• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / المرأة في الإسلام


علامة باركود

أكرمها الإسلام فلا تهينوها

الشيخ عبدالله بن محمد البصري


تاريخ الإضافة: 27/10/2013 ميلادي - 23/12/1434 هجري

الزيارات: 15278

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أكرمها الإسلام فلا تهينوها


الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]..

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لم يَشهَدْ تَأرِيخُ الأُمَمِ عَصرًا هُوَ أَشَدَّ خِدَاعًا مِن هَذَا العَصرِ، وَلا أُنَاسًا هم أَكذَبَ وَلا أَخوَنَ مِن كَثِيرٍ مِن أُمَمِهِ وَشُعُوبِهِ، وَخَاصَّةً دُوَلَ الغَربِ الكَافِرِ وَالشَّرقِ المُلحِدِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقَهُم وَلَفَّ في فَلَكِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ وَالمُلحِدِينَ وَالسَّاقِطِينَ، يَعلَمُ ذَلِكَ عِلمَ يَقِينٍ لا مِريَةَ فِيهِ، مَن تَأَمَّلَ هَذِهِ الشِّعَارَاتِ الزَّائِفَةَ الَّتي تُرفَعُ في عَالَمِ اليَومِ، كَالحُرِّيَّةِ وَالمُسَاوَاةِ وَحُقُوقِ الإِنسَانِ، وَالَّتي أَثبَتَتِ الأَحدَاثُ المُتَوَالِيَةُ وَشَهِدَتِ الوَقَائِعُ المُتَكَرِّرَةُ، أَنَّهَا مُجَرَّدُ أَصنَامٍ كأَصنَامِ الجَاهِلِيِّ الَّتي كَانَ يَصنَعُهَا مِنَ التَّمرِ، يَعبُدُهَا أَصحَابُهَا مَا دَامُوا يَجِدُونَ مَصلَحَةً أَو يَرجُونَ مَنفَعَةً، فَإِذَا لم يُحَقِّقُوا مِنهَا شَيئًا مِمَّا في نُفُوسِهِم، عَادُوا عَلَيهَا وَأَكَلُوهَا. وَإِنَّ مِن تِلكَ الشِّعَارَاتِ الزَّائِفَةِ الكَاذِبَةِ الخَادِعَةِ، مَا ارتَفَعَت بِهِ أَصوَاتٌ نَشَازٌ نَاعِقَةٌ فَارِغَةٌ، تَدَّعِي أَنَّهَا تُرِيدُ رَفعَ مَقَامَ المَرأَةِ وَتَحرِيرَهَا وَرَفعَ التَّميِيزَ ضِدَّهَا، وَهِيَ في الحَقِيقَةِ إِنَّمَا تُرِيدُ إِخرَاجَهَا مِن مُحِيطِ كَرَامَتِهَا، وَإِنزَالَهَا مِن بُرجِ عِزَّتِهَا، وَالحَطَّ مِن مَكَانَتِهَا وَامتِهَانَهَا، وَالعَودَةَ بها إِلى عُصُورِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى بَل وَإِلى مَا هُوَ أَشَدُّ، وَإِلاَّ فِإِنَّ الإِسلامَ قَبلَ أَربَعَةَ عَشرَ قَرنًا، قَد أَكرَمَ المَرأَةَ وَرَفَعَ شَأنَهَا وَأَعلَى مَقَامَهَا، وَقَضَى عَلَى كُلِّ عَادَةٍ جَاهِلِيَّةٍ تُسِيءُ إِلَيهَا، فَحَرَّمَ وَأدَ البَنَاتِ، وَأَمَرَ بِمُعَامَلَةِ النِّسَاءِ وَالأَيتَامِ بِالعَدلِ، وَنَهَى عَن زَوَاجِ المُتعَةِ وَإِكرَاهَ الإِمَاءِ عَلَى البِغَاءِ، وَمَنَعَ زَوَاجَ المَرأَةِ بِغَيرِ إِذنِهَا. وَلَمَّا كَانَت لَدَى العَرَبِ مَحضَ مَتَاعٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الرَّجُلُ كَمَا يُرِيدُ، وَيَنتَقِلُ مُلكُهَا مِنَ الآبَاءِ إِلى الأَبنَاءِ فِيمَا يَنتَقِلُ لَهُم مِن مِيرَاثٍ، بَل كَانَ مُجَرَّدُ ذِكرِهَا في مَجَالِسِهِم أَمرًا يُستَحيَا مِنهُ وَيُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ، جَاءَ الإِسلامُ فَانتَشَلَهَا مِن وَضعِ المَتَاعِ الحَقِيرِ، وَارتَفَعَ بها إِلى مَرتَبَةِ الإِنسَانِ المُكَرَّمِ، الَّذِي لَهُ الحَقُّ في أَن يَحيَا حَيَاةً كَرِيمَةً، وَجَعَلَ نَصِيبَهَا في المِيرَاثِ نِصفَ نَصِيبِ الذَّكَرِ، بَل سَوَّى بَينَهَا وَبَينَ الرَّجُلِ في كُلِّ مَا لا تَقتَضِي فِطرَتُهَا وَخِلقَتُهَا استِقلالَهَا فِيهِ وَاختِصَاصَهَا بِهِ، فَأَبَاحَ لها العَمَلَ بِكُلِّ عَمَلٍ مُبَاحٍ، وَجَعَلَ لها الحَقَّ في الاحتِفَاظِ بِمَالِهَا كَالرَّجُلِ، وَقَضَى لها بِالتَّصَرُّفِ في مِيرَاثِهَا كَمَا تَشَاءُ. وَإِذَا كَانَتِ المَرأَةُ وَمَا زَالَت تَجِدُ العُنفَ مِنَ الرَّجُلِ وَتُطرَدَ وَتُشَرَّدَ، فَإِنَّ الإِسلامَ قَد حَرَّمَ العُنفَ ضِدَّهَا، وَلم يُبِحْ ضَربَهَا إِلاَّ لِلتَّأدِيبِ وَفي نِطَاقٍ ضَيِّقٍ جدًّا، بَعدَ استِخدَامِ الوَعظِ وَتَجرِيبِ الهَجرِ في المَضجَعِ، بَل وَحَرَّمَ إِخرَاجَهَا مِن بَيتِهَا وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ مَا دَامَت في العِدَّةِ.

 

وَفي جَانِبٍ آخَرَ نَجِدُ أَنَّ الإِسلامَ قَد مَنَحَ المَرأَةَ استِقلالَهَا الفِكرِيَّ، وَاحتَرَمَ عِلمَهَا وَبَيعَتَهَا وَشَهَادَتَهَا وَوِجهَةَ نَظرِهَا، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10] وَلَمَّا كَانَت المَرأَةُ في الجَاهِلِيَّةِ لا تَملِكُ حَقَّ اختِيَارِ زَوجِهَا، فَقَد أَعلَنَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِكُلِّ وُضُوحٍ أَنَّ لها الحُرِّيَّةَ في اختِيَارِ زَوجِهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا تُنكَحُ الأَيِّمُ حَتى تُستَأَمَرَ، وَلا تُنكَحُ البِكرُ حَتى تُستَأَذَنَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ إِذنُهَا؟ قَالَ: " أَن تَسكُتَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. نَعَم، لَقَد أَصبَحَتِ المَرأَةُ تُستَشَارُ قَبلَ زَوَاجِهَا، وَصَارَ المَهرُ حَقًّا خَاصًّا خَالِصًا لها، لا يُعطَى لأَبٍ وَلا لأُمٍّ، وَلا تَعتَدِي عَلَيهِ أُختٌ وَلا أَخٌ، بَل يُسَلَّمُ لِلعُرُوسِ حَلالاً طَيِّبًا، إِلى جَانِبِ حُقُوقِهَا الأُخرَى كَالنَّفَقَةِ، وَالَّتي أَوجَبَهَا الإِسلامُ عَلَى الزَّوجِ مَعَ حُسنِ مُعَامَلَتِهِ لها، وَلَمَّا سُئِلَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَقُّ زَوجَةِ أَحَدِنَا عَلَيهِ؟ قَالَ: " أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ وَلا تُقَبِّحْ، وَلا تَهجُرْ إِلاَّ في البَيتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لَقَد بَالَغَ الإِسلامُ في تَكرِيمِ المَرأَةِ وَالإِحسَانِ إِلَيهَا، حَتى جَعَلَهُ مِن أَرجَى الأَعمَالِ الَّتي يُتَوَقَّى بها مِنَ النَّارِ، فَعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت: جَاءَتني امرَأَةٌ وَمَعَهَا ابنَتَانِ لها تَسأَلُني؛ فَلم تَجِدْ عِندِي غَيرَ تَمرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعطَيتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتهَا بَينَ ابنَتَيهَا وَلم تَأكُلْ مِنهَا، ثُمَّ قَامَت فَخَرَجَت، فَدَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: " مَن ابتُلِيَ مِن هَذِهِ البَنَاتِ بشَيءٍ فَأَحسَنَ إِلَيهِنَّ كُنَّ لَهُ سِترًا مِنَ النَّارِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيهِنَّ، وَأَطعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِن جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَتَتَعَدَّدُ صُوَرُ إِكرَامِ المَرأَةِ في الإِسلامِ، حَتى تَصعُبَ عَلَى الحَصرِ وَتَضِيقَ عَنِ العَدِّ، وَيَجِدُ المُتَتَبِّعُ لِسِيرَةِ إِمَامِ الأُمَّةِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شَوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ قَولاً وَفِعلاً، فَقَد جَعَلَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - الخَيرِيَّةَ في إِكرَامِهَا فَقَالَ: " أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا، وَخِيَارُكُم خَيَارُكُم لِنِسَائِهِم " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَبَلَغَ مِن رَحمَتِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِالنِّسَاءِ وَلا سِيَّمَا الأُمَّهَاتُ أَن كَانَ يُخَفِّفُ صَلاتَهُ إِذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبيِّ، لِكَي يُرِيحَ قَلبَ أُمِّهِ وَلا يَشُقَّ عَلَيهَا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنِّي لأَقُومُ لِلصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَن أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسمَعُ بُكَاءَ الصَّبيِّ فَأَتَجَوَّزُ في صَلاتي كَرَاهِيَةَ أَن أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: مَا صَلَّيتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلاةً مِنَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ لَيَسمَعُ بُكَاءَ الصَّبيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَن تُفتَنَ أُمُّهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. بَل لَقَد بَلَغَ مِن شِدَّةِ اهتِمَامِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِالمَرأَةِ أَن حَثَّ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهَا وَالسَّعيِ عَلَيهَا وَخَاصَّةً الأَرَامِلَ المَحرُومَاتِ مِنَ الأَزوَاجِ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - قَالَ: " السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ، وَأَحسِبُهُ قَالَ: وَكَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. بَل لَقَد كَانَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - يَتَوَلىَّ مِثلَ هَذَا العَمَلِ الجَلِيلِ النَّبِيلِ بِنَفسِهِ، فَعَن عَبدِ اللهِ بنِ أَبي أَوفى - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ يُكثِرُ الذِّكرَ وَيُقِلُّ اللَّغوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ وَيُقَصِّرُ الخُطبَةَ، وَلَا يَأنَفُ أَن يَمشِيَ مَعَ الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ فَيَقضِيَ لَهُ الحَاجَةَ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ أَهلِ المَدِينَةِ لَتَأخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ، فَتَنطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَت " رَوَاهُ البُخَارِيُّ. بَل لَقَد حَرَّجَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَن يَعتَدِي عَلَى حَقِّ المَرأةِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعَيفَينِ: اليَتِيمِ وَالمَرأَةِ " أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلا يَغُرَّنَّكُم هَذَا الغَربُ الكَافِرُ أَوِ ذَلِكَ الشَّرقُ المُلحِدُ، الَّذِين تَخَلَّوا عَنِ المَرأَةِ وَقَصَّرُوا في حَقِّهَا عَلَيهِم، ثم أَوجَبُوا عَلَيهَا أَن تَعمَلَ خَارِجَ بَيتَهَا لِكَسبِ عَيشِهَا، فَاضطُرَّت أَن تَركَبَ سَيَّارَتَهَا وَتَقُودَهَا بِنَفسِهَا، وَأَن تَخلَعَ لِذَلِكَ حِجَابَهَا وَتُلقِيَ حَيَاءَهَا، ثم تَتَعَرَّضَ مِن جَرَّاءِ ذَلِكَ لِلتَّحَرُّشِ بها وَخَدشِ كَرَامَتِهَا وَإِهَانَتِهَا وَهَتكِ عِرضِهَا. لَقَد بَقِيَتِ المَرأَةُ المُسلِمَةُ مَلِكَةً في بَيتِهَا، حَاكِمَةً في مَنزِلِهَا، سَيِّدَةً تَحتَ زَوجِهَا وَبَينَ أَبنَائِهَا، لَهَا في الإِسلامِ الدَّورُ الأَهَمُّ وَالعَمَلُ الأَكبَرُ، وَهُوَ الإِنجَابُ وَالإِرضَاعُ وَتَربِيَةُ الأَبنَاءِ، وَتَنشِئَةُ الأَجيَالِ وَصِنَاعَةُ الرِّجَالِ، مَحمِيَّةً بِحِجَابِهَا وَجِلبَابِهَا، مُحَصَّنَةً دَاخِلَ بَيتِهَا وَمَملَكَتِهَا، مَصُونَةً مِنَ النَّظَرَاتِ الزَّائِغَةِ وَالخَطَرَاتِ الفَاسِدَةِ، مَكفُوفَةً عَنِ الفِتنَةِ بها، مَحجُوبَةً عَن كُلِّ مَا هُو شَرٌّ عَلَيهَا وَسُوءٌ لها في دُنيَاهَا وَأُخرَاهَا، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 30، 31].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - رَبَّكُم وَأَطِيعُوهُ، وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ كُلَّ المَيزَاتِ الَّتي مَنَحَهَا الإِسلامُ لِلمَرأَةِ، مِمَّا عَرَفنَا مِنهُ القَلِيلَ وَغَابَ عَنَّا مِنهُ الكَثِيرُ، إِنَّهَا لَهِيَ بِحَقٍّ مَا يَجِبُ أَن يُحَافِظَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ وَيَعَضُّوا عَلَيهِ بِالنَّوَاجِذِ وَيَتَمَسَّكُوا بِهِ وَيُدَافِعُوا عَنهُ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِن قُوَّةٍ مَادِّيَّةٍ وَمَعنَوِيَّةٍ وَسِيَاسِيَّةٍ وَعِلمِيَّةٍ، ذَلِكَ أَنَّ نِسَاءَهُم بَل جَمِيعَ نِسَاءِ العَالَمِينَ، لم يَنَلْنَ رِفعَةً وَلَن يَنَلْنَهَا بِمِثلِ مَا هُنَّ عَلَيهِ في حِمَى الإِسلامِ وَظِلِّهِ وَتَحتَ حُكمِهِ، حَيثُ نِلنَ كُلَّ حُقُوقِهِنَّ إِنسَانِيَّةً وَاجتِمَاعِيَّةً وَمَادِّيَّةً وَمَعنَوِيَّةً، بما لم يَحدُثْ لَهُ نَظِيرٌ وَلا مَثِيلٌ في أَيِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ وَلا حِقبَةٍ مِن حِقَبِ التَّأرِيخِ، وَأَمَّا مَا يُنَادِي بِهِ عُشَّاقُ العُرِيِّ وَالعُهرِ وَأَعدَاءُ العَفَافِ وَالطُّهرِ، وَمَا يَدَّعُونَ أَنَّهُم يُرِيدُونَ بِهِ تَحرِيرَ المَرأَةِ وَإِكرَامَهَا، وَمِنهُ دَعوَتُهَا لِقِيَادَةِ السَّيَّارَاتِ كِالرِّجَالِ، وَالسَّفَرِ قَرِيبًا وبعيدًا بِلا مَحرَمٍ، وَقَبُولُ العَمَلِ في الأَمَاكِنِ المُختَلِطَةِ، فَإِنَّمَا هِيَ نَزَوَاتٌ حَيَوَانِيَّةٌ بَهِيمِيَّةٌ، يُرَادُ مِن وَرَائِهَا اتِّخَاذُهَا مَادَّةَ تَسلِيَةٍ وَرَفَاهِيَةٍ، وَجَعلُهَا مَحَلاًّ لِقَضَاءِ الشَّهوَاتِ عَلَى أَوسَعِ نِطَاقٍ وَبِأَسهَلِ سَبَبٍ، دُونَ نَظَرٍ إِلى مَصلَحَةٍ لها ولا تَحقِيقِ نَفعٍ لِمُجتَمَعِهَا.

 

إِنَّ المَرأَةَ في الإِسلامِ شَقِيقَةُ الرَّجُلِ وَقَسِيمَتُهُ، لها مَا لَهُ مِن الحُقُوقِ وَعَلَيهَا مَا عَلَيهِ مِنَ الوَاجِبَاتِ فِيمَا يُلائِمُ تَكوِينَهَا وَيُوَافِقُ فِطرَتَهَا، وَأَمَّا مَا يُحتَاجُ فِيهِ إِلى القُوَّةِ وَالجَلَدِ، وَالبَسطَةِ في الجِسمِ وَاتِّسَاعِ الحِيلَةِ، مِن عَمَلٍ شَاقٍّ وَقِيَادَةِ سَيَّارَاتٍ أَو مُعَالَجَةِ مُعِدَّاتٍ، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الرَّجُلِ، وَهُوَ المُختَصُّ بِهِ أَن يَلِيَهُ وَيَتَحَمَّلَ ثِقَلَهُ، لِتَبقَى هِيَ مُعَزَّزَةً مُكَرَّمَةً، مَحُوطَةً بِقُوَّتِهِ، يَذُودُ عَنهَا بِدَمِهِ، وَيُنفِقُ عَلَيهَا مِن كَسَبِهِ، وَيَدفَعُ عَنهَا العَوَادِيَ وَيَصُدُّ عَنهَا الشُّرُورَ، وَذَلِكَ هُوَ مَا قَرَّرَهُ الخَلاَّقُ العَلِيمُ، حَيثُ يَقُولُ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228] فَاتَّقُوا اللهَ وَاثبُتُوا عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، وَلا تَبرَحُوا دَربَ الحَيَاءِ وَالسِّترِ وَالحِشمَةِ وَالعَفَافِ ﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة