• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة (خطبة)

مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 14/8/2025 ميلادي - 20/2/1447 هجري

الزيارات: 79

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مكانةُ الصحابةِ رضي الله عنهم في الكِتابِ والسُّنةِ

 

الحمدُ للهِ الهادي مَنِ استَهْدَاهُ، الواقي مَنِ اتَّقَاهُ، الكافي مَنْ تَحَرَّى رِضَاهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم عليهِ وعلى النبيِّينَ، وآلِ كُلٍّ والصحابةِ والتابعين، ما رَجَا راجٍ مَغْفِرَتَهُ ورُحْمَاهُ، آمينَ.


أما بعدُ: فيا أيها الناسُ اتقوا الله، واعْرِفُوا فضلَ وحُقوقَ أَصْحَابِ نبيِّكُم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

 

قال ابنُ مسعودٍ: (إنَّ ‌اللهَ ‌نَظَرَ ‌في ‌قُلُوبِ ‌العِبادِ فَوَجَدَ قَلْبَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ العِبادِ، فاصْطَفَاهُ لنَفْسِهِ، فابتَعَثَهُ برسالتهِ، ثمَّ نظَرَ في قُلُوبِ العِبادِ بعدَ قَلْبِ محمدٍ، فوَجَدَ قُلُوبَ أصحابهِ خيرَ قُلُوبِ العِبادِ، فجَعَلَهُم وُزَرَاءَ نبيِّهِ، يُقَاتِلُونَ على دينِهِ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه أحمد شاكر، فَمَنْ هُمُ الصحابة؟ وكَمْ عَدَدُهم؟ وأولُ مَن أَسْلَمَ منهم؟ وما مكانتُهم في القرآنِ الكريمِ والسُّنةِ الْمُشرَّفةِ وعِندَ أهلِ السُّنةِ والجماعة؟

 

الصحابيُّ كما قال الإمام البخاري: (مَن صَحِبَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أوْ رَآهُ مِنَ المسلمينَ ‌فهُوَ ‌مِن ‌أصحابهِ) انتهى، وقال عليُّ بنُ الْمَدِينيِّ: (مَن صَحِبَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ‌أوْ ‌رآهُ ‌ولو ‌ساعةً ‌مِن ‌نهارٍ فهوَ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) انتهى، وقال ابنُ حَجَر: (الصَّحابيُّ: مَن لَقِيَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُؤْمناً بهِ وماتَ على الإسلامِ) انتهى.

 

وأمَّا عَدَدُهُم: فَكَمَا قالَ كعبُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ في غزوةِ تبوك: (والمسلمونَ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كثيرٌ ‌ولا ‌يَجْمَعُهُم ‌كِتَابٌ ‌حافظٌ - يُرِيدُ الدِّيوانَ) رواه البخاري ومسلم، فليسَ مِن الْمُمْكِنِ حَصْرُهُم رضي الله عنهم ولا عَدُّهم إجمالاً.

 

وقال الخطيب البغداديُّ: (أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِن الرِّجالِ الأحرارِ: أبو بكْرٍ، ومِنَ الصِّبيانِ أوِ الأحداثِ: عليٌّ، ومِنَ النِّسَاءِ: خديجةُ، ومِن الْمَوالي: زَيْدُ بنُ حارِثةَ) انتهى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا باتفاقِ أهلِ العِلْمِ) انتهى.

 

وأما مَكَانَتُهُم: فإنَّ فضائِلَهُم وشَمَائِلَهُم رضيَ اللهُ عنهم في الكتابِ والسُّنةِ وكلامِ السَّلَفِ أكثرُ مِن أنْ تُحْصَرَ وأشْهَرُ مِن أنْ تُذْكَرَ؛ قال شيخ الإسلامِ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب رحمه الله: (والقُرآنُ مَشْحُونٌ مِن مَدْحِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم) انتهى.

 

مِن أعظمِ فضائِلِهم: أنَّ اللهَ أبلَغَ الثناءَ عليهم، فقال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]، وقال تعالى في المهاجرين والأنصار: ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 88، 89]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 74]، وقال عزَّ وجلَّ:﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]، وغيرُ ذلك من الآيات.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: (وأصحابي ‌أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فإذا ذهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِي ما يُوعَدُونَ) رواه مسلم، قال النووي: (مَعناهُ: ‌مِن ‌ظُهُورِ ‌البدعِ ‌والحوادِثِ في الدِّينِ والفِتَنِ فيهِ، وطُلُوعِ قَرْنِ الشيطانِ، وظُهُورِ الرُّومِ وغيرِهِم عليهِم، وانتهاكِ المدينةِ ومكَّةَ وغيرِ ذلكَ، وهذهِ كُلُّها مِن مُعْجِزاتهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) انتهى.

 

وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (خَيْرُكُمْ ‌قَرْنِي، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ) رواه البخاري ومسلم، وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (يَأْتِي على الناسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِن الناسِ، فيُقالُ لهم: فيكُمْ مَنْ رَأَى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ فيقُولُونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ ‌لَهُمْ، ثمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِن الناسِ فيُقَالُ لهم: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ فيقُولُونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ ‌لهم، ثمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ الناسِ فيُقالُ لهم: هلْ فيكُمْ مَن رأَى مَن صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ فيقُولُونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ ‌لهم) رواه البخاري ومسلم.

 

فَلِلَّهِ ما أعظمَ هذا التكريم الذي حَظِيَ به أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ما كانَ ولَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ سِوَاهُم بعدَ الأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلام.

 

وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (‌لا ‌تَسُبُّوا ‌أَصْحَابي، ‌لا ‌تَسُبُّوا ‌أَصْحَابي، فوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبَاً ما أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ) رواه البخاري ومسلم.

 

وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (‌احْفَظُوني في أَصْحَابي، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ) رواه ابنُ ماجه وصحَّحه الألباني، و(عنْ ‌عُقْبَةَ بنِ عامرٍ قالَ: صَلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على قَتْلَى أُحُدٍ، ثمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ للأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ، فقالَ: إنِّي ‌فَرَطُكُمْ ‌على ‌الْحَوْضِ، وإنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إلى الْجُحْفَةِ) رواه مسلم، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (‌وكُلُّكُمْ ‌مَغْفُورٌ ‌لَهُ) رواه مسلم، إلى غير ذلك من الأحاديث.

 

قال شيخ الإسلام: (وهذهِ ‌الأحاديثُ ‌مُستفيضةٌ بلْ مُتَواتِرَةٌ في فضائلِ الصحابةِ والثناءِ عليهِم، وتَفْضِيلِ قَرْنِهِمْ على مَنْ بَعْدَهُمْ مِن القُرُونِ، فالقَدْحُ فيهِمْ قَدْحٌ في القرآنِ والسُّنةِ) انتهى.

 

وأما عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة رضي الله عنهم: فَأَهْلُ السُّنةِ والجماعةِ يَعتقدون وُجُوبَ مَحَبَّةِ الصحابةِ والدُّعاءِ لَهُم رضي الله عنهم، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (‌آيَةُ ‌الإيمانِ ‌حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنصارِ) رواه البخاري، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الأنصارُ لا يُحِبُّهُم إلا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُم إلا مُنَافِقٌ، فمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، ومَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ) رواه البخاري ومسلم.

 

وأهلُ السُّنةِ يَعتقِدُون أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم كُلُّهم عُدُولٌ: قال الخطيب: (عَدَالَةُ الصحابةِ ثابتةٌ ‌مَعلُومَةٌ ‌بتعديلِ ‌اللهِ ‌لَهُمْ، وإخبارِهِ عن طَهَارَتِهِم، واخْتِيَارِهِ لَهُمْ في نَصِّ القُرآنِ) انتهى، وقال شيخ الإسلام: (الصحابةُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ باتفاقِ أهلِ العِلْمِ بالحديثِ والفِقْهِ) انتهى.

 

وأهلُ السُّنةِ يَعتقِدُون زندقةَ مَن يَنتقِصُ الصحابةَ رضي الله عنهم: قال أبو زُرعة: (إذا رأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ ‌أَحَدَاً مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَّ فاعْلَمْ أنهُ زِنْدِيقٌ، وذلكَ أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَّ عِندنا حَقٌّ، والقُرآنَ حَقٌّ، وإنما أَدَّى إلينا هذا القُرآنَ والسُّنَنَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَّ) رواه الخطيب وابن عساكر.

 

وقال الإمامُ الطَّحَاويُّ في عقيدته: (ونُحِبُّ أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولا نُفَرِّطُ في حُبِّ أَحَدٍ مِنهُم، ولا نَتَبَرَّأُ مِن أَحَدٍ مِنهُم، ونُبْغِضُ مَن يُبْغِضُهُم وبغيرِ الخيرِ يَذْكُرُهُم، ولا نَذكُرُهُم إلاَّ بِخَيْرٍ، وحُبُّهُم دِينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفاقٌ وطُغْيَاٌن) انتهى.

 

وبعدُ: فعليكُم عبادَ اللهِ بقراءة سِيَرِ الصحابةِ رضي الله عنهم، وخاصةً مَعَ أهلِ بُيُوتِكُم، ففيها تهذيبٌ للأخلاقِ، ودعوةٌ للاقتداءِ، وزيادةٌ في الإيمانِ، ورَفْعَاً للهِمَّةِ، وتعظيماً للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وهذهِ الْمَكاتبُ الإسلاميةُ مَلِيئَةٌ بكُتُبِ فضَائلِهِم وشمائلِهِم ومناقبهِم وسِيَرِهِم، ومنها: «فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ» للإمامِ أحمدَ، و «مَعْرِفَةُ الصَّحابةِ» ‌لابنِ ‌مَنْدَه، و«الاستيعابُ» لابنِ عبدِ البَرِّ، و «أُسُدِ الغابةِ» لابنِ الأثيرِ، و «الإصابةُ في تَمييزِ الصحابةِ» لابنِ حَجَرٍ، وغيرُها كثيرٌ.

 

وأخيراً كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فكُلُّ خيرٍ فيهِ المسلمونَ إلى يومِ القيامةِ مِن الإيمانِ والإسلامِ، والقُرآنِ والعِلْمِ، والْمَعارِفِ والعِباداتِ، ودُخُولِ الجنَّةِ والنَّجاةِ مِن النارِ، وانتِصارِهِم على الكُفَّارِ، ‌وعُلُوِّ ‌كَلِمَةِ ‌اللهِ، فإنما هُو ببركَةِ ما فَعَلَهُ الصحابةُ، الذينَ بَلَّغُوا الدِّينَ، وجاهدُوا في سبيلِ اللهِ، وكُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ باللهِ فلِلصَّحَابَةِ رضيَ اللهُ عنهُم عليهِ فَضْلٌ إلى يومِ القيامةِ) انتهى.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: فإنَّ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: (سَلامَةُ قُلُوبِهِمْ وألْسِنَتِهِمْ لأصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كمَا وصَفَهُمُ اللهُ بهِ في قولهِ: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]ﱠ، وطاعةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.. ويَقْبَلُونَ ما جاءَ بهِ الكِتابُ أوِ السُّنةُ أوِ الإجماعُ مِن فضائِلِهِم ومَرَاتِبِهِم، فيُفَضِّلُونَ مَن أَنْفَقَ مِن قبلِ الفَتْحِ - وهُوَ صُلْحُ الحديبيَةِ - وقاتَلَ على مَن أنفَقَ مِن بعدِهِ وقاتَلَ، ويُقَدِّمُون المهاجرينَ على الأنصارِ، ويُؤمنونَ بأنَّ اللهَ تعالى قالَ لأهلِ بَدْرٍ - وكانُوا ثلاثمائةٍ وبضْعَةَ عَشَرَ -: «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقدْ غَفَرْت لَكُمْ»، وبأنهُ: «لا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بايَعَ تَحْتَ الشَّجَرةِ»؛ كما أخبرَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بل قدْ رضيَ عنهُمْ ورَضُوا عنهُ، وكانُوا أكثَرَ مِن ألْفٍ وأرْبَعِمِائَةٍ، ويَشهدُون بالجنَّةِ لِمَن شَهِدَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ «كالعَشَرَةِ»، وكَثابتِ بنِ قَيْسِ بنِ شماسٍ، وغيرِهِم مِن الصحابةِ، ويُقِرُّونَ بما تَوَاتَرَ بهِ النَّقْلُ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه وغيرِهِ؛ مِنْ أنَّ خَيْرَ هذهِ الأُمَّةِ بعْدَ نَبيِّها: أبو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ويُثَلِّثُون بعُثمانِ، ويُرَبِّعُون بعَلِيِّ رضي الله عنهم؛ كما دلَّتْ عليهِ الآثارُ... ويُؤمِنُونَ: بأنَّ الخليفَةَ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أبو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثمَّ عُثمانُ، ثمَّ عَلِيٌّ رضي الله عنهم، ومَن طَعَنَ في خِلافةِ أحَدٍ مِن هؤُلاءِ الأئمَّةِ؛ فهُوَ أَضَلُّ مِن حِمَارِ أَهْلِهِ، ويُحِبُّونَ أهلَ بيتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويَتَوَلَّوْنَهُم، ويَحْفَظُونَ فيهِم وصِيَّةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ قالَ يومَ غَديرِ خُمٍّ: «أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي»، وقالَ أيضاً للعبَّاسِ عَمِّهِ؛ وقدْ شَكَا إليهِ أنَّ بعضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَني هاشِمٍ؛ فقالَ: «والذي نَفْسِي بيَدِهِ؛ لا يُؤْمِنُونَ حتَّى يُحِبُّوكُمْ للهِ ولِقَرَابَتِي».. ويَتَوَلَّوْنَ أزواجَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّهَاتِ المؤمنينَ، ويُقِرُّون: بأنَّهُنَّ أزواجُهُ في الآخِرَةِ، خُصُوصاً «خديجةَ» أُمَّ أكثرِ أولادِهِ، وأَوَّلَ مَن آمَنَ بهِ وعَاضَدَهُ على أَمْرِهِ، وكانَ لَها مِنهُ الْمَنزِلةُ العَلِيَّةُ، «والصِّدِّيقَةَ بنتَ الصِّدِّيقِ» التي قالَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ عائشةَ على النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ على سائرِ الطَّعامِ».. ومَنْ نَظَرَ في سِيرَةِ القَوْمِ بعِلْمٍ وبَصيرَةٍ وما مَنَّ اللهُ بهِ عليهِم مِن الفَضائِلِ؛ عَلِمَ يَقِيناً أنهُمْ خيرُ الخَلْقِ بعدَ الأنبياءِ، لا كَانَ ولا يَكُونُ مِثْلُهُم، وأنَّهُم هُمْ صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ مِن قُرُونِ هذهِ الأُمَّةِ التي هِي خيرُ الأُمَمِ وأَكْرَمُها على اللهِ) انتهى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة