• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حين يصنع الصمت عظيم الأثر
    نهى سالم الرميحي
  •  
    خماسية إدارة الوقت بفعالية
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    100 قاعدة في المودة والرحمة الزوجية
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    "إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا لا في عمل ...
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    ملخص كتاب: كيف تقود نفسك للنجاح في الدنيا والآخرة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    القدوة وأثرها في حياتنا
    أ. محاسن إدريس الهادي
  •  
    "إن كره منها خلقا رضي منها آخر"
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي في المجتمع ...
    بدر شاشا
  •  
    إدمان المواقع الإباحية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بين الحب والهيبة..
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (10) الحافز الداخلي: سر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أثر التفكير الغربي في مراحل التعليم في العالم ...
    بشير شعيب
  •  
    التعليم المختلط ومآلات التعلق العاطفي: قراءة في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملامح تربية الأجداد للأحفاد
    محمد عباس محمد عرابي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد
علامة باركود

طاعة السر (خطبة)

طاعة السر (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/11/2022 ميلادي - 15/4/1444 هجري

الزيارات: 30653

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

طاعة السر


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ؛ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَلِسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُوَافِقًا، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ؛ تَمَّ نُورُهُ فَهَدَى، وَعَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا، وَبَسَطَ يَدَهُ فَأَعْطَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فِي كُلِّ شُئُونِكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ دِينَكُمْ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ، خَبِيرٌ بِأَفْعَالِكُمْ، عَلِيمٌ بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [فَاطِرٍ: 38]، وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ مِرْآةُ الْقُلُوبِ، وَالْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا فِي الصُّدُورِ؛ ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾ [الْعَادِيَاتِ: 9-11].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: قَلِيلُ عَمَلِ الْمُخْلِصِ الصَّادِقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ عَمَلِ الْمُرَائِي الْكَاذِبِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْإِخْلَاصُ؛ فَالْمُتَصَدِّقُ يُبَالِغُ فِي إِخْفَاءِ صَدَقَتِهِ، وَالذَّاكِرُ لِلَّهِ تَعَالَى خَشَعَ فِي خَلْوَةٍ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ. وَأَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُصَلِّينَ بِجَوْفِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ أَوْ سَهَرٍ وَغَفْلَةٍ، فَالْمُصَلِّي قَامَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِ الْغَفْلَةِ أَوِ الرَّاحَةِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ؛ ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 16-17]، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «أَخْفَوْا لِلَّهِ تَعَالَى الْعَمَلَ فَأَخْفَى لَهُمُ الْأَجْرَ».

 

وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُمْ: «رَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْيَانِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَامَ أَحَدُهُمْ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. «فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُمْ مُعَامَلَةُ اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، حَيْثُ غَفَلَ النَّاسُ عَنْهُمْ، فَهُوَ تَعَالَى يُحِبُّ مَنْ يُعَامِلُهُ سِرًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، حَيْثُ لَا يُعَامِلُهُ حِينَئِذٍ أَحَدٌ...».

 

وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ فِي طَاعَةِ السِّرِّ، وَإِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَنِ النَّاسِ، قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَيُّكُمُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ». وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا فَأَصْبِحُوا مُتَدَهِّنِينَ»، وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: «اكْتُمْ حَسَنَاتِكَ كَمَا تَكْتُمُ سَيِّئَاتِكَ»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّ لَكَ قَوْلًا وَعَمَلًا، وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَعَمَلُكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ قَوْلِكَ، وَسِرُّكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ عَلَانِيَتِكَ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، لَا تَعْلَمُ بِهِ زَوْجَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا». وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: «لَا تَعْمَلْ لِتُذْكَرَ، اكْتُمِ الْحَسَنَةَ كَمَا تَكْتُمُ السَّيِّئَةَ». وَبَكَى رَجُلٌ إِلَى جَنْبِ الْحَسَنِ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَبْكِي إِلَى جَنْبِ صَاحِبِهِ فَمَا يَعْلَمُ بِهِ». «وَكَانَ بَعْضُ الْمُخْلِصِينَ يَقُولُ: لَا أَعْتَدُّ بِمَا ظَهَرَ مِنْ عَمَلِي. وَاطُّلِعَ عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِ بَعْضِهِمْ فَدَعَا لِنَفْسِهِ بِالْمَوْتِ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ تَطِيبُ الْحَيَاةُ إِذَا كَانَتِ الْمُعَامَلَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا».

 

وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ فِي عِبَادَةِ السِّرِّ، وَخَبِيئَةِ الْعَمَلِ: وَمِنْ ذَلِكَ:

أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْفُونَ الْخُشُوعَ وَالْبُكَاءَ: قَالَ الْأَعْمَشُ: «بَكَى حُذَيْفَةُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْتَفَتَ فَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ، فَقَالَ: لَا تُعْلِمَنَّ بِهَذَا أَحَدًا»، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: «لَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ رَأْسُهُ مَعَ رَأْسِ امْرَأَتِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَاحِدَةٍ، قَدْ بُلَّ مَا تَحْتَ خَدِّهِ مِنْ دُمُوعِهِ لَا تَشْعُرُ بِهِ امْرَأَتُهُ، وَلَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي الصَّفِّ فَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ الَّذِي إِلَى جَانِبِهِ» وَقَالَ أَيْضًا: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَبْكِي عِشْرِينَ سَنَةً وَامْرَأَتُهُ مَعَهُ لَا تَعْلَمُ»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجْلِسُ الْمَجْلِسَ فَتَجِيئُهُ عَبْرَتُهُ فَيَرُدُّهَا فَإِذَا خَشِيَ أَنْ تَسْبِقَهُ قَامَ»، «وَكَانَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ إِذَا حَضَرَتْهُ الرِّقَّةُ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: مَا هَذَا الزُّكَامُ». «وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ يَحْضُرُ مَسْجِدَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، فَإِذَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ بَكَى حَسَّانُ حَتَّى يَبُلَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ». وَقَالَ أَبُو عَوْنٍ الضَّرِيرُ: «كُنْتُ أَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْجَبَّانِ، فَكَانَ يَمُرُّ بِي رِيَاحٌ الْقَيْسِيُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِذَا خَلَتِ الطَّرِيقُ، وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ وَهُوَ يَنْشُجُ بِالْبُكَاءِ وَيَقُولُ: إِلَى كَمْ يَا لَيْلُ وَيَا نَهَارُ تَحُطَّانِ مِنْ أَجَلِي وَأَنَا غَافِلٌ عَمَّا يُرَادُ بِي، إِنَّا لِلَّهِ، إِنَّا لِلَّهِ، فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى يَغِيبَ عَنِّي وَجْهُهُ».

 

وَكَانُوا يُخْفُونَ الصَّلَاةَ: «كَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَقُومُ اللَّيْلَ يُخْفِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ رَفَعَ صَوْتَهُ، كَأَنَّهُ إِنَّمَا قَامَ تِلْكَ السَّاعَةَ»، «وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى يُصَلِّي، فَإِذَا دَخَلَ الدَّاخِلُ، نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ»، «وَكَانَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ إِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ يَنْشِجُ نَشِيجًا، وَلَوْ جُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَحَدٌ يَرَاهُ مَا فَعَلَهُ». «وَكَانَ لِحَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ فِي حَانُوتِهِ سِتْرٌ، فَكَانَ يُخْرِجُ سَلَّةَ الْحِسَابِ وَيَنْشُرُ حِسَابَهُ، وَيُصْعِدُ غُلَامًا عَلَى الْبَابِ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا قَدْ أَقْبَلَ، تَرَى أَنَّهُ يُرِيدُنِي فَأَخْبِرْنِي. ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي، فَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ أَخْبَرَهُ الْغُلَامُ، فَيَجْلِسُ كَأَنَّهُ عَلَى الْحِسَابِ».

 

وَكَانُوا يُخْفُونَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ: «كَانَ عَمَلُ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ كُلُّهُ سِرًّا، كَانَ يَجِيءُ الرَّجُلُ وَقَدْ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَيُغَطِّيهِ بِثَوْبِهِ»، وَعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَغَطَّى الْمُصْحَفَ، وَقَالَ: لَا يَرَى هَذَا أَنَّنِي أَقْرَأُ فِيهِ كُلَّ سَاعَةٍ»، وَقَالَ أَبُو التَّيَّاحِ: «كَانَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عِشْرِينَ سَنَةً لَا يَشْعُرُ بِهِ جِيرَانُهُ».

 

وَكَانُوا يُخْفُونَ الصِّيَامَ: قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: «صَامَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُهُ، وَكَانَ خَرَّازًا يَحْمِلُ مَعَهُ غَدَاءَهُ مِنْ عِنْدِهِمْ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَيَرْجِعُ عَشِيًّا فَيُفْطِرُ مَعَهُمْ».

 

وَكَانُوا يُخْفُونَ الصَّدَقَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَحْمِلُ جِرَابَ الْخُبْزِ عَلَى ظَهْرِهِ بِاللَّيْلِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ»، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَغَسَّلُوهُ جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى آثَارٍ سَوْدَاءَ بِظَهْرِهِ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: كَانَ يَحْمِلُ جُرُبَ الدَّقِيقِ لَيْلًا عَلَى ظَهْرِهِ يُعْطِيهِ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».

 

رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ الْمُخْلِصِينَ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَرَزَقَنَا مَا رَزَقَهُمْ، وَأَعَاذَنَا مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ وَتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَاعَاتٌ فِي السِّرِّ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْفِيَهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْحَافِظِينَ لَأَخْفَاهَا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ السِّرِّ فِي الْعُمُومِ أَفْضَلُ مِنْ طَاعَةِ الْعَلَانِيَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 271].

 

وَمِمَّا يُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ السِّرِّ: التَّفَكُّرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاسْتِحْضَارُ نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَعْرِفَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِخْلَاصَ مِنْ عَبْدِهِ، وَيُحِبُّ الْمُخْلِصِينَ؛ ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 5].

 

وَمِمَّا يُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ السِّرِّ: الْيَقِينُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَنَّ جَزَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ جِدًّا، فَيَرْجُوهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلَا يَرْجُوهُ مِنَ النَّاسِ بِمَدْحٍ عَلَيْهِ، أَوْ ثَنَاءٍ عَلَى عِبَادَتِهِ، أَوْ مُرَاعَاتِهِ لِأَجْلِ دِينِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

 

وَمِمَّا يُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ السِّرِّ: الْخَوْفُ مِنَ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ؛ وَمِنْ عَجَائِبِ الْوَرَعِ وَالْخَوْفِ مِنَ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ مَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ؛ فَإِنَّهُ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً نَافِعَةً جِدًّا، وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ، وَأَخْفَى كُتُبَهُ فَلَمْ يُظْهِرْ مِنْهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ، «فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ قَالَ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: الْكُتُبُ الَّتِي فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ كُلُّهَا تَصْنِيفِي، وَإِنَّمَا لَمْ أُظْهِرْهَا لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ نِيَّةً خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَشُبْهَا كَدَرٌ، فَإِنْ عَايَنْتُ الْمَوْتَ، وَوَقَعْتُ فِي النَّزْعِ فَاجْعَلْ يَدَكَ فِي يَدِي، فَإِنْ قَبَضْتُ عَلَيْهَا وَعَصَرْتُهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنِّي شَيْءٌ مِنْهَا، فَاعْمَدْ إِلَى الْكُتُبِ وَأَلْقِهَا فِي دِجْلَةَ لَيْلًا، وَإِنْ بَسَطْتُ يَدِي وَلَمْ أَقْبِضْ عَلَى يَدِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهَا قُبِلَتْ، وَأَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ بِمَا كُنْتُ أَرْجُوهُ مِنَ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ. قَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ: فَلَمَّا قَارَبَ الْمَوْتَ وَضَعْتُ يَدِي فِي يَدِهِ فَبَسَطَهَا وَلَمْ يَقْبِضْ عَلَى يَدِي، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَامَةُ الْقَبُولِ، فَأَظْهَرْتُ كُتُبَهُ بَعْدَهُ»، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثبات على الطاعة بعد رمضان
  • اجتهاد حملة العلم في الطاعة والعبادة
  • مقيم على طاعة ربي (شعر)
  • المعصية بعد الطاعة
  • الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة
  • عشرون علاجا لفتور النفس عن الطاعة
  • الحزن لفوات الطاعة
  • أعذار المعترضين على القرآن (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • سلسلة آفات على الطريق (1): الفتور في الطاعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طاعة الزوج من طاعة المعبود، فهل أديت العهد المعقود؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • النهي عن جعل اليمين سببًا لترك خير أو فعل طاعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة العقيدة: وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العبادة لذة وطاعة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الأصول الثلاثة: اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التفاف الرعية بالراعي ونبذ الفرقة والشقاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سنة التدافع وفقهها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/5/1447هـ - الساعة: 14:3
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب