• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الدكتور صغير بن محمد الصغيرد. صغير بن محمد الصغير الدكتور صغير بن محمد الصغير عليه وسلم
شبكة الألوكة / موقع د. صغير بن محمد الصغير / خطب مكتوبة
لمراسلة الدكتور صغير الصغير


Tweets by d_sogher
علامة باركود

{فأسرها يوسف في نفسه...} {نفقد صواع الملك}.. تدبرات (خطبة)

{فأسرها يوسف في نفسه...} {نفقد صواع الملك}.. تدبرات (خطبة)
د. صغير بن محمد الصغير


تاريخ الإضافة: 9/12/2025 ميلادي - 19/6/1447 هجري

الزيارات: 102

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(فأسرَّها يوسفُ في نفسه… ) (نفقد صواع الملك).. تدبرات


الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله..

﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾ [ يوسف: 77]، آيةٌ قصيرةٌ لكنها تختصر رحلة من الألم الإنساني: ظلمٌ يقع على يد أقرب الناس إليك، وقلبٌ يمتلئ بما لا يستطيع أن يقوله، وموقفٌ يتطلّب من القوة أكثر مما يتطلّبه الانتقام، ولهذا: أسرَّها يوسف في نفسه ﴿ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾.

 

يوسف -عليه السلام- كان قادرًا على ردّ الكلمة بكلمة، وعلى كشف ما أخفاه لسنوات، لكن الصدّيق الكريم اختار الصمت، ليس صمت الضعف، بل صمت المؤمن الذي يزن كلماته بميزان التقوى، ويُرجئ ردّ الفعل إلى لحظة تهدأ فيها النفس وتستقيم الروح.

 

هذا النوع من الصمت عبادة، وضبطٌ للنفس، وتربيةٌ على ألا تُقال كل الحقيقة في لحظتها، وألا يتحول الألم إلى حقدٍ يلوث القلب. وفي هذا المشهد درسٌ شرعيٌّ عظيم: المؤمن حين يُؤذى من قريبٍ أحسن إليه، لا يجعل الأذى يسلبه خلقه، ولا يردّ الإساءة بمثلها، يسكت لأن الله يسمع، ويكتم لأن الله يعلم، ويحتسب لأن الله لا يضيع أجر المحسنين. وما دامت شكواه إلى رب العالمين، فلن يخيب قلبٌ توجه إلى السماء قبل الأرض.

 

ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحدٍ؟ قال: لَقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وأَنَا مَهْمُومٌ علَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلَّا وأَنَا بَقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بسَحَابَةٍ قدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فَقالَ: ذلكَ فِيمَا شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ؟ فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا"[1].


قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]، وقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

وإذا تأملنا في قوله جل وعز: ﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾ [يوسف: 77]. سنجد أن الله يعلمنا كيف نحمي قلوبنا من الانكسار؛ فالقلب الذي يمتلئ بالغضب والحقد يعاقب صاحبه قبل أن يعاقب الظالم، أما القلب الذي "يُسِرُّ" الألم في داخله بينه وبين ربه، فيخرج منه أقوى، وأنقى، وأقدر على تجاوز الجراح، فيوسف -عليه السلام- لم يكن صخرًا جلموداً؛ بل بكى وتألم، لكنه لم يترك الألم لينقش في نفسه أو يُشكّل شخصيته أو يفسد صفاء روحه.

 

علّمنا يوسف -عليه السلام- أن الحزن حق، لكن تحويله إلى كراهية خطأ، وأن حفظ كرامة النفس أهم من تسجيل الانتصار اللحظي، ومن أعظم الدروس الإنسانية في هذه الآية أن الإحسان لا يُلغيه ظلم الناس، فقد يؤذيك من كنت له سندًا، وقد يخذلك من كان يستند عليك، لكن هذا لا يفسد هُويتك ولا يغيّر معدنك، فأنت تُحسِن لأنك عبدٌ لله، لا ابتغاء شكر الناس، وإذا ظلمك من أحسنت إليه فذلك لا يعني أن إحسانك كان خطأ؛ بل يعني أن الله يريد أن يرفعك بموقف يُوجعك، ليعطيك بعده ما لا يعطيه لغيرك.

 

وحين جمع الله يوسف وإخوته مرة أخرى، لم يُذكّرهم بظلمهم، ولم يمن عليهم ولم يقل لهم: ألم أفعل؟ ألم أحسن؟ بل قال: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92] إن هذه الكلمة العظيمة لا يقولها إلا من تجاوز جراحه، وارتفع فوق الماضي، وامتلأ قلبه بنور يقينٍ لا ينتظر اعتذارًا ولا اعترافًا. وهكذا يفعل الله بالمظلوم: يعيده إلى المشهد لا ليكسر خصومه، بل ليكشف له كم أصبح أعظم منهم.

 

فإذا ظلمك قريبٌ أحسنت إليه، فلا تحزن حدّ الانكسار، ولا تغضب حدّ التشوّه، واجعل غضبك عند الله، وحقّك عند الله، وصبرك لله، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قَدِمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ علَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيْسٍ، وكانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ ومُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أَخِيهِ: يا ابْنَ أَخِي، هلْ لكَ وَجْهٌ عِنْدَ هذا الأمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لي عليه؟ قالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لكَ عليه، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ له عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه قالَ: هِيْه يا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ ما تُعْطِينَا الجَزْلَ، ولَا تَحْكُمُ بيْنَنَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ به، فَقالَ له الحُرُّ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عِنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف:199]، وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللَّهِ ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عليه، وكانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ"[2].

 

فيا أخي المبتلى، سيأتي يوم يعوّضك الله فيه أضعاف ما أخذ منك، ويُريك فيه حكمة ما ظننته يومًا وجعًا. وبين "أسرّها في نفسه" وبين "لا تثريب عليكم اليوم" رحلةٌ كاملة من التربية الإلهية، لا يسير فيها إلا من سلّم قلبه لله، ومن سلّم قلبه لله في لحظة الظلم، أعاده الله إلى لحظة النصر، وقد صار أكبر من كل ما مرّ به.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

أما بعد:

فحين نادى المنادي في زمن يوسف -عليه السلام-: ﴿ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 72] لم يكن ذلك الإناء مجرد متاعٍ فقدته الخزائن، بل كان رمزًا لهيبة تلك الدولة، وصرخة تُعلن أن شيئًا من ملكها ضاع، وأن إصلاح الخلل واجبٌ لا يُؤخَّر.

 

كانت الدولة يومئذ تستنفر رجالها لأن صواعًا واحدًا فُقِد، فكيف بمن يتساهل من الموظفين في زماننا بالمال العام، ويضيع فيه عشرات "الصِّواع" من الأموال، والقرارات، والحقوق، والوظائف، والأنظمة، بفعل الفساد الإداري، والتهاون، والسكوت عن التجاوزات؟

 

إن الفساد الإداري ليس خطأً فرديًّا، ولا هفوةً عابرة، بل هو غُلولٌ حرّمته الشريعة، وأعلنت براءتها منه نصوصٌ صريحة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 108]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، وقال عز وجل محذرًا: ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 161].

 

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أقلَّ تحذيرًا، بل قال في أعظم بيان يُصيب القلوب برجفة: "ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ" [3] فالغش الإداري -سواء كان بتضييع الأمانة، أو استغلال المنصب، أو محاباة غير المستحقين- هو طريقٌ موصد لا يؤدي إلى الجنة.

 

وإذا كان فقدُ صُواعٍ واحد قد استنهض الملك وجنوده، فإن الفساد الإداري اليوم يُفقد الأمة صواعها الحقيقي: ثقتها، ونزاهتها، وقوتها، وحق الأجيال الحالية والقادمة في عيش كريم. إن مواجهة الفساد ليست خيارًا، بل واجبٌ شرعي دلّ عليه قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

 

فالتعاون على كشف الفساد، ورفع التجاوزات، ونصح المسؤول، ومنع الظالم؛ كلها أبواب من البرّ والتقوى، لا يستقيم المجتمع إلا بها. وفي الحديث: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: "تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ"[4] فهذه النصوص وغيرها تضعنا أمام حقيقة جليّة: أن من رأى فسادًا وسكت، فقد أعان على ضياع صُواع الأمة، وإن لم يمسّه بيده.

 

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم



[1] رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795).

[2] رواه البخاري (4642).

[3] رواه البخاري (7150)، ومسلم (142).

[4] رواه البخاري (2444).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب وبحوث
  • مقالات
  • خطب مكتوبة
  • صوتيات
  • الاستشارات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة