب والأشرطة النافعة، مع الإحسان للناس بالترك والفعل.

وتصور أنك تودع حياتك وأن هذه السنة آخر سنة لك في الحج، مما يعينك على الإحسان والإكمال والتمام.

على كل أفق بالحجاز ملائك تزف تحايا الله والبركات أرى الناس أصنافا في كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات

جاءوا من كل فج عميق وبعضهم مريض أو كبير.. لكن

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

أما من حرم وجلس وتخلف عن الركب، ركب لبيك الله لبيك

إلهنا إلهنا ما أعدلك مليك كل من ملك لبيك قد لبيت لك لبيك إن الحمد لك

فإن ذهب الناس وهو جالس فلسان حاله يقول:

يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي حرمت جفني المنام ببعدكم يا ساكنين المنحنى والوادي ويلوح لي ما بين زمزم والصفا عند المقام سمعت صوت منادي ويقول لي يا نائما جد السرى عرفات تجلو كل قلب صاد من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كل مراد تالله ما أحلى المبيت على منى في ليل عيد أرك الأعياد ضحوا ضحاياهم وسال دماؤهم وأنا المتيم قد نحرت فؤادي لبسوا ثياب البيض شارات الرضا وأنا الملوع قد لبست سوادي يا رب أنت وصلتهم صلني بهم فبحقكم يا رب فك قيادي فإذا وصلتم سالمين فبلغوا مني السلام أهيل ذاك الوادي قولوا لهم عبد الرحيم متيم ومفارق الأحباب والأولاد صلى عليك الله يا علم الهدى ما سار ركب أو ترنم حادي

اللهم ارزقنا حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا