• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من أقوال السلف في الصيام
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تنبيه الصائمين بالعناية بالمساجد وكتاب رب ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    أهلا ومرحبا برمضان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر
    السيد مراد سلامة
  •  
    لا تر الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصيام وأقسامه
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    أعظم سورة في القرآن
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    أحكام الدية (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    من صفات عباد الرحمن: قيام الليل (خطبة)
    محمد بن أحمد زراك
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    منهج الإمام يحيى بن سعيد القطان في توثيق الرواة ...
    أ. د. طالب حماد أبوشعر
  •  
    جذور طرائق التدريس الحديثة في الهدي النبوي ...
    هبة أحمد مصطفى
  •  
    حديث: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    { أياما معدودات }
    د. خالد النجار
  •  
    أنواع الصبر
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    خميس النقيب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد
علامة باركود

التوكل على الله (خطبة)

التوكل على الله (خطبة)
حسن عبدالرحمن عبدالحافظ عثمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/11/2022 ميلادي - 10/4/1444 هجري

الزيارات: 4355

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التوكل على الله


إنَّ الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


فأفضل الأعمال شرفًا وثمارًا وآثارًامعرفة الله عز وجل؛ فهي أصل الدين وأساس الهداية، وأفضل ما اكتسبته القلوب، وحصلته النفوس، وأدركته العقول، فالإيمان بالله ومعرفة أسمائه وصفاته، وإثبات حقائقها، وتعلق القلب بها - هو مبدأ الطريق ووسطه وغايته، وهو روح السالكين، وحاديهم إلى الوصول، وهو الذي يحرك عزماتهم إذا فتروا، ويثير هممهم إذا قصَّروا.


ومن أعظم أسماء الله عز وجل التي يفتقر العباد إلى معرفتها وإثبات حقيقتها وافتقارهم لأنْ يُعلِّقوا قلوبهم بها في هذه الأوقات التي اشتدت فيها الأزمات، وتوالت النكبات، وضاقت على الناس دنياهم، وتكالبت على قلوبهم الهموم والغموم والكروب - هو اسم الله "الوكيل، والكفيل".


قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فما من عبدٍ من عباد الله إلا ويكتنفه العجز، ويحيط به الضعف، وتشمله الحاجة؛ فتتجلى للعبد في حال ضعفه وفقره ومَسْكنته حاجتُه لمن يتوكل عليه، ويكِل الأمور إليه، تتجلى حاجته لركن شديد يلجأ إليه ويعتمد عليه، فيعتمد في أموره كلها على خالقه ورازقه ومدبر أموره، وهذا الاعتماد هو وكالة منه لرب العالمين.


والوكيل من وكل إليه الأمر؛ أي: ترك له الأمر وسلمه إليه؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين)).


والتوكل على الله تعالى والاتكال عليه هو الاعتماد عليه تعالى، وتفويض الأمور إليه، وترك تدبير النفس، والانخلاع من الحول والقوة.


والوكيل هو الكافي، الذي يكفي العباد ما أهمَّهم من أمور دنياهم ويكفيهم أمر عدوهم؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ أي: كافينا الله ونعم الكافي.


والوكيل هو الكفيل الذي تكفَّل بأرزاق العباد وأمورهم، والكافل هو العائل؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]؛ أي: أوكل أمرها إلى زكريا عليه السلام يقوم على رعايتها وتربيتها والإنفاق عليها.


وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة))؛فكافل اليتيم هو القائم بأمره، المربي له.


والوكيل هو الحافظ الذي يحفظ العباد؛ قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 81]؛ أي: توكل عليه وفوِّض أمرك إليه؛ فهو كافيك، وحافظك، ووليك، والمدافع عنك، وناصرك.


وقال تعالى في حقِّ المؤمنين الأوائل: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].


عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173])).


فمن صدق الإيمان أن يتيقن المؤمن أن الله هو كافيه ما أهمَّه وألمَّ به، فمن انتصر بالله نصره الله عز وجل، ومن توكل على الله فهو حسبه.


فمن ذا الذي سأل الله تعالى فلم يعطِه، ودعاه فلم يجِبه، وتوكل عليه فلم يكْفِه، ووثق به فلم ينجِّه؟


عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا)).


عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)).


قال الحافظ ابن حجر: "من صحَّ توكله، تكفَّل الله بنصره وعونه".

فإذا ألمَّ بك كرب فاهرع إلى الله عز وجل، إذا أصابك مكروه ففِرَّ إليه، والزم بابه، واعتصم به.


عند نزول المصائب وحلول الكرب؛ أمرنا تعالى أن نقول: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].


وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)).


وفي سنن أبي داود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)).


فالله عز وجل هو القائم بأمر الخلائق كلهم، المتكفل بأقواتهم وأرزاقهم، والمدبر لأمورهم، ورعاية مصالحهم، وهو الذي خلق الأرزاق والمرزوقين، وخالق الحاجات والمحتاجين، وهو الذي توكَّل بحياة الخلائق كافة، فما من مخلوق إلا وهو متمتع برزقه تعالى، مغمور بكرمه، لا يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًّا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي، فهو المتكفل بالأقوات وإيصالها، بحيث يأخذ كل كائن نصيبه؛ قال تعالى: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 20].

وهو الكفيل بكل ما يدعونه
لا يعتري جدواه من نقصانِ
وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل
بحفظهم من كل أمر عانِ

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فالتوكل على الله عز وجل والاستعانة به نصف الدين؛ فالدين نصفه عبادة، ونصفه استعانة؛ قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فالله عز وجل ابتلى العباد في عبادته، والاستعانة به، من الذي يعبده حق عبادته؟ ومن الذي يستعين به حق الاستعانة؟


وأكثر الناس إنما أُوتوا من هاتين الجهتين؛ إما نقص في العبادة، وإما نقص في الاستعانة.


فإذا نزلت بهم نازلة أو ألمَّت بهم مصيبة، أو أصابهم كرب، إما أن يفقدوا العبودية لله، أو جزءًا منها، ويفقدوا الاستعانة بالله، والتوكل عليه، وتفويض الأمور إليه.


فكثير من الناس فقدوا معنى التوكل على الله وتفويض الأمور إليه، واللجوء إليه عند الشدائد، فتراهم يتخبطون، ويضطربون، ويخافون، ويجبنون، ولا يستطيعون لأمورهم تصريفًا، ولا حتى الأخذ بالأسباب الشرعية الأخذ الصحيح.


ولو علم العباد أن نجاتهم في التوكل على ربهم، لأراحوا وارتاحوا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ فهو يكفيه.


وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 64]؛ يكفيك الله، ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]؛ يعني: يكفيك، ويكفي من اتبعك من المؤمنين، فالله عز وجل كافيك، وكافي أتباعك يا محمد صلى الله عليه وسلم.


فالحافظ هو الله، والناصر هو الله؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 81].


أيها الناس: إن ما نعانيه هذه الأوقات الصعبة التي تمر بالناس يستلزم منا أن نعود إلى الله، وأن نلجأ إليه ونتوكل عليه، وما صار حالنا إلى ما نراه الآن إلا بفقد هذه العبادة الجليلة، والركون إلى الأفكار الفاسدة والعقول الزائغة.


ولو أننا إذا نزلت بنا مصيبة، وألمت بنا ملمَّة، لجأنا إلى الله، وتوكلنا عليه، وفتشنا عن حالنا مع الله، لانصلحت الأحوال، وتبدلت الأمور.


فالإعراض والتفريط في أمر الله عز وجل كان ولا يزال سببًا في توالي المحن، وتداعي الفتن، ووقوع الذل والانتكاسة والنكبة، التي من أعظم أسبابها تنكُّب الصراط المستقيم، وترك الأوامر الشرعية، واقتراف المعاصي بأصنافها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

 

قال الامام ابن جرير الطبري: "وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم، ﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30]؛ أي: إنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترحتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم، ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها".


فهذا أمر عظيم، وخطر جسيم ينبغي ألَّا يُستهان به، فكم أهلكت المعاصي من أممٍ! وكم دمرت من شعوب! ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 11]، وأعظم الظلم الشركُ والإلحاد، ثم البدع والمحدثات في الدين، ثم المعاصي الشهوانية؛ يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد".


لما فُتحت مدائن قبرص، وقع الناس يقتسمون السبي، وفُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء تنحى وحده جالسًا، واحتبى بحمائل سيفه فجعل يبكي.


فأتاه جبير بن نفير فقال: يا أبا الدرداء، أتبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الكفر وأهله؟!


فضرب على منكبيه، ثم قال: "ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره! بينا هي أمة قاهرة قادرة ظاهرة على الناس، لهم الملك، حتى تركوا أمر الله عز وجل؛ فصاروا إلى ما ترى".


وقد بيَّن الله عز وجل هذا الأمر بيانًا واضحًا، شافيًا كافيًا في كتابه؛ فقال سبحانه: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].


فالله عز وجل جعل للعبد ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله، خلُّوا عنه.


ثم ساق سبحانه سُنَّة من سُنَنه التي لا تتخلف؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].


فاقتضت سنته أنه سبحانه لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية وخير بضده، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة إلى معصية، ومن جميل إلى قبيح، ومن صلاح إلى فساد.


وإذا أراد سبحانه بقوم سوءًا من عذاب أو هلاك، أو ما يشبههما؛ بسبب إيثارهم الغي على الرشد، فلا رادَّ لقضائه، ولا دافع لعذابه.


وما لهم من دونه سبحانه من والٍ؛ أي من ناصر ينصرهم منه سبحانه، ويرفع عنهم عقابه، ويلي أمورهم، ويلتجئون إليه عند الشدائد.


فالأمر كله لله، وبيد الله، فمنه البدء وإليه المنتهى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • التوكل على الله تعالى
  • التوكل على الله
  • التوكل على الله (بطاقة)
  • التوكل على الله (تصميم)
  • التوكل على الله وفوائده (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • التوكل والأسباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاقتداء بالرسل عليهم الصلاة والسلام في خلق التوكل على الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معنى التوكل على الله وآثاره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوكل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسمه تعالى الوكيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • راحة التوكل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كورونا بين التوكل والتواكل (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عن التوكل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة قيم التوكل وأثرها في مواجهة " كورونا"(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: التوكل على الله(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/9/1444هـ - الساعة: 11:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب