المرأة والتعدد

المرأة والتعدد

حدثتني إحداهن وكأن صوتها مكروب، وكأن حزن الدنيا اجتمع عليها بأسره، فبدأت أهدئ من روعها وأذكِّرها بالله، ثم بدأتْ كلامها فقالت: حياتي تدمرت، أنا أموت في كل لحظة وحالتي الصحية تسوء يوماً بعد يوم، وأهملت نفسي وأهملت بيتي وأولادي.

فقلت بداخلي والأفكار تراودني والحيرة تملأ كياني: أي ابتلاء هذا الذي وقعت فيه؟

هل فقدت أحد الأحبة؟ هل ابتليت بداء ليس له دواء؟

وما زالت تخبرني بسوء أحوالها حتى قطعت كلامها:

- ماذا حدث لك أختي حتى تنقلب حياتك رأساً على عقب بهذه الطريقة؟!

وكانت الإجابة:

- زوجي الذي أحبه تزوج علي..

وهنا صمتُّ قليلاً وتذكرت أهل الابتلاءات، ودار في ذهني سؤال: ماذا لو ابتلاها الله بأكبر من هذا؟

وأنا والله لا أقلل أبداً من هول الأمر ولا أقلل من حزن المرأة وألمها حين يتزوج زوجها عليها..

لكن ما عجبت منه: لماذا تهدم المرأة نفسها وتهمل بيتها بهذه الطريقة؟ لماذا لا تتعامل مع الموقف بحكمة؟

أختي، يا من تزوج زوجك عليك، أأنت أفضل من عائشة رضي الله عنها حين تزوج عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أحب نسائه إليه؟

أختي، أيهما أفضل: أن يتزوج عليك زوجك ويعيش في الحلال أم يقيم علاقات نسائية في الحرام؟!

أنا لا أطرح موضوع التعدد لكي أقول اذهبي وزوّجي زوجك، لا والله ما لهذا كتبت، إنما أنا أخاطب تلك التي تزوج عليها زوجها بالفعل كيف تتصرف وكيف تتخطى الصعوبات والآلام؟؟

كيف تداوي جرحها وكيف تصبر وترضى حتى يرضيها الله تبارك وتعالى ويهون عليها.

أولاً: فلتعلم كل امرأة جيداً أن التعدد هو شرع الله عز وجل وشرعه لحكم جليلة وسامية، ولسنا بصدد ذكرها الآن حتى لا نطيل ونخرج عن نطاق حوارنا، لكن التعدد يدور حكمه مع الأحكام التكليفية الخمسة.

وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - عن كراهية تعدد الزوجات فقال: من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد أفضل فهو كافر مرتد عن الاسلام لأنه ونعوذ بالله منكر لحكم الله.

ووضح الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه، لا كراهته من حيث أمر الشارع به ولكن كراهته من حيث الطبيعة، أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا وانشراح الصدر به.

ومن هنا يتضح لنا أنه لا حرج إذا كرهت النفس وجود الضرة، أما كراهية مشروعية التعدد أو الظن بأنه ظلم للمرأة فهذا كفر واعتداء في حق الله تبارك وتعالى.

ثانياً: المرأة التي تطلب من زوجها الطلاق لأنه تزوج عليها فإن كانت لا تطيق بحال العيش مع زوجة أخرى فلها أن تختلع، وإن كانت تستطيع العيش لكنها تجد ألماً وتضيق بذلك فالواجب عليها أن تصبر ابتغاء وجه الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة.

وهذه الأحكام ينبغي لكل امرأة أن تعلمها جيداً حتى لا تأخذها الغيرة ويعصف بها حزنها إلى ما لا يحمد عقباه.

ثالثاً: أختي يا من تزوج زوجك عليك، أعلم ألمك وحزنك وغيرتك، وهذه فطرة النساء ولا ألوم عليك ذلك إطلاقا، إنما ألوم عليك أن هدمت بيتك وأهملت أولادك ونفسك

حبيبتي، الحياة لن تنتهي ولن تتوقف لذا عليك أن تتأقلمي مع الوضع الجديد، فعليك أن تتقي الله في نفسك وفى زوجك وفى ضرتك!!

نعم لا تسيئي معاملتها وإن كرهتِها، لا تظلميها فلربما كانت في يوم أقرب إليك من أختك، وهذا بالفعل حدث، فقد حكت إحدى الأخوات أنها مرضت مرضاً شديداً، والتي خدمتها وقامت على رعايتها ليست أمها ولا أختها إنما كانت ضرتها وكانت بينهما محبة شديدة!

فسبحان الله، قد تكرهين اليوم شيئًا ويصبح غداً فيه خير كثير.

رابعاً: استعيني بالله واصبري ابتغاء وجهه تبارك وتعالى، فمن استعان بالله أعانه وهداه، واعلمي أن قدر الله كله خير ولو خفى عليك ذلك.

خامساً: احسبي المصالح التي تعود عليك من زواج زوجك، فلا تنظري إلى نصف الكوب الفارغ فقط، بل انظري إلى النصف المليء أيضاً حتى يغمرك الرضا. ومن هذه المصالح: أن أعباء زوجك تخف عليك، وسيصبح لديك وقت أكبر تستطيعين إشغاله في طاعة الله التي ربما قصرت فيها بسبب المشاغل، وكذلك تستطيعين المواظبة على حضور دروس العلم وحلقات القرآن، وتستطيعين الاهتمام بنفسك أكثر وتطوير ذاتك.

سادساً: تذكري الغاية التي من أجلها خلقت؛ لتهون على نفسك، قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

فالدنيا ما كانت ولن تكون دار هناء، بل هي دار اختبار، من عاش فيها سعيداً فلن تنفعه سعادته في الآخرة إن كان فيها شقيًّا، ومن عاش فيها حزيناً فلن يضره حزنه إن كان في الآخرة ناجياً.

فما كملت الدنيا لأحد، ولو كملت لكان الأنبياء والرسل هم أَولى الناس بذلك، لكنهم أشد الناس بلاءً، وهكذا الصالحون دائماً يبتليهم الله ليرفعهم وليعلي درجاتهم.

واسأل الله أن يهدينا إلى ما فيه صلاحنا وأن يلهمنا الرشد والصواب في أمورنا إنه ولى ذلك والقادر عليه.