عين ثالثة لم يفصح عنها الإمام الشافعي

عين ثالثة لم يفصح عنها الإمام الشافعي

يقول الإمام الشافعي:

عينُ الرضا عن كلٍّ عيب كليلةٌ *** ولكنَّ عين السخط تُبدي المساويا

عين تجمِّل المساوئ وعين تقبِّح الجمال، تلك هي العينان التي أفصح عنها الإمام الشافعي، وأوكل فَهْمَ العين الثالثة لنا، تلك هي العين المتجردة من الرضا والسخط التي تبصر الأمور على طبيعتها وتنقلها بعدساتها كما هي دون فلاتر تزينها أو تقبحها، وفيما أرى أن الإمام الشافعي ذكر عين الرضا والسخط على سبيل الذم، ويُفهم من كلامه أن هناك عين ثالثة لم تَمِلْ إلى أهواء النفس من سخط ورضا.

والواقع أن بعضنا لا يعرف تلك العين، فهو إما أن ينظر للأمور حسب الناس ومكانتهم من نفسه، فكلما كان الشخص قريبًا لروحه ومصالحه، كانت عين الرضا حاضرة تبرز الجمال وتواري المساوئ، وتلك منقصة في جوف محمدة، وإلا كيف لمرءٍ أن يطوِّر ذاته وهو لا يسمع إلا كلمات الإطراء والنفخ؛ حتى يسكن في نفسه أنه الكامل المكمَّل، فيصيبه الغرور فلا يرى جانبه الناقص ليسعى في إكماله!

وإما أن ينظر بعين السخط، فينسف المقدَّرات ويغتال المواهب، ويجعلها صفرًا على الشمال، فيطفئ الجانب المضيء، ويحيل الأمر برُمته إلى سواد لا بصيص فيه!

وتبقى العين المتجردة النزيهة التي لا تحابي ولا تُجامل - هي من تعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، تلك العين لو نظَرنا بها في جميع شؤوننا، لاستقام كثيرٌ من أمور حياتنا، ولعرَف كلٌّ مكانه، وأُوكِلَت الأمور إلى أهلها.

الخلاصة أن عين الرضا أو السخط لا تبنيان مجتمعًا أو تقدِّمانه، ويبقى المجتمع في حاجة دائمة لعين ثالثة تضع الأمور في مكانها الصحيح دون زيادة أو نقصان.