• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

الخشية من الله تعالى (خطبة)

الخشية من الله تعالى (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 29/7/2025 ميلادي - 4/2/1447 هجري

الزيارات: 852

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخَشيةُ مِن الله تعالى

 

الحمدُ للهِ الْمَرْجُوِّ لُطْفُهُ وثَوَابُه، الْمَخُوفِ مَكْرُه وعِقَابُه، سبحانه وتعالى مِن إلهٍ عظيمٍ اختَصَّ بإزارِ العَظَمَةِ ورِداءِ الكبرياءِ، ويا لَهُ مِن رَبٍّ حكيمٍ استَبدَّ بالْخَلْقِ والأمرِ والفصلِ والقضاء، ويَختصُّ برحمتهِ مَن يَشَاء، وشَرَع لنا مِن الدِّيْنِ ما وصَّى به الأنبياء، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ولا مَثيلَ ولا شَبيهَ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيُّه ونبيُّه وخليلُه، صَلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ مِن غيرِ انتهاءِ.


أما بعد: فيا أيها الناسُ اتقوا الله واعبُدُوه ولذلكَ خَلَقَكُم، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، ألا وإنَّ مِن أعظمِ العِباداتِ القلبيَّةِ: الخشيةُ مِن الله تعالى، وهيَ واجبةٌ من واجباتِ الإيمان، وسِمَةٌ من سِماتِ أوليائِه الصالحين، ومَنزلةٌ سَلَكَها الأنبياءُ والمرسلون والملائكةُ الْمُقرَّبُون والصحابةُ والتابعون، فهي دليلُ معرفَتِكَ اللهَ وتعظيمَه، وتقديرَهُ حَقَّ قَدْرِه، ودليلُ إيمانِكَ الصادقَ وعبادَتَكَ الخالصة.


فما حقيقة الخشية من الله، وما أنواع وُرودِها في القرآن، وما منزلتها مِن الإيمان، وما ثمراتها.


عبادَ اللهِ: قال الراغب الأصفهانيُّ: (الخشيةُ: خوفٌ يَشُوبهُ تعظيمُ الْمَخْشِيِّ منهُ مع المعرفةِ به، ولذلكَ خُصَّ العلماءُ بها في قولِه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]) انتهى.


وقال ابن القيم: (الوَجَلُ والخوفُ والخشيةُ والرهبةُ ألفاظٌ مُتقاربةٌ غيرُ ‌مُتَرادِفَةٍ.. وَالْخَشْيَةُ ‌أَخَصُّ ‌مِنَ ‌الْخَوْفِ، فَإِنَّ الْخَشْيَةَ لِلْعُلَمَاءِ باللهِ.. فَهِيَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنِّي أَتْقَاكُمْ للهِ، وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» رواه مسلم.. فَالْخَوْفُ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْخَشْيَةُ لِلْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ، وَالْهَيْبَةُ لِلْمُحِبِّينَ، وَالإِجْلالُ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَعَلَى قَدْرِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ يَكُونُ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنِّي لأَعْلَمُكُمْ باللهِ، وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» أخرجه البخاري ومسلم، وقالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَلَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، ولَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلى اللهِ تعالى» أخرجه الترمذي.. وقالَ حَاتِمٌ الأَصَمُّ: «لا تَغْتَرَّ بِمَكَانٍ صَالِحٍ، فَلا مَكَانَ أَصْلَحُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَقِيَ فِيهَا آدَمُ مَا لَقِيَ، وَلا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ بَعْدَ طُولِ الْعِبَادَةِ لَقِيَ مَا لَقِيَ، وَلا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ بَلْعَامَ بْنَ بَاعُورَا لَقِيَ مَا لَقِيَ وكَانَ يَعْرِفُ الاسْمَ الأَعْظَمَ، وَلا تَغْتَرَّ بِلِقَاءِ الصَّالِحِينَ وَرُؤْيَتِهِمْ، فَلا شَخْصَ أَصْلَحُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِلِقَائِهِ أَعْدَاؤُهُ وَالْمُنَافِقُونَ») انتهى.


عباد الله: وَرَدتِ الخشيةُ في القرآن ثمانية وأربعين مرَّة، فذُكرت مُتعقلة بالاسم الشريف (الله) سبع مرات، وبلفظ الربوبية سبع مرات، وباسمه تعالى (الرحمن) مرتين، وبضمير المتكلِّم الخاصِّ بالله تعالى (واخشون) أربع مرات، وبضميرٍ يَعُودُ على الله تعالى عشر مرات، وذُكِرت مُتعلِّقةً بغيرِ الله تعالى ثمانيةَ عشرةَ مرَّة، خشية يوم القيامة مرتين، والخشية المتعلقة بالعباد عشر مرات، وخشية العباد ما لا يرجون ست مرات.


وتتلخص مادة خَشِي في القرآن الكريم إلى ثلاثة أنواع: الأول: خشيةُ العبادِ من الله، ويشتملُ هذا النوع على:

أولاً: خشيةُ الأنبياء، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾ [الأحزاب: 39]، وقال صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ ‌وَأَشَدُّهُمْ ‌لَهُ ‌خَشْيَةً) أخرجه البخاري ومسلم.


ثانياً: خشيةُ الملائكة: ﴿ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28]، و(قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْمَلإِ الأَعْلَى، وَجِبْرِيلُ ‌كَالْحِلْسِ ‌الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ») أخرجه الطبرانيُّ في الأوسط وصحَّحه السيوطيُّ والألباني.


ثالثاً: خشيةُ الحِجارةِ مِن الله: قال عزَّ وجلَّ: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، وقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].


رابعاً: خشيةُ المؤمنين، وعلى قَدْرِ العِلْم باللهِ تكونُ الخشيةُ له سبحانه، قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقال تعالى: ﴿ وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ [الأنبياء: 48، 49]، وقال تعالى وتقدَّس: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12].


وتشتملُ خشيةُ المؤمنين: أولاً: على أمرِ اللهِ المؤمنين بخشيتهِ والنهيِ عن خشيةِ المشركين، قال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾ [المائدة: 3]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 13].


ثانياً: خشيةُ أهوالِ يومِ القيامةِ، قال سبحانه وبحمده: ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 49]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾ [النازعات: 45].


ثالثاً: اهتمامُ القرآنِ بأهلِ الخشيةِ، قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].


رابعاً: انتفاعُ أهلِ الخشيةِ بالإنذارِ، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ [فاطر: 18]، وقال سبحانه: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾ [الأعلى: 10]، وقال سبحانه: ﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [طه: 3].


خامساً: وصفُ أهلِ الخشيةِ، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الزمر: 23]، و(قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا ‌اقْشَعَرَّ ‌جِلْدُ ‌الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيابسَةِ وَرَقُهَا») رواه البزار وصححه ابن حجر.


سادساً: جزاؤهم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لأَهْلِهِ: ‌إِذَا ‌مَاتَ ‌فَحَرِّقُوهُ، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ في الْبَرِّ ونِصْفَهُ في الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، و(قالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَلِجُ النَّارَ ‌رَجُلٌ ‌بَكَى ‌مِنْ ‌خَشْيَةِ ‌اللهِ حتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، ولا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سَبيلِ اللهِ ودُخَانُ جَهَنَّمَ») أخرجه الترمذيُّ وصحَّحه، وذكَرَ صلى الله عليه وسلم من السبعة الذينَ يُظِلُّهُم الله في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: (وَرَجُلٌ ‌ذَكَرَ ‌اللهَ ‌خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) أخرجه البخاري ومسلم، وأخرجه الْجَوْزَقِيُّ بلفظ: (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِن خَشَيْةِ اللهِ) انتهى، و(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْباً يَقُولُ: «لأَنْ أَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى حتَّى تَسِيلَ دُمُوعِي عَلَى وَجْنَتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِوَزْنِي ذَهَبَاً، والَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ، ‌مَا ‌مِنْ ‌عَبْدٍ ‌مُسْلِمٍ ‌يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى تَقْطُرَ قَطْرَةً مِنْ دُمُوعِهِ عَلَى الأَرْضِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ أَبَدَاً حَتَّى يَعُودَ قَطْرُ السَّمَاءِ الَّذِي وَقَعَ إِلَى الأَرْضِ مِنْ حَيْثُ جَاءَ ولَنْ يَعُودَ أَبَدَاً») أخرجه ابنُ أبي شيبة بسندٍ صحيح.


والنوعُ الثاني: خشيةُ العِبادِ بعضِهِم بعضاً، ويشتملُ على:

أولاً: خشيةُ هارونَ كلام موسى،﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ [طه: 94].


ثانياً: خشيةُ العبدِ الصالِح دفعَ الغلامِ والديهِ إلى الكُفر، ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [الكهف: 80].


ثالثاً: المؤمنون لا يخشون الكافرين، ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].


رابعاً: خشية المنافقين الدوائر،﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 52].


والنوعُ الثالثُ: خشيةُ العبادِ ما لا يرجون، ويشتملُ على:

أولاً: خشيةُ الآباءِ تركَ ذريةٍ ضِعافاً،﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].


ثانياً: خشية الشبابِ العَنَت،﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ ﴾ [النساء: 25].


ثالثاً: خشيةُ المشركين الفقر﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].

 

الخطبة الثانية

أمَّا بعد: وأما عن ثَمَراتِ خشيَتِكَ وخوفِكَ مِن الله: فمنها أنه يدفَعُك لفعل الطاعات، ويَكُفُّكَ عن المحرمات، فأنتَ تُؤمنُ باطِّلاع الله عليكَ ونظَرِهِ إليكَ: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فإذا عَلِمْتَ مراقبةَ اللهِ، وأنه أقربُ إليكَ مِن حبلِ الوريد، وأنه مَعَكَ حيث كُنتَ حملك هذا العِلم على الخوف منه وترك ما يُغضبه، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله: (إنَّ الْخَوْفَ مِنْ اللهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِهِ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ خَشْيَتَهُ، ‌وَخَشْيَتُهُ ‌تَسْتَلْزِمُ طَاعَتَهُ) انتهى.


إنَّ خوفَكَ وخشيتَك مِن الله يدعوكَ إلى محاسبة نفسك، وإلجامها بلجام التقوى، والبُعد عن الكِبْر والعُجب والرياء والحسد، وجميعِ ما يُسخط الرَّب، وتتذكر موقفك بين يدي الله فيزداد إيمانك وخشيتك لربك سبحانه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35].

 

عبدَ اللهِ:إذا كُنتَ بالله أعرف كُنتَ منه أخوف، ولهذا يقول تعالى عن أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، وكان نبيُّنا صلى الله عليه وسلّم (إذا صلَّى يُسمع لصدره أزيزٌ كأزيز الْمِرْجل) رواه الإمام أحمد وصححه محققو المسند، و(كان صلى الله عليه وسلم إذا حزَبَه أَمْرٌ صلّى) رواه أبو داود وحسَّنه ابن حجر، و(كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: إِنِّي ‌خَشِيتُ ‌أَنْ ‌يَكُونَ ‌عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي) رواه مسلم، وهو القائل صلى الله عليه وسلّم: (فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ ‌وَأَشَدُّهُمْ ‌لَهُ ‌خَشْيَةً) متفق عليه. وقال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلّم: (أَوْصِنِي؟ قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ ‌تَسْتَحِيَ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ كَمَا ‌تَسْتَحِي رَجُلاً صَالِحاً مِنْ قَوْمِكَ») رواه الإمام أحمد في الزهد وصححه الألباني.


اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وبَيْنَ مَعَاصِيكَ، آمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة