• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حين يصنع الصمت عظيم الأثر
    نهى سالم الرميحي
  •  
    خماسية إدارة الوقت بفعالية
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    100 قاعدة في المودة والرحمة الزوجية
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    "إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا لا في عمل ...
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    ملخص كتاب: كيف تقود نفسك للنجاح في الدنيا والآخرة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    القدوة وأثرها في حياتنا
    أ. محاسن إدريس الهادي
  •  
    "إن كره منها خلقا رضي منها آخر"
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي في المجتمع ...
    بدر شاشا
  •  
    إدمان المواقع الإباحية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بين الحب والهيبة..
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (10) الحافز الداخلي: سر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أثر التفكير الغربي في مراحل التعليم في العالم ...
    بشير شعيب
  •  
    التعليم المختلط ومآلات التعلق العاطفي: قراءة في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملامح تربية الأجداد للأحفاد
    محمد عباس محمد عرابي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (خطبة)

وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (خطبة)
د. سعود بن غندور الميموني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/7/2017 ميلادي - 1/11/1438 هجري

الزيارات: 43807

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون

(خطبة)

 

الخطبة الأولى

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]... أمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلاَمُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.


عِبادَ اللهِ... لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ كِتَابَهُ الْكَرِيمَ نُورًا وَهُدىً وَضِيَاءً وَشِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، أَنْزَلَهُ عَلَى قَوْمٍ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ تَطِيرُ مِنَ الْفَرَحِ بِكَلاَمِهِ سُبْحَانَهُ تَارَةً، وَتَارَةً تَكَادُ تَنْخَلِعُ مِنَ الْخَوْفِ وَالرَّهْبَةِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ جِيلٌ جَعَلَ كِتَابَ اللهِ أَمَامَهُ قَائِدًا وَمُرْشِدًا، إذ قَدِ احْتَوَى الْقُرْآنُ علَى آيَاتٍ كَفِيلَةٍ بِأَنْ تَرْدَعَ الْعَاصِي، وَتُنَبِّهَ الْغَافِلَ؛ فَمِنْهَا آيَاتُ الْخَوْفِ والْخَشْيَةِ، آيَاتٌ تُنَبِّهُ الْمُسْلِمَ وتُحَذِّرُهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ، آيَاتٌ تَخْلَعُ الْقُلُوبَ وَتُرْهِبُ النُّفُوسَ الصَّادِقَةَ، آيَاتٌ بَكَى مِنْ هَوْلِهَا الْبَاكُونَ، وَخَافَ مِنْهَا الْعَابِدُونَ.


منها قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57، 61]، آيَاتٌ تُبَيِّنُ كَيْفَ كَانَ خَوْفُهُمْ مِنَ اللهِ، كَيفَ كَانَ حِرْصُهُمْ أَنْ يَتَقَبَّلَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ.


لَقَدْ كَانَ الْخَوْفُ مِنَ اللهِ دَيْدَنَ الصَّالِحِينَ، وعَلَى رَأْسِهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ علَى ذَلكَ مُعَلِّمُهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارُوا يخافون مِنْ أَنْ تَظْهَرَ لَهُمْ أَعْمَالٌ لَمْ تَكُنْ فِي حُسْبَانِهِمْ؛ وَلِمَ الْعَجَبُ؟! وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسُهُ الْقَائِلُ: "وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ، مَا يُفْعَلُ بِي"، وَهُوَ الْقَائِلُ أَيضًا: "لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ". هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60] فقَالَتْ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.


يُبَيِّنُ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّالِحِينَ يَعْمَلُونَ وَيَجْتَهِدُونَ وَيَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ عَمَلُهُمْ أَوْ أَنْ يَبْدُو لَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، يَخَافُونَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ مَا كَانُوا قَدْ نَسُوهُ، لَكِنَّهُ عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى؛ كِتَابٌ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، يَقُولُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تعَالى: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] قَالَ: "عَمِلُوا أَعْمَالاً وَحَسِبُوا أَنَّهَا حَسَنَاتٌ فَإِذَا هِيَ سَيِّئَاتٌ".


أَيُّهَا المسْلِمُونَ... إِنَّ أَعْظَمَ مَا يَجِبُ أَنْ يَخْشَاهُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104].


يَقُولُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ: "لَمَّا حَضَرَتِ ابنَ الْمُنْكَدِرِ الْوَفَاةُ جَزِعَ، فَدَعَوْا لَهُ أبَا حَازِمٍ التَّابِعِيِّ، فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: "إنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] فَأَخَافُ أَنْ يَبْدُو لِي مِنَ اللهِ مَا لَمْ أَكُنْ أَحْتَسِبُ، فَجَعَلا يَبْكِيانَ جَمِيعاً".


فَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ وَنَسِيَ مَا عَمِل،َ فَلا يَظُنَّنَّ أَنَّ اللهَ قَدْ نَسِيَ، ومَنْ دَعَا إِلَى مُنْكَرٍ أَوْ أَنْكَرَ مَعْرُوفًا وَنَسِيَ مَا عَمِلَ، فَلا يَظُنَّنَّ أَنَّ اللهَ قَدْ نَسِيَ، ومَنْ ظَلَمَ أُخْتَهُ أَوْ أَخَاهُ وَنَسِيَ مَا عَمِلَ، فَلا يَظُنَّنَّ أَنَّ اللهَ قَدْ نَسِيَ، ومَنْ ظَلَمَ وَتَجَبَّرَ وَتَكَبَّرَ وَنَسِيَ مَا عَمِلَ، فَلا يَظُنَّنَّ أَنَّ اللهَ قَدْ نَسِيَ، بَلْ كُلُّ ذَلكَ مَسْطُورٌ وَمَكْتُوبٌ ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].


كَمْ.. وكَمْ مِنْ مَوْقِفِ خِزْيٍ عِندَ المَوْتِ سَيَبْدُوا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَكَمْ مِنْ مَوْقِفِ خِزْيٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يَخْطُرْ لِصَاحِبِهِ عَلَى بَالٍ، يَوْمَ يُقَالُ لَهُ: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... أَلا وَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ نِسْيَانِ الذَّنْبِ عَدَمَ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَاسْتِصْغَارَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَعَدَمَ الْمُبَالاَةِ بِالْخَطَايَا وَالْآثَامِ، وَالتَّظَاهُرَ أَمَامَ النَّاسِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ مَعَ هَتْكِ حُرُمَاتِ اللهِ فِي السِّرِّ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ عَجَبًا أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ عَظِيمَةٍ فَيَجْعَلُهَا اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا؛ جَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيْضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا"، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.


نَعَمْ يا عِبَادَ اللَّهِ... لَمْ تَنْفَعْهُمْ حَسَنَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوهَا مِنْ شُؤْمِ الْمَعْصِيَةِ، لَمْ تَنْفَعْهُمْ حَسَنَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَا انْتَهَوْا عَنِ الْمُحَرَّمِ، لَمْ تَنْفَعْهُمْ حَسَنَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرَاقِبُوا اللهَ فِي خَلَوَاتِهِمْ...لَهُمْ حَسَنَاتٌ وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً، لَهُمْ حَسَنَاتٌ لَكِنْ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ، صَنَعُوا الْكَثِيرَ مِنَ الْحَسَنَاتِ لَكِنَّهُمْ ضَلُّوا فَصَارَ لَهُمْ أَضْعَافُهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ، فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ تِلْكَ الْحَسَنَاتُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 102، 103].


فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهُ؛ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ سَبَبٌ لِهَلاكِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، سَبَبٌ لِضَيَاعِ الْأُمَمِ وَفَسَادِ الْمُجْتَمَعَاتِ، سَبَبٌ لِحِرْمَانِ الْأَمْنِ وَالرِّزْقِ؛ قَالَ رَبُّكُمْ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

أَلاَ يَا طَوِيلَ السَّهْوِ أَصْبَحْتَ سَاهِيًا
وَأَصْبَحتَ مُغْتَرًّا وَأَصْبَحْتَ لاَهِيَا
أَفِي كُلِّ يَومٍ نَحْنُ نَلْقَى جَنَازَةً
وفي كُلِّ يَومٍ نَحْنُ نَسْمَعُ نَاعِيَا
أَلاَ أَيُّهَا البَانِي لِغَيْرِ بَلاَغِهِ
أَلاَ لِخَرَابِ الدَّهْرِ أَصْبَحْتَ بَانِيَا
أَلا لِزَوَالِ العُمرِ أَصْبَحْتَ جَامِعًا
وَأَصبَحْتَ مُخْتَالاً فَخُورًا مُبَاهِيَا

وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَه قَبُولَ الْأَعْمَالِ، وَتَكْفِيرَ الآثَامِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيهِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ...

♦♦♦♦♦


الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إِحْسَانِهِ، والشُّكرُ لَه علَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - أيُّهَا النَّاسُ- وتَجَمَّلُوا بِالتَّقوَى فَإنَّهَا خَيْرُ لِبَاسٍ، يَقُولُ اللهُ: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].


عِبَادَ اللَّهِ... إِنَّ نِسْيَانَ الذَّنْبِ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ، وَإِنَّمَا الدَّليلُ عَلَى ذَلِكَ التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنِدَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَوِيلٍ شَطَبٍ الْمَمْدُودِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: "فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟".....


قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: "نَعَمْ, تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ", قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى.


فَكَفَّارَةُ مَا مَضَى -يَا عبادَ اللهِ- أَنْ نُحْسِنَ فِيمَا تَبَقَّى مِنْ أَعْمَارِنَا؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا فِي دُنْيَانَا وآخِرَتَنَا.


فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ- مِنَ الْغَفْلَةِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ التَّسْوِيفِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ التَّفْرِيطِ، الْحَذَرَ مِنْ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَينَا الْخَطَايَا، الْحَذَرَ مِنِ اسْتِصْغَارِ الذَّنْبِ..


فَلَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الذَّنْبِ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ جل وعلا، وَتَزَوَّدُوا فإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى:

أَيَا عَبْدُ كَمْ يَرَاكَ اللهُ عَاصِيًا
حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا ولِلْمَوْتِ نَاسِيَا
نَسِيتَ لِقَاءَ اللهِ واللَّحْدَ والثَّرَى
وَيَوْمًا عَبُوسًا تَشِيبُ مِنْهُ النَّوَاصِيَا
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى
تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَلَوْ كَانَ كَاسِيَا
وَلَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَدُومُ لِأَهْلِهَا
لَكَانَ رَسُولُ اللهِ حَيًّا وَبَاقِيَا
وَلَكِنَّهَا تَفْنَى وَيَفْنَى نَعِيمُهَا
وَتَبْقَى الذُّنُوبُ والْمَعَاصِي كَمَا هِيَا

 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.


رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَظُلْمَنَا، وَهَزْلَنَا وَجِدَّنَا، وَعَمْدَنَا وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَسْرَفْنَا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّا، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ.. اللهمَّ اغْفِرْ للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ مْنهُمْ والأَمْوَاتِ.

اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا واجْعَلْ مَرَدَّنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مُخْزٍ ولا فَاضَحٍ..

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا، وَأَعِنَّا عَلَى الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.

اللهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَعِنْهُ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَسَدِّدْهُ في أَقْوالِهِ وأَعْمَالِهِ.

اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي الحَدِّ الجّنُوبِيِّ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ.. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ.. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دعاة على أبواب جهنم (خطبة)
  • رمضان وتدبر القرآن (خطبة)
  • من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه (خطبة)
  • نظرات في قوله تعالى: { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون }

مختارات من الشبكة

  • مهاجرو البحر لهم هجرتان (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة البنغالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة الإندونيسية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التفاف الرعية بالراعي ونبذ الفرقة والشقاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سنة التدافع وفقهها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من تجالس؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الله البصير (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكر الموت زاد الحياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- مضمون الخطبة
رمضان فهمي - مصر 02/08/2017 11:37 PM

خطبة مؤثرة جدا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/5/1447هـ - الساعة: 15:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب