• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام


علامة باركود

أتاكم رمضان فشمروا (خطبة)

أتاكم رمضان فشمروا (خطبة)
د. سعود بن غندور الميموني


تاريخ الإضافة: 29/5/2017 ميلادي - 4/9/1438 هجري

الزيارات: 30122

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أتاكم رمضان فشمروا

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِعِبَادِهِ فِي رَمَضَانَ ثَوَابًا مَوْفُورًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ...

 

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللَّهِ - فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَعَلَيْكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَهُوَ التَّقْوَى ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... إِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيرَةُ الْأَعْمَارِ، قَرِيبَةُ الْآجَالِ، وَلَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ تَطُولُ أَعْمَارُهُمْ حَتَّى تَصِلَ إِلَى الأَلْفِ وَتَزِيدُ، لَكِنَّ اللهَ جَعَلَ لَنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُعَوِّضُ هَذَا النَّقْصَ.


وَلِذَا فَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُهُ فِي حُسْنِ عَمَلٍ؛ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَديثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ".


بَلْ إِنَّ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ مِنْ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ فِي طَاعَةِ اللهِ لَيَعْدِلُ الْكَثِيرَ والْكَثِيرَ عِنْدَ اللهِ؛ فَقَدْ جَاءَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا، وَمَاتَ الْآخَرُ بَعْدَهُ بِجُمُعَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قُلْتُمْ؟" فَقُلْنَا: دَعَوْنَا لَهُ، وَقُلْنَا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَصَوْمُهُ بَعْدَ صَوْمِهِ، وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ؟ إِنَّ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".


وَعَلَى هَذَا -يَا عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ إِدْرَاكَ رَمْضَانَ نِعْمَةٌ كَبِيرةٌ وَمِنَّةٌ عَظِيمَةٌ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرًا أُمَّتَهُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.


وِلِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَصْحَابَهُ يَجْتَهِدُونَ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّحْمَةِ والْغُفْرَانِ والْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْيِى اللَّيْلَ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ...


فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا".


وَكَذَلِكَ -يَا عِبَادَ اللهِ- كَانَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الدَّرْبِ؛ فَقَدْ جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ صَلاَةَ اللَّيْلِ. وكَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُغْرِقُ لِحْيَتَهُ بِالدُّمُوعِ، بَلْ يَبُلُّ الْأرْضَ بِهَا، لَا خَوْفًا مِنْ شَيْءٍ إلَّا مِنَ اللهِ؛ فَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لَا يَسْمَعُ النَّاسُ الْقُرْآنَ مِنْ شِدَّةِ بُكائِهِ، حَتَّى إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ مَكَانَهُ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي، فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى القِرَاءَةِ"..


وَلَقَدْ كَانَ فِي وَجْهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطَّانَ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ، وَوَقَفَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمًا عِندَ الْمَقَامَ فَاسْتَفْتَحَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ فَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى أَكْمَلَ الْقُرَآنَ كُلَّهُ.. وَغَيْرُهُمْ وَغَيْرُهُمُ الْكَثِيرُ.


وَعَلَى هَذَا النَّهْجِ سَارَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللهُ، مَا بَيْنَ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَكُلَّ نَهَارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ سِتِّينَ مَرَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ اللَّيْلُ إِلاَّ وَهُوَ قَائِمٌ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَرْجُوهُ، كُلُّهُمْ يُصَلِّي وَيَسْجُدُ، وَإِلَى اللهِ يَسْعَى وَيَحْفِدُ، كُلٌّ يَرْجُوَ رَبَّهُ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ، كُلُّهُمْ يَخَافُ أَلَا يُقْبَل، كُلُّهُمْ يَخْشَى مِنَ الْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؛ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَارِقُ أَذْهَانَهُمْ...

فَقَدْ جَاءَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي "الْأَدَبِ" مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقَى الدَّرَجَةَ الْأُولَى قَالَ: "آمِينَ" ثُمَّ رَقَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ رَقَى الثَّالِثَةَ فَقَالَ: "آمِينَ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْنَاكَ تَقُولُ: "آمِينَ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: "لَمَّا رَقِيتُ الدَّرَجَةَ الْأُولَى جَاءَنِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ"، وَنَحْنُ -يَا عِبَادَ اللهِ- مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ، وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاذَا فَعَلْنَا؟ وَاللهِ لَنُسْأَلَنَّ عَمَّا عَمِلْنَا.. واللهِ لَنَقِفَنَّ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَلَّ وَعَلا فَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ وَمَا نَحْنُ مُقَدِّمُونَ؟.
وَاعْلَمُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ مَا هُوَ إلَّا أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ وَسَاعَاتٌ مَحْدُودَاتٌ، وَالْجَدِيرُ بِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَنِمَ كُلَّ لَحْظَةٍ فِيهِ، وَأَنْ يُقْبِلَ فِيهِ عَلَى رَبِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنْ يَتَمَلَّقَ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.


وَإِنَّ مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، بَلْ وَيَنْبَغِي الإِكْثَارُ مِنْهَا آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ "الصَّدَقَةُ" فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وتَدْفَعُ مِيتَة السُّوءِ، وَلَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ أَجْوَدَ مِنْ غَيْرِهِ، لِمَا لِلْعِبَادَةِ في هَذَا الشَّهْرِ مِنْ شَرَفٍ.
وِمِمَّا يَجْدُرُ بِالْمُسْلِمِينَ الإِقْبَالُ عَلَيْهِ أيْضًا "كِتَابُ اللهِ" فَطَرَفُ الْقُرْآنِ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَإِذَا تَمَسَّكْتُمْ بِهَذَا الْحَبْلِ الْمَتِينِ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلَكُوا أَبَدًا.


فَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ وِرْدًا يَوْمِيًّا، وَاقْرَأ الْقُرْآنَ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَأْهُ فِي جُلُوسِكَ وَفِي قِيَامِكَ، اقْرَأْهُ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ...


قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.


وَمِمَّا يَنْبَغِي الْمُدَاوَمَةُ والْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ -عِبَادَ اللهِ- صَلاةُ التَّرَاوِيحِ، والْقِيَامُ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي صَلاةِ التَّرَاوِيحِ: "مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ"، فَإِنْ دَاوَمْتَ عَلَى قِيَامِ الشَّهْرِ كُلِّهِ فَفِي ذَلِكَ مَغْفِرُةُ الذُّنُوبِ وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.



وَكَذَلِكَ تَجْدُرُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلاَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، فَإِنَّ صَلاَةَ اللَّيْلِ نُورٌ فِي الْوَجْهِ، وَقُوَّةٌ فِي الْبَدَنِ، وَكَثْرَةٌ فِي الرِّزْقِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ بِاللَّيْلِ؛ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 15، 16] ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ جَزَائَهُمُ الْعَظِيمَ، وأَجْرَهُمُ الْوَفِيرَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا"، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ".


كَذَلِكَ -يَا عِبَادَ اللهِ- يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ أَلْسِنَتَنَا وَأسْمَاعَنَا وَأَبْصَارَنَا، فَلَا نَسْمَعُ حَرَامًا، وَلَا نَنْظُرُ إِلَى مُنْكِرٍ، وَلَا نَتَكَلَّمُ بِبَاطِلٍ، يَقُولُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْجَارِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ سَكِينَةٌ وَوَقَارٌ يَوْمَ صَوْمِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ وَيَوْمَ فِطْرِكَ سَواء"، وَكَانَ السَّلَفُ إِذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالُوا: "نَحْفَظُ صَوْمَنَا وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا".
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ.


♦♦♦♦♦♦

الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ والتَّابِعِينَ...

 

أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- واعْمَلُوا لِيَوْمٍ هَوْلُهُ عَظِيمٌ، وَكَرْبُهُ جَسِيمٌ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].


عِبَادَ اللهِ... إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وأَزْكَاهَا وَخَيْرِهَا وَأَنْفَعِهَا للْعَبْدِ: بَرُّ الوَالِدَيْنِ؛ وَصِلَةُ الأَرْحَامِ، والإِحْسَانُ إلى ذَوِي الْقُرْبَى، والإِحسَانُ إِلى الْمُحْتَاجِ كالأَرْمَلَةِ والْمِسْكِينِ والْيَتِيمِ وابْنِ السَّبِيلِ، وقَضَاءُ الْحَوَائِجِ لِلْمَلْهُوفِينَ؛ والأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ....


قَالَ رَبُّكُمْ جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾.


أَيها الْمُسْلِمُونَ... إِنَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَينَا أَنْ نَغْتَنِمَ هَذِهِ الْأيَّامَ، وَأَنْ نَسْتَثْمِرَ الْفُرْصَةَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأوَانِ، فَعُمُرُ الإِنْسَانِ مَا هُوَ إلَّا لَحَظَاتٌ تَمُرُّ، وَسَاعَاتٌ تَمْضِي، وَأيَّامٌ تَنْقَضِي، ثُمَّ يَجِدُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ عَلَى فِرَاشٍ هُوَ آخِرُ فِرَاشٍ لَهُ فِي الدُّنْيَا، تَذَكَّرْ آخِرَ طَعْمَةٍ سَتَطْعَمُهَا فِي الدُّنْيا، أَوْ آخِرَ نَوْمَةٍ لَكَ فِيهَا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهَا الْقَبْرُ.


فَيَا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنَّا قَدْ قَرُبَتْ أيَّامُ الْمُصَالَحَةِ.. يَا مَنْ دَامَتْ خَسَارَتُهُ قَدْ أَقْبَلَتْ أيَّامُ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ.. مَنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ يَرْبَحُ.. وَمَنْ لَمْ يَقْرُبْ فِيهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَلَى بُعْدِهِ لَا يَبْرَحُ.


إِلَى مَتَى -يَا عِبَادَ اللَّهِ- وَنَحْنُ غَافِلُونَ لاَهُونَ، إِلَى مَتَى وَنَحْنُ فِي الطَّاعَاتِ مُفَرِّطُونَ، إِلَى مَتَى سَنَظَلُّ نُضَيِّعُ الْأَعْمَارَ وَالْأَوْقَاتَ، إِلَى مَتَى سَتَمْضِي عَلَيْنَا هَبَاءً مَوَاسِمُ الْخَيْرَاتِ، إِلَى مَتَى سَنَخْرُجُ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا دَخَلْنَا، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالصِّيَامِ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ، أَنْ تَتَرَبَّى عَلَى تَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تَمَنَعَ نَفْسَكَ مِنَ الْحَرَامِ كَمَا مَنَعْتَهَا مِنَ الْحَلالِ، وَأَنْ تُرَاقِبَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا تُرَاقِبُهُ فِي الاِمْتِنَاعِ عَنِ الْمَلَذَّاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].


أَفِيقُوا -يَا عِبَادَ اللهِ- وَتَدَارَكُوا اللَّحَظَاتِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ سُبْحَانَهُ قَالَ: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 - 101]


نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمَقْبُولِينَ فِي رَمَضَانَ، وأَنْ يُخْرِجَنَا مِنْهُ بِذَنْبٍ مَغْفُورٍ، وَسَعْيٍ مَشْكُورٍ، وَتِجَارَةٍ لَنْ تَبُورَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَسْرَفْنَا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّا، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ.. اللهمَّ اغْفِرْ للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ مْنهُمْ والأَمْوَاتِ.

اللهمَّ اغْفِرْ لآبَائِنَا وأمهَاتِنَا وعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُمْ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَيًّا فَبَارِكْ فِيهِ، ومَنْ كَانَ مِنهُمْ مَيِّتًا فَتَقَبَّلْهُ وتَجَاوَزْ عَنْهُ بِفَضْلِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.


اللهمَّ انْصُرْ المُجَاهِدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا المرَابِطِينَ علَى حُدودِنَا، اللهُمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ وارْحَمْ مَوْتَاهُمْ وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَبَارِكْ فِي جُهُودِهِمْ...

اللهمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِنَواصِيهِمْ لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، وأَصْلحْ لَهُمْ بِطَانَتَهُمْ يِا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة