• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بر الوالد.. وعقوقه..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: إن امرأتي لا ترد يد لامس
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    منع انتقال عدوى أمراض الباطنة في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة النبي صلى الله عليه وسلم والشعر
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    النوم الصحي والارتجاع المريئي في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    المولد النبوي: رؤية تاريخية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخلال النبوية (29) {يتبعون الرسول النبي الأمي}
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    كان - صلى الله عليه وسلم - خلقه القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    فضل الصبر على البلاء
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الحلوى في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الخل إدام وغذاء ودواء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاعتراض بطريق التماس إعادة النظر (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    بر وعقوق الوالدين (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الانتصار للسنة النبوية (6) تضحيات علماء الحديث

الانتصار للسنة النبوية (6) تضحيات علماء الحديث
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/11/2020 ميلادي - 3/4/1442 هجري

الزيارات: 15874

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الانتصار للسنة النبوية (6)

تضحيات علماء الحديث

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَفِيظِ الْعَلِيمِ؛ حَفِظَ الْإِسْلَامَ مِنَ الِانْدِثَارِ وَالزَّوَالِ وَالتَّدْمِيرِ، وَصَانَهُ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَنْ رَأَى عَجَائِبَ خَلْقِهِ، وَبَدِيعَ صُنْعِهِ، وَتَأَمَّلَ حِكْمَتَهُ فِي شَرَائِعِهِ، وَتَدَبَّرَ آيَاتِ كِتَابِهِ؛ عَلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الرَّبُّ الْمَعْبُودُ الَّذِي خَلَقَ فَأَبْدَعَ، وَشَرَعَ فَأَحْكَمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ انْبَرَى لِحِفْظِ سُنَّتِهِ أَعْلَامٌ أَفْذَاذٌ، قَضَوْا حَيَاتَهُمْ كُلَّهَا فِي تَتَبُّعِ أَحَادِيثِهِ حَتَّى جَمَعُوهَا، وَأَزَالُوا مَا حَاوَلَ الْعَابِثُونَ وَالْجَاهِلُونَ أَنْ يُدْخِلُوهَا فِيهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْهَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّهُمَا طَرِيقُ الْجَنَّةِ ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ: 113]، وَالْحِكْمَةُ هِيَ السُّنَّةُ، فَهِيَ وَحْيٌ كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ وَحْيٌ ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النَّجْمِ: 3- 4].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: عِلْمُ الْحَدِيثِ عِلْمٌ عَزِيزٌ شَرِيفٌ، وَهُوَ أَدَقُّ عِلْمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِلَا مُنَازِعٍ، يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ دَرَسَهُ وَسَبَرَهُ وَتَعَمَّقَ فِيهِ. وَالْقُرْآنُ يُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَيُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَوَجَّهَتِ الْهِمَمُ إِلَى حِفْظِهِ فَوْرَ نُزُولِهِ. وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ لَا يُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَلَا يُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ حُفَّاظُهُ فِئَةً مَخْصُوصَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَوَضَعَ الْمُحَدِّثُونَ مِنْ مَعَايِيرِ ضَبْطِ الْحَدِيثِ مَا لَوْ طُبِّقَ عَلَى الْعُلُومِ الْأُخْرَى لَمْ تَصْمُدْ أَمَامَهُ، وَلَوْ أُجْرِيَتْ دِقَّةُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الرِّوَايَاتِ التَّارِيخِيَّةِ لَمَا بَقِيَ تَارِيخٌ، وَلَوْ أُجْرِيَتْ عَلَى الْأَخْبَارِ الْمُعَاصِرَةِ لَمَا سَلِمَ خَبَرٌ؛ إِذْ هِيَ مِنَ الدِّقَّةِ وَالْمَتَانَةِ بِمَا لَا يَتَصَوَّرُهُ إِلَّا مَنْ دَرَسَ هَذَا الْعِلْمَ الشَّرِيفَ وَعَرَفَهُ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّأْنِ يَطُولُ، وَحَسْبُنَا أَنْ نَأْخُذَ طَرَفًا مِنْ تَضْحِيَاتِ الْمُحَدِّثِينَ؛ لِنَرَى الْعَجَبَ الْعُجَابَ فِي هَذَا الْبَابِ.

 

كَانَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ غُلَامًا يَافِعًا قَدْ نَاهَزَ الْبُلُوغَ، فَبَاعَ وَالِدُهُ عَمَّارُ بْنُ نُصَيْرٍ بَيْتَهُ فِي دِمَشْقَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُجَهِّزَ وَلَدَهُ لِيَرْحَلَ إِلَى الْحِجَازِ لِلْحَجِّ، وَلِيَسْمَعَ مِنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ مَجْلِسَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ، وَكَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُهَابًا، وَمَجْلِسُهُ وَقُورًا، فَوَقَفَ الْغُلَامُ هِشَامٌ يَسْأَلُ، قَالَ يَحْكِي ذَلِكَ: «فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: حَصَلْنَا عَلَى الصِّبْيَانِ، يَا غُلَامُ، احْمِلْهُ. فَحَمَلَنِي كَمَا يُحْمَلُ الصَّبِيُّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ مُدْرِكٌ، فَضَرَبَنِي بِدِرَّةٍ مِثْلِ دِرَّةِ الْمُعَلِّمِينَ سَبْعَ عَشْرَةَ دِرَّةً، فَوَقَفْتُ أَبْكِي. فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيكَ؟ أَوْجَعَتْكَ هَذِهِ الدِّرَّةُ؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبِي بَاعَ مَنْزِلَهُ، وَوَجَّهَ بِي أَتَشَرَّفُ بِكَ، وَبِالسَّمَاعِ مِنْكَ، فَضَرَبْتَنِي؟ فَقَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَسَأَلْتُهُ عَمَّا كَانَ مَعِي مِنَ الْمَسَائِلِ، فَأَجَابَنِي...»، «فَقُلْتُ لَهُ: زِدْ مِنَ الضَّرْبِ، وَزِدْ فِي الْحَدِيْثِ. فَضَحِكَ مَالِكٌ، وَقَالَ: اذْهَبْ».

 

هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي ضَحَّى أَبُوهُ بِدَارِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَرْحَلَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ مَاذَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ؟ لَقَدْ كَبِرَ وَتَعَلَّمَ وَصَارَ فِي الْحَدِيثِ شَيْخًا لِلْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ؛ صَاحِبِ الصَّحِيحِ. وَصَارَ فِي الْقِرَاءَاتِ رَاوِيًا لِقَارِئِ الشَّامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصُبِيِّ، وَقِرَاءَتُهُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَصَارَ قَاضِيَ دِمَشْقَ، وَخَطِيبَ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، فَخَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَالِدِهِ فِي بَيْعِ بَيْتِهِ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ وَلَدِهِ، فَصَارَ إِمَامًا فِي الْقِرَاءَةِ وَفِي الْحَدِيثِ وَوَلِيَ الْقَضَاءَ وَالْخَطَابَةَ.

 

وَالْمُحَدِّثُونَ يُضَحُّونَ بِالْمَالِ فِي سَبِيلِ الْحَدِيثِ، وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ؛ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، كَانَ أَبُوهُ وَاسِعَ الثَّرَاءِ، فَخَلَّفَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مِلْيُونًا وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَنْفَقَهَا كُلَّهَا عَلَى الْحَدِيثِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ نَعْلٌ يَلْبَسُهَا.

 

وَلِلْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ فِي التَّضْحِيَةِ بِالْمَالِ الطَّائِلِ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ السُّمْعَةِ لِئَلَّا يُرَدَّ حَدِيثُهُ؛ إِذْ وَرِثَ مِنْ وَالِدِهِ مَالًا طَائِلًا، وَرَكِبَ الْبَحْرَ أَيَّامَ الطَّلَبِ، وَمَعَهُ أَلْفُ دِينَارٍ فِي صُرَّةٍ -وَهُوَ مَبْلَغٌ كَبِيرٌ جِدًّا- فَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ أَحَدُ رُكَّابِ السَّفِينَةِ حَتَّى عَرَفَ صُرَّةَ الْمَالِ، ثُمَّ صَاحَ فِي النَّاسِ أَنَّهُ قَدْ سُرِقَ مِنْهُ صُرَّةٌ فِيهَا أَلْفُ دِينَارٍ، فَفَتَّشُوا رُكَّابَ السَّفِينَةِ بِمَنْ فِيهِمُ الْبُخَارِيُّ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا. وَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ مِنَ السَّفِينَةِ جَاءَ الرَّجُلُ الْمُفْتَرِي إِلَى الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ وَسَأَلَهُ: «مَاذَا فَعَلَ بِصُرَّةِ الدَّنَانِيرِ؟ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: أَلْقَيْتُهَا فِي الْبَحْرِ! قَالَ: كَيْفَ صَبَرْتَ عَلَى ضَيَاعِ هَذَا الْمَالِ الْعَظِيمِ؟ فَقَالَ لَهُ الْبُخَارِيُّ: يَا جَاهِلُ، أَتَدْرِي أَنَّنِي أَفْنَيْتُ حَيَاتِي كُلَّهَا فِي جَمْعِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَفَ الْعَالَمُ ثِقَتِي، فَكَيْفَ كَانَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَجْعَلَ نَفْسِي عُرْضَةً لِتُهْمَةِ السَّرِقَةِ؟! وَهَلِ الدُّرَّةُ الثَّمِينَةُ -وَهِيَ الثِّقَةُ وَالْعَدَالَةُ- الَّتِي حَصَلْتُ عَلَيْهَا فِي حَيَاتِي أُضَيِّعُهَا مِنْ أَجْلِ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ؟!».

 

وَأَمَّا تَضْحِيَاتُ الْمُحَدِّثِينَ بِأَوْقَاتِهِمْ وَرَاحَتِهِمْ وَنَوْمِهِمْ مِنْ أَجْلِ تَحْصِيلِ الْحَدِيثِ فَعَجَبٌ يُرْوَى، وَهُوَ مِنْ مَفَاخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْحِرْصِ عَلَى كَلَامِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَارِزِينَ فِي الْحَدِيثِ يَحْجِزُ مَكَانَ دَرْسِهِ قَبْلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَلَيْسَ حَجْزُهُ بِأَنْ يَضَعَ فِيهِ سَجَّادَةً أَوْ نَحْوَهَا، بَلْ يَجْلِسُ فِي مَكَانِهِ مُرَابِطًا قَبْلَ الدَّرْسِ بِلَيْلَةٍ مِنْ شِدَّةِ الزِّحَامِ عَلَى الشَّيْخِ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ دَرَسْتَوَيْهِ: «كُنَّا نَأْخُذُ الْمَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَقْتَ الْعَصْرِ الْيَوْمَ، لِمَجْلِسِ غَدٍ، فَنَقْعُدُ طُولَ اللَّيْلِ؛ مَخَافَةَ أَنْ لَا نَلْحَقَ مِنَ الْغَدِ مَوْضِعًا نَسْمَعُ فِيهِ».

 

وَلَا شَيْءَ أَشَدَّ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعُ الْحَدِيثِ مِنَ الشَّيْخِ، قَالَ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ: «ذَكَرُوا لِشُعْبَةَ حَدِيثًا لَمْ يَسْمَعْهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: وَاحُزْنَاهُ». وَقَالَ شُعْبَةُ: «إِنِّي لَأُذَاكَرُ بِالْحَدِيثِ قَدْ فَاتَنِي فَأَمْرَضُ».

 

وَمِنْ شِدَّةِ وَلَعِهِمْ بِطَلَبِ الْحَدِيثِ يَتْرُكُونَ الْأَكْلَ وَالنَّوْمَ وَالرَّاحَةَ لِأَجْلِهِ إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَلَى أَحَدِهِمْ، وَخَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعُ الْحَدِيثِ؛ كَمَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مِصْرَ لِطَلَبِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ وَقْتُهُ ضَيِّقًا؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ أَبَاهُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ لَا يَسْتَطِيعُ تَجَاوُزَهُ، فَكَرَّسَ وَقْتَهُ كُلَّهُ لِسَمَاعِ الْحَدِيثِ وَكِتَابَتِهِ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ نَأْكُلْ فِيهَا مَرَقَةً، نَهَارَنَا نَدُورُ عَلَى الشُّيُوخِ، وَبِاللَّيْلِ نَنْسَخُ وَنُقَابِلُ، فَأَتَيْنَا يَوْمًا -أَنَا وَرَفِيقٌ لِي- شَيْخًا، فَقَالُوا: هُوَ عَلِيلٌ، فَرَأَيْنَا فِي طَرِيقِنَا سَمَكًا أَعْجَبَنَا، فَاشْتَرَيْنَاهُ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الْبَيْتِ حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِسِ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَلَمْ يُمْكِنَّا إِصْلَاحُهُ، فَمَضَيْنَا إِلَى الْمَجْلِسِ فَلَمْ يَزَلِ السَّمَكُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَادَ أَنْ يَتَغَيَّرَ، فَأَكَلْنَاهُ نِيئًا لَمْ نَتَفَرَّغْ نَشْوِيهِ.. ثُمَّ قَالَ: لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ!» وَلَمَّا تَعَجَّبَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَثْرَةِ نَقْلِهِ لِكَلَامِ أَبِيهِ الْإِمَامِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ أَجَابَهُمْ قَائِلًا: «رُبَّمَا كَانَ يَأْكُلُ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَمْشِي وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ الْخَلَاءَ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ فِي طَلَبِ شَيْءٍ وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ».

 

فَرَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ الْأَئِمَّةَ الْأَعْلَامَ الَّذِينَ سَخَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِفْظِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَتَنْقِيَتِهَا مِمَّا أُدْخِلَ فِيهَا، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ؛ فَإِنَّنَا نُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَحَبَّتِهِمْ فِيهِ، بِمَحَبَّتِهِمْ لِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَصَحُّ الْكُتُبِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ. لَكِنْ لَمْ يَنَلْ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ اعْتِبَاطًا أَوْ مُجَامَلَةً لِلْبُخَارِيِّ. بَلْ وَضَعَ الْعُلَمَاءُ عَبْرَ الْأَجْيَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ عَلَى مَشْرَحَةِ النَّقْدِ، وَشَرَّحُوهُ حَدِيثًا حَدِيثًا، وَجُمْلَةً جُمْلَةً، وَكَلِمَةً كَلِمَةً، وَإِسْنَادًا إِسْنَادًا، وَرَاوِيًا رَاوِيًا، وَمَا تَرَكُوا شَارِدَةً وَلَا وَارِدَةً يُنْتَقَدُ فِيهَا الْبُخَارِيُّ إِلَّا فَحَصُوهَا وَدَرَسُوهَا حَتَّى وَصَلُوا لِحُكْمِهِمْ بِأَنَّهُ أَصَحُّ الْكُتُبِ بَعْدَ الْقُرْآنِ. كَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَضَعَ مِنْ مَعَايِيرِ قَبُولِ الْحَدِيثِ وَشُرُوطِهِ مَا لَوْ طُبِّقَ عَلَى الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ لَمَا احْتَمَلَتْهَا، وَانْهَارَتْ أَمَامَ شِدَّتِهَا.

 

وَخُذُوا هَذِهِ الْحَادِثَةَ الطَّرِيفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَصَاحِبُهَا الْإِمَامُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، أَخَذَهُ بِالتَّلَقِّي عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَشْهَرِ تَلَامِيذِ الْبُخَارِيِّ، وَأَكْثَرِهِمْ حِفْظًا وَتَدْقِيقًا، وَنُسْخُتُهُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ، وَمَرَّ بِأَبِي ذَرٍ الْهَرَوِيِّ كَلِمَةٌ غَرِيبَةٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ إِذْ سَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَكَرَّرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَانْصَرَفَ عُمَرُ وَهُوَ يَقُولُ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ». فَفِي كَلِمَةِ «نَزَرْتَ» قَالَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ: «سَأَلْتُ مَنْ لَقِيتُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَا أَجَابُوا إِلَّا بِالتَّخْفِيفِ». سُبْحَانَ اللَّهِ!! أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهُوَ يَسْأَلُ الْعُلَمَاءَ عَنْ ضَبْطِ كَلِمَةٍ فِي الْحَدِيثِ؛ هَلْ هِيَ بِالتَّشْدِيدِ أَمْ بِالتَّخْفِيفِ!!

 

وَبَعْدَ كُلِّ جُهُودِ الْمُحَدِّثِينَ الْإِعْجَازِيَّةِ يَأْتِي مَنْ يُرِيدُ التَّطَاوُلَ عَلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ!! وَمَنْ يُرِيدُ الشُّهْرَةَ بِالطَّعْنِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! وَمَنْ يُرِيدُ التَّسَلُّقَ بِالتَّشْكِيكِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ؛ لِيَقُولَ لِلنَّاسِ: هَا أَنَا ذَا هُنَا.. يَحْمِلُ كِبْرَ ذَلِكَ قَوْمٌ يَشْتَرُونَ دُنْيَاهُمْ بِدِينِهِمْ.. وَمِنْهُمْ جَهَلَةٌ فِي الدِّينِ لَا يُحْسِنُ وَاحِدُهُمْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرَ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ فِي حَيَاتِهِ.. وَلَكِنَّهُ زَمَنُ تَسْوِيقِ الْجَهَالَةِ، وَتَصْدِيرِ الْجُهَّالِ.. وَالسُّنَّةُ عَزِيزَةٌ مَحْفُوظَةٌ بِعِزِّ اللَّهِ تَعَالَى لِدِينِهِ، وَحَفْظِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ الْكَارِهِينَ، وَلَكِنَّهُمْ يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَضُرُّونَ مَنْ يَسْتَمِعُ لَهُمْ، وَمَنْ يَتَلَقَّى عَنْهُمْ جَهْلَهُمْ وَانْحِرَافَهُمْ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 38].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الانتصار للسنة النبوية (5) امتحان الرواة في حديثهم

مختارات من الشبكة

  • قطاف حديثية من جوامع الكلم النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المشاكل الأسرية وعلاجها في ضوء السنة النبوية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • منع انتقال عدوى أمراض الباطنة في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • النوم الصحي والارتجاع المريئي في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الحلوى في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الإحصاء في القرآن الكريم والسنة النبوية: أبعاد ودلالات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلاج بأبوال الإبل في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • حلق رأس المولود حماية ووقاية في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • العناية بالشفتين في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • حف الشارب وإزالة شعر الإبطين والعانة في السنة النبوية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/3/1447هـ - الساعة: 16:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب