• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

خطبة: عولمة الرذيلة

خطبة: عولمة الرذيلة
أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/12/2025 ميلادي - 28/6/1447 هجري

الزيارات: 1083

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: عولمة الرذيلة

 

أيها المؤمنون، حديثنا اليوم عن عولمة الكفر والرذيلة، هذه القضية التي أصبحت اليوم هي الهم الشاغل لدول الكفر والاستبداد، والاستكبار في الأرض، فلم يكتفوا بانحرافهم في مجتمعاتهم وإفسادهم لفِطَرهم؛ بل يريدون من الجميع أن يفسد كفسادهم، وأن ينحرف كانحرافهم؛ لذلك، فهم يجتهدون في تصدير الرذيلة والفساد والانحراف إلى كل بقعة في الأرض، والناس في سُبات وغفلة، أو في انشغال عن ذلك بأمور جانبية، وقضايا هامشية.

 

أيها المؤمنون، إن الواقع الذي يعيشه العالمُ اليومَ لا يخفى على ذي بصيرة وعقل؛ فهو واقع مرير سقط فيه كثير من البشرية في حمأة الفساد والانحراف، وتجاوز انحرافهم إلى ما هو أدنى وأخس من حياة الحيوان، والعجيب أنهم يصدِّرون ذلك إلى غيرهم من الناس تحت مسميات "التحرر" و"الحرية"، و"التقدم" و"الرقي"، و"الحضارة" و"حقوق الإنسان"، وغيرها من المسميات.

 

لقد تنزَّل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحدَّثه عن انحرافات الأمم وفسادها في الواقع، وبيَّن له طريقة معالجة ذلك الواقع، بل جعل الله سبحانه وتعالى من حكمة نزول الآيات وتفصيلها هو بيان واستبانة طرق المجرمين والفاسدين، والمنحرفين في الأرض؛ قال الله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55]، حتى تتضح لكل ذي عينين، فيبتعدوا عنها ويعرفوا طريق الحق من طريق الضلال.

 

أيها المؤمنون، ما أحوج البشرية اليوم إلى أن تستمع إلى علمائها ومفكريها ومثقفيها، الذين يحدثونها عن سبل المجرمين وطرائق الفاسدين، ويفضحون تلك الشعارات البرَّاقة، والوسائل المزيفة التي يستخدمونها لإغواء الناس! ولو صدَّروا فسادهم باسمه الحقيقي، لَما صدقهم أحد.

 

أيها المؤمنون، إن العلمانية كانت هي الشجرةَ الخبيثة، والبذرة القذرة لعولمة الرذيلة، فكيف نشأت العلمانية؟ وما علاقتها بالعولمة؟ ومن الذي يتحكم اليوم في أحوال الناس وأفكارهم، وعقائدهم وتصوراتهم؟

 

كانت أوروبا تعيش في القرون الوسطى في ظلام دامس وظلم عظيم، فقد حُرفت ديانتها بواسطة القساوسة والرهبان من النصارى، واستبدلوها بأديانٍ باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وتحولت النصرانية إلى دين وضعيٍّ لا يهتم بالعلم ولا بالمعرفة، ولا بالعدل ولا باحتياجات الناس، إنما كان همُّ النصرانية المحرَّفة هو العناية بحقوق رجال الدين.

 

وحصل بين رجال الدين المحرَّف وبين الملوك الإقطاعيين في أوروبا تعاضُدٌ وترابط وتعاقد، فأدى ذلك إلى فساد عظيم، اجتمع فيه فساد الدين المحرف من القساوسة والبابوات الذين يتحدثون عن الله زورًا، مع ظلم وجبروت أولئك الإقطاعيين، وأكلهم لأموال الناس وظلمهم، فعاشت أوروبا في تلك المرحلة في فترة ظلام دامس أُطلق عليها في التاريخ "العصور الوسطى".

 

وفي تلك المرحلة، كانت أمة الإسلام تعيش في عدل ورخاء وعلم، تفتح البلدان، وتنشر العلم، وتقيم العدل، فاجتمعوا بعد فُرقة، وعاشوا مرحلة من مراحلهم العظيمة، أُطلق عليها فترة "التاريخ الذهبي" لأمة الإسلام.

 

وكان الأوروبيون يبحثون عن العلم والمعرفة، فيرسلون أبناءهم للدراسة في بلاد المشرق الإسلامي، واستفادوا من جامعاتها وأماكن تعليمها، ومراكز الثقافة والمعرفة فيها، فعاد أولئك القوم، فحصل في أوروبا نوعٌ من الحركة الإصلاحية.

 

وقام الأوروبيون بثورات عارمة على فساد رجال الدين، وفساد ملوك الإقطاع، وكان شعارهم: "اشنقوا آخر قسيس بمعًى آخر إقطاعيٍّ"، وأشهر هذه الثورات هي الثورة الفرنسية، وتبعتها الثورات الأوروبية الأخرى، وكان موقف الناس من الدين الكنسي المحرف موقفًا سيئًا، خاصة بعد أن هدموا الكنائس، ووجدوا فيها بقايا من الأجنة الذين كانوا يُدفنون في جدرانها؛ بسبب ما كان يجري من الفجور والزنا بين الراهبين والراهبات.

 

ونجحت الثورة، واستبعدوا الدين من التأثير في الحياة؛ فلا علاقة للدين بالحياة، وإن كان لا بد من وجود الدين، فليبقَ علاقةً خاصةً بين الإنسان وربه داخل الكنيسة، واتفقوا على هذا وأجمعوا عليه، وقامت هذه الثورات تحت شعار العلمانية المطلقة؛ فلا علاقة للدين بالحياة، وانطلقوا يشجعون العلم والمعرفة والتقدم، بدون قيم دينية ولا أخلاق، لم يعد للبشرية موازين وقيم سماوية تحكمها، بل خضعت البشرية بعد هذه الثورات لِما تُمليه الأغلبية، ومن بيدهم المال والسلطة والقوة، فهم الذين يقولون للناس: هذه العادات حسنة، وهذه العادات قبيحة، ويقررون ويقننون، وينشرون ما يريدون.

 

وتقدمت أوروبا في العلم وجوانب الحياة الأخرى، وفهِم الأوروبيون أن سبب تأخرهم كان أمرين:

الأول: الدين المحرف فتخلصوا منه.

والثاني: الملوك والإقطاعيون الفاسدون فتخلصوا منهم.

 

فنشأت في الفكر نظرية العلمانية، وأنه لا علاقة للدين بحياة الناس، ونشأت في السياسة نظرية الديمقراطية، وأن الشعب يحكم نفسه بنفسه.

 

هذا – بإيجازٍ - سبب نشأة العلمانية التي في أوروبا، وقد كان لوجودها مبرر؛ وهو ما رأيتم من الظلم والظلام، والانحراف والفساد، والدين المحرف الذي يحارب العلم والعدل، فلما قوِيت شؤونها وتقدمت على غيرها، حاولت عولمة منهجها على غيرها، وظهر ما يسمى بمصطلح العولمة.

 

فما هي العولمة؟

العولمة هي سيطرة القويِّ على الضعيف، وهي عولمة الفكر الأوروبي، ونشر أفكارهم وعقائدهم وتقاليدهم على كل أنحاء الأرض، دون النظر إلى دين وعقائد وثقافة الآخرين.

 

فانطلقت أوروبا بحروبها الصليبية ووسائلها الاستشراقية، وغزت العالم الإسلامي، وفرضت عليه قوانينها وعقائدها، وأفكارها وثقافاتها، في وقت كان قد ضعُف العالم الإسلامي وتأخر، وأصابه الانحطاط، وتمزقت دولته إلى دويلات، وعاش أهله في حروب وخلافات، فسيطر الغربيون بجيوشهم العسكرية وأفكارهم المنحرفة على العالم الإسلامي، وبدؤوا يدرِّسون مذاهبهم.


وما فعلوه مع الدين الكنسي المحرَّف الباطل، أرادوا أن يفعلوه مع الدين الإسلامي، وأوعزوا إلى المسلمين بأن تخلفكم بسبب دينكم، فقد كانت أوروبا متخلفةً بسبب دينها المحرف، وبدؤوا يبذرون في العالم الإسلامي بذرة العلمانية الغربية، ويقولون للناس: إن أردتم التقدم كما تقدمت أوروبا، فعليكم بالابتعاد عن الدين ومحاربته.


مع أنهم يعلمون أن دين الإسلام دين العلم، ودين المعرفة، ودين التقدم والحضارة؛ فأول آية نزلت فيه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، فقد مدح العلم وشجع العلماء، وأمر بأن ينظر الناس في الأرض ويستفيدوا من النظر فيها؛ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾ [النمل: 69]، ونحوها من الآيات.

 

ولم يقرؤوا في تاريخ العرب قبل الإسلام، وكيف رفعهم الإسلام، فقد كانوا بدون دين، وكانوا أمةً ممزقةً لا همَّ لها إلا السلب والنهب، ولا يوجد لهم دولة ولا قيادة، فلما جاء الإسلام رفع شأنهم، وجمع شملهم، وجعلهم قادةً فاتحين خلال فترة وجيزة من الدهر، فإذا بالإسلام يصل إلى جنوب فرنسا بنشر العدل والرحمة، والأخلاق والقيم، وكل ما يمكن أن يُقال من الصفات الحسنة التي تبحث عنها الإنسانية اليوم.

 

ولكن بسبب جهل المسلمين وتفرُّقهم وتمزقهم، وبسبب ضغط وقوة أعداء الملة والدين عليهم، انطلت هذه الخدعة على كثير من الناس، وأرادوا أن يكونوا كأوروبا، فحاربوا دينهم وخرجوا منه، وابتعدوا عن تعاليمه، فلم يحصلوا على التقدم والحضارة، ولم يبقوا على دينهم الذي به يدخلون الجنة.

 

أيها المؤمنون، هكذا جاءت العلمانية والعولمة لفرض قيمها وأخلاقها وثقافاتها الباطلة على العالم اليوم، ويعيش العالم اليوم مرحلة ما يسمى "نظام القطب القوي"، الذي يتصرف في وسائل حياة الإنسانية، فمن يملك الاقتصاد والإعلام، والتقنية والقوة العسكرية هو الذي سيفرض رأيه وقيمه وأخلاقه على الآخرين؛ لذلك، لم تقف العلمانية في أوروبا، بل تجاوزتها إلى العالم كله، وتحولت من مجرد علمانية في السلوك، إلى عولمة وهيمنة في جميع جوانب الحياة.

 

أيها المؤمنون، إن تخلف المسلمين وانحرافهم هو سبب تعرضهم لقبول مثل هذه الأفكار، وكذلك جهلهم بدينهم ثانيًا، كما أن بعثات التنصير والاستشراق إلى بلاد المسلمين سبب ثالث، وكذلك البعثات التي كانت تذهب من بلاد المسلمين إلى أوروبا، ثم عودتها إلى ديار المسلمين، متأثرةً بهم وبأفكارهم سبب رابع من أسباب انتشار الانحراف الأخلاقي والسلوكي في المجتمع المسلم.

 

وقد ظهرت تبعًا لذلك مجموعة من المظاهر داخل بلدان المسلمين، بعد فرض العلمانية والعولمة للرذيلة في العالم؛ ومن ذلك:

1- فصل الدين عن الحياة:

اليوم تنادي عدد النظريات في العالم كله: "لا علاقة لله بخلقه"، سبحان الله! الله الخالق الرازق الذي له الخلق والأمر، يخلق الخلق ويرزقهم، ويمنحهم النعم، ثم يُقال: لا علاقة لله بأن ينظم شؤون خلقه، فيقول لهم: هذا حلال، وهذا حرام، فمن البديل؟ البديل أفكار الناس؛ يجتمعون ويقولون: هذا شيء حلال، وهذا شيء حرام، ثم هؤلاء المجتمعون قد يكونون مجموعةً ممن فسدت فطرهم، وانحرفت أخلاقهم، فماذا تنتظرون منهم أن يشرعوا للبشرية؟ سيشرعون لها الانحراف والفساد.


فذهب من البشرية كثيرٌ مما يسمى بـ "القيم الأخلاقية السماوية"، وحلت محلها "القيم الأخلاقية البشرية"، التي هي خلاصة أفكار البشر، ووفقًا لأهوائهم ولشهواتهم، وهي قيم متغيرة، كل يوم تتغير وتتبدل تبعًا لأمزجة أصحابها.


2- انتشار الرذيلة والفساد:

وانتشرت الرذيلة وعمَّ الفساد تحت مسمى "الحرية الشخصية"، التي هي ركن من أركان العلمانية المعاصرة، وهي الحرية المطلقة التي تجاوزت حرية الحيوان وأخلاقيات الحيوان، إلى ما هو أسوأ منها.


واليوم تسمعون عن الحرية الجنسية وانتشار الشذوذ، وأن الإنسان حرٌّ في أن يتحول من ذكر إلى أنثى والعكس، وأنه حرٌّ في أن يتزوج الرجل بالرجل أو المرأة بالمرأة، أو يتزوج الإنسان بحيوان، كل ذلك تحت ما يسمى "الحرية المطلقة"، التي لا قيد لها ولا شرط، فسقطت البشرية إلى أوحال الرذيلة والفساد والانحراف، وحُوربت الفضيلة، حتى بلغت بهم الجرأة أن يقولوا عن الإنسان الطاهر بأنه لا يليق به أن يعيش معهم.


نعم، قالت الحضارة الغربية اليومَ ما قاله قوم لوط للوط عليه السلام: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: 56]، فلا مكان للطهارة والطاهرين في قاموس الحضارة المنحرفة اليوم.


3- تحطيم مؤسسة الأسرة:

حتى روَّجوا لكل أنواع الفساد، بل وحاولوا أن يُوجدوا للرذيلة موسمًا تشبيهًا لها بمواسم الخير والفضيلة، وقد كان الناس يسمعون عن موسم الخير، كموسم رمضان، الذي يتعرض الناس فيه لنفحات الله وللتوبة، والاستغفار، ويتعبدون فيه بالقيام، والصيام، والصدقات، وقراءة القرآن، وصار للرذيلة والفساد مواسمَ عند دُعاتها.


فدمروا الأسرة التي جاءت القوانين والأدلة والشرائع السماوية لحمايتها، وهي الأسرة المكونة من الأب والأم والأطفال، والأرحام والأقارب، وجاءت العلمانية المعاصرة لتفسد هذا المصطلح الشرعي، وتجعل الأسرة في قوانينها وأنظمتها مجرد التقاء شخصين، فأصبحت الأسرة هي: رجل مع رجل، أو امرأة مع امرأة، بل رجل مع حيوان، أو امرأة مع حيوان؛ هذا مفهوم الأسرة في المصطلح الأوروبي العلماني.

 

ولم تعُد الأسرة مكانًا لحماية الفضيلة، بل صارت مكانًا لنشر الرذيلة، وكثر أولاد الزنا وكثر الشذوذ، وفسد المجتمع الغربي، ثم أرادوا أن يصدِّروا هذا المصطلح إلى بلدان المسلمين، ويفرضوه بالقوة تحت ما يسمى بـ"حقوق المرأة وحريتها" في المجتمعات الإسلامية؛ حتى لا يبقى لديها مفهوم الأسرة بالمعنى الشرعي.

 

وأُتيحت لهذه الفكرة الخبيثة أن تنتشر في العالم، ووُجد من يتبنَّاها وينشرها من خلال المنظمات التي تدعم المرأة لتخلع زوجها، وتدعم المرأة لتتمرد عن قانون ما يُسمى بـ"القوامة الشرعية": ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، وتوجد منظمات اليومَ في بلدان المسلمين تنشر الرذيلة، وتحارب الفضيلة، وما أكثرها!

 

كما يسعى هؤلاء القوم إلى عولمة عاداتهم وتقاليدهم في العالم كله، وانظروا إلى العادات الأوروبية والغربية كيف غزت بلاد المسلمين: في ملبسهم، وفي مأكلهم، وفي تفكيرهم، وفي نمط حياتهم، وفي أفراحهم، وفي أتراحهم، وفي سائر حياتهم اليومية، انتشرت بالترهيب أو بالترغيب.

 

ولو قرأتم عن وكالات الأمم المتحدة التي هدفها عولمة الرذيلة ونشرها في العالم، التي تُدفع تكاليفها من أموال وثروات المسلمين، لوجدتم عجبًا، اليوم هناك نساء في بلدان العالم الإسلامي لا تجد قوت يومها، ولا تجد ما تعيش به حياة كريمة، في الوقت الذي تُوزع فيه حبوب منع الحمل مجانًا، والواقي الذكري مجانًا، والإجهاض مجانًا، وغيرها مما يسمى بـمكونات "الصحة الإنجابية" التي تصرف عليها ملايين الدولارات من أجل إفساد المرأة والمجتمع، ونشر الرذيلة في المسلمين، ولكنهم لا يعطون قرشًا واحدًا للفقراء والمحتاجين.

 

وهذه المنظمات التي تعمل اليوم في بلاد المسلمين وتنخر في أخلاقهم، وتقدم الدعم الماليَّ للرذيلة بكل حرية، ولا تستطيع بعض الدول والأنظمة أن تقول لها: لا، وإن تكلمت، أُغريت بشيء من المال من هذه المنظمات، فسكتت.

 

حتى حصل ذلك الفساد والانحراف الذي يجني كثير من المسلمين ثماره المُرَّة اليوم في واقعهم في انتشار الخَنا والخمور، والمخدرات والزنا، والجرائم والقتل داخل بلاد المسلمين، فأغرقوا الناس بالشهوات، كما أغرقوهم بالشبهات.

 

إن عولمة الرذيلة مشروع عالميٌّ تشتغل عليه دول وأنظمة وحكومات، ولا تظنوا أن الأوروبيين أو اليهود والنصارى إذا قدموا مساعدةً لبلد مسلم، أن هذه المساعدة بريئة، وأنها من أجل الإنسانية فقط، لا والله؛ والله تعالى يقول: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120].

 

إن مساعداتهم وقروضهم الربويَّة إلى بلدان العالم الإسلامي، الهدف منها إفساد المجتمعات وتمزيقها، ونشر الفاحشة والفساد فيها، وأنتم تشاهدون اليوم بلدانًا فقيرة لا تجد الأسرة فيها قوتَ يومها، بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية، بينما مشاريع توفير الإنترنت تعمُّ السهل والجبل، بأرخص الأسعار، وإعلانات التخفيضات للباقات والأجهزة الذكية تصم الآذان، فمن وراء هذه المشاريع؟ وما الهدف منها؟ وهل الفقير محتاج إلى باقة إنترنت سريعة، أم يحتاج إلى ما يسد به جوعه؟


هذه كلها من مشاريع المنظمات والدول الغربية؛ من أجل أن يتيسر الفساد، وينتشر الانحراف، وينشغل الناس بالفاحشة والرذيلة، وهم في أمسِّ الحاجة إلى أقواتهم، فيبيعوا أعراضهم، ويفرطوا بثرواتهم، بل سيبيعون سيادة بلدانهم لأعدائهم، ويصبحون عملاء على أوطانهم؛ من أجل استمرار الدعم المالي الذي تعودوا عليه.

 

أيها المؤمنون، إن المجتمع الإنسانيَّ اليوم يئن من كثرة الرذيلة وانتشارها، وتسلُّط هؤلاء المجرمين من اليهود والنصارى على الإنسانية، والإنسانية اليوم بحاجة ماسَّة إلى أن تفيق من غفلتها، وأن تعرف عدوها من صديقها، كما على المسلمين على وجه الخصوص أن يفكروا في واقعهم الذي يعيشونه، ومن الذي يجعلهم يحتربون ويتقاتلون، ويختلفون ويتمزقون؟


الناس اليوم بحاجة إلى أن يفيقوا، وأن تستبين لهم طريق وسبيل المجرمين، حتى يتخلصوا من هذه الذلة وهذه المهانة، وقد رأيتم كيف جمع العالم الغربي قوته من أجل أن يُسكت صوت الحق في الشام وفي فلسطين، وأن يدكَّ على رؤوسهم العمائر والبنايات، والعالم ساكت ويغُطُّ في سُبات عميق، والشكوى لله سبحانه وتعالى.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي خير الزاد؛ كما قال سبحانه: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197].

 

أيها المؤمنون، سمعتم في الخطبة الأولى شيئًا من جهود العلمانية وعولمة الرذيلة، وأساليبها ووسائلها، وهي جهود تقوم بها دول وأنظمة وحكومات، وهيَّأ لها العالم الغربي كل قدراته بعملاء ومنافقين من بلاد العالم الإسلامي.

 

هذه الحرب الشرسة التي بدأت من قرون، وستستمر إلى أن يشاء الله، وهي تحتاج إلى مدافعة ومواجهة من أصحاب الحق؛ فإن الصراع بين الحق والباطل لا ينتهي إلى قيام الساعة.

 

والواجب على المسلمين وهم حمَلة الحق، ودينهم هو الدين الصحيح الذي لم يحرَّف، وأخلاقهم هي الأخلاق التي ارتضاها الله لهم، الواجب عليهم اليوم أن يفيقوا من غفلتهم، وأن ينتبهوا لما يُحاك ضدهم، فإن استمروا على ما هم عليه من الفرقة والشتات، والاختلاف والغفلة، فإن مصيرهم هو الذوبان في عالم الرذيلة والفساد، والعولمة والعلمانية، خاصة والعالم اليوم قد أصبح كالقرية الواحدة بسبب التقدم التقني، وانتشار وسائل الإعلام، فلم يعُد أحدٌ من الناس في مأمنٍ من الانحراف والفساد والرذيلة، إن لم يحصِّن نفسه.

 

إن العلاج لهذه المصيبة والوسائل الناجحة لمقاومة هذا العدوان العظيم الذي يسمى بـ"الحرب الناعمة"، والتي يهتم بها أعداء الإسلام اليوم أكثر من اهتمامهم بالحرب العسكرية، نعم، هم لم يتركوا الحرب العسكرية، لكن الحرب الناعمة تؤتي ثمارها عندهم أكثر من الحرب العسكرية؛ لأن الحرب العسكرية تولد المقاومة والرد، والتصلب والتحدي، أما الحرب الناعمة فإنها تسبب الخضوع والاستسلام والانقياد، لأنها تأتي بوسائلَ لا ينتبه لها الإنسان، وأغلبها وسائل ترغيب، وفقًا لشهوات النفس وأهوائها؛ لذلك، لا بد أن ينتبه الجميع لهذا.

 

وأولى وسائل العلاج والمواجهة هي:

1- تعلم ديننا الإسلامي تعلمًا صحيحًا، والتمسك به تمسكًا صحيحًا.

فاليوم يُراد من الناس أن يتعلموا دينًا محرفًا مليئًا بالخزعبلات؛ ليكون حجة لأعداء الإسلام: إن دينكم المحرَّف سبب في تخلفكم.

 

الإسلام دين التقدم والعلم والمعرفة، الإسلام دين العقيدة الصحيحة، دين الحرية المنضبطة، الإسلام دين الفضيلة والأخلاق والقيم العالية، فنحن بحاجة ماسة إلى مدارسته وتعلمه، ونشره والحفاظ عليه، ليس كلامًا وشعارًا، بل هو واقع نمتثله في البيت، في الأسرة، في المجتمع، في الدولة، وأن يربَّى الناس عليه.

 

2- معرفة سبيل المجرمين وفضحهم، وعدم السكوت على مخططاتهم.

لأن المجرم إذا لم يُفضح، فلن ينتبه له الناس، والإجرام اليوم يسير بوسائل خفية داخل المجتمعات، ومن أعظمها – كما قلنا – المنظمات الدولية التي تدعم الرذيلة هنا وهناك؛ فالناس محتاجون إلى أن يفضحوا هذه المنظمات، ويفضحوا الأفكار الدخيلة، ويفضحوا المنافقين العملاء، الذين يفسدون بلدانهم وأوطانهم وأديانهم.

 

3- كما أن الأمة اليوم محتاجة إلى السعي إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف، والارتفاع عن الخلافات في الأمور الثانوية.

 

والعجيب أن ما يجتمع عليه المسلمون أكثر مما يتفرقون عليه، ولكن للأسف، تضخيم المسائل الخلافية الفرعية قضى على الوحدة والاتفاق بين المسلمين.

 

انظروا إلى واقع المسلمين اليوم كيف يختلفون هنا وهناك، ويتقاتلون، تذهب قوَّتهم في قتالهم فيما بينهم، على مسائل فرعية تحت اسم الطائفة أو الحزب أو الوطن، أو غيرها من التسميات، والله تعالى قد جمع الأمة تحت راية "لا إله إلا الله": ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: 78]، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، وحبل الله هو كتابه، الوحي المنزل الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: 42].

 

فالأمة محتاجة اليوم إلى أن تجمع كلمتها، وتوحِّد صفوفها على الكليات، على المتفق عليه، ولا تشغل نفسها بالخلافات الفرعية، فقد اختلف المسلمون من عهد الصحابة إلى القرون المتأخرة، ولكن لم يدفعهم ذلك الاختلاف إلى أن يقتتلوا، بل كانوا فاتحين للبلدان، ناشرين للحق والهدى في المعمورة كلها.

 

4- وسائط التربية عليها مهمة شاقة في ظل عولمة الرذيلة؛ وهي: المدرسة، والجامعة، والمسجد، ووسائل الإعلام، والأسرة، وغيرها، وواجبها عظيم في حفظ دين الناس وقيمهم وأخلاقهم.

 

5- والواجب على الدولة أن تراقب المنظمات العاملة في البلد، وتتتبع أوكار الفساد، وتراقب وسائل الإعلام المنحرفة التي تبُث الرذيلة والإلحاد والفساد.

 

6- والواجب على الجميع أن يكونوا يدًا واحدة في هذا الباب، فالمجتمع كله يجب أن يتحول إلى جهاز رقابة على الفساد والمفسدين، ومروجي المخدِّرات، وبيوت الدعارة، وأماكن المنظمات الفاسدة، وأن تُقام فيهم حدود الله، وألَّا يتدخل الناس في الشفاعات والوساطات لمن قُبض عليه وهو يروِّج للمخدرات، أو وهو يروج للفاحشة واللواط، فهناك كثير من القضايا يتم القبض عليها، ثم تتدخل جهات وأشخاص للدفاع والوساطة، وهم بهذا ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [الحشر: 2]، المجتمع بحاجة إلى حماية ووقاية، بإقامة الحدود كما قال الله: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].

 

7- استخدام وسائل التقنية والإعلام في نشر الحق والفضيلة، فالباطل ينتشر بوسائل متعددة، فيجب علينا أن ننشر الحق بوسائل متعددة؛ فوسائل الإعلام، ووسائل التواصل والتقنية اليوم سلاح ذو حدين، فلماذا لا نستخدمها في نشر الحق، في نشر الفضيلة، في نشر العدل؟ لماذا نحن ننتظر لنتلقف ما يأتي به العدو ونطَّلع عليه، ونكون فريسة لأعدائنا؟ لماذا لا ننشر الحق والعدل والفضيلة؟ خاصة أن هذه الوسائل أصبحت عالمية؛ تكتب هنا فيقرأ من في أوروبا، فلماذا صار المسلمون سلبيين، يتلقفون الباطل ولا ينشرون الحق؟

 

8- كما أن الواجب علينا أن نعرف المسؤولية التي على أعناقنا كمسلمين، وأن نتحملها، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نصون مجتمعاتنا وبلداننا من الفساد والمفسدين، وأن نكون يدًا واحدة لحماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة.

 

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، وأن يكفينا وإياكم شرَّ الأشرار، وكيد الفجَّار أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مايكل جاكسون وعولمة الرذيلة
  • موارد تهدر في تجارة الرذيلة
  • جوائز عالمية للإبداع في نشر الرذيلة
  • خطبة: مفهوم الرذيلة عند الشباب

مختارات من الشبكة

  • العولمة وتشويه الغيب في وعي المسلم المعاصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعبد بذكر النعم وشكرها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ العشرة والوفاء بالجميل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبر مع نزول المطر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: القدوة الصالحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العفو والتسامح شيمة الأتقياء الأنقياء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخوف من الله وكف الأذى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل التبكير لصلاة الجمعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وما بعد العسر فرح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: شهر رجب، فضله، ومحدثاته(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/6/1447هـ - الساعة: 18:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب