• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    قاعدة الأولويات في الحياة الزوجية عندما يزدحم ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    التربية الإسلامية للأولاد: أمانة ومسؤولية شرعية
    محمد إقبال النائطي الندوي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (5) دعم الأهل: رافعة النجاح ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    المشاكل الأسرية وعلاجها في ضوء السنة النبوية
    مرشد الحيالي
  •  
    الدخول المدرسي 2025 وإشكالية الجودة بالمؤسسات ...
    أ. هشام البوجدراوي
  •  
    المحطة الرابعة والعشرون: بصمة نافعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (4) إدارة الوقت: معركة لا تنتهي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الإدمان في حياة الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    طاعة الزوج من طاعة المعبود، فهل أديت العهد ...
    حسام الدين أبو صالحة
  •  
    المحطة الثالثة والعشرون: عيش اللحظة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (3) الفشل خطوة نحو القمة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أطفال اليابان رجال الميدان
    بدر الدين درارجة
  •  
    الآباء سند في الحياة
    شعيب ناصري
  •  
    الإسلام والتعامل مع الضغط النفسي
    محمد أحمد عبدالباقي الخولي
  •  
    ضرب الأطفال في ميزان الشريعة
    د. لمياء عبدالجليل سيد
  •  
    المحطة الحادية والعشرون: الانضباط الذاتي
    أسامة سيد محمد زكي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: الشائعات والغيبة والنميمة وخطرهم على المجتمع

خطبة: الشائعات والغيبة والنميمة وخطرهم على المجتمع
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/7/2025 ميلادي - 16/1/1447 هجري

الزيارات: 3552

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خُطْبَة: الشَّائِعَاتُ وَالغِيْبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَخَطَرهُم عَلَى المُجْتَمَعِ


الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

1- عِبَادَ اَللَّهِ؛ لَقَدْ نَهَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ جُرْمٍ عَظِيمٍ، وَكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَجَرِيمَةٍ اسْتَهَانَ بِهَا بَعْضٌ مِنَ اَلنَّاسِ، حَتَّى أَصْبَحَتْ لَا تَطِيْبُ مَجَالِسهمْ إِلَّا بِهَا، وَلَا يَتَلَذَّذُونَ إِلَّا بِتَعَاطِيهَا، وَيَشْمَئِزُّونَ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ اِرْتِكَابِهَا، فَأَصْبَحَ اَلْمُنْكَرُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ، وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا، أَلَا وَهِيَ اَلْغِيْبَةُ اَلَّتِي قَالَ عَنْهَا اَللَّهُ: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

 

2- وَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ)؛ [م 2589].

 

3- وَهَذَا اَلْحَدِيثُ مَعَ اَلْآيَةِ اِتَّفَقَا عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ اَلْجَرِيمَةِ اَلْكُبْرَى، وَالْمَعْصِيَةِ اَلْعُظْمَى، وَاَلْغِيْبَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَقُولَ عَنْهُ كَلَام حَقٍّ بِغِيَابِهِ يَكْرَهُهُ، وَقَدْ تَقُولَ عَنْهُ كَلَام بَاطِلٍ فِي غِيَابِهِ لَيْسَ فِيهِ، فَجَمَعْتَ بَيْنَ جَرِيمَتَيْ اَلْغِيْبَةُ وَالْبُهْتَانُ وَالظُّلْمُ.

 

4- وَلَيْسَ اَلْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ، وَلَكِنَّهُ هُوَ اَلْغَالِبُ خُصَّ بِالذِّكْرِ، وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ يُشَكِّلُ اَلْقَوْل بِاللِّسَانِ، وَتَقْلِيدُ اَلْحَرَكَاتِ، وَمُحَاكَاتُهُ، أَوْ مَا يُفْهَمُ بِأَنَّ فُلَانَ هُوَ اَلْمَقْصُودُ، إِمَّا بِالْإِشَارَةِ، أَوْ اَلْإِيمَاءِ، أَوْ اَلْغَمْزِ، أَوْ اَلْهَمْزِ، أَوْ بِالْحَرَكَاتِ، أَوْ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ بِالْخَطِّ، أَوْ كُلَّ مَا يُفْهَمُ بِالْمَقْصُودِ، فَهُوَ دَاخِلٌ بِالنَّمِيمَةِ، بَلِ اَلْغِيْبَةُ مِنَ اَلْجَرَائِمِ اَلَّتِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَذَّبُ بِهَا اَلْمُسْلِمُ فِي قَبْرِهِ.

 

5- وَفِي الحَدِيث الصَّحِيحِ: (مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَى قَبْرَيْن فقال: "إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ فِيْ كَبِيْرٍ، ثمَّ قَالَ: بَلَى أمَّا أحدُهما فَكَانَ يَسْعَى بالنَّميمةِ، وأمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يستنزِهُ مِن بولِه"، ثمَّ أخَذ عودًا فكسَره باثنينِ ثمَّ غرَز كلَّ واحدٍ منهما عَلَى قبرٍ، ثمَّ قال: "لعلَّه يُخفَّفُ عنهما العذابُ مَا لَمْ ييبَسا".

 

6- وَالغِيْبَةَ مِنْ لَوَازِمِ اَلنَّمِيمَة؛ لِأَنَّ اَلَّذِي يَنِمُّ يَنْقُلُ كَلَامَ اَلرَّجُلِ اَلَّذِي اِغْتَابَهُ. وَالنَّمَّامُ لَاشَكَ بِأَنَّهُ مُغْتَابٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي غيْبَةِ أَخِيهِ مَا يَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ أَنْ يَنْقُلَ كَلَامُهُ اَلْمُسِيءُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَا يُسْتَهَانُ بِأَمْرِ الغِيْبَةِ.

 

7- وَقَدْ حَذَّرَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ قُبُولِ الأَخْبَارِ بِدُونِ تَثَبُّتٍ أَوْ تَبَيُّنٍ، بَلْ وَصَفَ نَاقِل الأَخْبَارِ بِالفِسْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا الأَصْلُ فِيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ العَكْس؛ لِذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

 

8- وَحَتَّى وَصْفُ اَلرَّجُلِ أَوِ اَلْأُنْثَى فِي وَصْفٍ فِي خِلْقَتِهِ مِنْ بَابِ اَلتَّنَقُصِ مِنْهُ يُعْتَبَرُ غِيْبَةً، وَعَائِشَةُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَلَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّة كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ اَلْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"، قَالَ اَلنَّوَوِيُّ:" وَهَذَا اَلْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ اَلزَّوَاجِرِ عَنِ الْغِيْبَةِ، وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ اَلْأَحَادِيثِ بَلَغَ فِي ذَمِّهَا هَذَا اَلْمَبْلَغِ.

 

9- عِبَادَ اَللَّهِ؛ تَصَوَّرُوا هَذِهِ اَلْكَلِمَةِ اَلَّتِي قَالَ عَنْهَا اَلرَّسُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَقُولُ إِلَّا اَلْحَقَّ، لَا يَقُولُ بِالْمَجَازِ، وَلَا بِالْمُبَالَغَةِ، بِأَنَّ هَذِهِ اَلْكَلِمَةِ لَوْ قُذِفَتْ فِي اَلْبَحْرِ اَلَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ اَلْمَخْلُوقَاتِ لَغَيَّرَت طَعْمُهُ، وَرِيحُهُ، وَانْتَنَّ، وَقُبِحَ مَنْظَرُهُ مِنْ شِدَّةِ تَأْثِيْرِهَا، فَكَيْفَ بِأَثَرِهَا عَلَى مَنْ قَالَهَا، وَهُوَ مَخْلُوْقٌ ضَعِيْفٌ، إِنَّ اَلْكَثِيرَ مِنَّا يَتَوَرَّعُ عَنْ ذُنُوبٍ أَقَلّ مِنْهَا، وَيُشْكَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَتَصَوَّرُ نَفْسَهُ أَنْ يَأْتِيهَا، بَلْ إِنَّ مَوْتَهُ عِنْدَهُ أَيْسَرُ مِنْ إِتْيَانِهَا، ثُمَّ يَأْتِي بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا بِلَامُبَالَاةٍ، وَبِكُلِّ اِسْتِخْفَافٍ وَاسْتِهَانَةٍ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: " إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ".

 

10- عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ اَلْبَعْضَ يَنْتَقِصُ مِنْ وَالِدَيْهِ، أَوْ مِنْ إِخْوَانِهِ، أَولَادِهِ، وَلَا يَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ غِيْبَةٌ، وَهِيَ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الغِيْبَةِ، وَالْبَعْضُ يَظُنُّ بِأَنَّ اَلْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ، وَأَعْرَاضِهِمْ مُبَاحَةٌ لَهُ، فَتَجِدُهُ فِي مَجَالِسِهِ لَا يَتَوَرَّعُ عَنِ اِغْتِيَابِ عُمَّالِهِ مِنْ سَائِقِينَ، أَوْ مِنْ خَدَمٍ، وَيَتَهَكَّمُ بِهِمْ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ، وَمَا عَلِمَ بِأَنَّ اَللَّهَ يُحْصِي عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: " أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ".

 

11- وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى خُطُورَةِ اَلِاسْتِهَانَةِ بِالْخَدَمِ مَا جَازَ فِي اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ اَلَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ اِبْنِ مَسْعُود رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: " كُنْتَ أَضْرَبَ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اِعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لِلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اَللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اَللَّهِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَعَتْكَ اَلنَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ اَلنَّارُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. كَمَا أَنَّ اَلْبَعْضَ لَا يَتَوَرَّعُ عَنِ اِغْتِيَابِ مَرْؤُوسِيهِ فِي اَلْعَمَلِ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ بِالظَلَمَةِ، وَبِغَيْرِهَا مِنَ اَلْأَلْفَاظِ، فَهِيَ لَا تَخْلُو إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَهِيَ غِيْبَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَقَدَ جَمَعَ مَعَ اَلْغِيْبَةِ اَلْكَذِبَ وَالْبُهْتَانَ.

 

12- عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ اَلْغِيْبَةِ بَلْ وَهِيَ أَخْطَرُهَا: اِغْتِيَابُ اَلْحُكَّامِ، وَالْأُمَرَاءِ، وَالسَّلَاطِينِ، وَإِيغارُ اَلْقُلُوبَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا جَمَعَ الشَّرّ مِنْ جَمِيعِ أَطْرَافِهِ، فَاغْتَابَ وَلِيَّ أَمْرِهِ وَنُوَّابِهِ، وَأَوْغَرَ عَلَيْهِمُ اَلْقُلُوبَ، سَاعِيًا لِإِسْقَاطِ هَيْبَتِهِمْ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ.

 

13- إِنَّ هُنَاكَ لِلْأَسَفِ مِنْ يَشْحَنُ قُلُوبَ اَلرَّعِيَّةِ عَلَى اَلرَّاعِي، وَهَذَا سَعْيٌّ مِنْهُ لِتَمْزِيقِ اَلصَّفِّ، وَتَفْرِيقِ اَلنَّاسِ، وَتَسْتَهِينُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَوَامِرِهِمْ، وَلَا تَنْقَادُ لَهُمْ، فَلَا شَكَّ أَنَّ غِيْبَةَ اَلْحُكَّامِ أَشَدُّ مِنْ غِيْبَةِ غَيْرِهِمْ، فالشَّيطانُ حَرِيْصٌ عَلَى إِيْغَارِ الصُّدورِ، وَإِفْسَادِ القُلُوبِ عَلَى الوُلَاةِ، لِعِلْمِهِ بِشِدَّةِ مَفْسَدَتِهِ.

 

14- وَيَأْتِي بَعْدَهَا بِالشَّرِّ غِيْبَةُ اَلْعُلَمَاءِ، وَانْتِقَاصِ قَدْرِهِمْ، وَتَشْوِيهِ سُمْعَتِهِمْ، وَوَصْفِهِمْ بِأَوْصَافِ اَلسُّوءِ لِإِضْعَافِ مَكَانَتِهِمْ بَيْنَ اَلنَّاسِ، فغِيْبَةُ وَلِيِّ اَلْأَمْرِ وَالْعَالِمِ لَيْسَ كَغِيْبَةِ غَيْرهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا سَعْيٌ لِإِضْعَافِ ثِقَةِ اَلنَّاسِ بِهِمْ، حَتَّى يَتَّخِذَ اَلنَّاسُ بَعْدَهُمْ رُؤُوسَ اَلْجُهَّالِ، يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَتَجِد اَلْبَعْضُ يَصِفُ اَلْعُلَمَاء مُنْتَقِصًا لَهُمْ بِأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ اَلْحَيْضِ وَالنُّفَاسِ، وَكَأَنَّ اَلْحَيْضَ وَالنُّفَاسَ لَيْسَتْ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً نَزَلَتْ فِيهَا اَلْأَحْكَامُ اَلرَّبَّانِيَّةُ، وَأَصْبَحَتْ مِنَ اَلْأَبْوَابِ اَلثَّابِتَةِ فِي كُتُبِ اَلْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ، وَأُفْرِدَتْ لَهَا عَشَرَاتُ اَلصَّفَحَاتِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ مِئَاتٌ في بعض اَلتَّفَاسِيرِ، وَنَزَلَتْ آيَاتٌ لبَيَانِ أَحْكَامِهَا، فَهُمْ لَمْ يَسْتَهِينُوا بِالْعُلَمَاءِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا اِسْتَهَانُوا بالكتاب وبِالسُنَّةِ!

 

15- عِبَادَ الله؛ عَلَيْنَا حِفْظُ الِّلسَانِ، قَالَ تَعَالَى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" فَكُلُّ قَوْل يَصْدُرُ مِنَ الإِنْسَانِ، سَوَاءً كَانَ خَيْرًا أَو شَرًّا، يُسجَّلُ ويُحفظُ بِوَاسِطَةِ مَلَكَيْنِ مُوَكَّلَينِ بِهِ، أَحَدُهُمَا عَنِ اليَمِينِ، وَالآخَرِ عَنِ الشِّمَالِ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّما يكبُّ النَّاسَ على مناخِرِهم في جَهَنَّمَ حصائدُ ألسنَتِهم".

احفَظْ لِسَانَكَ أَيُّهَا الإنسانُ
لَا يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ
كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ!

 

 

16- إِنَّ الكلمةَ القاسِيَةَ، والألفَاظَ الجارِحَةَ تُفَتِّتُ الأُسَرَ، واَلأحيَاءَ، والقُرَى، وتُقَطِّعُ أَوَاصِرَ الصَّدَاقَةِ وَالْقَرَابَةِ.

 

 

17- عِبَادَ اَللَّهِ؛ اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ مِنَ اَلْجُلُوسِ مَعَ اَلْمُغْتَابِينَ، وَعَدَمِ مُجَامَلَتِهِمْ، فَرِضَا اَللَّهَ مُقَدَّمٌ عَلَى رِضَا اَلنَّاسِ، فَإِنَّ هُنَاكَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَتَضَايَقُ مِنَ الغِيْبَةِ، وَلَكِنَّهُ يَخْشَى مِنْ خَسَارَةِ أَصْدِقَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَيُدَاهِنهُمْ عَلَى حِسَابِ دِينِهِ، مَعْ أَنَّ اَللَّهَ نَهَاهُ مِنَ اَلْخَوْضِ مَعَهُمْ، أَوِ اَلْجُلُوسِ، فَقَالَ: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

 

18- وَهَذِهِ اَلْآيَةُ عَامَّةٌ، فَتَشْمَلُ اَلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالرَّسُولِ وَيَسْتَهْزِؤُونَ بِهِ، وَتَشْمَلُ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ يِتْهَاوَنُونَ فِي مَعَاصِي اَللَّهَ وَمَحَارِمِهِ، وَلَا تَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى اَلَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي آيَاتِ اَللَّهِ بِالتَّكْذِيبِ، وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَالْبَاطِلِ، فَإِنَّ اَلْإِقْبَالَ عَلَى مَجَالِسِ اَلْغِيْبَةِ، وَالْجُلُوسِ مَعَ اَلْمُغْتَابِينَ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكُوا، فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَهَذَا اَلْجُلُوس أَقَلَّ مَا فِيهِ أَنَّهُ إِقْرَارٌ لَهُمْ عَلَى خَوْضِهِمْ، وَإِغْرَاءٌ بِالتَّمَادِي فِيهِ؛ خَاصَةً إِنْ كَانَ مِنْ طَلَبَةِ عِلْمٍ، أَوْ مُؤَثِّرِينَ.

 

19- عِبَادَ الله؛ إِنَّ الإِعْرَاضَ عَنْهُمْ فِيهِ زَجْرُهُمْ، وَقَطْعُ اَلْجِدَالِ مَعَهُمْ؛ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ عِنَادِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]، فيَشْمَلُ اَلْخَائِضِينَ بِالْبَاطِلِ، وَكُلَّ مُتَكَلِّمٍ بِمُحَرَّمٍ، أَوْ فَاعِلٍ لِمُحَرَّمٍ؛ فَإِنَّهُ يَحْرمُ اَلْجُلُوسَ، وَالْحُضُور عِنْدَ حُضُورِ اَلْمُنْكَرِ اَلَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إِزَالَتِهِ ؛ بَلْ عَدَّ شَيْخُ اَلْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاهُ قَوْل اَلْمُنْكَرِ عَلَيْهِمْ دَعْه غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ بِأَنَّهَا غِيْبَةٌ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ تَأْيِيدٌ لِمَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ سُوءٍ.

 

 

20- عِبَادَ اَللَّهِ؛ وَخُلَاصَةُ اَلْأَمْرِ: أَنَّ الغِيْبَةَ مُحَرَّمَةٌ، وَمِنْ كَبَائِرِ اَلذُّنُوبِ، سَوَاء كَانَ اَلْعَيْبُ مَوْجُودٌ فِي اَلشَّخْصِ اَلْمُغْتَابِ، أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ. وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ رَأَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَوْمٌ لَهُمْ أَظَافِرٌ مِنْ نُحَاسِ يَخْمُشُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ اَلنَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ".

 

21- فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلٍّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ اَلْحَذَرُ مِنَ الغِيْبَةِ طَاعَةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَطَاعَةً لِرَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحِرْصَاً مِنْهُ عَلَى سِتْرِ إِخْوَانِهِ اَلْمُسْلِمِينَ، وَعَدَمِ إِظْهَارِ عَوْرَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ الغِيْبَةَ مِنْ أَسْبَابِ اَلشَّحْنَاءِ وَالْعَدَاوَةِ، إِذَا استَهانَةِ بَعْض اَلزَّوْجَاتِ فِي اِغْتِيَابِ أَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ أَهْلِهَا، وصُويْحِبَاتِهَا، وَكَذَلِكَ بَعْضُ اَلْأَزْوَاجِ بِاغْتِيَابِ زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ، أَوْ أَصْدِقَائِهِ. فَعَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى سِتْرِ إِخْوَانِهِ، وَعَدَمِ إِظْهَارِ عَوْرَاتِهِم، فَالْغِيْبَةُ مِنْ أَسْبَابِ تَمْزِيقِ اَلْمُجْتَمَعِ.

 

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.

 

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

1- عِبَادَ اَللَّهِ ؛ إِنَّ مِنْ أَقْبَحِ اَلْأَفْعَالِ، وَأَسْوَءِ اَلْأَخْلَاقِ واَلْأَعْمَالِ: اَلنَّمِيمَةُ، فَالنَّمَّامُ يَقُومُ بِعَمَلِ إِفْسَادٍ كَبِيرٍ نِيَابَةً عَنِ اَلشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، وَلَقَدْ ذَمَّهُ اَللَّهُ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [القلم: 10 - 13]، فَالنَّمَّامُ اَلَّذِي يَمْشِي بَيْنَ اَلنَّاسِ، وَيُحَرِّشُ بَيْنَهُمْ، وَيَنْقُلُ اَلْحَدِيثُ لإفْسَادِ ذَاتِ اَلْبَيْنِ مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللهِ، وَأَعْمَالِهِ هِيَ اَلْحَالِقَةُ لِلدِّينِ.

 

2- وَلَقَدْ تَوَعَّدَهُ الله، فقَالَ الله تَعَالَى: "وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ". قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا:" اَلَّذِينَ بَدَأَهُمْ اَللَّهُ بِالْوَيْلِ هُم اَلْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، اَلْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ اَلْأَحِبَّةِ، اَلْبَاغُونَ أَكْبَرَ اَلْعَيْبِ".

 

3- وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ [المسد: 4] فلقد كَانَتْ تِلْكَ المَرْأَةُ السَيِّئَةُ نَمَّامَة لِلْحَدِيثِ، حَمَّالَة بِقَصْدِ الإفسَادِ بَيْنَ اَلنَّاسِ، وَسُمِّيَتْ النَمَّامَةُ حَمَّالَة لِلْحَطَبِ؛ لِأَنَّهَا تَنْشُرُ اَلْعَدَاوَةَ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِسُرْعَةٍ، كَمَا أَنَّ اَلْحَطَبَ يَنْشُرُ اَلنَّارَ بِسُرْعَةٍ، فَكَانَتْ تِلْكَ اَلْمَرْأَةُ اَلْمُفْسِدَةُ اَلْفَاسِدَةُ حَمَّالَةَ اَلنَّمِيمَة، فَتَمْشِي بِها بَيْنَ اَلنَّاسِ.

 

4- فَكَمْ وَاَللَّه أَفْسَدَ اَلنَّمَّامُ، وَأَفْسَدَتِ اَلنَّمَّامَةُ اَلعِلَاقَاتَ بَيْنَ اَلْأَزْوَاجِ، وَالْأَهْلِ، وَالْأَرْحَامِ، وَالْعِلَاقَات بَيْنَ اَلْجِيرَانِ، وَالْعِلَاقَات بَيْنَ اَلْأَصْحَابِ، وَالْعِلَاقَات بَيْنَ اَلْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ، عِلَاقَاتٌ تَقُومُ عَلَى عَشَرَاتِ اَلسِّنِين، يَأْتِي نَمَّامٌ مُفْسِدٌ لَا يَسْعَى إِلَّا لِلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ وَالْإِفْسَادِ، فَيُفْسِدُ تِلْكَ اَلْعِلَاقَاتِ بِلَحَظَاتٍ؛ فَبِنَمٍّ إِمَّا بِنَقْلِ كَلَامٍ، أَوْ بِتَزْوِيرِ كَلَامٍ، وَذَاكَ وَرَبِّي أَشَّرُ وَأَخْطَرُ، فَمَاذَا يُرِيدُ اَلنَّمَّامُ مِنْ أَفْعَالِهِ إِلَّا إيغارُ اَلْقُلُوبِ، وَإِفْسَادُ اَلْعلَاقَاتِ، وَتَضْيِيقِ اَلصُّدُورِ؟ فَكَمْ وَاَللَّه مِنْ شَرِكَاتٍ قَامَتْ مِنْ عَشَرَاتِ اَلسِّنِين، فَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ أَنْ يَحْدُثَ تَفَرُّقٌ بَيْنَ اَلشُّرَكَاءِ، فَجَاءَ نَمَّامٌ بِلَحْظَةٍ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَفْسَدَ مَا بَيْنَهُمْا مِنْ حُبٍّ، وَتَآخِي بِلَحَظَاتٍ، فَأَفسَدَ الشَرِكَةَ، وَشَتَّتَ اَلْجَمْعُ، وَعَطَّلَ اَلْأَعْمَالُ، وَكَمْ مِنْ أُسْرَةٍ مُتَوَاصِلَةٍ تَرَاهُمْ جَسَدًا وَاحِدًا فَجَاءَهُمْ نَمَّامٌ، أو دَخَلَتْ بَيْنَهُمْ نَمَّامَةٌ؛ فَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِمْ حَيَاتهُمْ.

 

5- فَعَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِي اَللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَوَّلاً: بِأَلَّا يَكُون نَمَّامًا، وَثَانِيًا: بِأَلَّا يَسْمَع لِلنَّمَّامِ، وَلَا يَأْذَنَ لَهُ بِالْكَلَامِ، فَإِنَّ اَلسَّمَاعَ لِلنَّمَّامِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ هَذَا اَلْإِنْسَانُ حَكِيْماً، وَلَيْسَ بِمُتَسَرِّعٍ، وَلَنْ يَفْعَلَ بِمَا قَالَهُ اَلنَّمَّامُ، وَلَكِنَّ قَلْبَهُ لَيْسَ بِيَدِهِ، فَعَلَيْنَا بِتَقْوَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْحَذَرُ مِنَ اَلنَّمِيمَةِ، وَسَمَاعِهَا، فَإِنَّ اَلنَّمَّامُ يُفْسِدُ اَلْعلَاقَاتِ وَيحْرقُهَا أَكْثَر مِمَّا تُفْسِدُ اَلنَّارُ فِي اَلْأَرْضِ اَلْمُعْشِبَةِ ؛ فَإِنَّ اَلنَّمَّامَ يَقْطَعُ اَلْعلَاقَاتُ اَلْقَوِيَّةُ، وَالْأَوَاصِرُ اَلْمَتِينَةُ بِلَحَظَاتٍ، ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ اَلْعَلِيُّ اَلْعَظِيم.

 

6- عِبَادَ اللهِ؛ إِشَاعَاتُ السُّوءِ، لَا تَقِلُّ ضَرَرًا فِي كِيَانِ الْأُمَّةِ، وَسَلَامَةِ الْوَطَنِ عَنِ التَّجَسُّسِ لِلْعَدُوِّ عَلَى دَخَائِلِهَا، وَمَوَاطِنِ قُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا؛ فَكُلُّ ذَلِكَ خِدْمَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَمَوَالَاةٌ لَهُ، وَقَدْ خَاطَبَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة: 1].

 

7- بَلْ إِنَّ مُوَالَاةَ الْعَدُوِّ فِي حَالِ عُدْوَانِهِ، وَتَرْوِيج مَا يَنْفَعُهُ فِي مَضَرَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ - تُخْرِجُ الْمُوَالِينَ لَهُ عَنْ تَبَعِيَّتِهِمْ لِأُمَّتِهِمْ، وَتُلْحِقُهُمْ بِأُمَّةِ عَدُوِّهِمْ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51].

 

8- وَمِنْ أَشَدِّ مَا يُوَالِي بِهِ الْمُنَافِقُونَ مَنْ يَكِيدُ لِلْأُمَّةِ مِنْ أَعْدَائِهَا تَرْوِيجُ إِشَاعَاتِ السُّوءِ، وَالْإِصْغَاءُ إِلَيْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51].

 

9- وَكَانَ مِمَّا كَانُوا يُرْجِفُونَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12].

 

10- وَلِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ خُلَفَاءُ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ عُصُورِ الْإِسْلَامِ، وَفِي كُلِّ وَطَنٍ مِنْ أَوْطَانِهِ، يُخَذِّلُونَ النَّاسَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَوُلَاةِ أَمْرِهِمْ، وَيُشِيعُونَ السُّوءَ عَنْ بَرَامِجِهِمْ وَخُطَطِهِمْ، وَهَذَا مَرَضٌ فِي الْقُلُوبِ، كَمَا وَصَفَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى مَنْ يُصَابُ بِهَذَا الْمَرَضِ أَنْ يُعَالِجَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَالَجَ بِأَحْكَامِ اللهِ.

 

11- وَفِي هَؤُلَاءِ أَيْضًا وَرَدَ قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ أَيْ: أَفْشَوْهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ إِذَاعَتُهُ وَإِفْشَاؤُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَا يُذِيعُونَهُ كَذِبًا، وَمُضِرًّا بِالْمَصْلَحَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْإِثْمِ الْمُزْدَوِجِ الَّذِي طَهَّرَ اللهُ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ.

 

12- وَاللَّائِقُ بِالْمُسْلِمِينَ إِذَا سَمِعُوا قَالَةَ السُّوءِ أَنْ يَكُونُوا كَمَا أَرَادَ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12] إِلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15-16].

 

فَنَشْرُهَا شَرٌّ عَلَى الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الغنيمة في اجتناب الغيبة والنميمة (خطبة)
  • النصيحة من الغيبة والنميمة (خطبة)
  • الحذر من الغيبة والنميمة
  • الغيبة والنميمة طباع لئيمة (خطبة)
  • خطبة: فضيلة الصف الأول والآثار السيئة لعدم إتمامه

مختارات من الشبكة

  • البر بالوالدين وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • روضة المسبحين لله رب العالمين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: شكر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بناء الشخصية الإسلامية في زمن الفتن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق الجار وأنواعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إجلال الكبير: وقار الأمة وبركتها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • عليكم بسنتي.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/3/1447هـ - الساعة: 13:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب