• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / مقالات


علامة باركود

كلام الرب سبحانه وتعالى (1) الأوامر الكونية.. والأحكام الشرعية (خطبة)

كلام الرب سبحانه وتعالى (1) الأوامر الكونية.. والأحكام الشرعية (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 22/10/2025 ميلادي - 1/5/1447 هجري

الزيارات: 1595

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كلام الرب سبحانه وتعالى (1)

الأوامر الكونية.. والأحكام الشرعية

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الْأَعْلَى: 2-5]، نَحْمَدُهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ وَجَزِيلِ عَطَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الرَّبُّ الْمَعْبُودُ، وَالْإِلَهُ الْمَحْمُودُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَاحِبُ اللِّوَاءِ الْمَعْقُودِ، وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَاقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَلَنْ تَبْلُغُوا ذَلِكَ مَهْمَا فَعَلْتُمْ، وَلَكِنْ أَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا؛ فَإِنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي أَفْعَالِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَى عِبَادِهِ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا؛ ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 255].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: صِفَةُ الْكَلَامِ صِفَةُ كَمَالٍ فِي الْبَشَرِ، فُضِّلُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَهِيَ عَجْمَاوَاتٌ لَا تَتَكَلَّمُ؛ ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 1-4]، وَكُلُّ كَمَالٍ فِي الْبَشَرِ فَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ أَوْلَى بِهِ؛ وَلِذَا أَثْبَتَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَةَ الْكَلَامِ لَهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فَكَلَامُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ لَا يُمَاثِلُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا تُمَاثِلُ ذَوَاتَ الْمَخْلُوقِينَ وَصِفَاتِهِمْ.

 

وَالْأَدِلَّةُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَسَالِيبَ مُنَوَّعَةٍ، وَفِي سِيَاقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، تَارَةً بِمُخَاطَبَةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [الْبَقَرَةِ: 30]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 11]، وَتَارَةً بِمُخَاطَبَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ كَمَا خَاطَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 11-14]، وَخَاطَبَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 55]، وَتَارَةً يُصَرِّحُ بِكَلَامِهِ سُبْحَانَهُ لِبَعْضِ رُسُلِهِ: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ: 164]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الْأَعْرَافِ: 143]، وَتَارَةً يَنْسِبُ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ إِلَى كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ؛ كَمَا قَالَ فِي التَّوْرَاةِ الْمُنَزَّلَةِ: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 75]، وَالْيَهُودُ إِنَّمَا حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ، وَهِيَ مِنْ كَلَامِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ مُخَاطِبًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التَّوْبَةِ: 6]؛ أَيِ: الْقُرْآنَ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْمُنَافِقِينَ: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [الْفَتْحِ: 15]؛ وَلِذَا جَازَ الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ، كَمَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا كُتُبٌ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مِنْ كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ.

 

وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَوْعَيْنِ: كَلَامٌ قَدَرِيٌّ كَوْنِيٌّ؛ خَلَقَ بِهِ سُبْحَانَهُ الْخَلْقَ، وَقَدَّرَ بِهِ الْقَدَرَ، وَكُلُّ مَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ بِأَمْرِهِ الْكَوْنِيِّ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 54]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 32]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [الْحَجِّ: 65]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الرُّومِ: 25]، وَكَلَامُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ لَا يُحْصَى وَلَا يَنْفَدُ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَعَايِشَهُمْ، وَحَيَاتَهُمْ وَمَوْتَهُمْ، وَحَرَكَتَهُمْ وَسُكُونَهُمْ، وَكُلَّ شُؤُونِهِمْ؛ إِنَّمَا قَامَ بِأَمْرِهِ الْكَوْنِيِّ سُبْحَانَهُ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الْكَهْفِ: 109]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾ [لُقْمَانَ: 27].

 

وَمِنْ خَصَائِصِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَمْرٍ كَوْنِيٍّ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 117]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النَّحْلِ: 40]، فَلَا يُغَيَّرُ وَلَا يُبَدَّلُ؛ ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 115]، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَمَّا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [يُونُسَ: 64].

 

وَمِنْ خَصَائِصِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ يُسْتَعَاذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعَاذَةٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، ‌أَعُوذُ ‌بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَالْنَوْعُ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى: كَلَامُهُ الدِّينِيُّ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي الَّتِي نَزَلَتْ بِهَا كُتُبُهُ، وَبَلَّغَتْهَا رُسُلُهُ، وَفَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ، وَجَعَلَهَا مَعْقِدَ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، وَسَبَبَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَهِيَ أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ فِي كُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا، وَمَا بَلَّغَهُ رُسُلُهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.


وَمِنْ خَصَائِصِهَا: امْتِحَانُ الْبَشَرِ بِهَا، وَتَخْيِيرُهُمْ فِيهَا؛ فَمَنْ قَبِلَهَا وَأَذْعَنَ لَهَا كَانَ مِنَ النَّاجِينَ الْفَائِزِينَ، وَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْهَا وَرَفَضَهَا كَانَ مِنَ الْخَاسِرِينَ الْمُعَذَّبِينَ؛ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 35-36].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.


وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، قَائِمٌ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَلَا بِدَايَةَ لَهُ، وَلَا نِهَايَةَ لَهُ، وَهُوَ مَا يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمَ النَّوْعِ؛ أَيْ: أَنَّهُ مُوَصُوفٌ بِالْكَلَامِ مُنْذُ الْأَزَلِ، وَمُلَازِمٌ لِذَاتِهِ، وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ﴾ [الْحَدِيدِ: 3]، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ، مَتَى شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ؛ فَتَكَلَّمَ بِكُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا؛ فَكَلَامُهُ بِالتَّوْرَاةِ غَيْرُ كَلَامِهِ بِالْإِنْجِيلِ، وَغَيْرُ كَلَامِهِ بِالْقُرْآنِ، وَيُكَلِّمُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، وَيُكَلِّمُ أَهْلَ الْجَنَّةِ. وَهَذَا مَا يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاءُ حَادِثَ الْآحَادِ، أَوْ مُتَجَدِّدَ الْآحَادِ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 5]؛ أَيْ: مُتَجَدِّدٌ. فَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى غَيْرُ كَلَامِهِ لِعِيسَى، وَغَيْرُ كَلَامِهِ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَأَزْمَانُ ذَلِكَ تَخْتَلِفُ؛ فَزَمَنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى فِي الْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى، يَخْتَلِفُ عَنْ زَمَنِ كَلَامِهِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ مُكَلِّمًا مَنْ شَاءَ، مَتَى شَاءَ، بِمَا شَاءَ. وَكَذَلِكَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ بِشَرْعِهِ مُتَجَدِّدٌ؛ وَلِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ مُفَرَّقًا، وَكَانَتِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مُتَدَرِّجَةً، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كُنَّا بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، حَتَّى قَضَوُا الصَّلَاةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْدِثُ فِي أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أُحْدِثَ مِنْ أَمْرِهِ: أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَقَدْ ضَلَّتْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي صِفَةِ الْكَلَامِ، وَنَفَوْهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَطَّلُوهُ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَجْلِ أَقِيسَةٍ عَقْلِيَّةٍ، وَقَوَاعِدَ فَلْسَفِيَّةٍ، أَخَذُوهَا عَنْ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ؛ فَضَرَبُوا بِهَا نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَعَطَّلُوا الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا رَبَّهُمْ مِنْ كِتَابِهِ، وَكَلَامِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بَلْ عَرَفُوهُ مِنْ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الضَّلَالِ، وَنَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ إِلَى الْمَمَاتِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة