• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اكتشاف العبقرية لدى الأطفال وتنميتها والمحافظة ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    إدمان مواقع التواصل الاجتماعي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الإعاقات العقلية، والذهنية
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    الدعاء للأبناء سنة الأنبياء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    إدمان متابعة المشاهير
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الإعاقات الحسية
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    الإهمال في تربية الطفل وكيفية علاجه من المنظور ...
    مازن أيمن عبدالإله محمد شتا
  •  
    إدمان الوجبات السريعة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    التربية النبوية منهج حياة
    أحمد محمد القزعل
  •  
    استخدام الألعاب اللغوية بين الوعي وسوء الفهم
    محمد عبدالله الجالي
  •  
    الإعاقة الجسدية
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    أثر النية الحسنة في الأعمال
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    ما فوائد النجاح؟
    أسامة طبش
  •  
    كيف تختار زوجة أو زوجا لحياة سعيدة في المغرب؟ ...
    بدر شاشا
  •  
    كيف كانت تربينا أمي بدون إنترنت؟
    آية عاطف عويس
  •  
    فخ أكاذيب التنمية البشرية
    سمر سمير
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

صلاح القلوب تعلقها بعلام الغيوب

صلاح القلوب تعلقها بعلام الغيوب
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/3/2012 ميلادي - 21/4/1433 هجري

الزيارات: 36140

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صلاح القلوب تعلقها بعلام الغيوب

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

صَلاحُ الأُمَّةِ مَربُوطٌ بِصَلاحِ مُجتَمَعَاتِهَا، وَصَلاحُ مُجتَمَعَاتِهَا مَبنيٌّ عَلَى صَلاحِ أَفرَادِهَا، وَصَلاحُ الأَفرَادِ مَنشَؤُهُ صَلاحُ القُلُوبِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ((أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلبُ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. حِينَ تَصلُحُ القُلُوبُ وَتَصِحُّ، تَصلُحُ الأُمَّةُ وَتَصحُو مِن سُبَاتِهَا، وَتَتَيَقَّظُ مِن غَفَواتِهَا وَغَفَلاتِهَا، تَعرِفُ المَعرُوفَ فَتَأتِيهِ، وَتُنكِرُ المُنكَرَ فَتَجتَنِبُهُ، تُعَظِّمُ أَوَامِرَ اللهِ وَنَوَاهِيَهُ، تُحِبُّ للهِ وَتُبغِضُ لَهُ، وَتُعطِي للهِ وَتَمنَعُ لَهُ، وَتُوَالي في اللهِ وَتُعَادِي فِيهِ. أَمَّا وَنَحنُ في زَمَنٍ تُعرَضُ فِيهِ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ لَيلاً وَنَهَارًا، وَتَتَوَالى عَلَى الأَفئِدَةِ المِحَنُ كِبَارًا وَصِغَارًا، فَلا بُدَّ أَن تَتَعَلَّمَ القُلُوبُ أَنَّهُ لا بُدَّ لها في خِضَمِّ هَذِهِ المُنَازَلَةِ مِن مُبَايَنَةٍ وَمُفَاصَلَةٍ، مُفَاصَلَةٌ تُنكِرُ فِيهَا البَاطِلَ بِجَمِيعِ أَنوَاعِهِ وَأَشكَالِهِ، وَتَأخُذُ الحَقَّ وَتَتَمَسَّكُ بِهِ، لِتَنجُوَ وَتَصِحَّ وَتَصلُحَ، وَإِلاَّ خَسِرَت وَمَرِضَت وَفَسَدَت، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ: عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. إِنَّهُ صَفَاءُ المَقصِدِ وَإِخلاصُ النِّيَّةِ، وَسَلامَةُ المَنهَجِ وَوُضُوحُ التَّوَجُّهِ، تَكُونُ بِهِ النَّجَاةُ في الدُّنيَا وَالفَوزُ في الآخِرَةِ، وَأَمَّا التَّخلِيطُ وَالتَّخَبُّطُ وَالتَّذَبذُبُ، وَالأَخذُ مِن هُنَا وَهُنَاكَ دُونَ تَميِيزٍ، فَإِنَّمَا نِهَايَتُهُ الهَلاكُ وَالخَسَارُ وَالبَوَارُ، وَمَنشَأُ هَذَا وَذَاكَ - أُمَّةَ الإِسلامِ - إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّقُ القُلُوبِ بِمَن تُحِبُّ، فَمَتى كَانَتِ القُلُوبُ بِرَبِّهَا مُتَعَلِّقَةً، وَإِلَيهِ وَحدَهُ مُتَوَجِّهَةً، وَبِذِكرِهِ مُطمَئِنَّةً، فَهَنِيئًا لها وَلأَهلِهَا! وَمَا أَحرَاهَا إِذْ ذَاكَ بِالهِدَايَةِ وَالثَّبَاتِ! وَمَتى كَانَت بِغَيرِ اللهِ مُتَعِلَّقَةً، وَإِلى سِوَاهُ مُتَوَجِّهَةً، وَبِغَيرِ فَضلِهِ وَرَحمَتِهِ فَرِحَةً، فَتَعسًا لها وَلأَصحَابِهَا! وَمَا أَشَدَّ زَيغَهَا حَينَئِذٍ وَأَكبَرَ ضَلالَهَا!

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

تَعَلُّقُ القُلُوبِ بِاللهِ غَنَاءٌ وَصَفَاءٌ وَضِيَاءٌ، وَصَبرٌ وَنَصرٌ وَقُوَّةٌ، وَأَمنٌ وَطُمَأنِينَةٌ وَرَاحَةٌ، وَتَعَلُّقُهَا بِغَيرِ اللهِ فَقرٌ وَكَدَرٌ وَظَلامٌ، وَجَزَعٌ وَخُذﻻنٌ وَضَعفٌ، وَخَوفٌ وَقَلَقٌ وَتَشَتُّتٌ، مَن كَانَ مَعَ اللهِ كَانَ اللهُ مَعَهُ، وَمَنِ التَفَتَ عَن رَبِّهِ قَلبُهُ وَانقَطَعَت بِخَالِقِهِ صِلَتُهُ، سَقَطَ مِن عَينِ مَولاهُ وَلم يَحظَ بِعِنَايَتِهِ، وَإِنَّ أُمَّةً تُعَلِّقُ قُلُوبَهَا بِغَيرِ رَبِّهَا وَخَالِقِهَا، جَدِيرَةٌ بِأَلاَّ تَنَالَ مَا تَرجُو، وَأَن تَتعَبَ وَتَتَعَنىَّ ثم ﻻ تُحَصِّلَ مَا تَتَمَنىَّ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 7، 8] وَقَالَ تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 12] وَفي الحَدِيثِ: ((اِحفَظِ اللهِ يَحفَظْكَ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعَت عَلَى أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَنفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيكَ، رُفِعَتِ الأَقلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)) رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ((مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ، وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ)) رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. إِنَّ المُتَأَمِّلَ لِحَالِ الأُمَّةِ اليَومَ، لَيَرَى مِنهَا عَجَبًا، فَقُلُوبُ القَادَةِ وَالسَّاسَةِ وَالزُّعَمَاءِ مُتَعَلِّقَةٌ بِدُوَلِ الشَّرقِ وَمَجَالِسِ الغَربِ، تَسِيرُ في ظِلِّهَا وَﻻ تَدُورُ إِلاَّ في فَلَكِهَا، وَتَطلُبُ وُدَّهَا وَتَخشَى مِن غَضَبِهَا، وَمَن يُسَمَّونَ بِالمُثَقَّفِينَ وَالأُدَبَاءِ وَالصَّفوَةِ هُم كَذَلِكَ مُذَبذَبُونَ، يَستَورِدُونَ لأُمَّتِهِم كُلَّ مَنهَجٍ ضَالٍّ، وَيَسلُكُونَ بها كُلَّ طَرِيقٍ أَعوَجَ، وَسَائِرُ الأُمَّةِ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالدُّنيَا مُشتَغِلَةٌ بِالدَّنَايَا، صَاحِبُ المَالِ يَشقَى لِضَمِّهِ وَجَمعِهِ، وَﻻ يَألُو جُهدًا في البُخلِ بِهِ وَمَنعِهِ، وَطَالِبُ الجَاهِ وَالشَّهَادَةِ وَالشُّهرَةِ وَالمَنصِبِ، يَبِيعُ لأَجلِ هَذِهِ الزَّخَارِفِ كُلَّ قِيَمِهِ، وَيَنسَى مِن أَجلِهَا جَمِيعَ مَبَادِئِهِ، وَيَزهَدُ مِن حُبِّهَا في كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَﻻ تَرَاهُ إِلاَّ بها مَغرُورًا مُتَعَلِّقًا، وَعَلَيهَا مُحَافِظًا وَعَنهَا مُحَامِيًا، وَلَو كَلَّفَهُ ذَلِكَ دِينَهُ وَمُرُوءَتَهُ وَإِنسَانِيَّتَهُ، فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ، كَيفَ نَرجُو مَا عِندَ اللهِ مِن نَصرٍ وَفَتحٍ وَهُدًى، وَنَأمَلُ فِيمَا بِيَدِهِ مِن رِزقٍ وَبَرَكَةٍ وَتَوفِيقٍ، وَالقُلُوبُ عَنهُ غَافِلَةٌ، وَبِغَيرِهِ مُتَعَلِّقَةٌ، وَلِسَوَاهُ مُلتَفِتَةٌ، وَمِنَ المَخلُوقِينَ خَائِفَةٌ أَو لهم رَاجِيَةٌ؟! أَينَ الَّذِينَ يَسأَلُونَ اللهَ لِيَستَجِيبَ لهم؟! أَينَ الَّذِينَ يَعتَصِمُونَ بِهِ ويُجَاهِدُونَ فِيهِ لِيَهدِيَهُم؟! أَينَ الَّذِينَ بِذِكرِهِ تَطمِئَنُّ قُلُوبُهُم؟! أَينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ لِيَنصُرَهُم؟! قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 55، 56] إِنَّ التَّعَاسَةَ وَالشَّقَاءَ، وَالضَّعفَ وَالهَوَانَ، وَالذِّلَّةَ وَالمَسكَنَةَ، وَغَيرَهَا مِنَ الأَمرَاضِ الَّتي تُبلَى بها الأُمَّةُ اليَومَ، إِنَّهَا لَنَتَائِجُ حَتمِيَّةٌ لِتَعَلُّقِ القُلُوبِ بِغَيرِ رَبِّهَا، خَلَقَ اللهُ الخَلقَ لِعِبَادَتِهِ فَقَالَ: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] وَجَعَلَ - سُبحَانَهُ - عِزَّ هَذِهِ الأُمَّةِ وَرِزقَهَا في الجِهَادِ في سَبِيلِهِ، فَخَالَفُوا أَمرَهُ وَجَعَلُوا مِن أَنفُسِهِم عَبِيدًا لِلدِّينَارِ وَالدِّرهَمِ، وَرَكَنُوا إِلى الدُّنيَا وَشَهَوَاتِهَا، وَتَرَكُوا الجِهَادَ وَتَقَاعَسُوا، بَل وَحَارَبُوا المُجَاهِدِينَ وَضَيَّقُوا عَلَى الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، فَحَقَّت عَلَيهِمُ التَّعَاسَةُ وَخَطِئُوا دُرُوبَ السَّعَادَةِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ((تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَعَبدُ الدِّرهَمِ وَعَبدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لم يُعطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انتَقَشَ. طُوبى لِعَبدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبِيلِ اللهِ، أَشعَثُ رَأَسُهُ مُغبَرَّةٌ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ في الحِرَاسَةِ كَانَ في الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ في السَّاقَةِ كَانَ في السَّاقَةِ، وَإِنِ استَأذَنَ لم يُؤذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لم يُشَفَّعْ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ((بُعِثتُ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيفِ حَتى يُعبَدَ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزقِي تَحتَ ظِلِّ رُمحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَن خَالَفَ أَمرِي)) رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. إِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَجتَمِعَ في قَلبٍ حُبُّ الحَقِّ وَاتِّبَاعُهُ وَالذَّبُّ عَنهُ، مَعَ تَشَرُّبِ البَاطِلِ وَالانسِيَاقِ مَعَهُ وَالمُحَاجَّةِ دُونَهُ، نَعَم، لا يَجتَمِعُ في قَلبٍ صَادِقٍ إِيمَانٌ وَكُفرٌ، وَلا كَذِبٌ وَصِدقٌ، وَلا خِيَانَةٌ وَأَمَانَةٌ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18] أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَأَخلِصُوا قُلُوبَكُم للهِ، فَإِنَّمَا بِذَلِكَ أُمِرتُم وَهُوَ سَبِيلُ هِدَايَتِكُم ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 161 - 163].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَعَلِّقُوا قُلُوبَكُم بِهِ وَلا تَنسَوهُ، وَاسأَلُوهُ أَن يَرزُقَكُم مَعرِفَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالأُنسَ بِهِ، وَاعلَمُوا أَنَّ لِتَعَلُّقِ القُلُوبِ بِاللهِ دَلائِلَ تُصَدِّقُهُ وَبَرَاهِينَ تُؤَكِّدُهُ، فَالمُتَعَلِّقَ قَلبُهُ بِاللهِ مِن أَغنى النَّاسِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ لا تَصُدُّهُ عَنهُ الدُّنيَا مَهمَا تَزَيَّنَتَ وَتَزَخَرَفَت، وَلا تُنسِيهِ صَادِقَ وَعدِهِ مَهمَا كَثُرَت أَو كَبُرَت، يَرَى النَّاسَ مِن حَولِهِ قَدِ استَهوَتَهُم الدُّنيَا وفَتَنَتهُم، وَأَلهَتهُم وَشَغَلَتهُم، وَأَخَذَت بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِم وَسَحَرَت أَلبَابَهُم، فَأَصبَحُوا في أَفلاكِهَا يَدُورُون، وَيُوَالُونَ مِن أَجلِهَا وَيُعَادُونَ، فَلا يُهِمُّهُ كُلُّ ذَلِكَ وَلا يَصُدُّهُ عَن رَبِّهِ الّذِي عَظُمَ في قَلبِهِ حُبُّهُ، قال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165] المُتَعَلِّقُ قَلبُهُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَعرِفُ مَن هُوَ اللهُ، وَيُؤمِنُ إيمانًا لا شَكَّ فِيهِ وَلا رَيبَ، أَنَّهُ تَعَالى مَلِكُ المُلُوكِ وَإِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَنَّهُ دَيَّانُ يَومِ الدِّينِ، وَأَنَّ الأَمرَ لَهُ أَوَّلاً وَآخِرًا وَبَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَأَنَّهُ هُوَ الأَوَّلُ الَّذِي لَيسَ قَبلَهُ شَيءٌ وَالآخِرُ الَّذِي لَيسَ بَعدَهُ شَيءٌ، وَأَنَّهُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَيسَ فَوقَهُ شَيءٌ وَالبَاطِنُ الَّذِي لَيسَ دُونَهُ شَيءٌ، وَأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكُهُ وَعَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا قَابِضَ لِمَا بَسَطَ وَلا بَاسِطَ لِمَا قَبَضَ، وَلا هَادِيَ لِمَن أَضَلَّ وَلا مُضِلَّ لِمَن هَدَى، وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ وَلا مَانِعَ لِمَا أَعطَى، وَلا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدَ وَلا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبَ، وَلِهَذَا تَجِدُ المُتَعَلِّقَ قَلبُهُ بِرَبِّهِ أَصلَبَ مَا يَكُونُ عُودًا وَأَقوَى مَا يَكُونُ دِينًا وَأَشَدَّ مَا يَكُونُ ثَبَاتًا، حِينَ تَزدَادُ الفِتَنُ وَتَحِلُّ المِحَنُ، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ وَيَتَسَاقَطُونَ، فَلا يَزِيدُهُ تَعَلُّقُهُ بِرَبِّهِ إِلاَّ اعتِصَامًا بِحَبلِهِ وَتَمَسُّكًا بِدِينِهِ. المُتَعَلِّقُ قَلبُهُ بِاللهِ - أُمَّةَ الإِسلامِ - لا يُفَكِّرُ أَوَّلَ مَا يُفَكِّرُ إِلاَّ كَيفَ يُرضِي رَبَّهُ، يَصحُو عَلَى ذَلِكَ وَعَلَيهِ يَنَامُ، وَيَغدُو بِهِ وَعَلَيهِ يَرُوحُ، قَد يُشغَلُ بِشَيءٍ مِنَ الدُّنيَا يُقِيمُ بِهِ أَوَدَهُ وَيَتَبَلَّغُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ سُرعَانَ مَا تَتَمَثَّلُ لَهُ الآخِرَةُ أَمَامَ عَينَيهِ، وَيَتَصَوَّرُ الجَنَّةَ وَالنَّارَ بَينَ يَدَيهِ، فَلا يَرجُو حِينَئِذٍ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلا يَخَافُ إِلاَّ ذَنبَهُ، وَلا يُفَكِّرُ إِلاَّ كَيفَ يَكُونُ قُدُومُهُ حِينَ حَشرِهِ، وَهَل حَالُهُ اليَومَ أَحسَنُ مِن حَالِهِ في أَمسِهِ، وَمِن ثَمَّ فَلا تَرَاهُ يُقَدِّمُ عَلَى أَمرِ اللهِ شَيئًا، وَلا يُدخِلُ في بَطنِهِ إِلاَّ حَلالاً، وَحِينَهَا يُجبَرُ كَسرُهُ وَيَصلُحُ أَمرُهُ، وَيُرفَعُ قَدرُهُ وَيُشرَحُ صَدرُهُ، وَيَحسُنُ سَمتُهُ وَتَطمَئِنُّ نَفسُهُ، فَيَطِيبُ قَولُهُ وَعَمَلُهُ، وَيَكمُلُ أَخذُهُ وَعَطَاؤُهُ، وَيَسعَدُ بِهِ مُجتَمَعُهُ وَأُمَّتُهُ، فَنَسأَلُ اللهَ بِعِزِّهِ وَجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكَمَالِهِ أَن يَجعَلَنَا مِمَّن تَعَلَّقَت بِهِ قُلُوبُهُم فَعَظَّمُوهُ وَوَقَّرُوهُ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَئِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إصلاح القلوب
  • حياة القلوب
  • كلمة عن صلاح القلوب والعناية بها
  • أسباب صلاح القلوب (خطبة)
  • صلاح القلوب (خطبة)
  • صلاح القلوب: مفتاح الإيمان والسعادة
  • صلاح القلوب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • حياة القلوب تفسير كلام علام الغيوب (الجزء الخامس عشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • غذاء القلوب في الذكر والدعاء لعلام الغيوب (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حياة القلوب تفسير كلام علام الغيوب (الجزء الرابع عشر) (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر علامة القصيم ابن سعدي رحمه الله على الحركة العلمية المعاصرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من علامة الجر: الياء نيابة عن الكسرة والفتحة نيابة عن الكسرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من علامة الجر: الكسرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من علامة النصب: الكسرة والياء نيابة عن الفتحة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من علامة النصب: الألف نيابة عن الفتحة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قاعدة: الدين الإسلامي هو الصلاح المطلق، ولا سبيل إلى صلاح البشر الصلاح الحقيقي إلا بالدين الإسلامي(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- زيادة المعلمات
سليمان محمد صادق راجي - Nigeria 27/06/2016 08:20 PM

وأشكر لجميع أساتذنا على هذه الكلمة الموجزة التي أستفيد وأريد من فضيلتكم أن ترشيدونا إلى بعض الكتب التراثية والحديثة التي نستفيد منها وشكرا

2- محب
ابوعبدالرحمن - مصر 30/01/2014 11:14 PM

جزاك الله خيرا

1- تذكير
رعد الشمري - العراق 18/03/2012 10:00 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشهد الله تعالى أنها خطبة جميلة وفيها منافع للناس، ذلك أننا بحاجة إلى ربط القلوب ببيوت علام الغيوب من خلال إحياء رسالة المسجد وأن لا تتخذ مصليات فقط.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/6/1447هـ - الساعة: 10:37
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب