• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرك الأصغر وأنواعه
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    الشفاعة بين النفي والإثبات
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    ربي أطعمني وسقاني
    سمر سمير
  •  
    من أخلاق التاجر المسلم
    خميس النقيب
  •  
    وقفات مع سورة القصص
    سيد ولد عيسى
  •  
    ما يقال للكافر إذا عطس فحمد الله
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    فوائد من شرح الحافظ ابن رجب لبعض الأحاديث
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سمو الدلالات القرآنية
    مريم بنت حسن تيجاني
  •  
    خطبة: لا يدخل الجنة إلا المؤمنون
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تمييع العقيدة.. (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حديث: تصدقوا. فيوشك الرجل يمشي بصدقته
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    تفسير: (قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الحلم وكظم الغيظ
    هيام محمود
  •  
    التحذير من تقديم الرأي على الأثر
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفسير قوله تعالى: { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    التحذير من التعصب المقيت
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب

النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ الجميل (خطبة)

النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ الجميل (خطبة)
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/1/2022 ميلادي - 13/6/1443 هجري

الزيارات: 3363

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ الجميل


الحمدُ للهِ الذي رفعَ السماءَ بِلا عَمدٍ، الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ، الفردِ الصَّمدِ، الذي لم يلدْ ولم يولدْ، ولم يكن له كُفوًا أحدٌ، أحمدُه سبحانَه، وأشكرُه كثيرًا بلا عددٍ، خَلقَ الخلقَ وأحصاهم عَددًا، ورزقَ الخلقَ ولم ينسَ منهم أحدًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنِه وسِراجًا منيرًا، رسولَ البَشريةِ، ومعلمَ الإنسانيةِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، أما بعد:

فأحبتي الكرام، الإسلام يحثُّ على مكارم الأخلاق ويدعو إليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)؛ (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ)؛ (رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني)، وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)؛ (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

 

ومن مبادئ الإسلام وأخلاقه: حفظ المعروف ورد الجميل، ومقابلة الإحسان بالإحسان، والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه؛ قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن:60]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ)؛ (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

 

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)؛ (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وأنكرَ - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - على مَن لم يرُدَّ الجميلَ حتى على بهيمةٍ، فعَنْ عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ، وَقَدْ كَانُوا أَصَابُوا قَبْلَ ذَلِكَ نَاقَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - قَالَ: فَرَأَتْ مِنَ الْقَوْمِ غَفْلَةً، فَرَكِبَتْ نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - ثُمَّ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّاهَا اللهُ تَعالى، قَالَ: فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْحَرَ نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - فَمُنِعَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - فَقَالَ: "بِئْسَمَا جَزَيْتِيهَا أَنْ حَمَلَكِ اللَّهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا ثُمَّ تَنْحَرِينَهَا"، ثُمَّ قَالَ: "لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ".

 

وعندما ننظُر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أن كان أكثر الناس اعترافًا بالجميل وحفظًا وإقرارًا بالفضل، حتى مع غير المسلم، ولِمَ لا؟ وقد كان أحسن الناس خلقًا، وأكمل الناس أدبًا، وها كم بعضًا من مواقفه في حفظ الجميل؛ لتكون دافعًا لنا إلى التخلق بهذا الخلق الجميل:

• فبعدَ عَودةِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وبصحبتِه زيدُ بنُ حارثةَ من الطَّائفِ، وقد لَقيَ من ثَقيفٍ ما لقيَ من الإيذاءِ والضَّربِ بالحجارةِ، قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟، فَقَالَ: يَا زَيْدُ إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حِرَاءٍ فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إِلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ يَسْأَلُهُ: أأَدَخُلُ فِي جِوَارِكَ؟، فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلاَحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَامَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا فَلاَ يَهِجْهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَانْتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَوَلَدُهُ مُحِيطُونَ بِهِ.

 

وبعدَ سنواتٍ من هذه الحادثةِ هاجرَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إلى المدينةِ، ثُمَّ ماتَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ على الشِّركِ قبلَ غزوةِ بدرٍ، وفي يومِ بدرٍ نصرَ اللهُ تعالى المسلمينَ، وأُسرَ من المشركينَ سبعينَ، وكانَ الرَّأيُ أن يؤخذَ منهم الفِداءَ، والآن اسمعوا لهذا الكلامِ الذي يرويهِ جُبيرُ بنُ مُطعِمٍ بنِ عَدِيٍّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ؛ أي: لأطلَقَهم له جميعًا دونَ فديةٍ، ردًَّا للجميلٍ الذي كانَ منه في مكةَ؛ (رواه البخاري).

 

• وفي المدينةِ في السَّنةِ التَّاسعةِ للهجرةِ ماتَ عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ رأسُ المنافقينَ، بعدَ سنواتٍ من عداوةِ الإسلامِ، والكيدِ للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، والطَّعنِ في عِرضِه الطَّاهرِ من الآثامِ، فيحضرُ قبرَه، ويستغفرُ له، ويُلبسُه قميصَه، أتعلمونَ لماذا؟ لأنَّ العباسَ رضيَ اللهُ عنه عمَّ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لَمَّا جيءَ بهِ أسيرًا يومَ بدرٍ، لم يكنْ له ثوبٌ، وكانَ رَجُلًا طويلًا، فلم يجدوا قميصًا يُناسبُه إلا قَميصَ ابنِ سلولَ، فأعطاهُ العباسَ، فلم ينسَ له رسولُ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلمَ هذا الجميلَ في عمِّه.

 

• وأخبر أبو الطفَيْلِ رضي الله عنه أن امْرَأَةً دَنَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَبَسَطَ لها رِدَاءَهُ فَجَلَسَتْ عليه، فقلت: من هِيَ؟ فَقَالُوا: هذه أمه التي أَرْضَعَتْهُ"؛ رواه أبو داود.

 

• وكانت مولاة لأبي لهب تدعى ثويبة قد أرضعت النبي عليه الصلاة والسلام، فما نسي لها ذلك وهي على الشرك، فكان عليه الصلاة والسلام يبعث إليها بصلة وبكسوة حتى ماتت.

 

• وقدِمَت عليه الشيماء أختُه من الرضاعة فبسطَ لها رداءَه وأجلسَها معه، ثم أعطاها ما أعطاها، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: "أعطاها رسول الله نعمًا وشاةً وثلاثة أعبُد وجارية".

 

• وحفظ جميل عمه أبي طالب الذي تكفل بتربيته بعد جده، وكان يحوطه بعد بعثته: (ضمه صلى الله عليه وسلم لعلي إلى كنفه ورعايته مساعدة لعمِّه، وفي اليومِ الذي يَفرُّ النَّاسُ بعضُهم من بعضٍ، ولا ينظرُ فيه أحدٌ إلى أحدٍ، وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، يشفع شفاعةٌ خاصةٌ لعمِّه الذي دافعَ عنه وحماهُ، ولولا الكُفرُ لشفعَ له حتى من العَذَابِ نجَّاهُ، وإذا كانت هذه بعضُ مواقفِه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في ردِّ الجميلِ مع المُخالفينَ لدينِه، فماذا تتوقعونَ فِعلَه مع أحبابِه وأتباعِ دينِه، ولذلكَ اسمعوا كيف حفظ النبي الجميل واعترف بالفضل لأهل الفضل:

• حفظ جميل أبي بكر الصديق: لقد كان أبو بكر هو أول من أسلم من الرجال، وسارع في تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بلا تلكؤ أو تردد، كما كان أكثر الناس مساعدة للنبي في دعوته، سواء ببدنه أو ماله؛ لذلك حفظ له النبي جميله، فقال مثنيًا عليه ومظهرًا فضله: (إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ)؛ (رواه البخاري)، وقال أيضًا مظهرًا فضلَه: « ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ، ما خلَا أبا بكرٍ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ، ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ، ولَوْ كنتُ متخِذًا خَلِيلًا، لاتخذْتُ أبا بكرٍ خلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صاحبَكُمْ خليلُ اللهِ»؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

• وحفظ جميل الأنصار: فالأنصار هم الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصروه وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل دعوته، وتوطيد أركانها في الأرض، وفتحوا ديارهم وأراضيهم للرسول وصحابته من المهاجرين، وواسوهم بأموالهم، ووقفوا معهم في شدتهم، وآثروهم على أنفسهم، لذلك حفظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم جميلهم، فجعل حبَّهم من الإيمان، وبُغضهم من النفاق، فقال: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»؛ (رواه البخاري)، كما بيَّن فضلهم، ومحبته الشديدة لهم، فقال: (لوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرًَا مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ)؛ (رواه البخاري)، كما أوصى بهم خيرًا، فقال: «أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»؛ (رواه البخاري)، ومعنى كرشي وعيبتي: يعني موضع سري وأمانتي.

 

• وحفظ جميل الصحابة: ذلك لجهادهم الطويل معه في سبيل دعوته، وكفاحهم المتواصل في سبيل نصرة دينه، هذا الدين الذي ما قام إلا على أكتافهم، وما توطدت أركانه إلا بسبب تضحياتهم وتحمُّلهم العناء الكبير والتعب المتواصل في سبيل رفع رايته، ونشْر لوائه، لذلك نهانا عن سبهم حفظًا لجميلهم، وإقرارًا بفضلهم، فقال: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ)؛ [رواه البخاري].

 

وهكذا أيُّها الأحبَّةُ كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لا يتركُ جميلًا إلا ردَّه بما هو أحسنُ منه انطلاقًا من قولِه تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، فتعلموا من رسول الله وتمسكوا بهديه لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

 

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، أوجبَ علينا الشُّكرَ عندَ النِّعمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فهذه المواقف غيضٌ من فيض من مواقفه عليه الصلاة والسلام في الاعتراف بالجميل، والإقرار بالفضل لأهله، فأخبرني كيفَ ترُدُّ الجميلَ لزوجتِك؟، اسمعْ إلى مِثالٍ عظيمٍ في ذلكَ، لقد كانت خديجة رضي الله عنها تشد أزره في بدايات بعثته، وهي أول من صدقته وآمنت به، وواسته بمالها، فما نسي عليه الصلاة والسلام فضلها، في حياتها وبعد موتها، أما في حياتها فلم يتزوج عليها اعترافًا بجميلها، وحفظًا لحقها، قالت عَائِشَةَ رضي الله عنها: "لم يَتَزَوَّج النبي صلى الله عليه وسلم على خَدِيجَةَ حتى مَاتَتْ"؛ رواه مسلم.

 

وأما بعد وفاتها، فكان يذكرها، ويتعاهد بالهدايا صواحبها، حتى غارت عائشة رضي الله عنها، فقالت: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُ حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ"؛ (رواه أحمد في المسند، والطبراني في الكبير، وحسن إسناده الهيثمي في المجمع).

 

وأما أعظمُ حقٍّ وجميلٍ على الإنسانِ بعدَ حقِّ اللهِ تعالى، وحقِّ رسولِه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، هو حقُّ الوالدينِ، فأخبرني كيفَ ردُّكَ للمعروفِ والجميلِ، لأصحابِ الفضلِ ووصيةِ العزيزِ الجليلِ، واسمع كيفَ علَّمَنا اللهُ العليمُ السَّميعُ أن نتعاملَ مع أصحابِ الفضلِ الرَّفيعِ، تَوجيهٌ رَبَّانيٌّ لمن أنجَبَني وربَّاني: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾، إحسانٌ ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾، احترامٌ ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾، قولٌ جميلٌ ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾، تواضعٌ، ثم دعاء ﴿ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [ الإسراء: 23- 25].

 

وختامًا، فإنَّه ينبغي لنا أن نُقابلَ هذا الإحسانَ والمعروفَ، بالمُكافأةِ وإن لم يَكنْ فبالدُّعاءِ هكذا أمرنا، ومن هنا يجب علينا أن نتخلق بهذا الخلق الكريم، وأن نتطبع به؛ لأنه دليل الإيمان الكامل، والخلق القويم، وهذا هو المأمول من كلِّ مسلم، والحمد لله رب العالمين.

 

اللهمَّ أعنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، ربَّنا اجعلنا لك ذاكرينَ، لك شاكرينَ، إليكَ أوَّاهينَ منيبينَ، اللهم أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ بها علينا، اللهم اجعَلنا من عبادِك الشاكرينَ، آمين آمين آمين، وأقم الصلاة.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة
  • من صور شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته
  • وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • طهارة نسب النبي صلى الله عليه وسلم
  • رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأعدائه وحرصه على هدايتهم
  • البيان الختامي للنبي العدناني صلى الله عليه وسلم (1)

مختارات من الشبكة

  • النبي معلما (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علاقة محمد صلى الله عليه وسلم، بجبريل عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره من الأنبياء في الدنيا(مقالة - ملفات خاصة)
  • لم يتبق من قبور الأنبياء إلا قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا؟ ولماذا؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير وضوء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون في محبة النبي صلى الله عليه وسلم وفضل الصلاة والسلام عليه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من لمسه النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • التخطيط لبناء مركز إسلامي بمقاطعة South Tyneside الإنجليزية
  • مسجد جديد بمدينة بلد الوليد الإسبانية
  • طلاب مسلمون يدعمون المحتاجين في مدينة أوتاوا
  • المسابقة الدولية للقرآن الكريم في تتارستان
  • مسجد أيرلندي يفتح أبوابه لتعريف الناس بالإسلام
  • الدورة 62 من المسابقة الدولية للقرآن الكريم في ماليزيا
  • مركز طبي إسلامي يخدم 4500 شخص مجانا كل عام في ميلووكي
  • مسجد بريطاني أطعم 400 أسرة أسبوعيا خلال رمضان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1443هـ / 2022م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/10/1443هـ - الساعة: 13:54
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب