• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

سنة التدافع وفقهها (خطبة)

سنة التدافع وفقهها (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/11/2025 ميلادي - 13/5/1447 هجري

الزيارات: 392

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُنَّة التدافع وفقهها

 

الحمد لله جعل الأيام دولًا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العظيم في قدره والعزيز في قهره، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، ومصطفاه وخليله، نبيٌّ شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصَّغار على من خالف أمره، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه البرَرة، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ، وسلم تسليمًا؛ أما بعد:

أهمية الحديث عن سُنَّة التدافع:

أيها المسلمون: جعل الله تعالى في كونه سننًا إلهية ناظمة للحياة والأحياء، مؤثرة في مجريات الأحداث، منها سُنَّة التدافع التي غايتها منع الفساد في الأرض، وإرجاع الأمور إلى نصابها، وإخضاعها لسننها، وذلك بمدافعة أهل الخير وجند الله، لأهل الشر والإفساد في الأرض؛ لتحقيق الصلاح والاستقرار، وهي مستمرة لا تتوقف ما بقيَ على وجه الأرض عاقلٌ يدعو إلى ما ينفع، وسفيهٌ يدعو إلى ما يضر.

 

والتدافع بين أهل الإيمان والكفر، لا يقتصر على جانب واحد؛ وهو الاقتتال بالسيف أو بالسلاح، بل إن المواجهة والمدافعة في أمور كثيرة، فقد تكون هناك مدافعة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وقد تكون هناك مدافعة إعلامية، عبر وسائل التواصل في إظهار الحقيقة وكشف الزيف، والمدافعة بالبرمجيات الآن من أقوى صور المدافعة، وقد تكون مدافعةً باللسان والقلم، وتكون هناك مدافعة بالعلم والعمل، وتربية الأمة على العزة والكرامة، وغيرها من سنن المدافعة.

 

إن امتلاك المسلم تصورًا واضحًا عن سُنَّة التدافع يجعله يعيش سلامًا نفسيًّا كبيرًا، يبعث فيه روح التفاؤل والإيجابية، ويكون عنده تصور واضح عن كل ظواهر الحياة، وسننها.

 

القرآن والسنة يحدثاننا عن سُنَّة التدافع:

أيها المسلمون: لقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عن سنة المدافعة في الأرض، بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وبين العدل والظلم وغيرها من سنن المدافعة؛ فمنها قول الله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 39، 40]، ويقول الله تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة: 253]، ويقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112]، ويقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 250، 251]، ويقول الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]، ويقول الله تعالى: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140، 141]، وفي السنة النبوية عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا))؛ [رواه البخاري].

 

منهج التوازن يقوم على سُنَّة التدافع:

أيها المسلمون: إن سُنَّة التدافع تقوم على التوازن بمنع طغيان فئة واحدة، على فئة أخرى فيُدفع أهل الباطل بأهل الحق، وأهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها، فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين، أن أذِن لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض بمواجهة المفسدين فيها من المستكبرين الظالمين والبغاة المعتدين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]، فبفضل هذا التدافع وهذه المواجهة تظهر معالم طريق الخير المؤيد بملَكٍ، وطريق الشر المؤيد بشيطان؛ قال عبدالله بن مسعود الصحابي الفقيه، الذي ما فتئت الحكمة تتفجر بين ثنايا حروفه: "إن للملَك لَمَّة بقلب ابن آدم، وللشيطان لمة، فلمة الملك: إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر، وتكذيب بالوعد؛ ثم قرأ: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾ [البقرة: 268]"، تأمل كيف يشخِّص هذا الوصف حالة التدافع في ذات الشخص الواحد، حين يتدافع لبُّ المرء بين اللمتين، حتى تكون غلبة إحداهما على الأخرى، فيلجأ صاحب نزعة الشر لنزعته، وصاحب نزعة الخير لنزعته؛ ولذلك فهو ذات الصراع بين جموع البشر والجماعات والدول، فإن سيطر على المشهد المؤمنون والصالحون وحتى العقلاء من غير المسلمين، فتكون النتيجة هي الصلاح والنماء والخير العظيم، والسلام والمحبة في هذا العالم، وإن استولى عليه المجرمون المفسدون في الأرض أصحاب الأثَرة، فإن النتيجة تكون المكر والكيد، والفساد والظلم، والطغيان المبين كما نشاهده اليوم.

 

وسُنَّة التدافع تدخل في كل مكونات البشر جميعًا، حتى بين أهل الباطل أنفسهم لإظهار التوازن، فتجد فريقًا أظلم من فريق في مواجهة على باطل، وقوة أفسد من قوة في صراع على باطل، المدافعة بين الكفار أنفسهم، والتقاتل بين الكفار أنفسهم، هي سنة إلهية خاصة من سُنَّة التدافع العامة؛ قال الله تعالى: ﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ [الحشر: 14]، وقال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129]، والمسلم العاقل الحصيف عليه إعمال سنة المدافعة بين أهل الباطل، فيُعمل التوازن في هذا التدافع بين أهل الباطل فيميل لأقربهما للحق، وأقلهما أذًى وضررًا، وكل هذا من مقادير سُنَّة التدافع؛ قال الله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 1 – 5]، وكذلك التدافع بين أهل الخير والصلاح أنفسهم، بين من يملك دعوة الحق الأقوى ومن يحمل دعوة الحق الأضعف، وتستمر المنافسة بينهم بالاختلاف والتدافع حتى يتحقق أحق الحقين، وأكثره موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يفسِّر الكثير من التناقضات التي تقوم عليها الأمة اليومَ بين فئاتها المختلفة والمتنازعة، ومتى ما تدافع أهل الحق فيما بينهم، ظهر في صفوفهم العجز والاختلاف والشقاق، ومن ثَم تكون نتيجة ذلك عليهم شديدة حتى يراجعوا أنفسهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152]، إلى أن قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

 

مآلات سُنَّة التدافع:

أيها المسلمون: إن القرآن الكريم وهو يقرر سُنَّة التدافع، فإنه بذلك يوجِّه الإنسان المسلم إلى عدم الاشتغال بالآثار السلبية للصراعات اشتغالًا نهائيًّا، وينهاه عن تبني التذمر كلغة مواجهة، أو التسخط كأسلوب للتفاعل، أو اليأس كأفق أخير؛ لأن تبني هذه الأساليب في التفاعل مع مخلفات الصراع بين المسلمين وأعدائهم يولِّد حالة من العجز بين المسلمين، ويولد مشكلات فردية على مستوى الفكر، من بينها مشكلة الإلحاد، التي تُعد ثمرة لعدم إدراك حقيقة الحياة، ويولِّد مشكلات سلوكية أهمها مشكلة الهروب من مواجهة الواقع إلى الوقوع في فخ الآفات الاجتماعية، والانحراف الأخلاقي.

 

ومما ينبغي أن يدرَك في سنة المدافعة بين أهل الخير وأهل الشر، أن مآلاتها قد تكون مؤلمة في ظاهرها عند الناس، لكنها عند الله فوز ونصر مبين؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 1 - 11]، ومضمون الآيات واضح، أن هذه الحياة قد شهدت نهايات مأساوية للكثير من المسلمين في صراعهم مع أهل الشر؛ ومع ذلك يبشر الله عز وجل المؤمنين بالجنة والحياة الطيبة في ظله يوم القيامة، وهذا مما يبعث السلام والطمأنينة في قلب المؤمن فيُقبل على الحياة، ويخوض غمارها، ويكون عنصرًا عاملًا في سُنَّة التدافع، مقبلًا غير مدبر، بعد أن اطمأن قلبه، وارتاحت نفسه، واستقام فقهه لسُنَّة التدافع على هذه الأرض، ولا يعني هذا أن الله لم يعاقب أهل الباطل وأهل الشر؛ بل قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ﴾ [البروج: 12 - 20]؛ لأن من حكمة الله في سُنَّة التدافع إحداث تطهير للأرض بحيث لا يبقى الخبيث يقود ويسود حياة الناس أبدًا، حتى وإن مكَّنه من ذلك قليلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]؛ لأن حق قيادة الناس يكون دائمًا للأصلح الذي يحقق الخير والنماء والرخاء لهم، وبما يحقق حضارة الإنسان، التي تعلو فيها القيم الأخلاقية الحسنة على الشهوات والظلم، والجور والفساد والقتل، ولذا كتب الله سبحانه وتعالى ذلك في الرسالات السابقة قبل القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 105 - 107].

 

سُنَّة التدافع، كيف نتعامل معها فهمًا؟

أيها المسلمون: كيف نتعامل مع سُنَّة التدافع فهمًا لها فهمًا صحيحًا، من خلال آيات ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، واستقراء التاريخ الماضي والحاضر حتى تتضح لنا هذه السنة العظيمة؟

 

أولًا: التنوع البشري في الأرض: إن التنوع البشري لا بد أن ينشأ عنه اختلاف في الأهواء والرغبات، وتعارض في المصالح، والنفوس البشرية فيها حب الأثَرة، وحب الرياسة، وحب العلو في الأرض، لأن من سنن الله في كونه أن يوجد فيه الشيء وضده، فيوجد الغني والفقير، والصحيح والمريض، والضعيف والقوي، والعالم والجاهل، وغير ذلك من الأضداد التي تقتضيها سُنَّة التدافع، وهذا أمر واقع ومشاهَد في جميع المجتمعات، وقد أشار الله تعالى إلى هذا التدافع باعتباره سنة من سُننه سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118].

 

ثانيًا: قراءة تاريخ الأمة المسلمة، والتركيز على المنعطفات التاريخية فيها؛ فلقد كان الإسلام في أضعف أحواله في مكة، ثم بالهجرة النبوية وغزوة بدر التي سجلت تاريخ الانعطافة الكبرى في تاريخ صعود المسلمين والدولة الإسلامية الأولى، ثم بعد فتح مكة بدأت مرحلة مدافعة الكفر وأهله خارج جزيرة العرب، لتتوسع الدائرة وتنتهي بالقضاء على فارس والروم؛ فيسود الإسلام في الأرض، وتنتشر معه أنوار الهداية والعدالة، والازدهار والحضارة الماجدة، وقد بشَّر بذلك نبينا الكريم؛ فعن المقداد بن عمرو بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبقى على ظهر الأرض بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إلا أدْخَلَ اللهُ عليهم كلمةَ الإسلامِ، بعِزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ))؛ [رواه ابن حبان].

 

ثالثًا: واجب العلماء والدعاة: إنه قد يُبتلى المؤمنون بالكفار والمنافقين الذين يقذفون شبههم في الدين، أو في حمَلَة الدين المنافحين عنه والمدافعين، فينبغي لحملة العلم وأولي الفكر وأصحاب الرأي دحضُ باطلهم، وكسر حججهم، وإزالة شبههم، ولا يكون ذلك إلا بالمشاركة الفاعلة بالكتابة بكل وسائل التواصل، واستخدامها استخدامًا أمثلَ، والظهور إعلاميًّا بكل وسائل الإعلام كلٌّ بقدر استطاعته، فتُعرض أحكام الإسلام بأحسن صورة وأبهى حُلة، فيعتز الإسلام وأهله، ويزداد يقين المسلمين بدينهم.

 

وختامًا: اعلم أيها المسلم وأيتها المسلمة، أن سُنَّة التدافع تأتي لترسم مسار هذه الأمة، رغم كل الكيد والمكر الذي يُجمع لها، وخلاصتها: خاب من كسب ظلمًا؛ فالظالم أيًّا كان وصفه ومهما بلغت قوته، سيدفع ثمن ظلمه عاجلًا أم آجلًا، وليس مهمًّا على يدِ مَن، بل المهم أنه سيدفعه جزاءً وفاقًا، وما كان ربك بظلَّام للعبيد، ولا يعني هذا أن عصرنا يخلو من مشاهد النصر، بل هي موجودة وإن كان يطغى عليها ضباب الدَّجل، فهناك نصر يَخفى على الكثيرين مع الحرب المعلنة على الإسلام، يتجلى في عدد المعتنقين لهذا الدين العظيم، وعدد الباحثين عنه والساعين له؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سنة التدافع
  • سنة التدافع بين الحق والباطل

مختارات من الشبكة

  • خطبة: التدافع سنة ربانية وحكمة إلهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التفاف الرعية بالراعي ونبذ الفرقة والشقاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من تجالس؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الله البصير (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكر الموت زاد الحياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منزلة أولياء الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا قدموا لخدمة الدين؟ وماذا قدمنا نحن؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشائعات والغيبة والنميمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كن بلسما (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/5/1447هـ - الساعة: 15:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب