المحطة الحادية والعشرون: الانضباط الذاتي

المحطة الحادية والعشرون: الانضباط الذاتي

«القادة العظماء لديهم دائمًا الانضباط الذاتي»

جونسي ماكسويل

يُعد الانضباط الذاتي والسيطرة على النفس من أهم الأمور نحو الاستمرار على الشخصية الإيجابية؛ يقول الحكيم الصيني: البعض يعبر الحياة كالطفل قَلب صفحات الحياة مقتنع أنه يقرأ عبور سطحي دون أن يواجه أو يتفاعل، قلب مرتجف عن تحمل المسؤولية، وعقل لا يغوص في أعماق التجارب، يريد عبور الأزمات دون أن يتعايشها، كيف ننمي الانضباط الذاتي؟ نحن غالبًا منضبطون في تكوين العادات السلبية؛ مثل: التدخين والأكل بشراهة والغضب، ولكن هناك آخرون إيجابيون يستخدمون قوة الانضباط في تحسين العلاقة مع الله، وتحسين مستوى المعيشة، أو تحقيق الأهداف، وجعل الحياة أسعدَ وأفضلَ؛ يقول "زيج زيجلار": يفشل الناس كثيرًا ليس بسبب نقص القدرات، وإنما بسبب نقص في الالتزام والانضباط.

ما تعريف الانضباط الذاتي؟

هو التدريب والسيطرة على النفس وعلى التصرفات غالبًا، بهدف التحسين والتطوير الشخصي، ويتكون الانضباط الذاتي من ثلاث مهارات، فعندما ترتفع هذه المهارات لديك ترتفع قدرة الفرد على المسؤولية، فهناك شخصيات اتكالية على الآخرين بسبب عدم القدرة على اتخاذ القرار، أو أنه كسول أو أنه مزاجي، أو قَلِق أو تبريري، فالانضباط يزيل أخطاءَنا، ويعدِّلها ويستبدل بها عادات إيجابية نافعة.

في يوم من الأيام سُئل "إسكندر هاملتون" - وهو من الأدباء المعروفين -: هل تعتقد أنك عبقري كما يقول الناس عنك؟ فأجاب هاملتون: تتلخص العبقرية التي يَنسبها البعض لي في أنني حينما أصادف مشكلة أتعمَّق في دراستها وتحليلها، ثم أجعلها ماثلة أمامي ليلًا نهارًا حتى يستوعبها ذهني، ومن خلال الانضباط والاستمرارية، أكشف عن نواحيها الغامضة، ثم يعجب الناس بالنتائج التي وصلت إليها ويقولون: إنها ثمرة العبقرية، بينما الحقيقة أن العبقرية ثمرة الجهد الشاق المنضبط والتفكير العميق.

ويقول "توماسأديسون": إن العبقرية (1%) إلهام و(99%) تعرُّق وجهد مُنضبط، الجميع يمتلك في داخله هذه القدرة، وبالتدريج في بناء عضلة الانضباط سنجد أنفسنا متجهين لحياة مليئة بالسعادة والصحة والنجاح؛ يقول "كونفوشيوس": الرجل السامي يتواضع في كلامه، ويُكثر في الفعل، فالانضباط هو الطريق إلى ظهور النتائج، الانضباط يساعدنا على وضع قدراتنا وخبراتنا ومهاراتنا بشكل يومي في خدمة أهدافنا.

عزيزي القارئ جعل الله البشر متساوين في أشياء أساسية؛ مثل: اليوم (1440) دقيقة الجميع يمتلكها، الحواس الخمسة لدى الجميع ومن لديه فِقدان لحاسة معينة عوَّضه الله بالمضاعفة في حاسة أخرى يُدركها القليل، الفكر بمعنى القدرة على التفكير مع تفاوُت العقول، والحركة والطاقة بمعنى القدرة على الحركة والسعي، واستهلاك الوقت مع الحواس والفكر نحو رؤيتنا في الحياة بإصرار وانضباط، وهناك من الناس مَن يستخدم كلَّ ذلك نحو السلبية والعشوائية، ومن خلال التقييم الجيد وتعديل مسار كلِّ فرد والعمل الدؤوب، والانضباط الذاتي - يستطيع الفرد تحقيق ما يريد، والاستمرار على طريق الخير والإيجابية كما يريد.

يقول "جوته": المعرفة وحدها لا تكفي، لابد أن يصاحبها التطبيق والفعل وبذل الجهد؛ مثال على ذلك: رجل يمتلك بيتًا جميلًا بداخل هذا البيت أفضل الأجهزة الكهربائية، ولكن بداخل هذا البيت خلل لا يوجد به تيار كهربائي، فكِّرمعي: ما قيمة هذه الأجهزة بدون كهرباء؟ هكذا الإنسان لا فائدة عندما يمتلك أعظم المعلومات ويتعلم أفضل العلوم بدون تطبيق وعمل وانضباط على ذلك؛ ليحقق أعلى الإنجازات، ويصل إلى ما يريد، لذلك يقول "ابن القيم": أجمع عقلاءُ كلِّ أُمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم، نحتاج إلى جهد وعملٍ وانضباط.

ما التوصيات العملية التي تساعدنا بإذن الله في تنمية عضلة الانضباط الذاتي؟

1- مراقبة الذات: وهي عملية انتباه مقصود ومتعمَّد من الفرد لجوانب سلوكه، ببساطة أن يكون يقظًا لجميع سلوكياته، وأن يكون مراقبًا لنتائجه، وإلى أين يصل؟ وأن ينمي التفكير ما وراء المعرفي، وهو نوعٌ من أنواع التفكير العليا لدى الإنسان، يعرفه علماء النفسبأنه: قدرة الفرد على أن يفكِّر في تفكيره ومراقبته، وأن يوجِّه هذا التفكير، وأن يسأل نفسه: هل لدي فَهْمٌ واضح لما أفعله؟ هل حقَّقت جزءًا من أهدافي التي أريد أن أصل إليها؟ هل يجب عليَّ إدخال بعض التغييرات؟

2- تقويم الذات: أن يقيِّم الإنسان تقدُّمه كلَّ فترة، وأن يتأكد كلَّ يوم أنه قام بأفضل ما لديه، ثم وضع الخطوات الجديدة لإحراز التقدم الذي يريده.

3- تعزيز الذات: أن نعطي مكافأة لأنفسنا من حين ﻵخر عندما نجد أنفسنا أكثر انضباطًا واستمرارية، وتكون المكافأة عن طريق شيء أنت تُحبه بوصفه ترفيهًا معينًا، أو تدليلًا للذات، فهذا يساعد على تعزيز السلوكيات واﻷفعال التي يريد الالتزام عليها.

أخيرًا: المنضبط يصل ولو بعد حين، المستمر يصل وينتصر، في النهاية الانضباط الذاتي مُقوم مهم للاستمرار على اﻹيجابية.