• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بر الوالد.. وعقوقه..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: إن امرأتي لا ترد يد لامس
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    منع انتقال عدوى أمراض الباطنة في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة النبي صلى الله عليه وسلم والشعر
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    النوم الصحي والارتجاع المريئي في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    المولد النبوي: رؤية تاريخية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخلال النبوية (29) {يتبعون الرسول النبي الأمي}
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    كان - صلى الله عليه وسلم - خلقه القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    فضل الصبر على البلاء
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الحلوى في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخل إدام وغذاء ودواء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاعتراض بطريق التماس إعادة النظر (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    بر وعقوق الوالدين (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

النصر بالصبر (خطبة)

النصر بالصبر (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/1/2025 ميلادي - 22/7/1446 هجري

الزيارات: 8128

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النصر بالصبر

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْقَدِيرِ، الْقَوِيِّ الْمَتِينِ؛ كَتَبَ الْعِزَّةَ وَالنَّصْرَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقَضَى بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى هِدَايَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى كِفَايَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبٌّ قَدِيرٌ عَظِيمٌ؛ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ، وَهُوَ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، لَا يَذِلُّ عَبْدٌ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَخْلُوقٌ عَادَهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَرَى الْفَرَجَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْكَرْبِ، وَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِفَتْحِ الْمَدَائِنِ وَهُوَ مُحَاصَرٌ مُحَارَبٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى دِينِهِ؛ فَإِنَّكُمْ أَحْوَجُ إِلَى عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ مِنْ حَاجَتِكُمْ إِلَى طَعَامِكُمْ وَشَرَابِكُمْ وَنَفَسِكُمْ، وَلَا صَلَاحَ لِقُلُوبِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ وَآخِرَتِكُمْ إِلَّا بِرِضَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْكُمْ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 200].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الصَّبْرِ مَعَاقِدُ النَّصْرِ، وَمَرَارَةُ الصَّبْرِ تَجْلُوهَا حَلَاةُ الظَّفَرِ، وَمَا صَبَرَ عَبْدٌ فَخَابَ، وَمَا عِيلَ صَبْرُهُ فَأَصَابَ، وَالدُّنْيَا مَيْدَانُ مَعْرَكَةٍ، يُعَارِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ، وَيُعَارِكُ شَيْطَانَهُ الَّذِي يَؤُزُّهُ عَلَى الشَّرِّ أَزًّا، وَيُعَارِكُ فِيهَا أَبَالِسَةَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، مِمَّنْ يُرِيدُونَ بِهِ إِثْمًا وَبَغْيًا، وَيُعَارِكُ فِيهَا ابْتِلَاءَاتٍ كُتِبَتْ عَلَيْهِ، وَمَصَائِبَ تَنْزِلُ بِهِ، وَيُعَارِكُ فِيهَا لِيُدْرِكَ لُقْمَةَ عَيْشِهِ، وَيَكْفِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَكُلُّ مَعَارِكِ الْعَبْدِ مُنْذُ تَمْيِيزِهِ إِلَى وَفَاتِهِ لَا سِلَاحَ لَهُ فِيهَا أَمْضَى مِنَ الصَّبْرِ؛ فَبِالصَّبْرِ يَصِلُ إِلَى مُرَادِهِ، وَيُحَقِّقُ أَهْدَافَهُ، وَيَكْسِرُ أَعْدَاءَهُ، وَانْظُرُوا إِلَى النَّاجِحِينَ تَجِدُوهُمْ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَإِلَى الْمُنْتَصِرِينَ فِي الْمَعَارِكِ تَجِدُوا أَهَمَّ عَامِلٍ لِنَصْرِهِمْ صَبْرَهُمْ، وَلَوْ كَانُوا أَقَلَّ عُدَّةً وَعَتَادًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ النَّصْرَ ‌مَعَ ‌الصَّبْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَالْمُؤْمِنُ فِي مَعْرَكَتِهِ مَعَ الشَّيْطَانِ لَا يَنْتَصِرُ فِيهَا إِلَّا بِصَبْرِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُثْقِلُهُ عَنْهَا، وَبِصَبْرِهِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَدْعُوهُ إِلَيْهَا، وَحِينَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَفِعْلَهُمْ لِلطَّاعَاتِ، وَاجْتِنَابَهُمْ لِلْمُحَرَّمَاتِ؛ عَقَّبَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 75]، وَفِي الْعِبَادَةِ مَشَقَّةٌ يَجِبُ أَنْ يَصْبِرَ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا لِيَنَالَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ؛ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾ [مَرْيَمَ: 65]، «وَالِاصْطِبَارُ: شِدَّةُ الصَّبْرِ عَلَى الْأَمْرِ الشَّاقِّ»، وَلَمَّا رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ عَقَّبَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النِّسَاءِ: 25].

 

وَرَدُّ الْعُدْوَانِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ شَرِيعَتِهِ وَحَمَلَتِهِ مُهِمَّةٌ شَاقَّةٌ جِدًّا؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْجِدَالِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْمُنَاقَشَةِ، وَيَسْمَعُ الْمُتَصَدِّي لَهَا الْكَذِبَ وَالْبُهْتَانَ عَلَى أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَلَبْسَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَالسُّخْرِيَةَ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا تَضِيقُ بِهِ الصُّدُورُ، وَتُشْحَنُ بِهِ النُّفُوسُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُعْتَدُونَ عَلَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ يَمْلِكُونَ الْحَصَانَةَ وَالْقُوَّةَ، وَيَصِلُونَ إِلَى عُمُومِ النَّاسِ عَبْرَ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَمُقَارَعَتُهُمْ لِكَشْفِ بَاطِلِهِمْ، وَحِمَايَةِ النَّاسِ مِنْ إِفْكِهِمْ وَضَلَالِهِمْ؛ تَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ يَفِيضُ إِلَى حَدِّ الْحِلْمِ، وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدْعُو إِلَى الصَّبْرِ فِي هَذَا الْمَجَالِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ [ص: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [الرُّومِ: 60]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 35]، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ إِيذَاءَ الْأَعْدَاءِ وَكَيْدَهُمْ لَنْ يَضُرَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا صَابِرِينَ مُتَّقِينَ: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 120].

 

بَلْ جَاءَ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ مِنَ الدِّفَاعِ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى السَّابِقِ أَنَّ الْجَهْرَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ سَيُثِيرُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَالسُّخْرِيَّةِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، بَلْ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالتَّعْذِيبِ وَالْحِصَارِ وَالتَّجْوِيعِ، فَأَمَرَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: 10]، وَقَالَ تَعَالَى: فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 1-7]، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِالْمُعَذَّبِينَ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ لَهُمْ: ‌‌«صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ».

 

وَالنَّصْرُ فِي الْمَعَارِكِ الْعَسْكَرِيَّةِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِالصَّبْرِ، وَالْمَعْرَكَةُ تُحْسَمُ بِالصَّبْرِ لَا بِالْكَثْرَةِ وَالْعَتَادِ: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 249]، وَخَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى الْمَعَارِكِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ‌ظِلَالِ ‌السُّيُوفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَقِيلَ لِرَجُلٍ: «مَا الشَّجَاعَةُ؟ قَالَ: صَبْرُ سَاعَةٍ».

 

وَأَعْظَمُ النَّصْرِ الثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ، وَذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالصَّبْرِ، وَلَمَّا فُتِنَ أُنَاسٌ فِي دِينِهِمْ، وَخُدَّتِ الْأَخَادِيدُ لِحَرْقِهِمْ؛ تَقَاعَسَتِ امْرَأَةٌ عَنِ الِاقْتِحَامِ فِي نَارِهِمْ، فَأَنْطَقَ اللَّهُ تَعَالَى صَبِيَّهَا فَقَالَ: «يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ» فَخَلَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهَا، وَرَوَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّتَهَا، وَخَرَّجَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهَا.

 

إِنَّهُ الصَّبْرُ الَّذِي تُصْنَعُ بِهِ الْمُعْجِزَاتُ، وَتُحَقَّقُ بِهِ الْمُنْجَزَاتُ، وَتُقْلَبُ بِهِ مَوَازِينُ الْمَعَارِكِ، فَيَتَحَوَّلُ الضُّعَفَاءُ إِلَى أَقْوِيَاءَ بِصَبْرِهِمْ، وَالْأَقْوِيَاءُ إِلَى ضُعَفَاءَ بِقِلَّةِ صَبْرِهِمْ، وَيُجَرُّ الْعُتَاةُ الْمُجْرِمُونَ إِلَى الِاسْتِسْلَامِ وَالْخُنُوعِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَهَانَةِ، وَيُرْفَعُ الضُّعَفَاءُ فَيَكُونُوا أَعِزَّةً سَادَةً قَادَةً، الصَّبْرُ مَعَ الْإِيمَانِ هُوَ السِّرُّ الْعَجِيبُ فِي انْتِصَارِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ.

 

وَإِنَّ أُمَّةً زَادَتْ مُفْرَدَاتُ الصَّبْرِ فِي كِتَابِهَا الْكَرِيمِ عَلَى مِئَةٍ لَحَقِيقَةٌ أَنْ تَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ، وَأَنْ تُحَقِّقَ بِهِ النَّصْرَ مَهْمَا كَانَتْ قُوَّةُ أَعْدَائِهَا؛ ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 146-148].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ فِي مَعَارِكِ الْإِنْسَانِ طِيلَةَ حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ -بَعْدَ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى- إِلَّا بِجُهْدٍ كَبِيرٍ يَبْذُلُهُ الْعَبْدُ؛ لِيَكُونَ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ عَمَلُهُ لِيَنَالَ الصَّبْرَ:

التَّصَبُّرُ، وَهُوَ تَكَلُّفُ الصَّبْرِ، أَيْ: يَقْهَرُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ، فَإِذَا رَأَى اللَّهُ تَعَالَى صِدْقَهُ فِي طَلَبِ الصَّبْرِ بِتَصَبُّرِهِ أَنَالَهُ الصَّبْرَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ ‌يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَنْ تَنْتَصِرَ أُمَّةٌ عَلَى أَعْدَائِهَا إِلَّا وَهِيَ تَتَصَبَّرُ فِي مَعَارِكِهَا، وَتَتَجَلَّدُ فِي نَكَبَاتِهَا، وَتُرَبِّي أَفْرَادَهَا عَلَى الصَّبْرِ، وَتَزْرَعُ فِي قُلُوبِهِمُ الْيَقِينَ، مَهْمَا نَزَفَتْ جِرَاحُهَا، وَدُمِّرَ عُمْرَانُهَا، وَنَالَ مِنْهَا عَدُوُّهَا، فَالْعَاقِبَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهَا بِصَبْرِهَا وَتَصَبُّرِهَا وَيَقِينِهَا، قَالَ زِيَادُ بْنُ عَمْرٍو: «كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَلَمَ الْجِرَاحِ، وَلَكِنَّا نَتَفَاضَلُ بِالصَّبْرِ».

 

وَيُنَالُ الصَّبْرُ بِالدُّعَاءِ: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 250-251]، وَمَا أَبْلَغَ التَّعْبِيرَ بِالْإِفْرَاغِ، الَّذِي هُوَ الصَّبُّ الْكَثِيرُ، فَهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِمْ صَبْرًا كَثِيرًا يَمْلَأُ قُلُوبَهُمْ، وَيُثَبِّتُ بِهِ أَقْدَامَهُمْ.

 

وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ: تَذَكُّرُ أَجْرِ الصَّابِرِينَ: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 10]، وَالْيَقِينُ بِأَنَّ عَاقِبَةَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ نَصْرٌ وَإِمَامَةٌ: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 24]، وَفِي الْآخِرَةِ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّعِيمِ: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 111]، ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 12]، وَإِنَّ عَبْدًا يَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحَافِظُ عَلَى فَرَائِضِهِ، وَيَصْبِرُ عَنِ الْمَعَاصِي مَهْمَا كَانَتِ الْمُغْرِيَاتُ لَنْ يُخْذَلَ أَبَدًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْعَدَ فِي حَيَاتِهِ وَيَنْجَحَ، وَيَجِدَ لَذَّةَ الطَّاعَةِ، وَكَرَاهِيَةَ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنَّ أُمَّةً يَصْبِرُ أَفْرَادُهَا فِي مَعَارِكِهِمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ لَا بُدَّ أَنْ تَنْتَصِرَ فِي آخِرِ الْمَطَافِ مَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّةُ أَعْدَائِهَا؛ ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 34].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصبر (خطبة)
  • عبادة الصبر (خطبة)
  • تقوية القلب على لزوم الحق (خطبة)
  • محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
  • يوم الحسرة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من أسباب النصر والتمكين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصبر وثمراته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: غرس الإيمان في قلوب الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الخير فيما اختاره الله وقسمه لكل عبد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: غرس الإيمان في قلوب الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: سورة الفاتحة فضائل وهدايات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الصمت حكمة وقليل فاعله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعمة الطعام ومحنة الجوعى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق كبار السن في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/3/1447هـ - الساعة: 16:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب