• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / خطب منبرية


علامة باركود

الشجاعة: حقيقتها وأقسامها وأدلتها وأهميتها وعناصرها وضوابطها ووسائلها (خطبة)

الشجاعة: حقيقتها وأقسامها وأدلتها وأهميتها وعناصرها وضوابطها ووسائلها (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 24/11/2025 ميلادي - 4/6/1447 هجري

الزيارات: 107

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشجاعةُ، حقيقتُها وأقسامُها وأدلَّتُها وأهمِّيتُها وعناصرُها وضوابطُها ووسائلها

 

إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أمَّا بعدُ: فلقدْ تَحَدَّثنا في الْجُمُعَاتِ الثلاثِ الْمَاضِيَةِ عنِ استعاذةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ الْهَمِّ والْحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، وغَلَبَةِ الدَّينِ وقَهْرِ الرِّجالِ، وتَحَدَّثنا قبلَ أشهرٍ عنِ استعاذتهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن البُخل، وفي هذه الجُمُعَةِ إن شاءَ اللهُ نتحدث عن استعاذتهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْجُبْنِ، قال أنسٌ رضيَ اللهُ عنهُ: (كُنْتُ أَسْمَعُهُ صلى الله عليه وسلم كثيراً يقولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْهَمِّ والْحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والْجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ») رواهُ البخاريُّ.


قال ابنُ القيِّم: (إنَّ المكروهَ الْمُؤْلِمَ إذا وَرَدَ على القَلْبِ فإمَّا أنْ يكُونَ سَبَبُهُ أَمْراً ماضياً فيُوجِبُ لهُ الْحُزْنَ، وإنْ كانَ أَمْراً مُتَوَقَّعاً في الْمُستَقْبَلِ أوْجَبَ الْهمَّ، وتَخلَّفُ العَبْدِ عن مَصالِحهِ وتَفْوِيتُها عَلَيْهِ إمَّا أنْ يكونَ مِن عَدَمِ القُدْرةِ وهُوَ العَجْزُ، أو مِن عَدَمِ الإرادةِ وهوَ الكَسَلُ، وحَبْسُ خَيْرِهِ ونَفْعِهِ عنْ نَفْسِهِ وعنْ بَني جِنْسِهِ إمَّا أنْ يكونَ مَنَعَ نَفْعَهُ ببَدَنِهِ فهُوَ الْجُبْنُ، أو بِمالهِ فهُوَ البُخْلُ، وقَهْرُ الناسِ لهُ إمَّا بحَقٍّ فهُوَ ضَلَعُ الدَّيْنِ، أو بباطِلٍ فهُوَ غَلَبَةُ الرِّجالِ، فقد تَضَمَّنَ الحديثُ الاستعاذَةَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ) انتهى.


إذن، فَمَا حقيقةُ الشجاعةِ وأقسامُها وأدلَّتُها وأهمِّيتُها وعناصرُها وضوابطُها ووسائلها وأهميةِ تربيةِ الأولادِ عليها.


عباد الله: الْجُبْنُ خِلافُ الشجاعةِ، قال القاضي ‌الشَّيْزَرِيُّ: (وحقيقةُ الشجاعةِ: ثباتُ الجأشِ، وذهَابُ الرُّعْبِ، وزوالُ هيبةِ الخصمِ، واستصغارِه عند لقائهِ، ولا بُدَّ أن يَتقدَّم هذا رأيٌّ ثاقبٌ، ونَظَرٌ صائبٌ، وحيلةٌ في التدبيرِ).


ومن المصطلحاتِ ذاتِ الدلالةِ القريبةِ مِن الشجاعةِ: البطولةُ والبَسَالةُ والنَّجْدَةُ والجُرْأةُ والقُوَّة.


قال ابن القيم: (وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعةُ بالقُوَّة، وهما مُتغايران، فإنَّ الشجاعة هي: ثباتُ القلب عند النوازِل.. وكان الصِّدِّيق رضي الله عنه أشجعَ الأُمَّةِ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عُمَرُ وغَيْرُهُ أقوى منه، ولكن بَرَزَ على الصحابةِ كُلِّهم بثباتِ قلبهِ في كلِّ موطنٍ من المواطن التي ‌تُزلزلُ ‌الجبالَ، وهو في ذلك ثابتُ القلبِ.. ولو لم يكن له إلا ثباتُ قَلْبه يومَ الغَار وليلتهِ، وثبات قَلْبهِ يومَ بَدْرٍ.. وثبات قلبه يومَ أُحُدٍ.. وثباتُ قلبهِ يومَ الخندقِ.. وثباتُ قلبهِ يومَ الحديبيةِ، وقد قَلِقَ فارسُ الإسلامِ عمرُ بنُ الخطاب حتى إن الصدَّيقَ ليُثبَّتُه ويُسكِّنُه ويُطَمْئنُه، وثباتُ قلبهِ يومَ حُنينٍ.. وثباتُ قلبه حينَ النازلةِ التي اهتزَّت لها الدنيا أجمع -بموتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم-..) الخ.


عباد الله: لقد أخبرَ الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ شَرَّ صِفاتِ الإنسانِ الْجُبْنُ والبُخْلُ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (شَرُّ ما في رَجُلٍ: شُحٌّ هَالِعٌ، ‌وجُبْنٌ ‌خَالِعٌ) رواه الإمام أحمدُ وصحَّحه محققو المسند.


وكان صلى الله عليه وسلم يُكثر من الاستعاذة باللهِ مِن الْجُبْنِ، كما تقدَّم مِراراً، وأخبَرَ عن نفسِه فقال: (لا ‌تَجِدُونِي ‌بَخِيلاً ولا كَذُوبَاً ولا جَبَاناً) رواه البخاري، ووَصَفَهُ خادِمُه أَنَسٌ رضي الله عنه فقَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ ‌وَأَشْجَعَ ‌النَّاسِ ‌وَأَجْوَدَ ‌النَّاسِ) رواه البخاري.


وعلى الشجاعةِ تأسيسُ الفضائلِ، قال الأبشيهي: (اعلم أن ‌الشجاعةَ عِمَادُ الفضائل، ومَن فَقَدَهَا لم تَكْمُل فيه فضيلة.. قال الْحُكَماءُ: وأصلُ الخيرِ كُلِّه في ثباتِ القلبِ).


وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: (صَلاحُ بَنِي آدَمَ لا يَتِمُّ في دِينِهِمْ ‌ودُنْيَاهُمْ ‌إلاَّ ‌بالشَّجَاعَةِ والْكَرَمِ).


وذكَرَ ابنُ القيِّم في أسبابِ انشراحِ الصدرِ: (الشَّجاعةُ، فإنَّ ‌الشُّجاعَ ‌منشرحُ ‌الصدرِ، واسعُ البِطانِ، متَّسعُ القلبِ، والْجَبَانُ أضيقُ الناسِ صدرًا، وأحصرُهم قلبَاً، لا فَرْحَةَ له ولا سُرورَ، ولا لذةَ ولا نعيمَ إلاَّ مِن جنسِ ما للحيوانِ البهيم، وأمَّا سُرورُ الرُّوحِ ولذَّتُها ونعيمُها وابتهاجُها فَمُحرَّمٌ على كُلِّ جَبَانٍ، كَمَا هو مُحرَّمٌ على كُلِّ بَخيلٍ، وعلى كُلِّ مُعْرِضٍ عنِ اللهِ غافلٍ عن ذِكْرِه، جاهلٍ بهِ وبأسمائهِ تعالى وصفاتِه ودينهِ، مُتعلِّقِ القلبِ بغيره).


عباد الله:أمَّا عناصرُ الشجاعةِ، فلها خمسُ دعائمَ تقومُ عليها:

أولاً: العلم بنفع الفعل أو القول، قال ابنُ تيمية: (وَالْمَحْمُودُ مِنْهُا مَا كَانَ بِعِلْمِ وَمَعْرِفَةٍ؛ ‌دُونَ ‌التَّهَوُّرِ ‌الَّذِي ‌لا ‌يُفَكِّرُ صَاحِبُهُ ولا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَحْمُودِ وَالْمَذْمُومِ؛ ولِهَذَا كَانَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَصْلُحُ، فَأَمَّا الْمَغْلُوبُ حِينَ غَضَبِهِ فَلَيْسَ بِشُجَاعِ ولا شَدِيدٍ).

 

ثانياً: الإقدامُ باختياره بعد علمه لا مغلوباً على أمره.


ثالثاً: وجودُ المخاطرِ والمخاوفِ والمكارهِ، فمثلاً: الشجاعةُ في التجارةِ يعتريها الخسارة والغِش.


رابعاً: الصبرُ، قال الإمامُ ابنُ تيمية: (إنَّ جِمَاعَ الشجاعةِ هُوَ الصَّبْرُ؛ فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْهُ، ‌والصَّبْرُ ‌صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ وَصَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَعْظَمَ مِنْ جُرْعَةِ حِلْمٍ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ وَجُرْعَةِ صَبْرٍ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ، وَهَذَا هُوَ الشُّجَاعُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ، وَالْمُؤْلِمُ إنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثارَ الْغَضَبَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْحُزْنَ؛ وَلِهَذَا يَحْمَرُّ الْوَجْهُ عِنْدَ الْغَضَبِ لِثَوَرَانِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْقُدْرَةِ، وَيَصْفَرُّ عِنْدَ الْحُزْنِ لِغَوْرِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْعَجْزِ).


خامساً: الثباتُ حتى النهاية.


عباد الله: وأمَّا أصلُ الشجاعةِ فَمَحَلُّها القلبُ، ويَظهَرُ أثرُها على الجوارح، قال الإمامُ ابنُ تيمية: (الشَّجَاعَةُ لَيْسَتْ هِيَ قُوَّةُ الْبَدَنِ وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ قَوِيَّ الْبَدَنِ ضَعِيفَ الْقَلْبِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ ‌قُوَّةُ ‌الْقَلْبِ ‌وَثَبَاتُهُ).


وأمَّا أقسامها: فهي كسائرِ الأخلاقِ: فِطْريٌّ ومُكتَسَبٌ، (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ ‌النَّجْدَةَ ‌تَكُونُ ‌فِي ‌الرَّجُلِ فَيُحْسَدُ عَلَيْهَا كَمَا يُحْسَدُ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْمَالِ، قَالَ: «إِنَّ الْكَلْبَ يَهِرُّ عَلَى أَهْلِهِ») رواه أبو الشيخ في الأمثال بسند حسن، قال الخطابي: (قوله: «إنّ الكلبَ يَهِرُّ من وراء أهله» مَثَلٌ، ومعناه: أن النَّجْدَةَ والشَّجَاعَةَ غَريزَةٌ في الإنسانِ، فهو قد يَلْقَى الحربَ ويُقاتِلُ حمية لا حسبة، وضَرَبَ الكلبَ مَثَلاً إذْ كان من طَبْعهِ أنْ يَهِرَّ دون أهلهِ ويَذُبَّ عنهم).


وقالَ عُمُرُ رضيَ اللهُ عنه: (الْجُرْأَةُ ‌وَالْجُبْنُ ‌غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللهُ حَيْثُ شَاءَ، فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لا يَئُوبُ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ) رواه الإمامُ مالك.


وبإمكان المسلم اكتسابُ خُلُقِ الشجاعة، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبدِ القيسِ: («إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ، الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمُ اللهُ ‌جَبَلَنِي ‌عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا» قَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ) رواه أبو داود وحسنه لغيره مُحقِّقه، قال ابن القيم: (وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ مَا جَبَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ، كَالذَّكَاءِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلُقَ ‌قَدْ ‌يَحْصُلُ ‌بِالتَّخَلُّقِ وَالتَّكَلُّفِ).


وعن أبي الدرداء قال: (العِلْمُ بالتعلُّمِ، والْحِلْمُ بالتحَلُّمِ، ومِن يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَن يَتَوَقَّ الشرَّ يُوقه) رواه ابن حرب وصححه الألباني.


وأما دوافِعُها: فلقد قسَّم الراغبُ الأصفهاني دوافع الناس إلى الشجاعة لخمسة أنواع: شَجَاعَةٌ سَبُعِيَّة، كمن أقدم لثوران غضبه، وشجاعةٌ بهيمية، كمن مقصده التوصُّل إلى دُنيا، وشجاعةٌ تجريبية، كَمَنْ تَشَاجرَ مِراراً فلم يُهزم فجعل ذلك أصلاً يَبني عليه، وشجاعةٌ دينية، وشجاعةٌ حِكَمِية، وهي التي تكون عن تَمييزٍ بين المقبول وغيره ووضع الأشياء في مواضعها، وشجاعةٌ للرِّياء والسُّمعة.

 

أما بعد: فأمَّا وسائلُ اكتسابِ الشجاعةِ وكيفَ نُربِّي أولادَنا عليها، فمنها:

أولاً: الإيمانُ بأركانِ الإيمانِ الستَّةِ، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، وقال عَزَّ ذِكْرُه: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 151].


ثانياً: صِدْقُ التوكُّلِ على اللهِ وحُسْنُ الظَّنِّ بهِ، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وقال الْجُمَحِيُّ: (كَانَ أَنُو شِرْوَانُ يَكْتُبُ إِلَى مَرَازِبَتِهِ: عَلَيْكُمْ ‌بِأَهْلِ ‌الشَّجَاعَةِ ‌وَالسَّخَاءِ؛ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه ابنُ قتيبة، وقال ابن القيم: (والْجُبْن خُلُقٌ مذمومٌ عند جميع الخَلْق، ‌وأهل ‌الْجُبْن هُم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشجاعة والْجُودِ هم أهل حُسْن الظن بالله.. والشجاعةُ جُنَّةٌ للرَّجُلِ مِن الْمَكَاره، والْجُبنُ إعانةٌ منه لعدوِّه على نفسه، فهو جُنْدٌ وسلاحٌ يُعطيهِ عدوَّه ليُحاربه به).


ثالثاً: الإكثارُ مِن ذِكْرِ اللهِ: قال الصنعاني: (قَرَنَ اللهُ الأَمْرَ بالثَّباتِ لقِتَالِ أعدائِهِ وجِهَادِهِمْ بالأَمْرِ بذِكْرِهِ، كَمَا قالَ: ﴿ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأنفال: 45]، وقال عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 42، 43]، وقال الشوكانيُّ: (في أَمْرِهِ سُبحانَهُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وسلَّم أنْ سَتَدْفَعُ شَرَّ الْمُشْرِكينَ بالتَّسبيحِ: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130]، وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (وآمُرُكُمْ بذِكْرِ اللهِ كَثِيراً، ومَثَلُ ذِكْرِ اللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعاً فِي أَثَرِهِ، حتَّى أَتَى حِصْناً حَصِيناً فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ فيهِ، وكذلكَ العَبْدُ لا يَنْجُو مِنَ الشَّيْطَانِ إلاَّ بذِكْرِ اللهِ) رواه ابنُ خزيمة وصحَّحه.


رابعاً: اليقينُ، قال صلى الله عليه وسلم: (سَلُوا اللهَ العَفْوَ والعافيةَ واليقينَ في الآخِرةِ والأُولى) رواه الإمام أحمد وصحَّحه مُعلقه أحمد شاكر، وقال ابنُ تيمية: (ولا يُمْكِنُ الْعَبْدُ ‌أَنْ ‌يَصْبِرَ ‌إنْ ‌لَمْ ‌يَكُنْ لَهُ مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ وَيَتَنَعَّمُ بِهِ ويَغْتَذي بهِ وَهُوَ الْيَقِينُ).


خامساً: الصحبةُ والبيئةُ الصالحة وعدم التعلُّق بالدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (‌إِنَّ ‌الْوَلَدَ ‌مَبْخَلَةٌ ‌مَجْبَنَةٌ) رواه ابن ماجه وصحَّحه البوصيري.


سادساً: التقيُّد بضوابط الشجاعة، مِن مُجانبةِ الكِبْرِ، وتركِ الغضب، وعدم الخيانة، والابتعاد عن الفظاظة والغِلظة، والصبر.


سابعا: الإخلاص لله.


ثامناً: النظر في عواقب الْجُبن.


تاسعاً: الاقتداء بسير الأنبياء والصحابة والقراءة في سِيَرِهم.


عبد الله: الشَّجَاعَةُ إذنْ: تَحْمِلُكَ عَلَى عِزَّةِ النَّفْسِ وإِيثَارِ مَعَالِي الأَخْلاقِ والشِّيَمِ، وعَلَى الْبَذْلِ وَالنَّدَى، وتَحْمِلُكَ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْحِلْمِ، فَإِنَّكَ بفضلِ اللهِ ثمَّ بِقُوَّةِ نَفْسِكَ وَشَجَاعَتِهَا تُمْسِكُ عِنَانَهَا وَتكْبَحُهَا بِلِجَامِهَا عَنِ النَّزْغِ وَالْبَطْشِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ ‌الشَّدِيدُ ‌بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) متفق عليه.


وقال الطرطوشي: (إنَّ كل كريهةٍ تُدفع، أو مَكْرُمةٍ تُكتسبُ لا ‌تتحقق ‌إلا ‌بالشجاعةِ).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • خطب منبرية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة