• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثرد. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر شعار موقع الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر / مقالات في الطب النبوي


علامة باركود

التوازن في الأكل في السنة النبوية

التوازن في الأكل في السنة النبوية
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر


تاريخ الإضافة: 13/9/2025 ميلادي - 21/3/1447 هجري

الزيارات: 120

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التوازن في الأكل في السنة النبوية

 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فإن من أهم أسباب السقم للبدن الأمراضَ الباطنية، ومن أهم أسبابها كثرة الأكل، وكذلك سوء التغذية، وعسر الهضم، وترك الهديِ النبوي في تفريغ الأمعاء والمثانة، وترك ما يسبِّب الأمراض الوبائية.

 

وقد أنعم الله على خَلْقِهِ بالطعام؛ قال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 - 32]، وشكر هذه النعمة بحمد الله وشكره، وإطعام الجائعين.

 

وفي هذا المقال توضيح ذلك، ومن الله أستمد العون.

 

المطلب الأول: ذم التُّخمة في السنة النبوية:

التُّخمة هي الإكثار من الأكل، ونجد في النصوص طرقًا للوقاية من آلام التخمة؛ فمن ذلك:

1- جاء التحذير من الإكثار من الأكل والشرب فيما يأتي:

• قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31].

 

• وفي الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا، والبَسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مَخيلة))[1].

 

2- وقد ورد معيار الإكثار في حديث نبوي جليل؛ ففي حديث المقدام بن معديكرب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أُكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثُلُثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))[2].

 

3- وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشبع وكثرة الأكل لا يتوافق مع الإيمان الصادق الحقيقي؛ فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم يأكل في معاء، والكافر يأكل في سبعة أمعاء))[3].

 

4- وفي حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال: ((أكلتُ ثريدة من خبز ولحم، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشَّأ، فقال: يا هذا، كفَّ من جُشائك؛ فإن أكثر الناس شبعًا في الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة))[4].

 

5- وأخبر صلى الله عليه وسلم عن حال من يُكثر من الشبع؛ ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة))[5].

 

المطلب الثاني: ذم السِّمنة في السنة النبوية:

السِّمنة تنتج بسبب كثرة الأكل، وكثرة الوجبات، والأكل غير الصحي، وقد جاءت النصوص بذم السمنة؛ فيما رواه عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يُستشهدون، وينذرون ولا يُوفُّون، ويظهر فيهم السِّمَن))[6] ، وفي سنن الترمذي (2147) بلفظ: ((ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السِّمَن))؛ [صححه الألباني في صحيح الترمذي].

 

قال النووي رحمه الله: "قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا كثرة اللحم، ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم، قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خِلقةً فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسِّع في المأكول والمشروب زائدًا على المعتاد".

 

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "(ويظهر فيهم السِّمن): أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السِّمن".

 

المطلب الثالث: مقاومة الجوع الشديد في السنة النبوية:

الجوع الشديد المفضي إلى سوء التغذية مذموم في الشريعة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع))[7].

 

ومن حصل له جوعٌ بسبب فقر أو سبب آخر، فليتذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري (5381) ومسلم (2040)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟...)).

 

كما أن النصوص متواترة في فضل إطعام الجائع والمسكين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الإنسان: 8 - 11].

 

قال ابن كثير رحمه الله: ‌" ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [الإنسان: 8] قيل: على حب الله تعالى، وجعلوا الضمير عائدًا إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه، والأظهر: أن الضمير عائد على الطعام؛ أي: ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد، ومقاتل، واختاره ابن جرير؛ كقوله تعالى: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [البقرة: 177]، وكقوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]"؛ ["تفسير ابن كثير" (8/ 288)].

 

وقال تعالى مبينًا ما يتجاوز به المرء عقبات يوم القيامة: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16].

 

قال القرطبي رحمه الله: "وإطعام الطعام فضيلة، وهو مع السغب الذي هو الجوع: أفضل.

 

وقال النخعي في قوله تعالى: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾ [البلد: 14]، قال: في يوم عزيز فيه الطعام"؛ ["تفسير القرطبي" (20/ 69)].

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُطعم الصحابة إن كان عنده ما يطعمهم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ﴾ [الأحزاب: 53]، واقتدى به صحابته رضي الله عنهم؛ عن صهيب رضي الله عنه قال: قال عمر: أي رجل أنت، لولا خصال ثلاث فيك، قال: وما هن؟ فذكر منهن: وفيك سرف في الطعام، فقال: وأما قولك: فيك سرف في الطعام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خياركم من أطعم الطعام))؛ [رواه أحمد (23929)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (44)].

 

وعن حسين بن علي قال: "لأن ‌أقوت ‌أهلَ ‌بيت ‌بالمدينة ‌صاعًا ‌كل ‌يوم، أو كل يوم صاعين شهرًا، أحب إليَّ من حجة في إثر حجة"؛ [رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (13186)].

 

قال أبو السوار العدوي: "كان رجال من بني عدي يصلُّون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس، وأكل الناس معه"؛ ["الكرم والجود للبرجلاني" (ص53)].

 

وقد ثبت فضل إطعام الطعام للجائعين؛ ففي حديثٍ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((‌تطعم ‌الطعام، ‌وتقرأ ‌السلام ‌على ‌من عرَفتَ ومن لم تعرف))؛ [رواه البخاري رقم (12)، وبوَّب له في صحيحه: باب: إطعام الطعام من الإسلام].

 

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((‌اتقوا ‌النار ‌ولو ‌بشق ‌تمرة))؛ [رواه البخاري (1351) ومسلم (1016)].

 

وعن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى قوم، فقال: يا رسول الله، أوصني؟ قال: ((أفشِ السلام، وابذل الطعام، واستحي من الله استحياءك رجلًا من أهلك، وإذا أسأت فأحسِن، ولتُحسن خُلقك ما استطعت))؛ [رواه البزار (2172)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (3559)].

 

وعن عبدالله بن سلام، قال: ((لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس قِبَلَه، وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله، قد قدم رسول الله ثلاثًا، فجئت في الناس، لأنظر، فلما تبيَّنت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به، أن قال: يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، ‌وصِلوا ‌الأرحام، ‌وصلُّوا ‌بالليل، ‌والناس ‌نِيام، تدخلوا الجنة بسلام))؛ [رواه ابن ماجه (3251)، وصححه الألباني].

 

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله ‌لَيُربي ‌لأحدكم ‌التمرة، ‌واللقمة، كما يربي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله حتى يكون مثل أُحُدٍ))؛ [رواه أحمد (26135)].

 

وعن ابن عمر: ((أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‌أحب ‌الناس ‌إلى ‌الله ‌تعالى ‌أنفعهم ‌للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا...))؛ [رواه الطبراني في الكبير (13646)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (‌‌906)].

 

ومن يبخل عن إطعام الجائع فهو في غاية البخل؛ قال تعالى في صفات من أُوتي كتابه بشماله: ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الحاقة: 30 - 34].

 

وقال سبحانه: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 17، 18].

 

وقال سبحانه: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 1 - 3].

 

وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وأيما أهل ‌عَرصةٍ ‌أصبح ‌فيهم ‌امرؤ ‌جائع، فقد برِئت منهم ذمة الله تعالى))؛ [رواه أحمد (4880)، وصححه أحمد شاكر].

 

المطلب الرابع: التوسط بين الجوع والتُّخمة:

قال القرطبي رحمه الله في تفسير آية الأعراف: "قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31] قال ابن عباس: أحلَّ الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلة، فأما ما تدعو الحاجة إليه، وهو ما سدَّ الجوعة، وسكَّن الظمأ، فمندوب إليه عقلًا وشرعًا؛ لِما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس، ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال؛ لأنه يُضعف الجسد، ويُميت النفس، ويُضعف عن العبادة، وذلك يمنع منه الشرع ويدفعه العقل، وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظٌّ من برٍّ، ولا نصيب من زهد؛ لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابًا، وأعظم أجرًا.

 

وقد اختلف في الزائد على قدر الحاجة على قولين: فقيل: حرام، وقيل: مكروه؛ قال ابن العربي: وهو الصحيح، فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان، والأسنان والطعمان، ثم قيل: في قلة الأكل منافع كثيرة؛ منها: أن يكون الرجل أصحَّ جسمًا، وأجود حفظًا، وأزكى فهمًا، وأقل نومًا، وأخف نفسًا، وفي كثرة الأكل كظ المعدة ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل، وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء"؛ ["تفسير القرطبي" (7/ 191)].

 

وفي الموسوعة الفقهية (25/ 332): "من آداب الأكل: الاعتدال في الطعام، وعدم ملء البطن، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثًا: ثلثًا للطعام، وثلثًا للشراب، وثلثًا للنفس؛ لحديث: ((ما ملأ آدميٌّ وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))، ولاعتدال الجسد وخفته؛ لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل، ويعرف الثلث بالاقتصار على ثلث ما كان يشبع به، وقيل: يعرف بالاقتصار على نصف المد، واستظهر النفراوي الأول لاختلاف الناس، وهذا كله في حق من لا يُضعفه قلة الشبع، وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة، واعتدال البدن".

 

وفي الفتاوى الهندية: "الأكل على مراتب:

فرض: وهو ما يندفع به الهلاك، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى.

 

ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائمًا، ويسهل عليه الصوم.

 

ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن، ولا أجر فيه ولا وزر، ويُحاسب عليه حسابًا يسيرًا، إن كان من حِلٍّ.

 

وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوِّي على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف، فلا بأس بأكله فوق الشبع".

 

وقال ابن الحاج: "الأكل في نفسه على مراتب: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحرم؛ فالواجب: ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه؛ لأن ما لا يُتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب.

 

والمندوب: ما يُعينه على تحصيل النوافل، وعلى تعلُّم العلم، وغير ذلك من الطاعات.

 

والمباح: الشبع الشرعي، والمكروه: ما زاد على الشبع قليلًا ولم يتضرر به، والمحرم: البِطنة؛ وهو الأكل الكثير المضر للبدن".

 

وقال النووي: "يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه".

 

وقال الحنابلة: يجوز أكله كثيرًا بحيث لا يؤذيه، وفي الغُنية: يُكره مع خوف تخمة، ونُقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة، كما نقل عنه تحريمه.

 

المطلب الخامس: إفراغ الجهاز الهضمي من الأذى في السنة النبوية:

من أهم طرق الوقاية من أمراض الباطنة إفراغ المثانة والأمعاء من الفضلات عند الحاجة لذلك، ولو كان ذلك يؤدي لفوات صلاة الجماعة؛ فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((‌لا ‌صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يُدافِع الأخبَثَين))[8].

 

وفي حديث عبدالله بن الأرقم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أراد أحدكم الغائط، فليبدأ به قبل الصلاة))[9].

 

وفي ذلك حكمة عظيمة من عدم إيذاء القناة الهضمية والمثانة، والتسبب في حدوث الإمساك المزمن، وانحباس البول، ومن جهة أخرى الحضور للصلاة بقلب حاضر مستعد للخشوع؛ وهو المقصد الأكبر للصلاة.

 

المطلب السادس: النوم غير الصحي وأثره في اضطرابات الهضم في هدي السنة النبوية:

هيئة النوم لها تأثير على سرعة الهضم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن...))[10] ، وفي معنى ذلك يقول الدكتور القباني: "ولقد أثبتت التجارب أن مرور الطعام في المعدة في حالة النوم على اليمين، يستغرق من ساعتين ونصف إلى أربع ساعات ونصف، بينما تمتد هذه العملية من خمس ساعات إلى ثمانٍ، إذا كان النوم على الجانب الأيسر"[11]، ومعلوم أن القلب في الجانب الأيسر من الصدر، وباب المعدة الذي يتدفق منه الغذاء إلى الأمعاء موجود في الجانب الأيمن.

 

وأشد من ذلك النوم على البطن؛ وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم طخفة الغفاري رضي الله عنه نائمًا على بطنه في المسجد، فركضه برجله، وقال: ((ما لك ولهذا النوم؟ هذه نومة يكرهها الله أو يبغضها الله))[12].

 

المطلب السابع: درء العدوى بالأمراض الباطنية في السنة النبوية:

الأمراض منها ما هو فيروسي، ومنها ما هو بكتيري، وقد تنتقل الأمراض بسبب سلوكيات في الأكل والشرب؛ وبيان ذلك فيما يأتي:

الفرع الأول: النهي عن النفخ في الشراب:

ورد النهي عن النفخ في الشراب؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاةَ أراها في الإناء؟ فقال: أهرقها، قال: فإني لا أروي من نفس واحد، قال: فأبِن القدح عن فيك))[13].

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا شرِب أحدكم فلا يتنفس في الإناء))[14].

 

الفرع الثاني: النهي عن الشرب من فم القربة أو الإبريق:

صحَّ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية؛ أن يُشرب من أفواهها))[15].

 

وبمعناه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن الشرب من في السقاء[16].

 

الفرع الثالث: الأمر بتغطية الأسقية:

من سُبُل الوقاية من الأمراض الباطنية الأمر بتغطية الأواني؛ حتى لا يتلوث الطعام بالأوساخ والميكروبات المسبِّبة للنزلات المعوية، وغيرها؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خمِّروا الآنية، وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب...))[17] ، وفي حديث آخر: ((غطوا الإناء، وأوكوا السقاء؛ فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء))[18] ؛ وذلك لأن الحشرات تنشط بالليل، كما أن لبعض الميكروبات فصولًا معينة في السنة تنشط خلالها[19].

 

من أمثلة ذلك: أن الحصبة، وشلل الأطفال، تكثر في سبتمبر وأكتوبر، والتيفوئيد يكثر في الصيف، أما الكوليرا فإنها تأخذ دورة كل سبع سنوات، والجدري كل ثلاث سنين؛ وهذا يفسر لنا الإعجاز العلمي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء))؛ أي: أوبئة موسمية ولها أوقات معينة[20].

 

المطلب الثامن: الشرب قائمًا في السنة النبوية:

ومن ذلك النهي عن الشرب قائمًا حتى لا يشرق بالماء، فيتأذى بذلك؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه نهى عن الشرب قائمًا))[21].

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائمًا))؛ [رواه مسلم].

 

وعن أنس وقتادة رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائمًا، قال قتادة: فقلنا فالأكل؟ فقال: ذاك أشر وأخبث))؛ [رواه مسلم].

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا، وعن الأكل قائمًا، وعن المُجَثَّمَة والجَلَّالة والشرب من في السقاء)).

 

نسأل الله الجميع الصحة والعافية، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



[1] علَّقه البخاري (5/ 2181) قبل الحديث (5446) كتاب اللباس، ووصله أبو داود الطيالسي (1/ 299) (2261)؛ كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح (10/ 253)، والحديث ليس عند أبي داود السجستاني، وقد نبَّه على هذا المصنف في نهاية الباب، وأحمد (2/ 181، 182)، والنسائي (5/ 79)، وابن ماجه (2/ 1192) (3605)، والحاكم (4/ 150)، وأخرجه الترمذي (5/ 123) (2819) مختصرًا، قال المنذري: ورواته إلى عمرو بن شعيب ثقات محتج بهم في الصحيح، وقال عمرو بن شعيب: الجمهور على توثيقه وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده؛ [انتهى]، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي.

[2] أحمد (4/ 132)، الترمذي (4/ 590) (2380)، ابن ماجه (2/ 1111) (3349)، ابن حبان (2/ 449) (674)، والحاكم (4/ 135)، والنسائي في "الكبرى" (4/ 177، 178)، وفي رواية ابن ماجه: قال: "فإن غلب الآدمي نفسه، فثلث للطعام"؛ الحديث، وقال: حديث حسن صحيح، وفي نسخة: حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5674).

[3]البخاري (5/ 2062) (5081)، مسلم (3/ 1632) (2062).

[4]الحاكم (4/ 135، 346)، والطبراني في "الكبير" (22/ 132) (351)، والبزار (3669 - كشف)، وهو عند الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر الآتي، وليس لهما من حديث أبي جحيفة، وانظر "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/ 99)؛ قال المنذري: رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد وتعقبه، ورواه البزار برجال ثقات، وهو عند الترمذي (4/ 649) (2478)، وابن ماجه (2/ 1111) (3350) بمعناه من حديث ابن عمر وقال: حديث حسن.

[5]الطبراني في "الكبير" (11/ 267).

[6] رواه البخاري 5/ 258، والترمذي 9/ 66، وأبو داود 2/ 518، وأحمد 4/ 416، والنسائي 7/ 17.

[7] رواه أبو داود 1/ 354، والنسائي 8/ 263.

[8]رواه مسلم (1/ 393)، وأبو داود (1/ 22).

[9]النسائي (2/ 110)، مالك (1/ 159)، الترمذي (1/ 262، 263)، أبو داود (1/ 22)، ابن حبان (5/ 427)، الحاكم (1/ 273)، وهو عند أحمد (3/ 483)، وابن ماجه (1/ 202)، وابن خزيمة (2/ 65)، ولفظ الترمذي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أُقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء))، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه أبو داود بنحوه، وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.

[10] أخرجه البخاري 11/ 115، وأحمد 4/ 292.

[11] الوقاية الصحية / 60 عن كتاب طبيبك معك / 429.

[12] أخرجه أحمد 3/ 429، والبخاري في الأدب المفرد (1187)، وأبو داود (5040)، وابن ماجه (752)، وابن حبان (5550)، وفيه قيس بن خطفة مجهول، ويشهد له حديث أبي هريرة عند أحمد 2/ 287، والترمذي (2768)، وابن حبان (5549)، وسنده حسن كما في تحقيق الآداب الشرعية 3/ 237.

[13] أخرجه الترمذي 8/ 80 وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود 2/ 1134، وأحمد 3/ 26.

[14] رواه البخاري 10/ 92، والنسائي 1/ 43، وابن ماجه 2/ 1133، وأحمد 4/ 383.

[15] رواه البخاري (5625)، ومسلم (2023).

[16] رواه البخاري (5628).

[17] أخرجه البخاري 6/ 355، والترمذي 10/ 294، وأبو داود 2/ 305.

[18] أخرجه البخاري (3304)، مسلم (2012)، وابن حبان (1271).

[19] الوقاية الصحية / 56 عن مقال: نحو وعي صحي أفضل، مجلة التمدن الإسلامي 187/ 51.

[20] من كتاب "الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية" محمد كامل عبدالصمد.

[21] رواه مسلم 3/ 1600، وابن ماجه 2/ 1132، وأحمد 3/ 54.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • الدراسات والأبحاث
  • مسائل علمية
  • مقالات
  • مقولات في تربية ...
  • قضايا المصرفية ...
  • نوزل الألبسة
  • مقالات في الطب ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة