• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الإذن بالجهاد (خطبة)

الإذن بالجهاد (خطبة)
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/4/2024 ميلادي - 10/10/1445 هجري

الزيارات: 4303

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإِذْنُ بِالجِهَادِ


الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ «الإِذْنُ بِالجِهَادِ».


أَيُّهَا النَّاسُ - لَمَّا اسْتَقَرَّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالمَدِيْنَةِ بَيْنَ أَظْهُرِ الأَنْصَارِ، وَتَكَفَّلُوا بِنَصْرِهِ، وَمَنْعِهِ مِنَ الأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ؛ رَمَتهُمُ العَرَبُ قَاطِبَةً عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَتَعَرَّضُوا لَهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، أَذِنَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِلمُسْلِمِيْنَ بِالجِهَادِ وَلَمْ يفْرِضُهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ - تَعَالَى-: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39].

 

ثُمَّ لَمَّا صَارُوا فِي المَدِيْنَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - وَصَارَتْ لَهُمْ شَوْكَةُ وَعَضُدٌ، كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الجِهَاد، قَالَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

وَلَمَّا نَزَلَ الإِذْنُ بِالجِهَادِ - أَيُّهَا النَّاسُ - رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبْسُطَ سَيْطَرَتَهُ عَلَى الطَّرِيْقِ الرَّئِيْسِي الَّذِي تَسْلُكُهُ قُرَيْشْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَاتِهِمْ، فَأَرْسَلَ البُعُوثَ وَاحِدَةً تَلْو الأُخْرَى إِلَى هَذَا الطَّرِيْقِ.

 

فَكَانَتْ أَوَّلَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ الأَبْوَاءِ، رَوَى ذَلِكَ «البُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ»[1]، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقٍ كَمَا فِي «صَحِيْحِهِ»، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ إِسْحَاقَ:«أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ».

 

وَكَانَتْ هَذِهِ الغَزْوَةُ - أَيُّهَا النَّاسُ - فِي صَفَر سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الهِجْرَةِ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا بِنَفْسِهِ فِي سَبْعِيْنَ رَجُلًا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ خَاصَّةً، يَعْتَرِضُ عِيْرًا لِقُرَيْشٍ، حَتَّى بَلَغَ وِدِان وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَاسْتَخْلَفَ فِيْهَا عَلَى المَدِيْنَةِ سَعْدَ بْنَ عِبَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بُوَاطٍ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍِ أَوَّلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الهِجْرَةِ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْتَرِضُ عِيْرًا لِقُرَيْشٍ، فِيْهَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَلْفَانِ وَخَمْسِمِائَةِ بَعِيرٍ، فَبَلَغَ بُوَاطًا، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَاسْتَخْلَفَ فِي هَذِهِ الغَزْوَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ ذي الْعُشَيْرَةَ فِي جُمَادِي الأَوَّل وَجُمَادِ الآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الهِجْرَةِ، خَرَجَ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَمْسِيْنَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ فِي مِائَتَيْنِ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَلَمْ يُكْرِهْ أَحَدًا عَلَى الخُرُوجِ، وَخَرَجُوا عَلَى ثَلاَثِيْنَ بَعِيْرًا يَتَعَقَّبُوُنَهَا، يَعْتَرِضُ عِيْرًا لِقُرَيْشٍ، ذَاهِبَةً إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ جَاءَ الخَبَرُ بِفُصُولِهَا مِنْ مَكَّةَ فِيْهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشٍ، فَبَلَغَ ذَا الْعُشَيْرَةِ، وَذُو الْعُشَيْرَةِ مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ يَنْبُعَ، فَوَجَدَ العِيْرَ قَدْ فَاتَتْهُ بِأَيَّامٍ، وَهَذِهِ - أَيُّهَا النَّاسُ - هِيَ العِيْرُ الَّتِي خَرَجَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِهَا حِيْنَ رَجَعَتْ مِنَ الشَّامِ، فَصَارَتْ سَبَبًا لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى، وَمَعَ هَذِهِ الغَزْوَةِ عَقَدَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاهَدَةَ عَدَمِ اعْتِدَاءٍ مَعَ بَنِي مُدْلجٍ وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَة.

 

وَاسْتَخْلَفَ عَلَى المَدِيْنَةِ فِي هَذِهِ الغَزْوَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُومِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَكَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّهَا النَّاسُ - قَدْ بَعَثَ السَّرَايَا وَالبُعُوث لِإِنْذَارِ قُرَيْشٍ عَقْبَ طَيْشِهَا، وَإِشْعَارِ مُشْرِكِي يَثْرِبَ وَيَهُودَهَا وَأَعْرَابَ البَادِيَةِ الضَّارِبَتَيْنِ حَوْلِهَا بِأَنَّ المُسْلِمِيْنَ أَقْوِيَاءُ وَأَنَّهُمْ تَخَلَّصُوا مِنْ ضَعْفِهِمُ القَدِيْمِ، هَذَا إِلَى جَانِبِ عَقْدِ المُعَاهَدَاتِ مَعَ القَبَائِلِ [2].

 

وَمِنْ تِلْكَ السَّرَايَا - أَيُّهَا النَّاسُ - سَرِيَّةُ سَيْفِ البَحْرِ:

فَفِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الأَوْلَى مِنَ الهِجْرَةِ، أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ السَّرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَبَعَثَهُ فِي ثَلاَثِيْنَ رَجُلًا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ يَعْتَرِضُ عِيْرًا لِقُرَيْشٍ، جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ، فِيْهَا أَبُو جَهْلٍ بْنِ هِشَامٍ فِي ثَلاَثِمِائَةِ رَجُلٍ فَبَلَغُوا سَيْفَ البَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ العِيْصِ، وَهُوَ مَكَانٌ بَيْنَ يَنْبُعَ وَالمَرْوَةِ نَاحِيَةَ البَحْرِ الأَحْمَرِ، فَالْتَقَوْا وَاصْطَفُّوا لِلقِتَالِ، فَمَشَى مَجْدِي بْنُ عَمْرُو الجَهْنِيِّ - وَكَانَ حَلِيْفًا لِلفَرِيْقَيْنِ جَمِيْعًا - بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلاَءِ حَتَّى حَجَزَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يَقْتَتِلُوا.

 

وَكَانَ لِوَاءُ حَمْزَةَ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَوَّلَ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبْيَضَ، وَحَمَلَهُ أَبُو مَرْثَدَ الغَنَوي، وَمِنْ تِلْكَ السَّرَايَا - أَيُّهَا النَّاسُ - سَرِيَّةُ رَابَغُ، وَكَانَتْ فِي وَاحِدٍ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الأُوْلَى مِنَ الهِجْرَةِ، بَعَثَ لَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُبَيْدَةَ بْنَ الحَارِثِ فِي سِتِّيْنَ رَجُلًا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، فَلَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ وَهُوَ فِي مِائَتَيْنِ عَلَى بَطْنِ رَابِغِ، وَقَدْ تَرَامَى الفَرِيْقَانِ بِالنِّبَلِ وَلَمْ يَقَعْ قِتَالٌ.

 

وَفِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ انْضَمَّ رَجُلاَنِ مِنْ جَيْشِ مَكَّةَ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، وَهُمَا المِقْدَادُ ابْنُ عَمْرُو، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانِ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ خَرَجَا مَعَ الكُفَّارِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيْلَةً لِلوُصُولِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، وَكَانَ لِوَاءَ عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَبْيَضَ، وَحَامَلُهُ مَسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

 

وَمِنْ تِلْكَ السَّرَايَا - أَيُّهَا النَّاسُ - سَرِيَّةُ الخَرَّارِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالقُرْبِ مِنَ الجُحْفَةِ، وَذَلِكَ فِي ذِي العَقَدَةِ مِنَ السَّنَةِ الأُوْلَى لِلهِجْرَةِ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فِي عِشْرِيْنَ رَجُلًا، يَعْتَرِضُ عِيْرًا لِقُرَيْشٍ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ أَلَّا يُجَاوِزَ الخَرَّارِ، فَخَرَجُوا مُشَاةً يَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ، وَيَسِيْرُونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى بَلَغُوا الخَرَّارَ صَبِيْحَةَ خَمْسٍ، فَوَجَدُوا العِيْرَ قَدْ مَرَّتْ بِالأَمْسِ، وَكَانَ لِوَاءَ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَبْيَضَ، وَحَامَلُهُ المِقْدَادُ ابْنُ عَمْرُو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

تَحْوِيْلُ القِبْلَةِ

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثِ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ «الإِذْنِ بِالجِهَادِ»، مَعَ ذِكْرِ بَعْضِ الغَزَوَاتِ والبُعُوثِ، وَالَّتِي كَانَتْ أَشْبَهَ بِالدَّوْرِيَّاتِ الاسْتِطْلَاعِيَّةِ بَيْنَ يَدَيِ الحَرْبِ، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ «تَحْوِيْلُ القِبْلَةِ».

 

أَيُّهَا النَّاسُ - لَقَدْ كَانَتْ قِبْلَةُ المُسْلِمِيْنَ أَوَّلَ الأَمْرِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، فَأَمَرَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - رَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى المَسْجِدِ الحَرَامِ.

 

قَالَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].

 

فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[3]، مِنْ حَدِيْثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلُ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ: - أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ - وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشْرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونُ قَبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتْ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ.

 

فَتَأَمَّلُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - إِلَى سُرْعَةِ اسْتِجَابَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - لِأوَامِرِ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَدَارُوا وَهُمْ رُكُوعٌ قِبَلَ الْبَيْتِ.

 

وَأَمَّا أَهْلُ قُبَاءَ فَلَمْ يَعْلَمُوا بِتَحْوِيْلِ القِبْلَةِ إِلَّا فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[4]، مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.

 

كَمَا اسْتَدَارَ أَصْحَابُهُمْ فِي المَدِيْنَةِ، وَهَكَذَا امْتَثَلَ الصَّحَابَةُ لِأَمْرِ الله وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا اليَهُودُ فَقَدِ اسْتَدَارَتْ قُلُوبُهُمْ عَنِ اللهِ وَعِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ قِبْلَتِهِ الجَدِيْدَةِ، وَتَطَايَرَتْ حُصُونِهِمْ وَأَلْسَنِتِهِمْ أَلْفَاظُ الاسْتِهْجَانِ وَالاِحْتِجَاجِ، هَا هُمْ يَجُوبُونَ شَوَارِعَ المَدِيْنَةِ فِي سَفَاهَةٍ وَسَمَاجَةٍ يَقُولُونَ: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 143، 144].

 

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: «وَكَانَ لِلَّهِ فِي جَعْلِ الْقِبْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ تَحْوِيلِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ، وَمِحْنَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقَالُوا: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران: 7]، وَهُمُ الَّذِينَ هَدَى اللهُ، وَلَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً عَلَيْهِمْ.

 

وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: كَمَا رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِنَا، يُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِنَا، وَمَا رَجَعَ إِلَيْهَا إِلَّا أَنَّهُ الْحَقُّ. وَأَمَّا اليهود فَقَالُوا: خَالَفَ قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا لَكَانَ يُصَلِّي إِلَى قِبْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ.

 

وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَقَالُوا: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، إِنْ كَانَتِ الْأُولَى حَقًّا فَقَدْ تَرَكَهَا، وَإِنْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ هِيَ الْحَقَّ فَقَدْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ، وَكَثُرَتْ أَقَاوِيلُ السُّفَهَاءِ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَتْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143]، وَكَانَتْ مِحْنَةً مِنَ اللهِ امْتَحَنَ بِهَا عِبَادَهُ لِيَرَى مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِنْهُمْ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ - بَعْدَ تَحْوِيْلِ القِبْلَةِ شَرَعَ اللهُ صَوْمَ رَمَضَانَ وَصَدَقَةُ الفِطْرِ وَزَكَاةَ المَالِ.

 

فَفِي شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، أَوْجَبَ اللهُ صَوْمَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَأَنْزَلَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

ثُمَّ جَاءَ رَمَضَان فَصَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَامَ المُسْلِمُونَ، ثُمَّ فُرِضَتْ صَلاَةُ العِيْدِ وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى المُصَلَّى، فَكَانَ أَوَّلَ صَلَاةِ عِيْدٍ صَلَّاهَا، وَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالحَرْبَةِ، وَكَانَتْ لِلزُّبَيْرِ، وَهَبَهَا لَهُ النَّجَاشِيُّ، فَكَانَتْ تَحْمِلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الأَعْيَادِ [5].

 

اللهُمَّ فَقِّهْنِا فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْنَا مَا جَهِلْنَا وَلاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، اللهُمَّ وَفِّقْنَا لاتِّبَاعِ رَسُولِكَ، الاتِّبَاعَ الَّذِي يُرْضِيْكَ عَنَّا، اللهُمَّ بِحُبَّنَا لِنَبِيِّكَ وَأَصْحَابِهِ أحْشُرْنَا مَعَهُمْ.

 

وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



[1] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3949).

[2] انْظُرْ: «الرَّحِيْقُ المَخْتُومِ» (217).

[3] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 40).

[4] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 1892 )، وَمُسْلِمٌ (1126).

[5] «تَارِيْخُ الطَّبَرِيِّ» (2 /418).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • علاقة رمضان بالجهاد في سبيل الله
  • في رمضان كانت موقعة البويب الجهادية
  • ارتباط الصوم بالجهاد
  • فضل الجهاد في سبيل الله
  • شرح حديث أبي سعيد: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر
  • الإخلاص في الجهاد
  • عز الأمة بالجهاد (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من تجالس؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الله البصير (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكر الموت زاد الحياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منزلة أولياء الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا قدموا لخدمة الدين؟ وماذا قدمنا نحن؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشائعات والغيبة والنميمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كن بلسما (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية مراقبة الله في حياة الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخلاق البائع المسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/5/1447هـ - الساعة: 17:35
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب