• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مع القرآن في رمضان (1)
    د. علي أحمد عبدالباقي
  •  
    ليلة الجن
    السيد مراد سلامة
  •  
    من آداب الصيام: تبييت النية من الليل في صوم ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    رمضان والخشية وعمارة المساجد والمصاحف (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من سلسلة أحاديث رمضان حديث: تسمعون ويسمع منكم ...
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    الفاتحة وتوحيد الأسماء والصفات
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    صلاة القيام جماعة في المسجد الحرام في خلافة عمر ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    من يرخص لهم الفطر في رمضان
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    حماية جناب التوحيد
    ولاء بنت مشاع الحربي
  •  
    حكم أكل لحم الكلاب
    وحيد بن عبدالله أبو المجد
  •  
    مقدار زكاة الفطر ووقت إخراجها (WORD)
    د. محمود مقاط
  •  
    الفاتحة وتوحيد الألوهية
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    حكم الإكرامية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    الدعاء في رمضان فضله ومكانته (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أحكام صيام رمضان (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: { فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون }
    ساير بن هليل المسباح
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الاجتهاد في الإسلام من خلال قواعده الأصولية العلمية ومقاصد الشريعة الإسلامية

د. محمد معروف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/4/2011 ميلادي - 12/5/1432 هجري

الزيارات: 184112

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاجتهاد في الإسلام من خلال قواعده الأصولية العلمية ومقاصد الشريعة الإسلامية


"مكان الاجتهاد في الإسلام وفي الشرائع الوضعية":

1- الاجتهاد هو المصْدر الرابع من مصادر الشريعة الإسلاميَّة بعد "الكتاب" و"السُّنة" و"الإجماع"، كما هو معروف، ويُعبَّرُ عنه أيضًا باسْم "القياس" أو "العقْل" أو "الرأْي"، باعتبار أنَّ كلاًّ من هذه الثلاثة ما هو إلا أداة من أدوات الاجْتهاد.

 

2- وإذا كان "كولد زيهر" (Goldziher) المستشرق الألماني الكبير، قد أُعْجِبَ كلَّ الإعجاب من كون "الإجماع" الاجتهادي أصْلاً من أصول الشريعة الإسلاميَّة ومصادرها، وعبَّرَ عنه فقال: "إنه ينبوع القوَّةِ التي تجعلُ الإسلامَ يتحرَّكُ ويتقدَّم بكلِّ حريَّة"[1]، فإنه يجدُ بلا شكٍّ في المصْدر الرابع - وهو الاجتهاد - أنَّه العقْلُ الساهر على نموِّ الشريعة وازدهارِها، والذي يطردُ العُقْمَ من قواعدِها وتُهْمة الجمود في طبيعتها"؛ وذلك لما كان للاجتهادِ على اخْتلافِ مذاهبِه في الشريعة الإسلاميَّة مِن رصيد عِلْمي جبَّار لا مَثيلَ له في تاريخ فِكرة الحقِّ ومحتويات مكتباته العلميَّة العالميَّة، ومِن آراءٍ فقهيَّة مُصْلِحَة سامية لا عهْدَ للأممِ الحيَّة بمثلها في تاريخ الإنسانيَّة، ومِن مَذاهب تتحكَّمُ فيها أولاً وآخِرًا قواعدُ العلْمِ والمصلحة الزمنيَّة الشرعيَّة ضِمْنَ مبادئ الحقِّ والعدْل والإنْصَاف، مِن غير تمييزٍ فيها ما بيْن إنسان وإنسانٍ، مَهْمَا اختلفتِ الأجْناسُ والأعْراقُ والأدْيَان.

وذلك كلُّه مما قد تفرَّد به "الاجتهادُ الإسلامي"، وجَعَلَ الشريعةَ الإسلاميَّة تستجيبُ دَوْمًا - وفي كلِّ الأحوال - للحاجات الإنسانيَّة المتطورة مع الأزْمَان.

 

3- هذا ولا تستبينُ أهميَّة "الاجتهاد" في الإسلام، واعتباره مصدرًا أساسًا من مصادر الشريعة الإسلاميَّة، وتفوُّقها به على غيْرها من الشرائع، وخاصة الشرائعَ الوضعيَّة القديمة والحديثة المتطورِّة - إلا باستعراضٍ وَجيزٍ جدًّا لموقفِ هذه الشرائع من الاجتهاد.

 

4- أمَّا الاجتهادُ عند الرومان، فلمْ يكنْ مَعروفًا في العهْد الملَكِي، بل كانتِ الشريعة سرًّا من أسرار الكَهَنَة ورجال الدين، ولم يصبحْ مَصْدرًا مِن مَصادر الحقوق، إلا في حقْبة صغيرة من الزمن، وذلك في عهْد الجمهوريَّة الذي نشأَ بعد انْهيار النظام الملَكِي، ولكن عهْد الإمبراطوريَّة لم يلبثْ أنْ حلَّ محلَّ العهْد الجمهوري، وأخذَ القياصرة فيه بتضييق نِطاق الاجتهاد شيئًا فشيئًا إلى أنْ حصروه في أنفسهم، وقَضوا بذلك عليه نهائيًّا، ولم يبقَ منه - وخاصة منذ تقنين "جوستنيان" - إلاّ ما كانَ من بابِ "الشرْح للنصِّ القانوني والحمْل عليه"؛ مما أصبحَ أساسًا جرَت عليه الطريقةُ التقليديَّة في الحقوقِ الحديثة في القرْن التاسع عشر.

 

5- غيْر أنَّ علماءَ الحقوق الحديثة قد أخذوا في مَطْلع القرْن العشرين يَشْعرون بفَسَاد الطريقة التقليديَّة، التي دَرَجَ عليها علماءُ القانون حتى أواخر العصْر التاسع عشر، والتي كانوا يعتبرون بموجبِها الحقوقَ المكتوبة - أي القوانين - هي وحدَها المصدر الأول للكشفِ عن كلِّ حُكْمٍ حقوقيٍّ ضروريٍّ لحاجات الحياة الاجتماعيَّة. وهكذا فقد قال أصحابُ الطريقة التقليديَّة حولَ مدوَّنة "نابليون" وما تَبِعها من القوانين: "إنَّ التشريع الرسمي يكفينا وحدَه للكَشْفِ عن جميع الأحْكَام الحقوقيَّة الضروريَّة لحاجات الحياة الاجتماعيَّة"[2]، وكانَ مِن أبطالِ هذه الطريقة التقليديَّة عميد كلية الحقوق في باريس الأستاذ "بلوندو" (Blondo)، حيث صرَّح في مُذَكِّراته إلى مجمع العلوم الأخلاقيَّة والسياسيَّة سنة 1841م بأنَّ المصدرَ الوحيد في الوقت الحاضر للأحْكام الحقوقيَّة إنَّما هو القانون[3].

 

6- ولذلك فهنالك اليومَ إجماعٌ على أنَّ القوانين أو ما يسمُّونه باسْم: الحقوق المكتوبة، هي وحدَها المصدرُ الأوَّل والأخير للكشفِ عن كلِّ حُكْم حقوقيٍّ ضروريٍّ لحاجات الأمة الاجتماعيَّة، وبناءً على هذا فقدْ أقْصَى من مصادر الحُكْم ما سموه باسْم: المصادر غير الصحيحة، وقد عَدُّوا في مُقدمتها الاجتهادَ وحِسَّ العدالة وفِكرة المصلحة العامة[4].

ونَرَى مِن كلِّ ما تقدَّم أنَّه ليس في هذه الشرائع - قديمِها وحديثِها - من اجتهادٍ غيْرَ نوعٍ منه، وهو تفسير القانون أو ما يُعبَّر عنه بكلمة: "إنتر بريتاسيون" interpretarion، وحرّمَ على المفسرين كلَّ اجتهادٍ يتجاوزُ حدودَ التفسير للقانون، وهذا ما جَعَلَ من هذه الشرائعِ شرائعَ زمنيَّة غيْرَ قابلة للاستمرار، وعُرْضَة للتغيير والتبديل في أصولها على الدوام.

 

7- أما الشريعة الإسلاميَّة، فإنَّ الاجتهاد فيها:

• قد اعْتُبرَ أولاً: من جملة مصادر الشريعة الصحيحة إلى جانبِ نصوص القرآن الكريم والأحْكَام النبويَّة، وذلك كلَّما سكتتْ نصوصُ هذين المصدرين أو غمضتْ.

• كما أنَّه ثانيًا: لم يقتصر الاجْتهاد على تفسير النصوص فقط في حالة غموضها، بل عملَ عملَه الصحيحَ أيضًا في حالة سكوتها.

• وثالثًا: فقدْ أبدعَ المجتهدون في الاجتهاد، ومَيَّزوا في الجملةِ ما بيْن ثلاثة أنواع منه، ووضعوا لكلِّ نوعٍ قواعدَه العلميَّة المنطقيَّة؛ ليميِّزوا بها ما بيْن الآراء المقبولة اجتهادًا، والأهواء المرفوضة عِلْمًا وقضاءً، كما سنشيرُ إليه فيما بعد، وهذا مما قد عجزَ عنه الفقه الوضعيُّ الحديثُ رَغْمًا عن محاولاته المتكرِّرة لوضْعِ قواعدَ للتفسير والاجتهاد؛ مما قد عجزوا عنه حتى اليومَ، كما سنراه أيضًا فيما بعْد.

وفوقَ ذلك، فقدْ رفعتِ الشريعة الإسلاميَّة من مكان الاجتهاد في القَبول والاعْتِبار، وحضَّت عليه بكلِّ قوةٍ فقالتْ: "للمجتهد أجران إذا أصابَ، وأجْرٌ إذا أخطأ"، وفي هذا مُنْتَهى التقدير لحريَّة الرأْي والاجتهاد كمصدرٍ صحيحٍ للشريعة، في الوقت الذي حَرَّمتِ الشرائع الوضعيَّة القديمة والحديثة أنْ يكونَ الاجتهادُ مصدرًا من مصادرها.

 

أنواع الاجْتهاد وقواعده الإسلاميَّة:

8- من المعلوم أنَّ التشريعَ وليدُ الحاجة، ومَقيس عليها، فما قامَ تشريعٌ في أمةٍ ولا نُشِرَ فيها قانونٌ، إلا وقد قامَ في البلادِ قبْلَها حاجةٌ تدعو إليهما، فيأتي التشريعُ عندئذ ويُصاغُ القانون على قَدْرِ تلك الحاجةِ.

غير أنَّ الحاجة الداعية نفسَها قدْ يطرأُ عليها بعضُ الطوارئ ما بيْن عشيةٍ وضحاها، فتتنوع وقائعُها وتختلف فيها الملاحظاتُ ما بيْن واقعة وأخرى، بصورة يصبحُ معها النصُّ القانوني - المصوغ من قَبْلُ - على قَدْرِ الحاجة منهما بالنسبة لما وقَعَ فيما بعْد من أنواعٍ في تلك الحاجة، أو غير وافٍ ولا كافٍ بالنسبة لما جَدَّ من ملاحظاتٍ في تلك الوقائعِ الجديدة.

 

9- وأنَّ الأممَ في القديم والحديث ما استطاعتْ، ولن تستطيعَ النجاةَ في شرائعها وقوانينها من هاتين الحالتين؛ الإبهام في النصوص، أو عدم الكفاية فيها بالنسبة لما سيجدُّ من وقائعَ، ولقد جاء في الموسوعة الفَرنسيَّة الكبرى للعلوم والآداب والفنون[5]:

إنَّ القوانينَ التي تضعُ الأحْكَامَ العامة لا تستطيعُ في الحقيقة أن تتصوَّرَ جميعَ الفرضيَّات الخاصة قبْلَ وقوعِها، وأنَّ القوانينَ قد تكون:

• أحيانًا ساكتة تجاه هذه الفرضيَّات.

• وأحيانًا لا تتناولها إلا بصورة غير كافيةٍ.

• وأحيانًا قد يكونُ النصُّ غامضًا أو مُبْهمًا.

ويجب في جميع هذه الأحوالِ أنْ يُجْبرَ النقصُ بالبيان والتفسير.

 

10- ثُمَّ تتابعُ الموسوعة الفرنسيَّة وتقول:

"إن قواعدَ البيان والتفسير ترتبطُ بالفلسفة أكثر منها بالحقوق الخاصة، وعندما أُرِيدَ وضْعُ القانون المدني الفَرنسي كان من المنتظرِ في بادئ الأمرِ أنْ تُجْمَعَ هذه القواعد في فصْلٍ من مَطْلعِ القانون، غيْر أنَّ هذا الفصْل قد حُذِفَ من القانون لَدَى وضْع صيغته النهائيَّة".

ثم تابعتِ الموسوعة الفرنسيَّة فقالت: "وهذا ما جَعَلَ القاضي يفسِّرُ القانونَ حينَ الاقتضاء تَبَعًا لمواهبه المسلكيَّة تحت مراقبة مَحْكمة التمييز"، ثُمَّ لم تلبث الموسوعة أن أعلنتْ مخاوفها من هذا التفسير الذي يقوم به القضاة - بما فيهم قضاة محكمة التمييز - دونَ أنْ يعتمدوا فيه على قاعدة، أو أنْ يقيسوه بمعيارٍ، فقالت: ومِن هنا يُفْهَمُ كم هي خطرة هذه السلطة من التفسير؛ ولذلك كانَ الفقهاءُ الرومان يقولون: "إنَّ أحسنَ القوانين هو القانون الذي يترك أقلَّ ما يمكنُ من الحرية لأهواء القضاة".

 

11- فماذا كانَ وضْعُ النصوصِ الأصليَّة أولاً في الشريعة الإسلاميَّة من كتاب وسنَّة، تجاه هذه الحاجات الإنسانيَّة المتجددة وغير المتناهية؟

ثُمَّ ماذا كان وضْعُ رجالِ الفقه في الإسلام أمامَ هذه الضرورة الملحَّة على وجوبِ الأخْذِ بالاجتهاد، وأمامَ تلك الأخْطَار المحْدِقة بالقُضاة والمجتهدين؟

 

هنا تتجلَّى:

أولاً: معجزة النصوص القرآنيَّة التشريعيَّة وتوجيهاتها الأساسية في ذلك.

ثانيًا: إبْداع السُّنَّة النبوية في البيان؛ شرْحًا وإيضاحًا وتطبيقًا.

ثالثًا: إيجاب النصوص القرآنيَّة علينا اتِّخاذَ المسلك النبوي في ذلك البيان أسوةً حسنة فيما يجِدُّ من وقائعَ ليستْ فيها نصوصٌ من كتاب ولا سُنَّة، وذلك بالاجْتِهاد المأذون به، والمأْجور عليه، بعيدًا عن الجهْل بالشريعة أو الأهواء المعطلِّة لها.

رابعًا: عبقريَّة رجال الفِكْر الإسلامي والفقه فيه، بوضْع القواعد العلميَّة التي اتَّخَذَتْ معاييرَ مُسْبقة تُوزَنُ بها آراءُ المجتهدين، وتُدْفعُ بها أخطارُ المتطفِّلين، وتُحِدُّ من أهواء القضاة؛ مما قد عجز عن الوصولِ إليه عباقرةُ رِجال الشرائع القديمة والحديثة اليومَ، كما أشرنا إليها.

 

12- أما المعجزة القرآنيَّة في النصوص التشريعيَّة الإسلاميَّة وفي توجيهاتها، فقد كانتْ في كفاية هذه النصوصِ الخالدة وفي إيجازها وشمولِها على قِلَّتها، حتى قال فيها "الغزالي" وغيره: إنَّها لم تتجاوزْ خمسمائة آية من أصلِ آيات القرآن البالغة (6342)، بل ردَّها بعضُهم إلى مائة وخمسين آية[6]؛ ولذلك كانَ أكْثر ما وردَ في القرآن من أحْكام إنَّما هو أحْكَام كُليَّة، وقواعد عامة؛ كما جاهَرَ بذلك الإمام "الشاطبي" في "الموافقات"[7]، وذلك كله مما لا يقبلُ التبديلَ ولا التغيير عِلْمًا وعَقْلاً، ولا يجوز المساسُ به عَمَلاً بقواعدِ الحقِّ والعَدْلِ، ومما تجبُ مراعاتُه في القضاء، ويجبُ الاعتمادُ عليه في الاجتهاد، ومما يمكن إجمالُه أيضًا وردُّه إلى آيتين فقط من قولِه - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90 - 91].

 

13- وأنَّ هذا الطابعَ الكُلِّي العام لآيات الأحْكام هو الذي جَعَلَ القرآنَ في كثيرٍ من آياته محتاجًا إلى بيان النبيِّ - عليه الصلاة والسلام - ورأْيه، وقد قال الله - تعالى - في ذلك لنبيِّه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 105].

ولهذا جاءت السُّنَّة النبويَّة إلى جانب القرآن، وفيها بسطٌ لمختصرِه، وتفصيلٌ لِمُجْملِه وبيانٌ لِمُشْكِلِه[8].

 

14- هذا وإنَّ ذلك البيانَ والرأْيَ النَّبَوِيَّيْن إنَّما كان للمسلمين مدرسةٌ لهم فيها يتعلَّمون، وبهُداها يتفكرون، كيف يصنعون؟ وذلك في كلِّ ما يَجِدُّ لهم من وقائعَ ليس فيها كتابٌ ولا سُنَّة، كما أشارَ إلى ذلك النصُّ القرآني الأولُ حين قال: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]، ثم تابع قائلاً: ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾؛ أي: يعملون بالاجْتهاد بيانًا لشريعة الله، حين لا يكون هناك نصٌّ فيما يريدون، وأنَّ الإذنَ بالاجْتهادِ - بل الأمْرُ به حينذاك - مُجْمعٌ عليه لَدَى كافة المذاهب الإسلاميَّة ومشَجَّعٌ عليه، ومأجورٌ به، لا مُحَرَّم عليهم كما جاهرَتْ به الشرائعُ الوضعيَّة.

 

15- وهنا لم يلبثْ رجالُ الفكْرِ الإسلامي - من علماء الشريعة - أنْ لبَّوا نداءَ القرآن وعرَفُوا - بإذنٍ من القرآن نفسِه - كيف يفكرون ويجتهدون في كلِّ جديدٍ مما لا نصَّ فيه من كتاب أو سُنَّة به يحكمون، هذا وقد أدْرَكوا بسرعة - مثل غيْرهم اليومَ من رجال القانون - خَطَرَ كلِّ تفسيرٍ واجْتهادٍ إنْ لم يكنْ هنالك قواعدُ علميَّة يخضعون إليها، وموازينُ يعتمدون عليها؛ دَعْمًا للحقِّ، وحَدًّا للأهواء، ولكنهم وبفضْل الطابعِ الكُلِّي العام لآيات الأحْكام في القرآن، وما انتزعوا منها من رُوحٍ للشريعة بها يهتدون، وقالوا فيها: أينما كانتِ المصلحة، فثَمَّ شرعُ الله، وإن لم ينزلْ بها الوحي ولا قالَ بها الرسولُ، وكذلك بفضْل البيانِ والسلوك النبوي فيه، وما انتزعوا منه مِن قَبسٍ به يستنيرون، لم تلبثْ عبقريةُ رجالِ الفقه الإسلامي أنْ برزتْ حيث غاضت عبقريةُ الآخرين من رجال القانون، وإنْ أقاموا عندئذ قواعدَهم في الاجْتهاد، ومحَّصُوها تمحيصًا، وبنوها على أصولٍ أجمعوا عليها تقريبًا إجماعًا؛ حتى أصبحتْ منارًا لهم إذا نظروا، ومعيارَهم إذا وزنوا، وجمعوا كلَّ ذلك في علْمٍ ابْتكروه ابتكارًا من غيْر سابقٍ له، وسموه بحقٍّ: "عِلْم أصول الفقه"، وإنْ شئتَ فقُلْ: "عِلْم أصول الحقوق".

 

16- وكانتِ العبقريَّة لَدَيهم أنَّهم في مُجْمَلِ القضايا التي تُعْرَضُ عليهم مما ليس فيه نصٌّ من كتاب أو سُنَّة، قد استطاعوا بسرعة أن يردُّوا أبحاثَهم فيه إلى قسمين أساسيين؛ هما:

أولاً: قسم يتعلَّق بتحديد معنى النصِّ المتعلِّق فيه البحث من النصوص القرآنية أو النبويَّة؛ وذلك من أجْلِ مَعْرِفة ما إذا كان هذا النصُّ في استطاعته أن يتناولَ في حُكْمه تلك القضيَّةَ الحديثة المعروضة، وهذا هو الفرْعُ الأول من الاجتهاد الذي نُسَميه: بالبيانِ والتفسير أو الاجتهاد البياني.

ثانيًا: قسم آخر يتعلَّق باستنباط العِلل المناسبة، وبتحديد رُوح الشريعة، مما يستنبطُ من رُوح الأحْكام المنصوص عليها، ويقدِّمون لنا في ذلك مَبْدءًا من مبادئ العدْلِ، وأصْلاً من أصول التشريع يساعدنا على حلِّ القضايا الجديدة المعروضة، والتي ليس فيها نصٌّ خاصٌّ، وإنَّ هذا القسمَ الثاني من الاجتهاد؛ إما أن يكونَ:

أ- عن طريق الحمْل على النصوص القرآنيَّة والنبوية بطريقة القياس، ويمكن أنْ نطلقَ عليه اسم: الاجتهاد القياسي.

ب- أو عن طريق الرأْي الاستصلاحي وَفْقًا لمبدأ المصلحة الشرعيَّة المطلقة، ويمكن أن نطلقَ عليه عندئذ اسمَ: الاجتهاد الاستصلاحي.

وتبعًا لهذه الأنواع الثلاثة بتفصيلها، فقد أبدعَ العلماءُ في وضْع القواعدِ العلمية لكلِّ نوعٍ منها، مما سنشير إليها فيما يلي بكلِّ إيجاز.

 

17- أما النوعُ الأول من القواعد، فهو ذلك القسمُ المتعلِّق بقواعد البيان للنصوص، وهو قاصرٌ على مباحثِ الألفاظ البالغة ستة عشر مبحثًا، وفي مُقدِّمتِها مَبْحَثا الخاص والعام من النصِّ، بالإضافة إلى أربعة مباحثَ تتعلق بمعاني الألفاظ، ومنها: المعنى الموقوف عليه بالعبارةِ، والمعنى الموقوف عليه بالإشارة، مما قد أبدعَ العلماءُ في قواعدِها على اخْتلاف مذاهبِهم؛ كقول بعضهم: النصُّ الخاص حُجة قطعيَّة، والنصُّ العام حُجَّة ظنيَّة.

 

18- وأما النوعُ الثاني من القواعد، فهو ذلك القسمُ الخاص بقواعد الحمْل على النصوصِ عن طريق القياسِ، أو ما نسمِّيه باسم: الاجتهاد القياسي، وذلك كقولِهم بالإجْماع: "إن القياسَ على النصِّ والحمْلَ عليه: هو إلْحَاق أمْرٍ بآخرَ في الحُكْم الشرعي؛ لاتِّحادٍ بينهما في العِلَّة"، وقولهم: "إنَّ القياسَ الذي يعتمدُ على عِلَّة منصوصٍ عليها في النصوص الشرعيَّة حُجَّة عند الجميع"، وقولهم: "إنَّ القياسَ الذي يعتمدُ على عِلَّة غيْرِ منصوصٍ عليها هو حُجَّة فقط عند مُثْبِتي القياس، وأما نُفَاةُ القياس، فقد ذهبوا إلى أنه ليس بحُجَّة... إلى آخر ما هنالك من القواعد الكثيرة، والبحوث الفلسفيَّة التي تعتبرُ من أعْظمِ مباحثِ المعرفة القانونيَّة التي انْفَرَدَ بها فقهُ الشريعة القانونيَّة في الإسْلام.

 

19- وأما النوعُ الثالث من القواعد، فهو ذلك القسمُ الخاص بقواعدِ الاستصلاح، أو ما نسميه باسمِ: الاجتهاد الاستصلاحي، وذلك فيما يتعلَّق بالعمل بالرأْي في المصالح المرْسَلة؛ أي: الرأْي المبني على فكرة المصلحة؛ لحماية المصالح الجديدة التي لم يردْ في الشريعة نصٌّ خاصٌّ يشهد لنوعها بالاعتبار، وأنَّ هذا النوعَ من الاجتهاد، وما قد أبدعَ فيه العلماءُ من وضْع قواعدَ له - إزالة لفكرة الغموضِ في المصلحة، وتحديدًا لِمَا هو مُعْتَبرٌ منها، وقد كان من أعْظمِ أنواع الاجتهاد أثرًا في حيويَّة الشريعة الإسلاميَّة.

 

20- ومن هذه القواعد ما قد أخذَ به الغزالي الشافعي خِلافاً لإمامِه في الأخْذ بالمصالح المرْسَلة؛ حيث قال: أمَّا المصلحة، فهي في الأصْل عبارة عن جلبِ منفعة، أو دَفْع مَضَرَّة، ولسنا نعني ذلك، لكننا نَعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرْع، ثم قال: "ومقصودُ الشرْع من الخَلق خمسة، وهو أن يحفظَ عليهم دينَهم، ونفسَهم، وعقْلَهم، ونسْلَهم، ومالَهم، وأنَّ كلَّ ما يتضمَّن حِفْظَ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وأنَّ كلَّ ما يفوِّت هذه الأصولَ فهو مفسدة، وأنَّ دَفْعَها عندئذ مصلحةٌ...".

 

21- هذا وكان المالكيَّة والحنابلة من أكثر المذاهب الإسلاميَّة انطلاقًا في المصالح المرْسَلة، ولم يقيِّدوا أنفسَهم بشيءٍ مما قَيَّدَ به نفسَه البعضُ الآخرُ، مثل: الشافعي الذي قيّد نفسَه هنا بالقياس، وكذلك لم يقيِّدوا أنفسَهم بشيءٍ من الأوصاف التي قيَّدَ بها الغزالي نفسَه حين اشترطَ في المصلحة أنْ تكونَ ضرورية؛ أي: ليست مما يمكنُ الاستغناءُ عنها، وأن تكونَ قطعيَّة؛ أي: ليست ظنيَّة غيْر مقطوعٍ بها، وأن تكونَ كلية؛ أي: مصلحة عامَّة لا جزئيَّة خاصَّة.

 

22- هذا وقد أبدعَ العلاَّمة شمس الدين أبو عبدالله محمد بن قَيِّم الجوزيَّة في تأييد هذا النوع من الاجْتهاد؛ كما جاء في مَطْلع كتابه "الطرق الحكميَّة في السياسة الشرعيَّة"؛ حيث قال: "السياسة ما كان فِعْلا ًيكون معه الناسُ أقربَ إلى الصلاح، وأبعدَ عن الفساد، وإنْ لم يضعْه الرسولُ، ولا نزلَ به الوحي"، وما أبدعَ أيضًا قول ابن قَيِّم الجوزيَّة في المقام؛ كما جاء في مَطْلع الجزء الثالث من كتابه "إعْلام الموقعين"؛ حيث قال: "إنَّ الشريعةَ مَبْنَاها وأساسَها على الحُكْم ومصالح العِبَاد في المعاش والمعَاد، وهي عدلٌ كلُّها ورحمة كلُّها، ومصالح كلُّها وحِكْمة كلها، وإنَّ كلَّ مسألة خرجتْ من العدلِ إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفْسَدة، وعن الحِكْمة إلى العبث، فليستْ من الشريعة، وإنْ أُدْخِلَتْ فيها بالتأْويل"، ويَبْقَى الجامعُ لكلِّ ذلك قولُ ابن القَيِّم أيضًا في كتاب "زاد المعاد"، تحتَ عنوان "حُكْم الرسول في بيع الرجل ما ليس عنده"؛ حيث قال: "الشرائع مبناها مصالحُ العِبَاد، وعدم الحجزِ عليهم فيما لا بُدَّ لهم منه، ولا تتمُّ مصالحُهم في معاشهم إلا به".

 

23- هذا وعلى ضوء فكرة المصلحة هذه التي أُحيطتْ بما أُحيطتْ به من قواعدَ حيويَّة خالدة، جَعَلَ المجتهدون من الشريعة الإسلاميَّة - كما أرادَها لهم الله - شريعة خالدة محتوِيَة على عنصري الحيويَّة والأبديَّة التي لا تغفُل عن المصالح الجديدة التي تحيطُ بالإنسان، والتي لا تقصرُ عن مطالب الأزمان، وهذا أيضًا ما قد شَهِدَ به المنصفون في "مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي العالمي" الذي كنتُ قد  اشتركتُ فيه، والذي عُقِدَ في ضيافة جامعة باريس لعام 1951م، وبدعوة من "مؤسسة الحقوق الدوليَّة المقارنة" في "لاهاي"؛ حيث جاء في فقرة من قَرار المؤتمر النهائي قولُه: "إن مبادئ الشريعة الإسلاميَّة لها قيمة لا شكَّ فيها، وإن تعدُّدَ المذاهب في هذه المجموعة الحقوقيَّة العُظْمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات الحقوقيَّة، وعلى أصول وأساليبَ هي مناطُ الإعجاب، وذلك مما يسمحُ لهذه الشريعة أن تُلَبِّي جميعَ الحاجات التي تقتضيها مطالبُ الحياة الحديثة"، وبهذه الفقرة الطيبة أُنْهِي كلمتي هذه، آملاً أن يَجدَ فيها القُرَّاءُ الكرامُ ما به يفتخرون.

 


[1] كولد زيهر le dogme et loidel, islam "النص الفرنسي"، طبع باريس 1920م، الصفحة (46).

[2] "المدخل إلى علم أصول الفقه"؛ معروف الدواليبي، الطبعة الخامسة، سنة 1965م، بيروت مطابع دار العلم للملايين، الصفحة (238).

[3] نفْس المرجع أعلاه، الصفحة (350).

[4] نفْس المرجع أعلاه، الصفحة (347).

[5] انظر: la grande encyclopedie die des sciences, des letters, et des arts art. Interoretaion T.XX, PP. 903-904

[6] "التراتيب الإدارية"؛ الشيخ عبدالحي الكتاني، الجزء الثاني الصفحة (179)، طبع دار إحياء التراث العربي، ببيروت.

[7] الشاطبي، الجزء الثالث الصفحات (366 – 368)، المطبعة الرحمانيَّة، طبعة أولى، مصر.

[8] المصدر السابق: الشاطبي، الجزء الرابع، الصفحة (12).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • أطوار الاجتهاد الفقهي
  • الحاجة لفقه المقاصد
  • من هو المجتهد ، وأنواع المجتهدين
  • نظرة في حكمة الشريعة
  • الاجتهاد مفتوح ولم يغلق قط
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح
  • الاجتهاد في الكليات

مختارات من الشبكة

  • شروط الاجتهاد عند الإمام الشاطبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شروط الاجتهاد من تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد للإمام السيوطي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شروط الاجتهاد عند الإمام الزركشي من خلال البحر المحيط (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العلم الذي يلزم فيه الاجتهاد بالنسبة للمجتهد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أركان الاجتهاد عند الشاطبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام الاجتهاد من حيث المجتهد ومن يقوم به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقسيم الاجتهاد من حيث الانقطاع وعدمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منزلة الاجتهاد في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فهم المقاصد ووجوب الاجتهاد في اللغة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نقض الاجتهاد(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- الاجتهاد في فهم النص وليس في مقابل النص
ريهام سامح - مصر 18-04-2011 07:53 AM

إجماع العلماء على أن العقل ليس مصدراً من مصادر التشريع



أيضاً: أجمع العلماء على أن العقل ليس مصدراً من مصادر التشريع، ليس بشرع وليس بدليل، فالأصوليون اتفقوا جميعاً على أن الحكم هو خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو الترخيص أو الوضع. كما انعقد إجماعهم بل إجماع المسلمين أجمعين على أن العقل ليس بشارع؛ لأنه لا حكم إلا لله تعالى، حتى المعتزلة الذين جعلوا للعقل دوراً في تقرير بعض الأحكام اتفقوا على أن العقل كاشف عن الحكم الشرعي، وليس بمنشئ له. يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: الأدلة العقلية إذا استعملت في هذا العلم فإنما تستعمل مركبة على الأدلة السمعية أو معينة في طريقها، أو محققة لمناطها، أو ما أشبه ذلك لا مستقلة بالدلالة؛ لأن النظر فيها نظر في أمر شرعي، والعقل ليس بشارع. وجاء في كتاب (فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت) مسألة: لا حكم إلا من الله تعالى بإجماع الأمة لا كما في كتب بعض المشايخ أن هذا عندنا، وعند المعتزلة الحاكم العقل، يعني: هو هنا يقول: إنه لا حكم إلا من الله تعالى بإجماع الأمة، ويرد على بعض المشايخ الذين قالوا: إن أهل السنة عندهم لا حكم إلا لله، بخلاف المعتزلة الذين يقولون: إن الحاكم هو العقل، فهو هنا يدافع عن المعتزلة، ويقول: لا، بل كل الأمة حتى الفرق الضالة كالمعتزلة يوافقوننا في هذه القاعدة مثل ما قلنا: إن العقل كاشف للحكم، وليس منشئاً له كما قال المعتزلة. يقول: مسألة: لا حكم إلا من الله تعالى بإجماع الأمة لا كما في كتب بعض المشايخ أن هذا عندنا، وعند المعتزلة الحاكم العقل. انظر إلى التعليل يقول: فإن هذا مما لا يجترئ عليه أحد ممن يدعي الإسلام. يعني: هل يوجد واحد ممن يدعي الإسلام يجترئ ويقول: إن العقل حاكم، أو العقل مشرع، فهو هنا يدافع عن المعتزلة، وينفي أنهم يعتقدون أن العقل منشئ للأحكام. يقول: مسألة لا حكم إلا من الله تعالى بإجماع الأمة، لا كما في كتب بعض المشايخ أن هذا عندنا، وعند المعتزلة الحاكم العقل، فإن هذا مما لا يجترئ عليه أحد ممن يدعي الإسلام، بل إنما يقولون: إن العقل يعرف بعض الأحكام الإلهية سواء ورد بها الشرع أم لا، وهذا مأثور عن كبار مشايخنا أيضاً. وفي كتاب (دروس في تاريخ الفقه) للشيخ فرج السنهوري : لا حاكم إلا الله، ولا حكم إلا ما حكم به، على اتفقت كلمة المسلمين، حتى الذين قالوا: إن للأفعال حسناً وقبحاً عقليين، أي: يدركهما العقل، إذ أنهم لم يذهبوا إلى أكثر من اتخاذ الوصفين أساساً لحكم الله سبحانه يصدر على موقفهما، فالعقل لا دخل له في إنشاء الأحكام وإصدارها، وإن كان هو شرط التكليف، وله أعظم الأثر في فهم الشرع. فالله جل وعلا قد قصر إنشاء الحكم عليه وحده عز وجل، قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف:40]، وقال تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26]، وقرأ ابن عامر من السبعة: (ولا تشرك في حكمه أحداً) بصيغة النهي، والخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى عموم المخاطبين، أي: ولا تشرك أيها المخاطب أحداً في حكم الله عز وجل، بل أخلص الحكم لله من شوائب الشرك، وهذا كله مما يؤكد الحقيقة أن السيادة للشرع لا غير.







إجماع الصحابة على أن الشورى لا تكون إلا في دائرة المباح



أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم والأمة على أن الشورى لا تكون إلا في دائرة المباح أو العفو، يعني: أنه لا يصلح أن نتشاور ونناقش في شيء منصوص عليه، لكن الشورى تكون في الأشياء المباحة، أو الأشياء المعفو عنها، ففي البخاري : كانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة فقال عمر : كيف تقاتل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله الله، فإذا قالوا: (لا إله إلا الله) عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تابعه عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة عمر إذ كان عنده حكم رسول الله في نص، في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وأرادوا تبديل الدين وأحكامه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن بدل دينه فاقتلوه) وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولاً كانوا أو شباناً، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل. فالشورى تكون في دائرة المباح والعفو، أما ما قطعت فيه النصوص فليس لأحد أن يتقدم عنه أو يتأخر، ولهذا لما ترجح لدى أبي بكر أن النص ظاهر في وجوب قتال مانعي الزكاة لم يلتفت إلى مشورة عمر ولا غيره، وهذا كله يدل على أن السيادة للشرع لا لغيره.






إجماع الصحابة وتابعيهم على أن الحجة في الكتاب والسنة



كذلك الصحابة رضي الله عنهم والأئمة أجمعوا على أن الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع لا غير، وأن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان. يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله تعالى اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه؛ فإن الله تعالى لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي أيضاً: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد، وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي. وقال مالك رحمه الله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه، يعني: الدليل، وفي رواية: حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر نقول اليوم القول ونرجع عنه غداً، وقال أيضاً: إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي. وقال أحمد رحمه الله: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا. وقال أيضاً: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة. يقول ابن رجب رحمه الله: فالواجب على كل من بلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظمٍ قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأً. فهذا كله مما يدل على أن كل الحجة في الكتاب والسنة، وأن السيادة المطلقة هي لشرع الله تبارك وتعالى لا غير، فإذا كانت هذه النصوص كلها هي مقولات أئمة الإسلام رضي الله تعالى عنهم، وهي متعلقة باجتهاداتهم في فهم أدلة الشرع، يعني: كل كلام الأئمة الأربعة كما رأينا يدور حول اجتهاداتهم في فهم أدلة الشرع، فهذا الاجتهاد إنما يحوم حول فهم أدلة الشرع، فالمصدر هو أدلة الشرع، وهم أئمة مجتهدون ثقات عدول أجمعت الأمة على قبولهم، وشهدت لهم بما كانوا عليه من ديانة وصيانة، وتحري للحق، واتباع للسنة، ومع ذلك انظر إلى كلامهم في أنه لا منازع أبداً لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم حتى الأئمة الأربعة أنفسهم، فما الظن بجهة أو مجلس قام ابتداء على ادعاء الحق في التشريع المطلق، واطراح كل ما يمت للكتاب والسنة بصلة.






اتفاق العلماء على أنه لا اعتبار لمصلحة شهد لها الشرع بالبطلان



لقد اتفق أهل العلم على اعتبار المصالح في الأحكام، إلا أنهم اتفقوا أيضاً على أنه لا اعتبار لمصلحة شهد لها الشرع بالبطلان، وذلك بوجود نص يدل على حكم في الواقعة، بخلاف الحكم الذي تمليه المصلحة، يعني: أحياناً تظهر لنا بالعقل مصالح في بعض التصرفات، لكن إذا كانت هذه المصلحة تصادم دليلاً شرعياً فهذه مصلحة ملغاة لا يلتفت إليها، مثال ذلك فتوى أحد الفقهاء لملك جامع في نهار رمضان، فالمفتي تحذلق فأفتى الملك بالصوم بدلاً من العتق، رغم كونه واجداً للرقبة وقادراً على إعتاقها، فالمفتي هنا المفروض أن يفتيه بالعتق دون بالصوم، فهو أفتاه بالصوم بدل العتق لمصلحة اعتبرها من عند نفسه أن الملك رجل غني فعندما نقول له: إن الكفارة عتق رقبة، فهذا أسهل شيء بالنسبة له فسيعتق رقبة، لكن لأجل أن أزجره فأنا أقول له: إن الكفارة هي الصيام، فعندما يصوم ستين يوماً أو شهرين متتابعين فهذا يكون أزجر له، فهو هنا ينظر لمصلحة معينة، لكن هذه المصلحة غير معتبرة شرعاً، فبالتالي هذا نوع من المصالح المهدرة أو الملغية لمصادمتها للنص الشرعي، وهي مصلحة متوهمة في مقابلة نص فلا اعتبار لها. وكذلك بعض الناس يقول: إن الأنثى ينبغي أن تساوي الذكر في الميراث بدعوى أن المصلحة تقتضي ذلك؛ لأنهما يتساويان في درجة القرابة من الوارث، يعني: هذه بنته وهذا ابنه، فدرجة القرابة واحدة، فبناء على هذا النظر المصلحي تسوى الأنثى بالذكر في الميراث، ثم إن البنت أصبحت تشارك زوجها في أعباء الحياة، فساوت الابن أيضاً من هذه الجهة، فهذه مصلحة لكنها مهدرة وملغاة وغير معتبرة؛ لأنها وقعت في مقابلة النص الصريح القاضي بأن: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فإذا كان الأمر كذلك، وكانت الأحكام الثابتة بالنصوص مشتملة على المصلحة لا محالة أدركها من أدركها، وغفل عنها من غفل، فإنه لا اعتبار لمصلحة أهدرتها نصوص الشريعة، فهذا كله أيضاً مما يؤكد أن السيادة للشرع لا لغيره.




إجماع الأمة على أن كل ما أحدث على خلاف الدين فهو رد



الأمة مجمعة على أن كل ما أحدث على خلاف الدين فهو رد، يعني: مردود في وجه فاعله باطل، والحديث في ذلك واضح، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا -أمرنا: ديننا الإسلام- ما ليس منه فهو رد) وهنا يقرر النبي صلى الله عليه وسلم إبطال كل ما أحدث على خلاف الدين، وهذا يعطينا معيار القبول والرد، ما الذي نقبله أو ما الذي نرفضه؟ نقبل ما يوافق الدين، ونرفض ما يخالفه، وهذا مما يؤكد أن السيادة للشريعة الإسلامية بلا منازع.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • افتتاح أكبر مسجد بجنوب داغستان
  • مؤتمر عن "أثر الصيام في حياة الإنسان" في ألبانيا
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/9/1444هـ - الساعة: 10:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب