• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

خطبة: تدبر أول سورة البقرة

خطبة: تدبر أول سورة البقرة
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/8/2025 ميلادي - 20/2/1447 هجري

الزيارات: 438

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: تدبر أول سورة البقرة

 

الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته، أما بعد:

فيقول الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، أنزل اللهُ القرآن لنتدبَّر آياته، ولنتذكر به ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، وفضل القرآن عظيم، وعظمته وبركته لا نهاية لها، فعلى المسلم أن يجتهد في تعَلُّم القرآن الكريم تلاوةً وتفسيرًا، وأن يحرص على تدبره واتِّباعه، فالقرآن أعظم ما علَّم الله عباده، وتلاوةُ القرآن واتِّباعُه تجارةٌ رابحةٌ لا خسران فيها، والقرآن خيرٌ مما يجمعون، و«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»، وتعَلُّم القرآن يشمل تعَلُّم تلاوته وتفسيره وحفظه، وسنتدبر في هذه الخطبة أول سورة البقرة، يقول الله تعالى: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * الم ﴾ [البقرة: 1]، ألف لام ميم، وسائر حروف الهجاء في أوائل بعض السور الله أعلم بمراده منها، وقيل: هي لتحدي الناس أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي هو مؤلَّف من هذه الحروف العربية.

 

﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2] القرآن العظيم لا شك في تنزيله من الله سبحانه، فهو كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك في صدق أخباره، وعدل أحكامه.

 

﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2] المتقي من يجعل بينه وبين عذاب الله وقايةً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فالمتقون هم المنتفعون بهدايات القرآن الكريم، وهي الدلالات المبينة لما تضمنه القرآن الكريم من علوم وإرشادات تبين الحق من الباطل، وتوصل لكل خير، وتمنع من كل شر، فالمتقون يهتدون لما تضمنه القرآن الكريم من علم نافع، وعمل صالح، منطوقًا ومفهومًا، مما هو ظاهر، أو مما يُستنبط منه بعد التدبر والتأمل.

 

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3] وصف الله المتقين بأنهم يُصدِّقون بكل ما غاب عن أعينهم مما أخبر الله به ورسوله من القيامة والحساب والجنة والنار وغير ذلك، ويدخل في الإيمان بالغيب: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره، وهي أركان الإيمان الستة، والإيمان هو التصديق والإقرار بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة دون ما سواه، والإيمان اعتقاد وقول وعمل.

 

﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 3] ومن صفات المتقين أنهم يقيمون الصلاة الفريضة والنافلة، وإقامة الصلاة أن يأتي بها المصلي بشروطها وأركانها وواجباتها ومستحبَّاتها، وأن يُكمِّلها ظاهرًا وباطنًا بإخلاص وخشوع.

 

﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3] ومن صفات المتقين أنهم يتصَدَّقون ببعض ما رزقهم الله، وذلك يشمل الزكاة الواجبة والصدقات المستحبَّة.

 

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [البقرة: 4] يشمل الإيمان بالقرآن الكريم والسنة النبوية التي هي بيان للقرآن، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يبين للناس كتاب الله بسنته القولية والفعلية، وقد أمرنا الله في آيات كثيرة بطاعته وطاعة رسوله، فطاعة الله باتباع القرآن، وطاعة الرسول باتِّباع السُّنَّة.

 

﴿ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [البقرة: 4] من الكتب السابقة؛ كالتوراة والإنجيل.   ﴿ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 4] اليقين: العلم الثابت الذي لا شك فيه.

 

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5] المتصفون بهذه الصفات هم المهتدون باتِّباع شريعة الله، ﴿ الْمُفْلِحُونَ ﴾؛ أي: الفائزون بالخلود في الجنة.

 

أيها المسلمون، وبعد أن ذكر الله المتقين في الآيات الخمس الأولى ذكر الكافرين في آيتين، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [البقرة: 6]؛ أي: ستروا وجحدوا ما يجب الإيمان به، والكفر نوعان: كفر أصلي، وكفر ردة، ويكون الكفر والردة عن الإسلام بالاعتقاد أو الشك أو القول أو الفعل أو ترك الفعل، سواء كان ذلك اعتقادًا أو عنادًا مع التصديق أو استهزاءً ولعبًا، مثال الاعتقاد أن ينكر وجود الخالق، أو يعتقد كذب القرآن، أو يُكذِّب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يُكذِّب بالبعث بعد الموت، أو يعتقد صحة دين الكفار من اليهود والنصارى والبوذيين وغيرهم، أو يُنكر وجوب الصلوات الخمس، أو يكره شيئًا من دين الله وإن عمل به، أو يعتقد عدم وجوب الحكم بما أنزل الله، ومثال الشك أن يشك في وجود الخالق أو صحة القرآن أو صدق النبي صلى الله عليه وسلم، أو يشك في البعث بعد الموت، ومثال القول أن يشرك بالله بدعاء غيره، أو يستهزئ بالله ورسوله وآياته، أو يسب الله ورسوله، أو يُحلِّل شيئًا محرمًا بالنص والإجماع، أو يُحرِّم شيئًا حلالًا بالنص والإجماع، حتى لو كان إنكاره بقوله عنادًا أو استهزاءً مع تصديقه بالحق، ومثال الفعل أن يلقي المصحف الشريف في القاذورات، أو يسجد لصنم، أو يستعمل السحر باستخدام الشياطين، ومثال الترك أن يمتنع عن الصلاة، حتى وإن كان مصدِّقًا بالله وباليوم الآخر، كما امتنع إبليس عن امتثال أمر الله بالسجود لآدم فكفر، مع كونه مصدقًا بالله وباليوم الآخر.

 

﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6]؛ يعني: مستوٍ عند الكافرين أأعلمتهم بما تحذرهم منه أم لم تُعلمهم لا يؤمنون، والمراد أن أكثر الكافرين لا يؤمنون كما قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يس: 7]، ومن الكافرين من يؤمِن.

 

﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [البقرة: 7]؛ أي: طبع الله على قلوبهم، فلا يخرج منها الكفر، ولا يدخل إليها الإيمان، والقلب سمي قلبًا لتقلُّبه بالخواطر والتفكير، وهو محل العلم والعقل والنية. ﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [البقرة: 7]؛ أي: وطبع الله على سمعهم، فلا ينتفعون بما يسمعون، كما قال الله سبحانه: ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ﴾ [الصافات: 13]. ﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ [البقرة: 7]؛ أي: وجعل الله على أبصارهم غطاء، فهم لا ينتفعون بما يرون من آيات الله الكونية بسبب كفرهم، كما قال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101].

 

﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7] العذاب إيصال الألم حالًا بعد حال، والواجب على الإنسان العاقل أن يسمع آيات الله وينتفع بها، ويتفكَّر في مخلوقات الله، ويزداد بها إيمانًا.

 

أقول ما سمعتم، وأسأل الله أن يجعلنا من المتقين المهتدين، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى عباد الله الصالحين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، الناس والإنس هم البشر، والمراد ببعض الناس المنافقون، وهم الذين يُظهِرون الإسلام، ويبطنون الكفر. واليوم الآخر: يوم القيامة، سُمِّي بذلك لأنه يكون بعد انقضاء أيام الدنيا.

 

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9]؛ أي: يُظهِر المنافقون غير ما في قلوبهم، وما يعلمون أنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم.

 

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10] في قلوبهم شك ونفاق وحب الشهوات المحرمة، فزادهم الله ضلالًا، كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ﴾ [مريم: 75].

 

﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10] مؤلم موجع بسبب ما كانوا يَكذِبون، الكذِب: هو الإخبار بما يخالف الواقع، وفي قراءة: "يُكذِّبون"، والتكذيب نسبة المخبِر إلى الكذب، فمن صفات المنافقين: قول الكذب، والتكذيب بالحق.

 

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11] إذا قال المؤمنون للمنافقين: لا تُفسِدوا في الأرض بالكفر والمعاصي والظلم وموالاة الكافرين، قال المنافقون: إنما نحن مصلحون، والإصلاح تغيير الفساد إلى استقامة الحال في أمور الدين والدنيا.

 

﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12] من صفات المنافقين الإفساد في أمور الدين والدنيا، ولا يعلمون أنهم مفسدون، ويظنون ما يعملونه من الفساد إصلاحًا وإن كان فيه تغيير الدين الحق وتشكيك الناس فيه وسفك الدماء ونشر المنكرات.

 

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ﴾ [البقرة: 13] إذا قيل للمنافقين: صدِّقوا بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم كما آمن الصحابة ومن اتَّبَعهم بإحسان، واتبعوا سبيلهم في فهم القرآن والسنة والعمل بطاعة الله وشرعه، ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 13] السفيه هو: الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار، فالمنافقون يعتقدون هذا في الصحابة ومَن اتَّبَعهم من علماء الأمة وصالحيها، فالمنافقون يحتقرونهم، ولا يريدون أن يؤمنوا كإيمانهم، وهم في الحقيقة السفهاء، ولكنهم لا يعلمون الدين الحق الذي رضيه الله لعباده.

 

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ [البقرة: 14]؛ أي: إذا انفرد المنافقون مع زعمائهم المضلِّين من شياطين الإنس قالوا لهم: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14] ساخرون، فمن صفات المنافقين الاستهزاء بالصالحين.

 

﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ [البقرة: 15] الاستهزاء: إظهار المستهزِئ للمستهزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهرًا وهو يريد أن يسيء إليه باطنًا، وهو بمعنى الخداع والمكر والسخرية، فالمنافقون يعامَلون معاملة المسلمين في الظاهر، وإن كانوا في الآخرة في الدرك الأسفل من النار. ﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15]؛ أي: يزيدهم الله في كفرهم وضلالهم، فهم في حيرتهم يتردَّدون، لا يجدون إلى الهداية سبيلًا؛ لأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم، بسبب سوء نيَّاتهم، وفسقهم وظلمهم، قال الله تعالى: ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].

 

﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16]؛ أي: المنافقون تركوا الهدى رغبةً في الضلالة، كما يرغب المشتري في السلعة، فيترك ثمنها للبائع ليأخذها. ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16] فتجارة المنافقين خاسرة؛ لأنهم اشتروا الدنيا الفانية بالآخرة الباقية.

 

أيها المسلمون، ذكر الله آيات كثيرة في بيان صفات المنافقين لنحذر منهم، ومن الاتصاف بصفاتهم، ثم ذكر مَثَلَينِ اثنين في بيان حال المنافقين، فقال سبحانه: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ [البقرة: 17]؛ أي: شَبَّه المنافقين كإنسان أوقد نارًا في مكان مظلم، فهذا وصْفُ المنافقين الذين آمنوا ثم كفروا، واشتروا الضلالة بعد الهدى، فلما أبصر المنافق ما حوله بنور الإسلام ارتدَّ، فصار في مكان مظلم بعد أن كان مبصرًا. ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [البقرة: 17] المنافقون خذلهم الله حين استحبُّوا الضلالة وقدَّموها على الهدى.

 

﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ [البقرة: 18] المنافقون صُمٌّ عن استماع الحق، بُكْمٌ عن التكلم به، عُمْيٌ عن إبصاره، فلا تنفعهم المواعظ والعِبَر، ولا يتفكرون فيما يسمعون ويقرءون من آيات القرآن والسُّنَّة، ولا فيما يرون من آيات الله الكونية؛ كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: 105]، وقال عز وجل: ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ [الصافات: 13، 14]. ﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18] إلى الحق؛ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرَفوه، فغالب المنافقين الذين كفروا بعد إيمانهم وتركوا الحق عن علم لا عن جهل لا يرجعون إلى الإيمان والعمل الصالح.

 

﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ﴾ [البقرة: 19] هذا مَثَلٌ آخر للمنافقين، يعني: كأصحاب مطرٍ شديد في سفر، في ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر، والرعد صوتٌ شديدٌ يُسمع في السحاب عند نزول المطر، والبرق نورٌ يُرى في السحاب ولا يثبت.

 

﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 19]؛ أي: يضعون أصابعهم في آذانهم بسبب الصواعق، وهذا المثل يُبيِّن الله به حال المنافقين عند سماع القرآن والمواعظ، فهم يكرهون سماع الحق كما يكرهون الموت، ويجعلون الاستقامة على شرع الله كالموت، فهم لا يريدون طاعة الله كما لا يريدون الموت، قيل: وجه التشبيه أن المطر مثَلٌ للقرآن الذي تحيا به القلوب، والظلمات مثَلٌ لما في القرآن من الإشكال على المنافقين، والرعد مثَلٌ لما فيه من الوعيد والزجر لهم، والبرق مثَلٌ لما فيه من البراهين الواضحة، ضرب الله في هذه الآية مثل المنافقين الذين نفاقهم عن جهل لا علم بأصحاب المطر الشديد، وإذا أضاء لهم البرق مشوا في ضوئه، وإذا أظلم وقفوا، كما أن المنافقين إذا كان القرآن موافقًا لأهوائهم عملوا به؛ كأحكام النكاح والمواريث وآيات حسن الأخلاق، وإذا كان غير موافق لأهوائهم وقفوا وتأخَّروا، ولم يعملوا به؛ كالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، والجهاد في سبيل الله، وترك المنكرات؛ كالربا والتبرج والزنا وموالاة الكافرين.

 

﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 19] من أسماء الله: المحيط بمعنى أنه محيط بكل شيء علمًا وقدرةً وقهرًا، فإحاطة الله بخلقه إحاطة علم وقدرة وقهر، ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾؛ أي: مهلكهم وإن أمهلهم.

 

﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ [البقرة: 20] المراد بهذا المثل: أن نور القرآن- وهو براهينه - يكاد لشدة ضوئه يُعمي بصائر المنافقين، كما أن البرق الشديد النور يكاد يُعمي بصر ناظره.

 

﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ﴾ [البقرة: 20]؛ أي: كلما ظهر للمنافقين شيء يعجبهم من الإسلام استأنسوا به واتَّبَعوه، وإذا عرضت لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين.

 

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20]، هذا تحذير للمنافقين، وبيان أن الله قادر عليهم، وقادر أن يُبطِل جوارحهم، بل وقادر أن يميتهم ويهلكهم، والقدير من أسماء الله الحسنى، يتضمن صفة القدرة، فالله كامل القدرة، لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107].

 

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وارزقنا تلاوته وتدبُّره والعمل به، اللهم اجعله حجةً لنا لا علينا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم عليك بالكفرة والظالمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، انتقم منهم يا عزيز يا جبار، واكْفِ المسلمين شرَّهم يا رحيم يا رحمن، فإنك على كل شيء قدير، وأنت فعَّال لما تريد، وأنت أحكم الحاكمين، وأنت علَّام الغيوب، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيفية تلاوة القران الكريم بتدبر وخشوع
  • وقفة تدبر لحديث من السنة في بيان سبيل النجاة والفلاح
  • تدبر آية من كتاب الله جامعة
  • كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (5) (تدبر القرآن العظيم)

مختارات من الشبكة

  • مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الوصية بالوالدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة (المولد النبوي)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • خطبة: عندما يكون الشاب نرجسيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علمتنا الهجرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حسن الظن بالله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من طامع في مال قريش إلى مؤمن ببشارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعم أجر العاملين (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • غزوة الأحزاب وتحزب الأعداء على الإسلام في حربهم على غزة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من وحي عاشوراء: ثبات الإيمان في مواجهة الطغيان وانتصار التوحيد على الباطل الرعديد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/2/1447هـ - الساعة: 1:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب