من مآسي الزواج السري

من مآسي الزواج السري

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فقد يحتاج بعض الرجال إلى زوجة ثانية؛ إما لعلة صحية بزوجته، أو لزيادة الاستعفاف، أو لرغبة في الذرية، أو لغير ذلك من الأسباب المشروعة، وهذا كله لا إشكالَ فيه ما دام الزوج قادرًا على متطلبات الزواج الثاني من عدل ونفقة وغيرها، لكن الإشكال هو فيما يفعله البعض من اللجوء للزواج سرًّا خوفًا من رَدة فعل قوية من الزوجة الأولى قد تنتهي بتشتيت البيت، ونظرًا للمآسي الكثيرة التي حصلت وتحصُل من مثل هذه الزواجات، وقد وصل إلى علمي العديد منها أحببتُ التعريج على هذا الموضوع بيانًا لحكمه الشرعي، ولأسباب اللجوء له، ولآثاره المستقبلية على الزوج وعلى كلا الزوجتين، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: الأصل الشرعي هو إعلان الزواج والإشهاد عليه، لا جعْله سرًّا لا يعلم به أحدٌ لما يترتَّب على هذه السرية من مشاكل على الأسرتين وعلى الورثة.

وإعلان النكاح بمعنى الإشهاد عليه واجبٌ عند جمهور العلماء، بل هو شرط من شروط صحة النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدلٍ)؛ رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

ثانيًا: إخفاؤه عن الزوجة الأولى لا بأس به من الناحية الشرعية، لكن يُشكل على ذلك أنه لا بد من العدل بينهما في البيتوتة، إلا أن تسقط الثانية حقها في ذلك.

ثالثًا: من خلال قصص حقيقية تَم عرضها عليَّ تتضمن إخفاء الزواج من ثانية عن الأولى، وجدت أن الغالب أن الأولى تعلم ولو بعد حين بهذا الأمر، وتنقلب على زوجها انقلابًا شديدًا، وتطالبه بأحد أمرين؛ إما تطليق الثانية أو تطليقها هي، وتُكثر عليه الكلام والجدال، وتنغِّص عليه حياته بافتعال المشاكل والتهديد والوعيد، حتى يسأم الزوج ويعجِز عن تحمُّل هذا الإزعاج المنغص جدًّا، والغالب أنه يطلق الثانية إرضاءً للأولى، ولأنها أم أولاده، وأحيانًا يطلق الأولى؛ لأنه وجد عند الثانية مالم يجده عند الأولى من السكن والمودة والرحمة والاستعفاف، أو لأنها كسبت قلبه بحُسن خلقها وخدمتها، أو يطلق الأولى؛ لأنها كرهته كرهًا شديدًا بعد ما عدَّد عليها، ولم تُعد تطيق الحياة معه.

رابعًا: كل ما سبق من أسبابه الآتي:

١- مخالفة الشرع بالزواج سرًّا هربًا من المشاكل المتوقعة مع الأولى، وما نتج عن ذلك من إخلال بحقوقهما أو حقوق إحداهما.

٢- ضعف شخصية الزوج وعدم قدرته على الصمود أمام المشاكل، وعدم قدرته على العدل،

وهذا السبب هو من الأسباب الرئيسة للزوج سرًّا، ولعدم الاستمرار في الزواج.

خامسًا: إليكم هذه النماذج لمآسي الزواج سرًّا التي وقفت عليها بنفسي أو سمعتها من أصحابها مباشرة:

الأولى: رجل تزوج سرًّا من زوجة من إحدى الدول، وكان محتاجًا لذلك جدًّا للاستعفاف، وبقي خمسة عشر عامًا في سعادة لا توصف، وبعدها علمت الأولى قامت قيامتها وضايَقت زوجها جدًّا، إلا أن أجبرته على تطليق الثانية وتسفيرها لبلدها.

القصة الثانية: رجل تزوج سرًّا وبعد أشهر علمت الأولى، فغضبت غضبًا شديدًا وطالبت بالطلاق، ورمت الأطفال على الزوجة الثانية، فلم تحتمل الثانية الوضع، وطلبت الطلاق أيضًا، وبَقِيَ بعدها سنوات بدون زواج؟

القصة الثالثة: رجل تزوج سرًّا وبعد سنوات علمت الأولى، فنغَّصت على زوجها حياته، وطالبت بشدة بالطلاق، فطلق الثانية على أمل أن تصلح الحال مع الأولى وتعود كما كانت.

القصة الرابعة: رجل تزوج سرًّا بعقد شفوي غير موثَّق، وبعد الزواج بفترة ليست طويلة توفي رحمه الله، فجاءت تطالب بحقها في الميراث، فقالوا: لا نعرفك ولا نعلم أنك زوجة لأبينا، وليس معك ما يثبت ذلك، فليس لك حق عندنا.

القصة الخامسة: رجل تزوج من ثانية وفي صباح زواجه، ذهب للأولى يتفقد أحوالها ويواسيها، فجعلت تبكي وتقول: كيف تزوجت علي؟ هل قصَّرت معك؟

كيف نسيت عشرتنا الطويلة الجميلة؟ ولأنه رقيقُ القلب والعاطفة لها شارَكها الألم والبكاء، ثم طلق الثانية؟

والخلاصة هي أني أنصح من كان محتاجًا للزواج من ثانية بالأمور التالية:

الأول: أن ينظر أولًا في قدرته على العدل والإنفاق.

الثاني: ثم يسلُك المسالك الشرعية من إعلان للزواج وإشهاد عليه وتوثيق له.

الثالث: أن يكون مقصده حسنًا، وأن يتقي الله في كلا الزوجتين، فلا يرضي إحداهما على حساب ظلم الأخرى.

الرابع: أنصَح من يعلَم من نفسه ضعفَ الشخصية وعدمَ القدرة على العدل، وضعفَ القدرة على الصمود أمام مشاكل النساء، ألا يُقدم على التعدد حتى لا يقَع في الظلم.

خامسًا: ولابد من الاستخارة كثيرًا؛ لأن الأمر مهم جدًّا، ويترتب عليه إما سعادة للزوج وللزوجتين، وإما نكد ومشاكل لهم جميعًا أو لأحدهم.

سادسًا: ولابد من حسن الاختيار؛ لأن البعض يستعجل في اختيار الثانية؛ مما قد يسبب مشاكل وعدم استقرار، ثم الطلاق.

سابعًا: أعود لما ذكرته من ضرورة حسن القصد من الزواج حتى يُبارك فيه؛ لأن البعض قد يتزوج الثانية بنية تأديب الأولى، ويقول: إذا تأدبت طلقت الثانية، وهذا تلاعب بالزواج وظلمٌ.

ثامنًا: البعض يلجأ لزواج المسيار سرًّا، وزواج المسيار جائزٌ إذا توفرت فيه شروط النكاح الصحيح، لكن الإشكال فيه أنه لا تتوفر فيه مقومات وأهداف نجاح الزواج الشرعية، وهي المودة والسكن   والرحمة والاستعفاف الصحيح التي قال عنها سبحانه ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

ولذا الغالب أن مدة زواج المسيار قصيرة تنتهي بانتهاء الغرض منه، أو باكتشاف الزوجة الأولى له،

حفِظكم الله ووفَّقكم للعدل وأجاركم من الظلم.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.