• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التساهل في المنازل من أسباب المهازل
    شعيب ناصري
  •  
    المحطة العشرون: البساطة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    ضبط سلوكيات وانفعالات المتربي على قيمة العبودية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    تأملات في المساواة والعدالة الاجتماعية في القرآن ...
    د. منى داود باوزير
  •  
    التعليم الإلكتروني والشباب: نقلة نوعية أم بديل
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    قواعد قرآنية في تقوية الحياة الزوجية
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    هل فقدنا ثقافة الحوار؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    المحطة التاسعة عشرة: الصبر
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    حقوق الزوج على زوجته
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الثامنة عشرة: الحكمة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    المرأة بين تكريم الإسلام وامتهان الغرب (2)
    نجلاء جبروني
  •  
    حاجتنا إلى التربية
    محمد حسني عمران عبدالله
  •  
    المرأة بين تكريم الإسلام وامتهان الغرب (1)
    نجلاء جبروني
  •  
    الإجازات وقود الإنجازات
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أنثى في القلب
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    خلف الكواليس
    د. ابتهال محمد علي البار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الذكر والدعاء
علامة باركود

اذكروا الله كثيرا (خطبة)

اذكروا الله كثيرا (خطبة)
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/7/2025 ميلادي - 29/1/1447 هجري

الزيارات: 4553

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اذكروا الله كثيرًا

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

عباد الله، اعلموا أن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله وإياكم من البدع والضلالات والنار، أما بعد:

روى الإمام البخاري في صحيحة عن ابن أبي ليلى قال مسدد: حدثنا علي، قال: "شكت فاطمة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تلقى في يدها من الرَّحى، فأُتي بسبي، فأتته تسأله فلم تره، فأخبرت بذلك عائشة، فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته، فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم، فقال: "على مكانكما"، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؛ إذا أخذتما مضاجعكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمَدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين؛ فهو خيرٌ لكما من خادم".

 

أيها المؤمنون، المسلم في هذا الزمان في حاجة ماسة إلى الإكثار من ذِكْر الله تعالى بسبب كثرة الفتن وقسوة القلوب، فغلبت على الكثير من الناس الغفلة، فوقعوا في فتن الشبهات والشهوات، ولا مخرج لنا من ذلك إلا بذكر الله تعالى؛ لأن ذكر الله تعالى من أزكى الأعمال، ومن خير الخصال وأحبّها إلى الله تعالى ذي الجلال والإكرام، وذكر الله تعالى يُرضي ربنا الرحمن، ويطرد عنا عدوَّنا الشيطان، ويزيل عن قلوبنا الهموم والأحزان، ويُدخل فيها الفرح والسرور.

 

أيها المؤمنون، ولم يأمر الله -تبارك وتعالى- عباده بالإكثار من عبادة من العبادات مثلما أمَر من الإكثار من ذكره جل جلاله، فقد أمرهم بالإكثار من ذكره في أول النهار وفي آخره، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وَعَلَّقَ الْفَلَاحَ بِالْإِكْثَارِ مِنْ ذكره، فَقَالَ تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، وَأَثْنَى الله تعالى على الذاكرين له كثيرًا، ووعدهم بالمغفرة والأجر العظيم، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ... ﴾ [الأحزاب: 35] إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وَجَعْلَ ذِكْرَهُ لَهُمْ جَزَاءً لِذِكْرِهِمْ لَهُ، فَقَالَ: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، ونهى الله عباده عَنْ ضِدِّ الذكر وَهِيَ الغَفْلة فَقَالَ تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، وَحَكَمَ اللَّهُ بِالخُسْرَانِ عَلَى من التهى بأمواله وأولاده عن ذكره، فَقَالَ تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

 

أيها المؤمنون، ومعنى: "ذكر الله تعالى" هو الثناء على الله تعالى بالتحميد والتسبيح التهليل والتكبير، وتنزيه الله تعالى عن كل نقص، وتقديسه عن كل ما لا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونفي مشابهة الله لأحد من خلقه، جل وعلا.

وذكر الله تعالى منزلة هامة من منازل السائرين إلى الله تعالى، قال الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: «الذِّكْرُ هُوَ الـمَنْزِلَةُ الكُبْرَى التِي يَتَزَوَّدُ مِنْهَا العَارِفُونَ، وَفِيهَا يَتَّجِرُونَ، وَإِلَيْهَا دَائِمًا يَتَرَدَّدُونَ، وَذِكْرُ الله تعالى قُوتُ قُلُوبِ العَارِفِينَ الَّتِي مَتَى فَارَقَهَا صَارَتِ الْأَجْسَادُ لَهَا قُبُورًا، وَهُوَ سِلَاحُهُمُ الَّذِي يُقَاتِلُونَ بِهِ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ، وَدَوَاءُ أَسْقَامِهِمُ الَّذِي مَتَى فَارَقَهُمُ انْتَكَسَتْ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ.

 

وَالذِّكْرُ جَلَاءُ الْقُلُوبِ وَصِقَالُهَا وَدَوَاؤُهَا إِذَا غَشِيَهَا اعْتِلَالُهَا، وَكُلَّمَا ازْدَادَ الذَّاكِرُ فِي ذِكْرِهِ اسْتِغْرَاقًا؛ ازْدَادَ الْمَذْكُورُ -سُبْحَانَهُ- مَحَبَّةً لِلِقَائِهِ وَاشْتِيَاقًا، وَإِذَا وَاطَأَ فِي ذِكْرِهِ قَلْبُهُ لِلِسَانِهِ نَسِيَ فِي جَنْبِ ذِكْرِهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

 

وَالذِّكْرُ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "تَفَقَّدُوا الْحَلَاوَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: فِي الصَّلَاةِ، وَفِي الذِّكْرِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الْبَابَ مُغْلَقٌ"؛ انتهى كلامه رحمه الله.

 

أيها المؤمنون، ولأهمية ذكر الله تعالى فقد أمر الله به عباده بعد قيامهم بأهم أعمالهم الصالحة، فقد أمرهم بذكره بعد أدائهم الصلاة، فقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103]، وأمر به عباده بعد أدائهم للصيام، فقال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، وأمر الله عباده بذكره بعد أدائهم لركن الحج، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وأمرهم بذكره في كل أحوالهم، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191].

 

أيها المؤمنون، ذكر الله تعالى له فضائل كثيرة، وقد أوصلها الإمام ابن القيم في كتابه الوابل الصيب إلى أكثر من خمسين فضيلة، فمن فضائل ذكر الله تعالى أن الله تعالى يذكر من ذكره، قال الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وفي الحديثِ القُدْسِيّ المتفق على صحته قالَ اللهُ تعالى: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"، وروى مسلم في صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عز وجل إِلَّا حَفَّتْهُمْ الملَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِم السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ".

 

ومن فضائل ذكر الله تعالى من أزكى الأعمال، ومن خير الخصال وأحبّها إلى الله تعالى ذي الجلال، وخير للعبد من إنفاق الذهب والفضة؛ روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه بسند صحيح من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله تعالى". وجاء عند البزار والطبراني بسند حسن عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفلا أعلمكَ ما هو أفضل من ذكرك الليل مع النهار، والنهار مع الليل؟ سبحان الله عدد ما خلق، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه".

 

وفي سنن الترمذي عن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل: "أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا"؛ أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذاكرين له في كل وقت وحين، قلت ما قد سمعتم فاستغفروا الله يا لفوز المستغفرين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عرَفنا في الخطبة الأولى بعض فضائل ذكر الله تعالى، وفي الخطبة الثانية سوف نذكر فضائل أخرى من فضائل ذكر الله تعالى، فمن فضائل ذكر الله تعالى أن الذاكرين لله تعالى هم السابقون لغيرهم في ميدان المسابقة إلى الله تعالى والدار الآخرة؛ روى الإمام مسلم في صحيحة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ"، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ". وهؤلاء السابقون هم الذين أعدَّ الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا، قال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وقد ضرب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثله في المسابقة في ذكر الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن فُقَرَاء المُهَاجِرِينَ أتوا إلى رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقالَ: وَما ذَاكَ؟ قالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقالَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ"، قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً".

 

أيها المؤمنون، ومن فضائل ذكر الله تعالى أن ذِكْر الله تعالى يحصن صاحبه من الشيطان الذي هو عدو للإنسان، ومن أعماله صرف الإنسان عن ذكر الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]، ولا نجاة للإنسان من عدوِّه الشيطان إلا بذكر الله تعالى، فذكر الله تعالى بمثابة الحصن الذي يتحَصَّن به الإنسان من عدوِّه الشيطان، روى الترمذي، وابن حبان، والحاكم بسند صحيح عن الحارث بن الحارث الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله -تعالى- أمر يحيى بن زكريا أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات، منها ذكر الله؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرَز نفسَه منهم، كذلك العبد لا يُحرز نفسَه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى".

 

وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في أول يومه كانت له عدل عتق عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومَه ذاك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك".

 

أيها المؤمنون، ومن فضائل ذكر الله تعالى أنه من غراس الجنة، فما غرست الجنة بمثل ذكر الله تعالى؛ ففي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"، وروى الترمذي أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لقيت إبراهيم الخليل ليلة أُسْري بي فقال لي: يا محمد، أقرئ أُمَّتَك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأنها طيبة التربة، عذبة الماء، وأخبرهم أن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

 

ولأهمية ذكر الله تعالى فإنه العبادة الوحيدة التي تبقى مع أهل الجنة بعد دخولهم فيها، فيلهمون ذكر الله بالتسبيح والتحميد كما يلهم أهل الدنيا النفس، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال عليه الصلاة والسلام: "‌يَأْكُلُ ‌أَهْلُ ‌الْجَنَّةِ ‌فِيهَا ‌وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَبُولُونَ، إِنَّمَا طَعَامُهُمْ جُشَاءٌ، رَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ".

 

وإذا أراد أهل الجنة شيئًا طلبوه بالتسبيح فيأتيهم، كما قال سبحانه عن حالهم: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾ [يونس: 10]، قال سفيان الثوري: "إذا أرادوا الشيء قالوا: سبحانك اللهم فيأتيهم"، ومثل هذا المعنى مأثور عن عبدالملك بن جريج رحمهما الله.

 

أيها المؤمنون، ومن فضائل ذكر الله تعالى أنه سبب من أسباب تكثير حسنات المؤمنين وتكفير سيئاتهم، ففي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أَيَعْجَزُ ‌أَحَدُكُمْ ‌أَنْ ‌يَكْسبَ ‌كُلَّ يَوْمِ أَلْفَ حَسَنَةٍ" فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسبُ أَحَدُنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ "يُسَبِّحُ مِائَةً أَوْ يُكَبِّرُ مِائَةً، فَهِيَ أَلْفُ حَسَنَةٍ".

 

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال عليه الصلاة والسلام: "‌مَنْ ‌قَالَ ‌حِينَ ‌يُصْبِحُ ‌وَحِينَ ‌يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ: أَوْ زَادَ عَلَيْهِ"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال عليه الصلاة والسلام: "‌مَنْ ‌قَالَ: ‌سُبْحَانَ ‌اللَّهِ ‌وَبِحَمْدِهِ، ‌فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".

 

أيها المؤمنون، ومن فضائل ذكر الله تعالى أنه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُمَّته، فعند أحمد والنسائي والحاكم بسند حسن عن أم هانئ -رضي الله عنها- قالت: قلتُ: "يا رسول الله، مرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: سبِّحي الله مائة تسبيحة؛ فإنها تعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميدة؛ فإنها تعدل مائة فرَس مسرجًا ملجمًا تحملين عليها في سبيل الله، وكبِّري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل مائة بدَنة مقلَّدة متقبَّلة، وَتُهَلِّلِي اللهَ مائة تهليلة، تملأ بين السماء والأرض".

 

وجاء في سنن أبي داود عن معاذ بن جبل، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيدي يومًا، ثم قال: "يا معاذ، إني لأحبُّكَ"، فقال له معاذ: بأبي وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك، فقال: "أوصيك يا معاذ، لا تدَعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك".

 

روى أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن عبدالله بن مسلم -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت علينا، فباب نتمسَّك به جامع، قال: لا يزال لسانُكَ رَطْبًا من ذكر الله -عز وجل-".

 

أيها المؤمنون، أكثروا من ذكر ربكم في كل أحوالكم؛ تكونوا من الذاكرين الله كثيرًا، وتنالوا خيرَي الدنيا والآخرة.

 

الدعاء..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)

مختارات من الشبكة

  • ذكر الله سبب من أسباب ذكر الله لك في الملأ الأعلى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة (النت والاختبارات)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • خطبة: التعامل مع الشاب اليتيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيم النبوية في إدارة المال والأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دروس خطبة الوداع: أخوة الإسلام بين توجيه النبوة وتفريط الأمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (26) «كل سلامى من الناس عليه صدقة» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في نهاية عامكم حاسبوا أنفسكم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: بداية العام الهجري وصيام يوم عاشوراء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/1/1447هـ - الساعة: 20:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب