• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خماسية إدارة الوقت بفعالية
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    100 قاعدة في المودة والرحمة الزوجية
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    "إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا لا في عمل ...
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    ملخص كتاب: كيف تقود نفسك للنجاح في الدنيا والآخرة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    القدوة وأثرها في حياتنا
    أ. محاسن إدريس الهادي
  •  
    "إن كره منها خلقا رضي منها آخر"
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي في المجتمع ...
    بدر شاشا
  •  
    إدمان المواقع الإباحية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بين الحب والهيبة..
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (10) الحافز الداخلي: سر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أثر التفكير الغربي في مراحل التعليم في العالم ...
    بشير شعيب
  •  
    التعليم المختلط ومآلات التعلق العاطفي: قراءة في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملامح تربية الأجداد للأحفاد
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    الاتجاه الضمني في تنمية التفكير بين الواقع ...
    د. خليل أسعد عوض
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

العجز عن مضاهاة خلق الله (خطبة)

العجز عن مضاهاة خلق الله (خطبة)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/10/2018 ميلادي - 10/2/1440 هجري

الزيارات: 16143

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العَجْزُ عَنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ

 

الخُطْبَةُ الأُولَى

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ وَاِعْلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الفَضَاءَ الوَاسِعَ، وَهَذَا الكَوْنَ العَجِيبَ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ المُخْتَرَعَاتُ، وَبَلَغَتْ غَايَةَ الحُسْنِ وَالجَمَالِ وَالإِبْهَارِ، وَعَرَفَ النَّاسُ فِيهِ أَدَقَّ التَّفَاصِيلِ عَنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ جَسَدِ الإِنْسَانِ، وَجَدَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ - وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا - أَنْ يَعْرِفُوا مَاهِيَّةَ الرُّوحِ وَكَيْفِيَّتَهَا! وَقَدْ تَحَدَّاهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ.... ﴾ [الإسراء: 85].

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدِ اسْتَطَاعَ العَالَمُ -بِفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ وَمَنِّهِ، وَجُودٍ وَكَرَمٍ- أَنْ يُقَدِّمَ الِاخْتِرَاعَاتِ العِلْمِيَّةَ وَالمُنْجَزَاتِ المُبْهِرَةَ الَّتِي حَيَّرَتِ العُقُولَ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّهُ بِأَجْمَعِهِ كُلِّهِ لَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِ اللَّهِ، فَالمَخْلُوقُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْسُمَ شَكْلًا أَوْ يَبْنِيَ تِمْثَالًا أَوْ يَصْنَعَ جِهَازًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَيًّا مُتَحَرِّكًا عَاقِلًا مُفَكِّرًا، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَعْمَلُ كَمَا يَعْمَلُ خَلْقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيَتَزَاوَجُ وَيَتَنَاسَلُ وَيَتَكَاثَرُ، ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11].

 

فَالحَيَاةُ عَلَى قِسْمَيْنِ:

• حَيَاةُ حَرَكَةٍ، وَهَذِهِ فِي ذَوَاتِ الأَرْوَاحِ.
• وَحَيَاةُ نُمُوٍّ، وَهِيَ فِي الحُبُوبِ وَالبُذُورِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِإِنْبَاتِ الأَشْيَاءِ.

 

وَهَذِهِ لَا يَسْتَطِيعُهَا البَشَرُ، فَتَحَدَّاهُمْ -جَلَّ وَعَلَا- بِذَلِكَ غَايَةَ التَّحَدِّي.

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ-: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

وقوله (يَخْلُقُ كَخَلْقِي): أَمْرٌ بِمَعْنَى التَّعْجِيزِ، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ فِي الإِلْزَامِ، وَالمُرَادُ بِالذَّرَّةِ - إِنْ كَانَ - النَّمْلَةُ، فَهُوَ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ وَتَعْجِيزِهِمْ بِخَلْقِ الحَيَوَانِ تَارَةً، وَبِخَلْقِ الجَمَادِ إن كان غير النملة.

 

فَفِي هَذَا الحَدِيثِ بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ يُحَاوِلُ أَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِ اللَّهِ، وَيَتَحَدَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: ((فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً))، فَإِذَا كَانَ عِنْدَكُمْ قُدْرَةٌ كَمَا تَزْعُمُونَ فَهَا هُوَ المَجَالُ مَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَأَصْغَرُ خَلْقِ اللَّهِ مِنَ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ هِيَ الذَّرَّةُ، فَهَلْ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَخْلُقُوا ذَرَّةً مَعَ صِغَرِ حَجْمِهَا؟! وَلَكِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَخْلُقُوا مِثْلَهَا بِمُكَوِّنَاتِهَا وَحَوَاسِّهَا مِنَ الشَّمِّ وَالإِبْصَارِ وَالمَشْيِ وَالتَّزَاوُجِ، وَبَاقِي خَصَائِصِهَا، وَأَهَمُّهَا الرُّوحُ، فَهِيَ حَيَوَانٌ صَغِيرٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ غَرَائِبَ وَعَجَائِبَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ قُدْرَةٌ فَالسَّاحَةُ مَفْتُوحَةٌ لَكُمْ، وَالفُرَصُ مُتَاحَةٌ لَكُمْ.

 

وَلْيَقْبَلُوا التَّحَدِّي الثَّانِي، بعد ان عَجَزُوا عَنْ خَلْقِ حَشَرَةٍ، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةَ قَمْحٍ لَهَا خَاصِّيَّةُ الإِنْبَاتِ، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةَ شَعِيرٍ.

 

عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ لَهَا خَصَائِصُ لَا يَسْتَطِيعُهَا العِبَادُ؛ لِأَنَّ الحَبَّةَ إِذَا غُرِسَتْ فِي الأَرْضِ فَلَقَهَا اللَّهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ [الأنعام: 95]، وَلَوْ تَأَمَّلْتَ فِي كُلِّ مُنْتَجَاتِ العَالَمِ مِنْ مَأْكُولَاتٍ وَمَشْرُوبَاتٍ، لَوَجَدْتَهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَجَمِيعُ هَذِهِ المُنْتَجَاتِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُكَوِّنَاتِهَا، إِمَّا المَاءُ، وَإِمَّا النَّبَاتُ، وَإِمَّا الحَيَوَانُ، وَهَذَا لَأَمْرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، بَلْ تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73] وَاعْلَمْ أَنَّ الذُّبَابَ لَمَّا كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ احْتَجَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى إِبْطَالِ قُدْرَةِ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَهُمْ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذِهِ الأَصْنَامَ وَإِنِ اجْتَمَعَتْ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى خَلْقِ ذُبَابَةٍ عَلَى ضَعْفِهَا وَأَنْتُمْ مَعَهَا، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالعَاقِلِ جَعْلُهَا مَعْبُودًا؟! وَإِذَا اسْتَحَالَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْلُقُوا الذُّبَابَ حَالَ اجْتِمَاعِهِمْ، فَكَيْفَ حَالَ انْفِرَادِهِمْ؟!

 

وَمِنْ عَجَائِبِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ بِالنَّفْيِ فِي المُسْتَقْبَلِ، فَلَمْ يَقُلْ: ﴿ لَمْ يَخْلُقُوا ﴾، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿ لَنْ يَخْلُقُوا ﴾، فَالنَّفْيُ هُنَا لِلتَّأْبِيدِ، فَهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا فِي المَاضِي، وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا فِي الحَاضِرِ، هَذَا تَحَدٍّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، تَحَدِّ لِجَمِيعِ الخَلْقِ -بِمَنْ فِيهِمُ المَهَرَةُ وَالمُهَنْدِسُونَ وَالخُبَرَاءُ- أَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا، وَلَا يَزَالُ التَّحَدِّي قَائِمًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

 

ثُمَّ تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ بِمَا هُوَ أَقَلُّ، وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ أَيْضًا، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ﴾ [الحج: 73]، فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- انْتَقَلَ بِهِمْ إِلَى تَحَدٍّ آخَرَ، فَتَرَكَ أَمْرَ الخَلْقِ وَالإِيجَادِ، وَتَحَدَّاهُمْ فِيمَا هُوَ أَسْهَلُ مِنْهُ، وَهُوَ اسْتِرْدَادُ مَا أَخَذَهُ الذُّبَابُ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الذُّبَابَ إِنْ سَلَبَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى اسْتِنْقَاذِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْهُ، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُعِيدَ مَا أَخَذَ  الذُّبَابُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ جَسَدِهِ، أَوْ جَنَاحَيْهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ خُرْطُومِهِ؟! لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْتَرِدَّ مَا تَأْخُذُهُ الذُّبَابَةُ، فَالخَلْقُ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، فَالذُّبَابُ ضَعِيفٌ، وَمَنْ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ - سَوَاءٌ كَانَ بَشَرًا أَمْ حَجَرًا - ضَعِيفٌ، وَجَمِيعُ الخَلْقِ ضُعَفَاءُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ ذُبَابَةً، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْتَرِدُّوا مَا أَخَذَهُ الذُّبَابُ مِنْهُمْ، فَغَالِبُ البَشَرِيَّةِ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 74]، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً مَا عَرَفُوا لِلَّهِ قَدْرَهُ، وَلَوْ عَرَفُوا ذَلِكَ مَا عَبَدُوا غَيْرَهُ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الخَالِقَ هُوَ اللَّهُ، لَا خَالِقَ غَيْرُهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾، فَالخَلْقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ، هَذِهِ بَدَاهَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا يُنَازِعُ فِيهَا إِلَّا مُكَابِرٌ، وَمَا أَحَدٌ ادَّعَى أَنَّهُ خَلَقَ شَيْئًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَلَا مِنَ الأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ، فَلَوِ ادَّعَاهُ أَحَدٌ لَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الكَوْنِ، بِأَنْ يُؤَخِّرَ مَغِيبَ شَمْسٍ أَوْ يُعَجِّلَ شُرُوقَهَا، فَيَحْرِمَ مِنْهَا قَوْمًا وَيُظْهِرَهَا عَلَى قَوْمٍ، وَالتَّحَدِّي قَائِمٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فِي الحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ، فَعَمَلِيَّةُ الخَلْقِ مُسْتَحِيلَةٌ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، فَعَلَيْنَا عِبَادَ اللَّهِ أَنْ نُعَظِّمَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَنُجِلَّهُ وَنُوَقِّرَهُ، وَنَخْشَاهُ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

عِبَادَ اللَّهِ: لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُضَاهِيَ خَلْقَ اللَّهِ، مَهْمَا بَلَغَ مِنَ العِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ، فَانْظُرُوا إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَالَّتِي لَا يُمْكِنُ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ - الإِنْسِ وَالجِنِّ - أَنْ يَصِلُوا إِلَى جُزْءٍ مِنْهَا! وَأَمْعِنُوا النَّظَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ [الملك: 19]، (صَافَّاتٍ) أَيْ: بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتَهُنَّ فِي الجَوِّ عِنْدَ طَيَرَانِهَا، (وَيَقْبِضْنَ): وَيَضْمُمْنَهَا إِذَا ضَرَبْنَ بِهَا جُنُوبَهُنَّ.

 

وَقَالَ: (وَيَقْبِضْنَ)، وَلَمْ يَقُلْ: (وَقَابِضَاتٍ)؛ لِأَنَّ الطَّيَرَانَ فِي الهَوَاءِ كَالسِّبَاحَةِ فِي المَاءِ، فَالطَّيْرُ يُرَفْرِفُ بِأَجْنِحَتِهِ فِي الهَوَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ، وَلَيْسَ لِلْأَجْنِحَةِ أَيُّ دَوْرٍ فِي الحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَسْطِهَا أَوْ قَبْضِهَا تَظَلُّ مُعَلَّقَةً لَا تَسْقُطُ، وَلَيْسَتِ العِبْرَةُ بِالأَجْنِحَةِ، إِذْ لَوْ كَانَتِ العِبْرَةُ بِالأَجْنِحَةِ لَوَجَدْنَا حَيَوَانَاتٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ وَلَكِنْها لَا تَطِيرُ كَالإِوَزِّ! وَإِنَّمَا حِفْظُهَا مِنَ الوُقُوعِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَآيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي حَفِظَهَا مِنَ السُّقُوطِ، فَجَعَلَهَا حُرًّةً طَلِيقًةً لَا يَجْذِبُهَا شَيْءٌ إِلَى الأَرْضِ وَلَا إِلَى السَّمَاءِ، تَرْتَفِعُ إِذَا أَرَادَتْ الِارْتِفَاعَ، وَتَنْزِلُ إِذَا أَرَادَتْ، وَالعَجِيبُ أَنَّكَ تَرَى الطَّيَرَ مَادًّا جَنَاحَيْهِ دُونَ حَرَكَةٍ لَا يَقَعُ وَلَا يَطِيرُ! فَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الَّذِي أَمْسَكَهُ مِنَ الوُقُوعِ، وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَلَّا تَقَعَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَالأَمْرُ كُلُّهُ قَائِمٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11].

 

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ [الملك: 19]؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَعَ ثِقَلِهَا وَضَخَامَةِ أَجْسَامِهَا لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهَا فِي جَوِّ الهَوَاءِ إِلَّا بِإِمْسَاكِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ عِبَادَةَ التَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ مِنَ العِبَادَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَهَّدَهَا المُؤْمِنُ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا حَاضِرَةً فِي حَيَاتِهِ، حَتَّى يَزْدَادَ تَعْظِيمُهُ لِلَّهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

 

الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ» رواه مسلم. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • زينة الثياب وتغيير خلق الله
  • هذا خلق الله
  • خلق الله الإنسان لحكمة ولم يخلقه عبثا
  • هذا خلق الله (خطبة)
  • هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه
  • هذا خلق الله: دموعنا بين الخلق والتسخير من غدة الدمع إلى الحلقوم
  • تأملات في خلق الله
  • التفكر في عجائب خلق الله جل جلاله
  • الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله
  • التفكر في خلق الله
  • تحريم تغيير خلق الله
  • صفة الخلق لله تعالى

مختارات من الشبكة

  • الإسلام دعا إلى تأمين معيشة أهل الذمة من غير المسلمين عند العجز والشيخوخة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأسرة الحديثة بين العجز عن التزويج والانقراض الصامت(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تحريم إبرام اليمين وتوكيدها ممن يَعلم عجزَه أو كذبه فيها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيمة التنبؤية للتفكير الكارثي من خلال العجز المتعلم ووجهة الضبط والتحصيل الدراسي لدى الطالبات الموهوبات وغير الموهوبات بالمرحلة الثانوية بمكة (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الإعجاز العلمي في القرآن بين الإفراط والتفريط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • التفاف الرعية بالراعي ونبذ الفرقة والشقاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سنة التدافع وفقهها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من تجالس؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/5/1447هـ - الساعة: 15:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب