علاقتي مع أمي مضطربة

بسم الله الموفق للصواب

وهو المستعان

سلامٌ عليك، أما بعدُ:

فلا ريبَ أنَّ حياةً بلا رفيقٍ تطيب به الصحبة، ويؤنس في الوحشة - هي حياة مُوحشة؛ تنقصها حرارةُ القرب، ولَذاذةُ الأنس، ولكن الزواج في حدِّ ذاته ليس المصدرَ الوحيد للسعادة والرفاهية والإشباع، بخاصة إن لم يكن شريكُ الحياة مُوافقًا لشريكه في كافة الأحوال، ومكافئًا له فكريًّا وعاطفيًّا وجنسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.

مشكلتك - يا عزيزتي - أنك تنظرين إلى حالتك الاجتماعية بصفتك "آنسة"، وإلى صديقاتك باعتبارهن "سيدات"، فيحزنك الأمر، ولكن لو تقشعتْ أحوالهنَّ لتكشفت لك عن أمورٍ تحمدين الله لأجْلها على أنك لا تزالين عزيزةً مُكَرَّمة في بيت أهلك!

والدتُك الكريمة امرأةٌ رائعةٌ بشهادتك، ولأنها رائعة لم تشأْ أن تلقي بك في المواضع التي تعاني منها بعضُ صديقاتك اللاتي رغِبْنَ في الزواج هربًا من بيوت أهاليهنَّ، أو خوفًا مِن تأخُّر الزواج، والأهم أنه من الواضح جدًّا أنها تحاول حمايتك (بإفراطٍ) مِن الوقوع في خطأ الاختيار الذي وقعت هي فيه بزواجها مِن رجلٍ يُعاني مِن الفِصام!

أنا على يقين من أنها لن تحرمك اليوم حرية الاختيار بعد أن بلغتْ هذه السن، لكنها بحاجةٍ إلى الشعور بالاطمئنان من أنك ستُحسنين اختيارَ شريك حياتك، وأنك لن تُمَزِّقي قلبها بتسليم نفسك لرجل يشقيك بهذا الزواج!

تقربي من والدتك، واكسبي صداقتها؛ واشكريها لأنها لم تلجئك إلينا لمشاورتنا في أمر الطلاق!

مشكلتك الثانية تعكس نقصًا في مهاراتك الاجتماعية، لعلك بحاجة إلى تعويد نفسك التلقائية، وتحرير نفسك من القلق الاجتماعي والأفكار المُسبَقة التي تحبس الكلام في داخلك.

ربما يساعدك أسلوبُ إنطاق المشاعر Feelings talk على حل هذه المشكلة؛ وهو أسلوبٌ سُلُوكيٌّ لتوكيد الذات، يهدف إلى التشجيع على التعبير المتعمد والواعي عن الانفعالات والمشاعر بمفرداتٍ وجُمَل صريحةٍ وواضحةٍ ومنطوقةٍ.

ابدئي مع والدتك، عبِّري لها بوعيٍ وعن قصدٍ عن مشاعرك؛ سواء كانتْ هذه المشاعر للتعبير عن حزنك، أو استيائك، أو سعادتك، أو غيرها من المشاعر التي تتحرك وتضطرب بداخلك، وتذكَّري أنك حين لا تُعَبِّرين عن مشاعرك الحقيقية بالكلمات، فإنها تظهر لا شُعُوريًّا في سلوكك في صورٍ غير لفظيَّة؛ مثل: حساسيتك الزائدة، وقلة مجالستك، وقلة كلامك، ونحو ذلك، ثم متى نجحت في إنطاق مشاعرك مع والدتك، فتدرجي في التعبير عن مشاعرك مع الآخرين، من الأقرب إلى الأبعد، حتى تَصلي إلى المرحلة التي تمتلكين فيها المقْدِرةَ على التعبير عن مشاعرك أمام أشخاص لا تعرفينهم، واستفيدي من كُتُب تطوير المهارات الاجتماعية في تنمية مهاراتك الاجتماعية، وتدريبك على التواصُل الفَعَّال مع الآخرين، مع خالص الدعوات والأُمنيات بالتوفيق والتأييد والسَّداد.

كوني بخيرٍ في كنف الله وأمانه ورعايته

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب