• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويسأ. د. عبدالحليم عويس شعار موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات


علامة باركود

صمونجي بابا

صمونجي بابا
أ. د. عبدالحليم عويس

تاريخ الإضافة: 6/4/2013 ميلادي - 26/5/1434 هجري

الزيارات: 10601

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإخلاص وإنكار الذات (2)

صمونجي بابا


الإخلاص سرُّ القَبول والنجاح في كل عمل، وكلُّ عمل مجرد من الإخلاص سرعان ما يذبل، ويفتضح أمرُ صاحبه، ومهما كان ظاهر العمل طيبًا إلا أنه مجرد من الإخلاص، فإنه يُرَدُّ على صاحبه، فلا يستفيد منه دُنيا ولا آخرة، وأعتقد أنهم عندما قالوا هذا المثل: (اتقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه)، كانوا يقصدون الذي أحسنت إليه وتنتظر منه المعاملة بالمثل، لكن الذين يبتغون بإحسانهم وجهَ الله وحده، ولا يطمعون في الناس، هؤلاء لا يَأْبَهون - أصلاً - بموقف الناس منهم، حتى وإن أحزنهم غدرُ الغادرين؛ لأن ما عند الله سيعوضهم خيرًا أعظم من كل جزاء دنيوي!

 

وقد قدَّم لنا تاريخ الإخلاص والزهد فيما عند الناس صفحةً رائعة من حضارتنا، تحتاج إلى تتبُّع وتأريخ.

 

ولا تخلو حياةُ عالِم كبير، ولا مجاهد عظيم، ولا زاهد من الزهاد - من صورٍ كريمة تعكس إخلاصه وإنكاره لذاته وتجرُّده لله، وقد بلغ بعضهم في ذلك مبلغًا عظيمًا، لدرجة أن الإمام السجَّاد (الذي لقِّب بالسجاد؛ لكثرة سجوده) علي بن الحسين، الملقب بـ (زين العابدين) - اكتشفوا بعد موته عشراتِ البيوت التي كان يَحمِل لها بنفسه الصدقات، متنكرًا في جوف الليل، وأصحاب هذه البيوت لا يعرفون أن الذي يحمل لهم القُوت بنفسه هو الإمام الكبير (علي بن الحسين بن علي)، سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

وفي التاريخ كله - عبر بلدان حضارة الإسلام الكثيرة - تَلمَح في كل مدينة عَلمًا من الأعلام يعمل كثيرًا من هذه الأعمال دون أن يشعر به أحد، فهو لا يريد إلا (وجه الله)، ولا يسعى لشهرة تُحبِط عملَه، أو رياءٍ قد يمنع قبولَ الطاعة.

 

ومن أطرف ما ورد في باب الإخلاص وإنكار الذات قصةُ ولي من الأولياء زهد في الدنيا كلها، حتى في أن يعرف الناس أنه عالِم فقيه من أكبر فقهاء عصره، وكان اسم هذا الولي الأصلي (حامد أقصر إيلي)، لكنه عُرِف بين أهل مدينة (بورصة بتركيا) باسم (صمونجي بابا)؛ لأنه كان يبيع نوعًا من الخبز يخبزه بنفسه ويمتاز بنظافته ولذَّته، يسمَّى خبز (الصمون)، وكان (حامد - صمونجي بابا) قد سافر في طلب العلم إلى الشام، وتِبْرِيز، وأردبيل بإيران، والتقى بالعالم الكبير (علاء الدين) الأردبيلي ولازمه، وبقي في خدمته ينهل من علمه سنوات عديدة، وتعلَّم منه التدرج في مسالك التقوى والزهد، ثم عاد ليستقر في مدينة (بورصة) في عهد السلطان (بايزيد الأول)، خلال النصف الثاني من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، وفيها صنع لنفسه فرنًا في بيته يخبز فيه، ويبيع الخبز، ويعيش على هذا، ويتفرَّغ بقية وقته للعبادة والعلم، وما رغب قط أن تعرف حقيقة علمه، أو ورعه، أو زهده، أو فضله.

 

وقد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فعندما أتم السلطان (بايزيد الأول) بناء مسجده الجامع الكبير - المعروف حتى اليوم باسمه - قرَّر افتتاح المسجد بخطبة الجمعة فيه أثناء حضوره، وعندما حان وقت الخطبة، وكان (صمونجي بابا - بائع الخبز) حاضرًا، وكان العالم (أمير سلطان) يعرف حقيقة علمه وفضله، فاستحيا أن يُلقِي الخطبة أمامه؛ ولهذا وقف أمام المنبر، ثم أشار إلى (صمونجي بابا)، وقال للسلطان وللحاضرين: "ليس في هذا الجامع مَن هو أحق من هذا الرجل - (صمونجي بابا - بائع الخبز) - بإلقاء الخطبة في هذه المناسبة العظيمة"، وكما يقول المؤرخ والباحث التركي المعاصر (أورخان محمد علي): "فقد اندهش الحاضرون من هذا الكلام، وأحسَّ (صمونجي بابا) بحرجٍ شديد، وشعر بأن أمره قد انكشف".

 

لكنه لم يَملِك إلا أن يقوم من مكانه مضطرًّا ويتجه إلى المنبر، والأنظار مصوَّبة إليه، وقبل أن يصعد المنبر مال على أذن العالِم الكبير (أمير سلطان)، وهمس في أذنه معاتبًا: "لقد كشفتَنِي أمام الناس جميعًا، ماذا فعلت يا أخي؟!".

 

وقد ألقى (صمونجي بابا) خطبتَه في تفسير سورة الفاتحة من سبعة وجوه، فكان تفسيره رائعًا أخذ بمجامع القلوب.

 

لدرجة أن أحد العلماء الكبار الحاضرين قال: "إن تفسيره الأوَّل للفاتحة فَهِمَه الجميع، والثاني فهمه البعض، والثالث فهمتْه القلَّة (أي: الخاصة)، والرابع إلى السابع كان فيضًا إلهيًّا فوق طاقة إدراك الجميع، لكأنه كان يتكلم من أنوار سماوية علوية!".

 

وانتشر خبر (صمونجي بابا) في أرجاء العاصمة التركية آنذاك (بورصة).

 

وبعد يومين رحل الولي الصالح عن المدينة إلى مدينة أخرى يبيع فيها الخبز، وينشر الخير بطريقته الخاصة، بعيدًا عن رائحة الشهرة والرياء - رحمه الله.

 

وكم في حضارتنا من صور رائعة يرتفع فيها المخلصون المتواضعون إلى درجة ملائكية، مع علمهم وفضلهم وقدرتهم على أن يكونوا في أرغد عيش وأرفع مكانة!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • حوارات خاصة
  • تفسير القرآن ...
  • قالوا عنه
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة