• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / رمضان / روافد


علامة باركود

معنى الصوم

معنى الصوم
الإمام محمد البشير الإبراهيمي


تاريخ الإضافة: 22/7/2014 ميلادي - 25/9/1435 هجري

الزيارات: 13383

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معنى الصوم[1]


للإسلام في كل عبادة من عباداتِه حِكَمٌ تستجليها العقولُ على قدر استعدادها، فمنها حِكَم ظاهرة يُدرِكها العقل الواعي بسهولة، ومنها حِكَم خفية، يفتقر العقل في اجتلائها إلى فضل تأمُّل وجَوَلانِ فِكْر.

 

ولكل عبادة في الإسلام - تُؤدَّى على وجهِها المشروع وبمعناها الحقيقي - آثارٌ في النفوس، تختلف باختلاف العابدين في صدق التوجه، واستجماع الخواطر، واستحضار العَلاقة بالمعبود، والغرض الأخص للإسلام في عباداته التي شرَعها، وهو تزكيةُ النفس وتصفيتها من شوائب الحيوانية الملازمة لها من أصل الجبلَّة، وترقيتها للمنازل الإنسانية الكاملة، وتغذيتها بالمعاني السماوية الطاهرة، وفتح الطريق أمامها للملأ الأعلى؛ لأن الإسلام ينظرُ إلى الإنسان على أنه كائن وسط ذو قابليَّة للصفاء الملكي والكدر الحيواني، وذو تركيبٍ يجمع حمأ الأرض وإشراق السماء، وقد أُوتِي العقل والإرادة والتمييز، ليسعد في الحياتين المنظورة والمذخورة، أو يشقى فيهما، امتحانًا للعقل من خالق العقل والمُنعِم به، ليظهر مزية العاقل على غير العاقل من المخلوقات، والعبادات إذا لم تعطِ آثارها في أعمال الإنسان الظاهرة، فهي عبادة مدخولة أو جسم بلا روح.

 

والصوم في الإسلام عبادةٌ سلبية، بمعنى أنها إمساكٌ مُطلَق عن عدَّة شهوات نفسية في اليوم كله، لمدة شهر معين، فليس فيها عمل ظاهر للجوارح؛ كأعمال الصلاة وأعمال الحج مثلاً، ولكن آثار الصوم في النفوس جليلة، وفيه من الحِكَم أنه قمعٌ للقوى الشهوانية في الإنسان، وأنه تنمية للإرادة، وتدريب على التحكُّم في نوازع النفس، وهو في جملته امتحانٌ سنوي يُؤدِّيه المسلم بين يدَي ربه، والنجاح في هذا الامتحان يكون بأداء الصوم على وجهِه الكامل المشروع، ولكن درجة النجاحِ لا يعلمها إلا الله لتوقُّف الأمر فيه على أشياءَ خفيةٍ لا تظهر للناس، ومنها الإخلاص، ولذا ورد في النصوص الدينية: ((الصوم لي وأنا أجزي به)).

 

والصوم مشروعٌ في جميع الأديان السماوية، وحكمته فيها واحدة، ولكن هيئاته وكيفياته تختلف، واختلاف المظاهر في العبادة الواحدة لا يقدح في اتحاد حقيقتِها، ولا في اتحاد حكمها؛ لأن المظاهر قشور والحقائق هي اللباب.

 

وهذا الإمساك يشملُ - في اعتبار الدين الكامل - عدة أشياء جوهرية، تمسَّك المسلمون بالظواهر منها؛ كالإمساك عن شهوة البطن، وغفلوا عن غيرها، وهي سر الصوم وجوهره وغايته المقصودة في تزكية النفس، وأهمها:

• الإمساك عن شهوة اللسان من اللغو والكذب والغِيبة والنميمة.

 

• ومنها اطمئنان النفس وفرحها بالاتصال بالله.

 

• ومنها تعمير النهار كلِّه بالأعمال الصالحة.

 

• ومنها الحرص على أداء العبادات الأخرى كالصلاة في مواقيتها.

 

• ومنها كثرة الإحسان إلى الفقراء والبائسين، وإدخال السرور عليهم بجميع الوسائل، حتى يشترك الناس كلهم في الخير، فتتقارب قلوبهم، وتتعاون أنواع البر على تهذيب نفوسهم وتصفية صدورهم من عوامل الغل والبغضاء، وتثبيت ملكات الخير فيهم.

 

• ومن المقاصد الإلهية البارزة في ناحية من نواحي الصوم أنه تجويعٌ إلزامي، يذوق فيه ألم الجوع مَن لم يذُقْه طول عمره من المنعَّمين الواجدين، وفي ذلك من سر التربية ما هو معروف في أخذ الطفل بالشدة في بعض الأوقات، ومن لوازم هذا التجويع ترقيق العواطف، وتهيئة صاحبها للإحسان إلى الفقراء المحرومين، فإن مَن لم يذُقْ طعم الجوع لا يعرف حقيقة الجوع، ولا يحس آثاره، ولا يتصوره تصورًا حقيقيًّا، ولا يهزه إذا ذُكِّر به، فالغني الذي لم يذُقْ آلام الجوع طول عمره لا يتأثَّر إذا وقف أمامه سائل محروم يشكو الجوع ويصف آلامه، ويطلب الإحسان بما يخفف تلك الآلام، فيخاطبه وكأنما يخاطب صخرة صماء؛ لأنه يُحدِّثه بلغة الجوع، ولغة الجوع لا يفهمها المُترَفون المُنعَّمون وإنما يفهمها الجياع، فكيف نرجو من هذا الغني أن يتأثر وأن يهتز للإحسان، وهو لم يَجُعْ مرة واحدة في عمره؟! فهو لا يتصور ألم الجوع، ومَن لم يتصور لم يُصدِّق، ومَن لم يحسَّ بالألم لم يحسن إلى المتألِّمين، ولو أن المسلمين أقاموا سنة الإحسان التي أرشدهم إليها الصوم لم ينبت في أرضهم مبدأ من هذه المبادئ التي كفرت بالله وكانت شرًّا على الإنسانية.

 

وأنا فقد عافاني الله من وجع الأضراس طول عمري، فانعدم إحساسي به، فكلما وصف لي الناس وجع الأضراس وشكَوا آلامه المبرحة سخرتُ منهم وعددتُ الشكوى من ذلك نقيصة فيهم هلعًا أو خورًا أو ما شئت، وفي هذه الأيام غمزني ضرس من أضراسي غمزة مؤلمة أطارت صوابي، وأصبحتُ أؤمن بأن وجع الأضراس حق، وأنه فوق ما سمعتُ عنه، وأن شاكيَه معذور جدير بالرثاء والتخفيف بكل ما يستطاع.

 

هذه هي القاعدة العامة في طبائع الناس، فأما الذي يحسن لأن الإحسان طبيعة قارَّة فيه، أو يحسن لأن الإحسان فضيلة وكفى، فهؤلاء شذوذ في القاعدة العامة.

 

وشهر الصوم في الإسلام هو مستشفى زماني تُعالَج فيه النفوس من النقائص التي تراكمت عليها في جميع الشهور من السنة، ومكن لها الاسترسال في الشهوات التي يغري بها الإمكان والوجد، فيداويها هذا الشهر بالفطام والحمية والحيلولة بين الصائم وبين المراتع البهيمية، ولكن هذه "الأشفية" كلها لا تنفع إلا بالقصد والاعتدال.

 

لو اتبع الناس أوامر ربهم ووقفوا عند حدوده لصلَحت الأرض وسعد مَن عليها، ولكنهم اتبعوا أهواءهم ففسَدوا وأفسدوا في الأرض، وشقوا وأشقوا الناس.

 

والسلام عليكم أيها الصائمون ورحمة الله وبركاته.

♦ ♦ ♦ ♦


المصدر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (4/288 - 290).

المؤلف: محمد بن بشير بن عمر الإبراهيمي (المتوفى: 1385هـ).

جمع وتقديم: نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.

الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1997.



[1] حديث في إذاعة بغداد، ماي 1954.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة