• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سلسلة دروب النجاح (7) بناء شبكة العلاقات الداعمة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التوفيق من الله
    أسامة طبش
  •  
    ظاهرة التظاهر بعدم السعادة خوفا من الحسد: قراءة ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير التأملي
    دعاء أنور أبو مور
  •  
    "اجلس فقد آذيت": خاطرة تربوية تأصيلية في ضوابط ...
    د. عوض بن حمد الحسني
  •  
    لماذا يدمن الشباب؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    كيف تستجلب الفكرة الإيجابية؟
    أسامة طبش
  •  
    الانهيار الناعم... كيف تفككت الأسرة من الداخل
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    مناهجنا التعليمية وبيان بعض القوى المؤثرة في ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سلسلة دروب النجاح (6) العقلية النامية: مفاتيح ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    قاعدة الأولويات في الحياة الزوجية عندما يزدحم ...
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    التربية الإسلامية للأولاد: أمانة ومسؤولية شرعية
    محمد إقبال النائطي الندوي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (5) دعم الأهل: رافعة النجاح ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    المشاكل الأسرية وعلاجها في ضوء السنة النبوية
    مرشد الحيالي
  •  
    الدخول المدرسي 2025 وإشكالية الجودة بالمؤسسات ...
    أ. هشام البوجدراوي
  •  
    المحطة الرابعة والعشرون: بصمة نافعة
    أسامة سيد محمد زكي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الغيرة (خطبة)

الغيرة (خطبة)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2019 ميلادي - 12/5/1440 هجري

الزيارات: 50662

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الْغَيْرَةُ


الخُطْبَةُ الْأُولَى

إنَّ الحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْد:


فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.


عِبَادَ اللَّهِ: الْغَيْرَةُ خُلُقٌ كَرِيمٌ جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ السَّوِيُّ الَّذِي كَرَّمَهُ رَبُّهُ وَفَضَّلَهُ، وَقَدْ أَعْلَى الْإِسْلَامُ قَدْرَهَا وَأَشَادَ بِذِكْرِهَا، وَرَفَعَ شَأْنَهَا حَتَّى عَدَّ الدِّفَاعَ عَنْ الْعِرْضِ وَالْغَيْرَةَ عَلَى الْنِّسَاءِ جِهَادًا يُبْذَلُ مِنْ أَجْلِهِ الدَّمُ، وَيُضَحَّى فِي سَبِيلِهِ بِالنَّفْسِ، وَيُجَازَى فَاعِلُهُ بِدَرَجَةِ الشَّهِيدِ فِي الْجَنَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ).


أَصُونُ عِرْضِي بِمَالِيِ وَلَا أُدَنِّسُهُ
لَا بَارَكَ اللَّهُ بَعْدَ الْعِرْضِ فِي الْمَالِ
أَحْتَالُ لِلْمَالِ إِنْ أَوْدَى فَأَكْسَبُهُ
وَلَسْتُ لِلْعِرْضِ إِنْ أَوْدَى بِمُحْتَالِ


وَالْغَيْرَةُ عَلَى الْمَحَارِمِ معْرُوفَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وجَاءَ الْإِسْلَامُ فَعَزَّزَهَا، وَهَذَّبَهَا، وَأَقَرَّ بَعْضَهَا، وَحَرَّمَ بَعْضَهَا.


عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْغَيْرَةِ أَنَّهَا خُلُقٌ عَظِيمٌ، وَوَفَاءٌ بِالْعَهْدِ كَبِيرٌ، وَتَحَمُّلٌ لِلْمَسْؤُولِيَّةِ، وَأَدَاءٌ لِلْأَمَانَةِ، وَحِفْظٌ لِلْعَهْدِ، وَأَعْظَمُ مَنْ يَغَارُ، وَأَجَلُّ مَنْ يَغَارُ هُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ، عز وجل قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ). رَوْاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغار بل قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي)، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى بَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خَصَاصَةَ الْبَابِ فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَخَّاهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ عُودٍ لِيَفْقَأَ عَيْنَهُ فَلَمَّا أَنْ بَصُرَ انْقَمَعَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَمَا إِنَّكَ لَوْ ثَبَتَّ لَفَقَأْتُ عَيْنَكَ). رَوْاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ كَانَ يَطَّلِعُ مِنْ ثُقْبِ الْبَابِ عَلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَغْضَبَ ذَلِكَ الْفِعْلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ، وَلَكِنَّ الْأَعْرَابِيَّ تَرَكَ النَّظَرَ مِنْ الثُّقْبِ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُ الْحَدِيدَةُ، فَالِاطِّلَاعُ عَلَى بُيُوتِ النَّاسِ، وَمُشَاهَدَةُ الْمَحَارِمِ أَمْرٌ يُثِيرُ غَضَبَ الشُّهَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ.


الْغَيْرَةُ فِي مَوْطِنِهَا، وَالْاعْتِدالُ فِيهَا - بِالنِّسَبَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ - مِنْ جُمَلَةِ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ، وَالْمَعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ طَرَفٍ أَنْ يُقَدِّرَ غَيْرَةَ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ، وَمَا مِنْ أَمْرٍ إِلَّا وَلَهُ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ ،وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوْاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: (إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، وَإِنَّ مِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ الرِّيبَةِ، وَالْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَالْخُيَلَاءُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْفَخْرِ وَالْبَغْيِ).


الْغَيْرَةِ التي لَا يُحِبُّهَا الله كثيرة، ومن أمثلة ذلك: غَيْرَةِ الرَّجُلِ أَنْ تَتَزَوَّجَ مُطَلَّقَتُهُ، أَوْ أَنْ تَتَزَوَّجَ أُمُّهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَتِلْكَ غَيْرَةٌ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ، لأنها مخالفة للشرع، أَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَغَيْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى مَحَارِمِهِ، وخوفه عَلَيهُمْ، فيسَعَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيهُمْ، وَيَحْمِيهِمْ بعد عون الله مِنْ كُلِّ شَرٍّ مُحْدِقٍ بِهِمْ، وَإِذَا زَادَتْ الْغَيْرَةُ عَنْ حَدِّهَا كَانَتْ نِقَمَةً عَلَى الشَّخْصِ وَعَلَى مَنْ حَوْلَهُ، فَكَثِيرٌ مِمَّا يُسْمَى جَرَائِمَ الْعِرْضِ وَالشَّرَفِ وإِزْهَاقُ الْأَرْوَاحِ بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ غَيْرِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِي بَعْضِ الْبِقَاعِ.


فَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ، وَيُنَفِّذَ الْأَحْكَامَ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ الَّتِي تَضْبُطُ الْأُمُورَ، وَتَتَثَبَّتُ مِنَ الْأَخْبَارِ وَصِحَّتِهَا مِنْ عَدَمِهَا، خَاصَةً وَأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُهَيِّجُ أَصْحَابَ الْغَيْرَةِ غَيْرِ الْمُنْضَبِطَةِ الشَّائِعَاتُ الْكَاذِبَةُ، وَالْوِشَايَاتُ الْحَاقِدَةُ، وَالتَّشَفِّي، وَالْأَصْلُ فِي الْمُسْلِمِ السَّلَامَةُ.


وَبَعْضُ الْأَزْوَاجِ مَرِيضٌ بِمَرَضِ الشَّكِّ الَّذِي يُحِيلُ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ إِلَى نَكَدٍ لَا يُطَاقُ وقَدْ (نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أوَ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ) رَوْاهُ مُسْلِمٌ، فهذه غيرة غير منضبطة لأنها تقوم على أوهام وشكوك وظن شيء، والمسلم لا يبحث عن عثرة المسلم فكيف بأهله؟!


فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسِيءَ الرَّجُلُ الظَّنَّ بِزَوْجَتِهِ وأهل بيته، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْرِفَ فِي تَقَصِّي كُلِّ حَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِهَا. كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَقَصَّى كُلَّ حَرَكَاتِ زَوْجِهَا وَسَكَنَاتِهِ، وَتُسِيءَ الظَّنَّ بِهِ، وَتَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةَ، وَيَقْطَعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.


وَكَانَ بعض السلف يَقُولُ: (لَا تُكْثِرِ الْغَيْرَةَ عَلَى أَهْلِكَ فَتُرْمَى بِالسُّوءِ مِنْ أَجْلِكَ)، وَقَالُ بعض السلف: (مِنْ خِصَالِ السُّؤْدُدِ: الصَّفْحُ، وَتَرْكُ الْإِفْرَاطِ فِي الْغَيْرَةِ)، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِدَالِ بها، وَحَدُّهُ مَا وَرَدَتْ بِهِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ.


فَالْغَيْرَةُ فِي مَوْضِعِهَا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الرُّجُولَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَفِيهَا صِيَانَةٌ لِلْأَعْرَاضِ، وَحِفْظٌ لِلْحُرُمَاتِ، وَتَعْظِيمٌ لِشَعَائِرِ اللَّهِ، وَحِفْظٌ لِحُدُودِهِ، وَهِيَ مُؤَشِّرٌ عَلَى قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَرُسُوخِهِ فِي الْقَلْبِ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا هَذَا الْخُلُقَ يَسْتَقِرُّ فِي نُفُوسِ الْعَرَبِ، حَتَّى الْجَاهِلِيِّينَ الَّذِينَ تَذَوَّقُوا مَعَانِيَ تِلْكَ الْفَضَائِلِ، فَإِذَا هُمْ يَغَارُونَ عَلَى أَعْرَاضِ جِيرَانِهِمْ حَتَّى مِنْ هَوَى أَنْفُسِهِمْ، يَقُولُ عَنْتَرَةُ مَفَاخِرًا بِنَفْسِهِ:

وَأَغُضُّ طَرْفِي إِنْ بَدَتْ لِي جَارَتِي*** حَتَّى يوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا


وجاء الإسلام وعززها، ومن الغيرة التي تحمد ما ذَكَرَه الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَنا اللَّهُ وإياه - أَنَّ امْرَأَةً تَقَدَّمَتْ إِلَى قَاضِي الرَّيِّ، فَادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِصَدَاقِهَا خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَنْكَرَهُ، فَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِهِ، فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تُسْفِرَ لَنَا عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهَا الزَّوْجَةُ أَمْ لَا؟ فَلَمَّا صَمَّمُوا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الزَّوْجُ: لَا تَفْعَلُوا، هِيَ صَادِقَةٌ فِيمَا تَدَّعِيهِ. فَأَقَرَّ بِمَا ادَّعَتْ لِيَصُونَ زَوْجَتَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ حِينَ عَرَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَقَرَّ لِيَصُونَ وَجْهَهَا عَنِ النَّظَرِ: هُوَ فِي حِلٍّ مِنْ صَدَاقِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اهـ. زَادَ الْحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ فِي «الْأَنْسَابِ»: «فَقَالَ الْقَاضِي وَقَدْ أُعْجِبَ بِغَيْرَتِهِمَا: يُكْتَبُ هَذَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ». اهـ.


عِبَادَ اللَّهِ، إنَّ الْغَيْرَةَ لَا تَعْنِي الشَّكَّ وَالرِّيبَةَ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ أَمْرٌ جُبِلَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ، وَالْفُطَنَاءُ، وَالنُّبَهَاءُ، وَأَصْحَابُ النُّبْلِ وَالْخُلُقِ الْحَسَنِ. إِنَّ الْغَيْرَةَ تَعْنِي تَحَمُّلَ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَأَدَاءَ الْأَمَانَةِ. إِنَّ الْغَيْرَةَ تَعْنِي قُوَّةَ الْإِيمَانِ، وَرُسُوخَهُ فِي الْقَلْبِ، وَتَعْظِيمَ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَحِفْظَ حُدُودِهِ، وَنَشْرَ الْفَضِيلَةَ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتَطْهِيرَهَا مِنَ الرَّذِيلَةِ، وَصِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ، وَحِفْظَ الْحُرُمَاتِ، وَتَطْهِيرَ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الرَّذَائِلِ، فَالْغَيْرَةُ تَغَيُّرُ الْقَلْبِ، وَهَيَجَانُ الْغَضَبِ بِسَبَبِ الْإِحْسَاسِ بِمُشَارَكَةِ الْغَيْرِ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْإِنْسَانِ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَيَغْضَبُ إِذَا رَأَى مَحَارِمَهُ فِي وَضْعٍ لَا يُرْضِي اللَّهَ، وَيَغْضَبُ إِذَا حَاوَلَ الْغَيْرُ التَّعَدِّيَ عَلَيْهِمْ، فَيَغْضَبُ غَضَبًا شَدِيدًا لِلَّهِ، وَدَافِعُهُ الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ، فَتِلْكَ غَيْرَةٌ مَحْمُودَةٌ.


أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطَبَةُ الثَّانِيَةُ

عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الْمَحَارِمِ تَدُلُّ عَلَى عِزَّةِ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى سُمُوِّهِ، وَنُبْلِ أَخْلَاقِهِ، وَلَا يَغَارُ أَحَدٌ عَلَى مَحَارِمِهِ إِلَّا وَهُوَ غَيُورٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، فَالْغَيْرَةُ وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى دِينِ اللَّهِ الْأَصْلُ فِيهِ التَّلَازُمُ، فَالْإِسْلَامُ جَاءَ بِحِفْظِ الْمَحَارِمِ، وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ). وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


وَحَذَّرَ رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخَلَ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ عليهم، حَيْثُ قَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ). رَوْاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

وَالْحَمْوُ هُوَ أَخُو الزَّوْجِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخَلَ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ، فَالْإِسْلَامُ حَثَّ عَلَى الْغَيْرَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَنَدَبَ إِلَيْهَا، لِأَنَّهَا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الرُّجُولَةِ وَالشَّهَامَةِ، فَبِهَا تُسْتَجْلَبُ الْمَكَارِمُ، وَتُسْتَدْفَعُ الْمَكَارِهُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا: الدَّيُّوثُ، والرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاء،  وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الدَّيُّوثُ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، قُلْنَا: فَمَا الرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ؟ قَالَ: الَّتِي تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ) صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، فَالَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ فِي عَقْلِهِ نَقْصٌ، وَفِي اسْتِقَامَتِهِ رَخَاوَةٌ، وَفِي رُجُولَتِهِ خَلَلٌ، وَفِي قَوَامَتِهِ عَيْبٌ، وَفِي أَخْلَاقِهِ وَسُلُوكِهِ سُوءٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ، فَالْغَيْرَةُ ضَبَطَهَا الْإِسْلَامُ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ الْوَسَطُ.


اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك.. اٍنه لا يذل مَن واليت، ولا يعزُ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أعطيت، نستغفرك اللهم من جميع الذنوب والخطايا ونتوب اٍليك. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ, وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا, لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الغيرة
  • الغيرة المرضية وأثرها في طلاق الزوجين
  • الغيرة القاتلة
  • عندما تموت الغيرة
  • الحب والغيرة
  • انعدام الغيرة في الحياة الزوجية
  • الإسلام وتعظيم الغيرة
  • مزيدا من الغيرة أيها الرجال!
  • خطبة الغيرة على الأعراض
  • الغيرة في الإسلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أتعجبون من غيرة سعد؟! (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • النهي عن التسمي بسيد الناس أو بسيد ولد لآدم لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل يشرع قول: "ما شاء الله" عند رؤية نعمة غيرك أم ذلك خلاف السنة؟(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الذكر الدائم يجعلك تسبق غيرك إلى الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الحلف بالأمانة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الحلف بالطواغيت والأنداد كاللات والعزى وغيرها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل من خصائص النبي محمد عليه الصلاة والسلام أنه لا يورث دون غيره من الأنبياء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام كفل لغير المسلمين حق العمل والكسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الحلف بغير الله تعالى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعبيد لغير الله دراسة عقدية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/3/1447هـ - الساعة: 16:42
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب