• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الدكتور صغير بن محمد الصغيرد. صغير بن محمد الصغير الدكتور صغير بن محمد الصغير عليه وسلم
شبكة الألوكة / موقع د. صغير بن محمد الصغير / خطب مكتوبة
لمراسلة الدكتور صغير الصغير


Tweets by d_sogher
علامة باركود

نماذج من سير الأتقياء والعلماء والصالحين (11) القاضي أبو يوسف رحمه الله

نماذج من سير الأتقياء والعلماء والصالحين (11) القاضي أبو يوسف رحمه الله
د. صغير بن محمد الصغير


تاريخ الإضافة: 5/10/2025 ميلادي - 13/4/1447 هجري

الزيارات: 337

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نماذج من سير الأتقياء والعلماء والصالحين (11)

القاضي أبو يوسف رحمه الله


الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها الإخوة:في مدينة الكوفة، التي كانت يومًا عاصمة للخلافة، ومنارة للعلم والفقه والرأي، وفي عام ثلاثة عشر ومائة للهجرة، أبصر النورَ غلامٌ نحيل في بيت يلفه الفقر المدقع. نشأ فقيراً، حتى قيل إنه لم يكن يجد أحياناً ما يستر به جسده. كان أبوه، بحرقة قلب الأب الفقير، يرى في العلم مضيعة للوقت، يأخذ بيد ابنه الصغير من حلقات الدرس ويقول له: "إن العلم لا يغنيك من الفقر شيئاً"[1]، وكان يقول أيضاً: "يا بني، لا تكابد هذا، فإن الخبز أهم لك من العلم، إن أبا حنيفة رجل شبعان، وأنت محتاج"[2]، كان منطق الأب هو منطق البطون الخاوية، منطق الواقع المرير الذي لا يتحمله إلا من رحم الله.

 

ولكن قلب الغلام كان قد أُشرب حب العلم، وتعلق به تعلق الظمآن بالماء الزلال في اليوم القائظ. وجد في حلقات العلم ما لم يجده في أي مكان آخر، وجد فيها حياة روحه، وغذاء عقله. جلس عند أقدام شيوخ الكوفة، فأخذ عن ابن أبي ليلى[3] وغيره، لكن قلبه وعقله تعلّقا بذلك الإمام الفذ، جبل الفقه، أبي حنيفة النعمان رحمه الله. لازمه ملازمة الظل، فكان أنجب تلاميذه وأعلم أصحابه. لقد رأى فيه الإمام أبو حنيفة فطنة ونباهة، وتفرس فيه مستقبلاً عظيماً، فكان يعينه على فقره ويحثه على مواصلة الطلب.

 

حديثنا عن القاضي، الإمام المجتهد، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير الأنصاري، المعروف بأبي يوسف رحمه الله رحمة واسعة.

 

رُوي أن أمَّ أبي يوسف جاءت إلى الإمام أبي حنيفة فقالت: "إن هذا الصبي قد أفسَدتَه، لا يكسب شيئاً"، فقال لها أبو حنيفة: "يا هذه، اصبري عليه، فإنه سيتعلم العلم، ويأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحاف الذهب مع الخلفاء"[4].

 

لقد صدقت فراسة الإمام، فقد أصبح أبو يوسف بحق حامل لواء المذهب الحنفي بعد شيخه. ولم يكن مجرد ناقلٍ أو مقلدٍ أعمى، بل كان إماماً مجتهداً، له عقله ونظره، يناقش ويحاور، ويخالف شيخه في بعض المسائل الفقهية، ومع ذلك، بقي طوال حياته يحفظ لشيخه مكانته، ويجلّه أيما إجلال، ويعترف بأنه الأصل الذي تفرع عنه فقهه، فكان يقول: "ما خالفت أبا حنيفة في شيء، فتدبرته إلا رأيت مذهبه أنجى في الآخرة".[5]


روي عن محمد بن الحسن، قال: مرض أبو يوسف، فعاده أبو حنيفة، فلما خرج، قال: "إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها".[6]


أيها الإخوة: إن طريق المجد والعلا لا يُفرش بالورود، وطريق أبي يوسف لم يكن سهلاً؛ بل كان محفوفاً بالمكاره والأشواك. كان الفقر عدَّوه الأول، عدواً شرساً لا يرحم. لقد بلغ به الحال مبلغاً عظيماً من الشدة. روى هو عن نفسه، فقال: "كنت أطلب العلم وأنا مقلّ (فقير)، فكان يشتد عليّ الجوع، فآتي إلى أصحاب الحِلق فأجلس وأنا جائع، فكانت مسألة فقهية واحدة أسمعها، تنسيني جوعي".[7]


الله أكبر! أي همة هذه، وأي صبر؟ يفضّل ألم الجوع على أن يفوته درس علم! وهذا هو الدرس البليغ الذي يجب أن يعيه شبابنا اليوم: إن العلم لا يُنال براحة الجسد، ولا بالتنعم والترف، وإنما يُنال بالصبر والمكابدة، وبذل الغالي والنفيس. يقول ربنا تبارك تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وهذه الدرجات لا تُنال إلا بالجهد والتعب.

 

لم يكن أبو يوسف حبيس الكوفة، بل كان نهماً للعلم، لا يشبع منه. رحل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهد الحديث ومنبع السنة، فجلس بين يدي إمام دار الهجرة، مالك بن أنس رحمه الله، وسمع منه الموطأ وناقشه في مسائل العلم. وروى الحديث أيضاً عن الأئمة الكبار كسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك والليث بن سعد وغيرهم. فاجتمع له بذلك فقه أهل الرأي في العراق، وعلم أهل الحديث في الحجاز، فأصبح يجمع بين دقة الرأي وصحة الأثر.

 

لقد ذاع صيت أبي يوسف في الآفاق، وبلغ خبر علمه وفقهه وذكائه مسامع خلفاء بني العباس. وفي عهد الخليفة هارون الرشيد، تولى أبو يوسف منصباً كبيرا.[8]


لقد أصبح رئيس السلطة القضائية في الدولة الإسلامية بأسرها، ومن مجلس قضائه في بغداد، كان يشرف على القضاة في كل الأمصار، ويعينهم ويراقبهم، ويضبط أحكام الدولة على ميزان الشريعة الغراء.

 

لم يكن منصبه تشريفاً بقدر ما كان تكليفاً وأمانة. كان هارون الرشيد، على ما عُرف عنه من قوة وهيبة، يُجلّ أبا يوسف إجلالاً عظيماً، ويستشيره في أدق المسائل. ومن عجيب ما يُروى أن الرشيد كان يسأله في المسائل المعضلة، فإذا أجابه أبو يوسف بجواب شافٍ، قال الرشيد: "الحمد لله الذي جعل لي مثل هذا الرجل قاضياً"[9] بل إن الرشيد طلب منه أن يضع له كتاباً للشؤون المالية، ينظم موارد الدولة ومصارفها على أساس العدل والشرع، فصنف له كتابه الخالد "الخراج"، الذي يعتبر أول مؤلف متخصص في المالية العامة في الإسلام، ظل مرجعاً للخلفاء والحكام لقرون طويلة.

 

لم تكن حياة أبي يوسف قضاءً وسياسة فحسب، بل كانت علماً وتصنيفاً، فترك للأمة تراثاً فقهياً عظيماً، فبالإضافة إلى كتاب "الخراج"، ألف كتباً أخرى مثل "الآثار" الذي جمع فيه مروياته عن شيخه أبي حنيفة، و"الرد على سير الأوزاعي"، و"اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى"، و"الرد على مالك بن أنس" و"الأمالي" و"النوادر".

 

روى عنه: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل وخلق كثير. وبهذه المؤلفات، وبتلاميذه الذين انتشروا في الآفاق، انتشر المذهب الحنفي انتشاراً واسعاً، حتى صار المذهب الرسمي لكثير من البلاد الإسلامية.

 

قال الإمام أحمد: "أول ما كتبت الحديث اختلفتُ إلى أبي يوسف، وكان أميَلَ إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد"[10] يعني بن الحسن الشيباني رحمهم الله جميعاً.

 

ونقل الذهبي عن إبراهيم بن أبي داود البُرُلسي، قال: سمعت ابن معين يقول: "ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ، ولا أصح رواية من أبي يوسف".[11]


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

بعد هذه الحياة الحافلة بالعلم والعمل، والقضاء والجهاد، توفي أبو يوسف -رحمه الله- خامس ربيع الأول، وقيل: غرة ربيع الآخر، سنة مائة واثنين وثمانين للهجرة في بغداد[12]، عن تسعة وستين عاماً، وهو في سُدّة القضاء، وقد شيّعه العلماء وطلاب العلم والوجهاء وعامة الناس في جنازة مهيبة، ودفن في ثرى تلك المدينة التي حمل فيها أمانة العلم، وأرسى فيها دعائم القضاء.[13]


عباد الله: إن في سيرة هذا الإمام الجليل دروساً عظيمة، نقف عند بعضها:

1- الإصرار يصنع الرجال: لم يكن الفقر عائقاً أمام أبي يوسف، بل كان حافزاً له. فمهما كانت ظروفك صعبة، فإن الإيمان بالله والتوكل عليه يمكن أن يفتح لك أبواب المجد.

 

2- المثابرة تورث الريادة: لم يكتفِ أبو يوسف بسماع درس أو درسين، بل لازم وثابر وكابد حتى صار إماماً يُقتدى به ورأساً في الفقه. فالعلم لا يؤخذ بالراحة، وإنما بالتعب والسهر.

 

3- العلم لخدمة الأمة: لم يجعل علمه وفقهه حبيس الكتب، بل سخره لخدمة الناس وتحقيق العدل بين الرعية. فالعالم الحق هو الذي ينفع أمته بعلمه.

 

4- الوفاء للشيخ وحفظ الجميل: على الرغم من اختلافه مع شيخه في بعض المسائل، إلا أنه ظل طوال حياته يذكر فضل أبي حنيفة عليه، ويعترف بمكانته، وهذا من شيم الكبار.

 

5- الزهد مع المنصب: تولى أبو يوسف أعلى منصب قضائي في الدولة آنذاك، وكان قريباً من الخليفة، ولكنه بقي زاهداً، ورعاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، متمسكاً بالشريعة، بعيداً عن هوى الدنيا وزخرفها.

 

نسأل الله أن يرحم الإمام أبا يوسف، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. وأن يرزقنا الهمة العالية في طلب العلم، والإخلاص في العمل، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 536).

[2] انظر: المرجع السابق، وكذا "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (16/ 364).

[3] ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن، فقيه ومحدث، كان قاضياً للكوفة، وأحد أبرز الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم الإمام أبو يوسف في بدايات الطلب، توفي سنة 148 هـ.

[4] انظر: المرجع السابق.

[5] انظر: "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزي، (32/ 446).

[6] انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 537).

[7] انظر: "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لابن خلكان (6/ 380).

[8] انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (13/ 646). "قاضي القضاة" ، وهو أول من لُقِّب بهذا اللقب في تاريخ الإسلام .. على تحفظ شرعي في تسمية قاضي القضاة قال الإمام ابن باز : لا يجوز التسمي بالشيء الذي لا يليق بالمخلوق وإنما يليق بالله، وهو التسمي بأسماء الله ، فإن حاكم الحكام هو الله جل وعلا، قاضي القضاة: معناه حاكم الحكام، إذا أطلق فلا يجوز، ولكن يقال رئيس القضاة، والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إن أخنع اسم عند الله أخنع: يعني أوضع رجل تسمى بملك الأملاك، لا مالك إلا الله، قال سفيان يعني الراوي: مثل شاهان شاه، مثل قول العجم: شاهان شاه، يعني ملك الملوك.

[9] انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 539).

[10] انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 539).

[11] المرجع السابق.

[12] المرجع السابق.

[13] انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (8/ 541).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب وبحوث
  • مقالات
  • خطب مكتوبة
  • صوتيات
  • الاستشارات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة