• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وقفات تربوية مع سيد الأخلاق
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (8) التوازن بين الدراسة والحياة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    قتل الرغبات
    ياسر جابر الجمال
  •  
    ماذا بعد الستين؟!
    أشرف شعبان أبو أحمد
  •  
    أبوك ليس باردا بل هو بحر عميق
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    سلسلة دروب النجاح (7) بناء شبكة العلاقات الداعمة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التوفيق من الله
    أسامة طبش
  •  
    ظاهرة التظاهر بعدم السعادة خوفا من الحسد: قراءة ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير التأملي
    دعاء أنور أبو مور
  •  
    "اجلس فقد آذيت": خاطرة تربوية تأصيلية في ضوابط ...
    د. عوض بن حمد الحسني
  •  
    لماذا يدمن الشباب؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    كيف تستجلب الفكرة الإيجابية؟
    أسامة طبش
  •  
    الانهيار الناعم... كيف تفككت الأسرة من الداخل
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    مناهجنا التعليمية وبيان بعض القوى المؤثرة في ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سلسلة دروب النجاح (6) العقلية النامية: مفاتيح ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    قاعدة الأولويات في الحياة الزوجية عندما يزدحم ...
    د. محمد موسى الأمين
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الأوبئة (4) التغيير الحضاري الشامل

الأوبئة (4) التغيير الحضاري الشامل
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/4/2020 ميلادي - 21/8/1441 هجري

الزيارات: 15157

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأوبئة (4)

التغيير الحضاري الشامل


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ هُوَ الْإِيمَانُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ مَا يَقَعُ لِلْخَلْقِ فَبِقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَلِذَا جَاءَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ الْقَدَرَ هُوَ قُدْرَةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ.

 

وَالْمُلْكُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّدْبِيرُ تَدْبِيرُهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ الْمُعِزُّ وَالْمُذِلُّ، وَالرَّافِعُ وَالْخَافِضُ، وَالْبَاسِطُ وَالْقَابِضُ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فَاطِرٍ: 2].

 

وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّغْيِيرَ فِي الْأَرْضِ هَيَّأَ الْأَسْبَابَ لِذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِمَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ وَلَا يَتَصَوَّرُونَهُ، وَمِنْ أَسْبَابِ التَّغْيِيرِ الشَّامِلِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُقَدِّرُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْأَوْبِئَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَنْتَشِرُ فِي الْأَرْضِ، وَتُفْنِي عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الْخَلْقِ؛ إِذْ يَعْقُبُهَا -حَسَبَ التَّتَبُّعِ وَالِاسْتِقْرَاءِ لِلتَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ- تَغْيِيرَاتٌ كُبْرَى فِي الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَرْبَعَةً مِنَ الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي اجْتَاحَتِ الْقَارَّاتِ، وَأَفْنَتْ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الْبَشَرِ، وَأَعْقَبَهَا تَغْيِيرَاتٌ فِي الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ:

فَأَوَّلُ الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ: الطَّاعُونُ الْأَنْطُونِيُّ الَّذِي ضَرَبَ الْبِلَادَ الرُّومَانِيَّةَ فِي أَوَاسِطِ الْقَرْنِ الثَّانِي الْمِيلَادِيِّ؛ أَيْ: قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعَةِ قُرُونٍ وَنِصْفٍ، وَهَلَكَ فِيهِ -عَلَى قِلَّةِ الْبَشَرِ آنَذَاكَ- خَمْسَةُ مَلَايِينَ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ سَبَبًا فِي ضَعْفِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ آنَذَاكَ قَاهِرَةً لِلْأُمَمِ، مُسَيْطِرَةً عَلَى الدُّوَلِ، تَحْكُمُ أَكْثَرَ الْقَارَّاتِ الثَّلَاثِ الْكُبْرَى: آسْيَا وَإِفْرِيقِيَا وَأُورُوبَّا. وَلَمَّا ضُرِبَتِ الْأَرْضُ بِالْوَبَاءِ انْتَشَرَ فِي مَمَالِكِ الرُّومَانِ، وَابْتَلَعَ كَثِيرًا مِنْ أَجْنَادِهَا وَعُمَّالِهَا وَشُعُوبِهَا، فَوَهَنَتْ عَقِبَ الْوَبَاءِ وَتَدَهْوَرَتْ، وَاسْتَمَرَّ ضَعْفُهَا حَتَّى اجْتَرَأَتْ عَلَيْهَا الْقَبَائِلُ الْأُورُبِّيَّةُ الْخَارِجَةُ عَنْ سُلْطَتِهَا، وَكَذَلِكَ طَمِعَ الْفُرْسُ فِي مَمَالِكِهَا الْمُحَاذِيَةِ لَهُمْ. وَكَانَ مِنْ تَأْثِيرَاتِ هَذَا الْوَبَاءِ الْمُهْلِكِ أَنَّهُ شَكَّكَ الرُّومَانَ الْوَثَنِيِّينَ فِي مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ؛ إِذْ لَمْ تَنْفَعُهُمْ آلِهَتُهُمُ الْمُتَعَدِّدَةُ فِي رَفْعِ الْوَبَاءِ وَلَا دَفْعِهِ عَنْ مَمَالِكِهِمْ؛ وَلِذَا كَانُوا مُتَهَيِّئِينَ لِتَرْكِ هَذِهِ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ. وَبِسَبَبِ الْوَبَاءِ أَيْضًا انْتَقَلَتْ قِيَادَةُ الرُّومَانِ مِنَ الْغَرْبِ إِلَى الشَّرْقِ وَحَكَمَهُمْ قُسْطَنْطِينُ فَاقْتَنَعَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَاعْتَنَقَهَا فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْمِيلَادِيِّ، وَتَبِعَهُ عَامَّةُ الرُّومَانِ فِي اعْتِمَادِ النَّصْرَانِيَّةِ دِينًا لَهُمْ. فَتَسَبَّبَ هَذَا الْوَبَاءُ -بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى- فِي ذَلِكَ التَّغْيِيرِ الْكَبِيرِ فِي إِمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِ؛ إِذْ أَوْهَنَ قُوَّتَهُمْ، وَأَوْهَى عَزِيمَتَهُمْ، وَجَرَّأَ غَيْرَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ بُطْلَانَ مُعْتَقَدَاتِهِمْ.

 

وَثَانِي الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ: وَبَاءُ جِسْتِنْيَانَ: وَقَدْ ضَرَبَ الْحَضَارَتَيْنِ الرُّومَانِيَّةَ وَالْفَارِسِيَّةَ فِي أَوَاسِطِ الْقَرْنِ السَّادِسِ الْمِيلَادِيِّ؛ أَيْ: قَبْلَ وِلَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَقَطْ، وَحَصَدَ قَرِيبًا مِنْ رُبْعِ الْبَشَرِ آنَذَاكَ عَلَى الْأَرْضِ؛ فَفِي أَقَلِّ تَقْدِيرَاتِ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ أَفْنَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِلْيُونَ إِنْسَانٍ، وَفِي أَكْثَرِهَا أَنَّهُ حَصَدَ أَرْوَاحَ خَمْسِينَ مِلْيُونًا مِنَ الْبَشَرِ، وَكَانَ سَبَبًا رَئِيسًا فِي ضَعْفِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّتَيْنِ الرُّومَانِيَّةِ الْبِيزَنْطِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَتَسَبَّبَ فِي غَلَاءٍ عَامٍّ، وَجُوعٍ ضَرَبَ أَكْثَرَ أَنْحَاءِ الْأَرْضِ، وَتَهَاوَى بِسَبَبِهِ الرُّومَانُ وَالْفُرْسُ، وَظَلَّتْ آثَارُهُ وَارْتِدَادَاتُهُ تَزِيدُهُمْ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ. وَبَعْدَ نَحْوِ تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ وُقُوعِ هَذَا الْوَبَاءِ الشَّامِلِ الْمُمِيتِ كَانَ الْفَتْحُ الْإِسْلَامِيُّ لِفَارِسَ وَالرُّومِ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْوَبَاءَ كَانَ قَدَرًا رَبَّانِيًّا لِتَغْيِيرٍ حَضَارِيٍّ شَامِلٍ يَتَمَثَّلُ فِي وِلَادَةِ أُمَّةٍ جَدِيدَةٍ تُسَيْطِرُ عَلَى مَمَالِكِ أَقْوَى قُوَّتَيْنِ آنَذَاكَ، وَهِيَ أُمَّةُ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَمْرًا سَمَاوِيًّا هَيَّأَ لَهُ الْأَسْبَابَ الْأَرْضِيَّةَ ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 189].

 

وَثَالِثُ الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ: الطَّاعُونُ الْأَسْوَدُ أَوِ الْفَنَاءُ الْكَبِيرُ، وَقَعَ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ الْمِيلَادِيِّ، أَيْ: مُنْتَصَفَ الْقَرْنِ الثَّامِنِ الْهِجْرِيِّ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمَوْتَ الْعَظِيمَ؛ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتُوا فِيهِ؛ فَقَدْ هَلَكَ فِيهِ ثُلُثُ الْبَشَرِ فِي الْقَارَّةِ الْأُورُبِّيَّةِ، كَمَا أَفْنَى نِصْفَ سُكَّانِ مِصْرَ آنَذَاكَ، وَكَانَ وَبَاءً عَامًّا عَلَى الْأَرْضِ، وَاجْتَاحَ الْمَمَالِكَ وَالْمُدُنَ، وَاسْتَمَرَّ أَرْبَعَ سَنَوَاتٍ يَحْصُدُ فِيهَا الْأَرْوَاحَ حَصْدًا، حَتَّى بَلَغَ مَنْ مَاتُوا فِيهِ مِائَتَيْ مِلْيُونِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ هَذَا الْوَبَاءُ الْعَظِيمُ هُوَ السَّبَبَ الرَّئِيسَ لِإِنْهَاءِ حَالَةِ الْإِقْطَاعِ فِي أُورُبَّا، وَانْحِسَارِ دَوْرِ الْكَنِيسَةِ، وَبِدَايَةِ عَصْرِ النَّهْضَةِ؛ إِذْ مَاتَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْعُمَّالِ وَالْفَلَّاحِينَ الَّذِي اتَّخَذَهُمْ نُبَلَاءُ أُورُوبَّا وَأَغْنِيَاؤُهَا سُخْرَةً لَهُمْ، يَعْمَلُونَ فِي مَزَارِعِهِمْ بِلَا أُجُورٍ، وَكَانَ الْفَلَّاحُ آنَذَاكَ يَتْبَعُ الْأَرْضَ أَيْنَمَا ذَهَبَتْ، فَإِذَا بِيعَتِ الْأَرْضُ تُبَاعُ بِمَنْ عَلَيْهَا مِنَ الْفَلَّاحِينَ، فَالْفَلَّاحُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَيَاةِ سِوَى أَنْ يَخْدِمَ النَّبِيلَ وَيَفْلَحَ الْأَرْضَ. يَقُولُ أَحَدُ الْمُؤَرِّخِينَ الْغَرْبِيِّينَ: "إِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ دَخَلَ الْفَلَّاحُ وَزَوْجَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَهَائِمُهُ وَضُيُوفُهُ فِي الْكُوخِ لِيُدْفِئَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". وَبَدَأَ عَهْدٌ جَدِيدٌ لِلضُّعَفَاءِ وَالْفَلَّاحِينَ صَارُوا يَفْرِضُونَ فِيهِ الْأُجُورَ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا؛ وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الْعِمَالَةِ وَكَثْرَةِ الْمَزَارِعِ، وَانْتَهَى عَصْرُ الْإِقْطَاعِ، وَانْتَهَتْ مَعَهُ سَطْوَةُ الْكَنِيسَةِ؛ لِفَقْدِ النَّاسِ الثِّقَةَ فِيهَا؛ لِيَبْدَأَ عَصْرُ النَّهْضَةِ الْأُورُبِّيُّ مُسْتَفِيدًا مِنْ نَهْضَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْدَلُسِ.

 

وَرَابِعُ الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ: وَبَاءُ الْكُولِيرَا أَوِ الْإِنْفِلْوَنْزَا الْإِسْبَانِيَّةِ، وَتُسَمَّى سَنَتُهَا فِي نَجْدٍ (سَنَةَ الرَّحْمَةِ)؛ لِكَثْرَةِ تَرَحُّمِ النَّاسِ عَلَى الْمَوْتَى، وَهُوَ وَبَاءٌ عَمَّ أَرْجَاءَ الْأَرْضِ، وَهَلَكَ فِيهِ مَا يُقَارِبُ مِنْ مِئَةِ مِلْيُونِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ وُقُوعُهُ بَعْدَ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الْأُولَى، أَيْ: قَبْلَ مَا يُقَارِبُ مِئَةَ سَنَةٍ وَنَيِّفًا مِنَ الْآنِ. وَكَانَ هَذَا الْوَبَاءُ سَبَبًا فِي ثَوْرَةٍ طِبِّيَّةٍ هَائِلَةٍ تَطَوَّرَتْ فِيهَا أَجْهِزَةُ الْكَشْفِ عَنِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ الطِّبُّ فِي تَطْوِيرِ اللَّقَاحَاتِ وَالْمُضَادَّاتِ الْحَيَوِيَّةِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَشْخِيصِ الْأَمْرَاضِ، وَدِرَاسَةِ الْفَيْرُوسَاتِ وَالْمَيْكُرُوبَاتِ. وَتَسَيَّدَتْ فِيهِ أَمْرِيكَا وَالِاتِّحَادُ السُّوفْيِتِيُّ عَلَى حِسَابِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ الَّتِي كَانَتِ الشَّمْسُ لَا تَغِيبُ عَنْهَا مِنْ كَثْرَةِ الدُّوَلِ الَّتِي احْتَلَّتْهَا، فَبَدَأَ انْحِسَارُهَا بَعْدَ هَذَا الْوَبَاءِ، وَصَدَقَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 223].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

هَذَا الْوَبَاءُ الْمُسْتَجِدُّ (كُورُونَا) يُعَدُّ مِنَ الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَخَطَّتِ الْحُدُودَ، وَضَرَبَتْ أَكْثَرَ الدُّوَلِ، وَالنَّاسُ -بَعْدَهُ- عَلَى مُفْتَرَقِ طُرُقٍ:

فَإِنْ وَفَّقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَطِبَّاءَ لِلسَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ، وَإِيجَادِ اللَّقَاحِ لَهُ عَاجِلًا، فَإِنَّ الْبَشَرَ سَيَتَجَاوَزُونَهُ كَمَا تَجَاوَزُوا مَا قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ سَيُخَلِّفُ وَرَاءَهُ رُكُودًا اقْتِصَادِيًّا يُؤَثِّرُ عَلَى أَكْثَرِ الدُّوَلِ، وَتَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ لِتَتَعَافَى مِنْهُ.

 

وَإِنْ طَالَ أَمَدُ الْوَبَاءِ، وَأَسْرَعَ فِي انْتِشَارِهِ، وَكَانَ فَتْكُهُ أَكْثَرَ مِمَّا ظَنَّ الْأَطِبَّاءُ؛ فَإِنَّ تَأْثِيرَاتِهِ سَتَكُونُ كَتَأْثِيرَاتِ الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ السَّابِقَةِ الَّتِي أَحْدَثَتْ تَغْيِيرًا حَضَارِيًّا شَامِلًا فِي الْأَرْضِ؛ فَتَؤُولُ بِهِ دُوَلٌ إِلَى سُفُولٍ، وَحَضَارَاتٌ إِلَى أُفُولٍ؛ لِيَصْعَدَ بِسُفُولِهَا وَأُفُولِهَا أُمَمٌ وَدُوَلٌ أُخْرَى، وَذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 26].

 

وَتَبَعًا لِذَلِكَ سَتَسْقُطُ نَظَرِيَّاتُ تَأْلِيهِ الْإِنْسَانِ، وَجَعْلِهِ مَرْكَزًا لِلْكَوْنِ، وَأَنَّهُ الَّذِي يَمْنَحُ الْوُجُودَ غَايَتَهُ وَمَعْنَاهُ. تِلْكَ النَّظَرِيَّاتُ الَّتِي سَادَتْ فِي الْغَرْبِ خِلَالَ الْقَرْنِ الْمُنْصَرِمِ، ثُمَّ تَسَلَّلَتْ إِلَى الشَّرْقِ، وَتَزَامَنَتْ مَعَ طُغْيَانِ الْمَادِّيَّةِ، وَنَجَاحِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ فِي هَزِيمَةِ الِاشْتِرَاكِيَّةِ؛ لِتَتَغَوَّلَ الرَّأْسِمَالِيَّةُ وَتَتَوَحَّشَ، وَتَزْدَادَ قَسْوَةُ أَتْبَاعِهَا وَغُرُورُهُمْ بِمَا زُيِّنَ لَهُمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَنْهَارُ كُلُّ شَيْءٍ بِوَبَاءٍ يُقَدِّرُهُ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ؛ لِيَفِيقَ الْإِنْسَانُ الْمَغْرُورُ مِنْ سَكْرَتِهِ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِمَّا يَتَصَوَّرُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَرْكَزَ الْكَوْنِ، وَإِنَّمَا مَخْلُوقٌ وَاحِدٌ مِنْ مَلَايِينِ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا، يُدَبِّرُهَا الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ، وَيَهْدِيهَا لِمَعَايِشِهَا وَمَنَافِعِهَا ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، وَحِينَهَا سَيَنْدَحِرُ الْإِلْحَادُ وَالْمَادِّيَّةُ وَالْعَلْمَانِيَّةُ، وَيَكْتَشِفُ الْمَادِّيُّونَ ضَعْفَهُمْ، وَقُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، فَتَؤُوبُ الْبَشَرِيَّةُ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى خَالِقًا وَمُدَبِّرًا، وَيَزْدَادُ يَقِينُ الْمُوَحِّدِينَ بِرَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الْفَتْحِ: 4].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأوبئة (1) بين الوباء والطاعون
  • الأوبئة (2) القوة الربانية والضعف البشري
  • الأوبئة (3) بين المنافع والأضرار
  • الأوبئة (5) الوقاية والعلاج
  • الأوبئة (6) من منافع كورونا
  • خطبة: الهدي الإسلامي في الوقاية من الأوبئة
  • الأوبئة (8) الدعاء لرفع الوباء
  • الأوبئة (11) العدوى بين الإثبات والنفي
  • الأوبئة (12) التنجيم والعرافة والكهانة في الأوبئة

مختارات من الشبكة

  • إحياء الهوية الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين الشبهة والشهوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحرص على الوقت (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراحل النقل والترجمة.. الدوافع العلمية للتجسير الحضاري(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (9)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (8)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (7)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (6)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (5)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/4/1447هـ - الساعة: 12:32
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب