حائرة بين إتمام الدراسة وقبول الزواج

أهلاً بك عزيزتي، وشُكرًا لثقتك في (الألوكة).

جميل جدًّا أنْ يكون هناك شابَّة مثقَّفة وطموح، تسعى للعلم والتعلُّم والعمل، مُتفوِّقة وذات همَّة عالية، وفي الوقت ذاته ملتزمة بدِينها وخلوق، وصاحبة مبادئ وقِيَم.

وكان الله في عَوْنك على ما ترَيْن وما تُواجهين من أمورٍ قد يضعُف لها القلب، أو تميل لها النفس؛ فنحن بشرٌ تميل نفوسنا للَّعِب والمرح، وتنبض قلوبنا بالرغبة في أنْ نكون محبوبين من شخصٍ ما يُفكِّر فينا ويهمُّه أمرنا.

ولكن كما ورد في "صحيح مسلم" عن النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات))، فالجنَّة تحتاجُ منَّا للصبر والعزيمة، وتذكير أنفسنا دائمًا بالجزاء العظيم الذي ينتَظِرنا.

والله سبحانه وضَع لنا أمورًا وأشياء تُساعِدنا على الصبر والتحمُّل ومواجهة الأمور، وإشباع الحاجات والرغبات، والزواجُ من هذه الأمور التي تُساعِدنا على الاستقرار نفسيًّا وروحيًّا، خُصوصًا إذا كان زواجًا سعيدًا ومبنيًّا على رغبةٍ وتفهُّم واقتناع من كلا الطرفين، عندها سيكون خيرَ مُعِين لنا في طريقنا.

الآن أنتِ محتارة ما بين ترك الدراسة خوفًا على نفسك ودِينك، والزواج من شخصٍ ذي خُلُقٍ ودِين، وما بين إكمال الدراسة وتأجيل أمر الزواج لوقتٍ لاحق.

وحتى نحسِم الأمر ونُقرِّر القَرار الصائب، علينا أنْ نُقرِّر بناءً على الصورة النهائيَّة؛ أي: الصورة التي تريدين أنْ تكون حياتك عليها بعد عشرين عامًا؛ كيف تتخيَّلين حياتك؟ وأين أنتِ؟ وماذا تملكين؟ وما الذي تَفعَلِينه وتنشَغِلين به؟ تخيَّلي وتصوَّري واكتُبي؛ حتى تشعُري أنَّ الصورة أمامك قد اكتملتْ، وأنَّك كتبت كلَّ ما تخيَّلتِه وشعرتِ به ورغبتِ فيه، ثم بناءً على هذه الصورة اتَّخذي قَراراتك.

الدراسة أمرٌ مهم، وشَهادة البكالوريوس صارت شيئًا مطلوبًا وشبهَ أساسي للفتاة، وأنت تملكين الرغبة والقُدرة والدافع الذي تدرسين لأجله، وفي الوقت نفسه هناك ما يُزعِجك ويُضايِقك، ولكن في كلِّ مكان في الحياة سنجد ما يُزعِجنا، حتى ولو كنَّا سعداء به، سيكون هناك ما يُعكِّر علينا صفوَ هذه السعادة، ولو كان أمرًا بسيطًا، وأنتِ عليك أنْ تعرفي ما الأمر الذي تستطيعين أنْ تتحمَّليه وتَصبِري عليه، وما الأمر الذي لا يمكن تحمُّله بالنسبة لكِ؟ وقرِّري بناءً على ذلك، إمَّا أنْ تكملي دِراستك في هذا التخصُّص وهذه المدرسة، أو تنتقلي لتخصُّص آخَر يناسبك أكثر ويناسب طبيعتك، أنتِ أدرى الناس بنفسك.

أمَّا الزواج فهو فطرة البشر التي فطرنا الله عليها، وعمود مهم وأساس لقِيام الحياة، ونحن محتاجون أنْ نشبع حاجتنا العاطفيَّة والجسديَّة، لكن يجب أنْ نُحسِن الاختيار في البداية؛ حتى نعيش حياة سعيدة وناجحة في النهاية.

فقد يكون المتقدِّم لكِ خلوقًا وطيِّبًا وعلى دِين وصلاح، لكنَّه لا يناسبك ومختلف عنك في الطِّباع والصفات؛ لذا يجب أنْ تُحدِّدي المواصفات الخُلُقيَّة، والأمور الأساسيَّة التي ترغَبِين أنْ تكون موجودة في شريك حياتك، ثم الأمور التي لا تتمنين وجودَها، والأمور التي لا تحتَمِلينها أبدًا، ولا تستطيعين العيش برفقتها، ثم تُقارِنيها بالشخص المتقدِّم، ومدى انطِباقها عليه؛ فإنْ كان مناسبًا ويحمل الكثير من الصفات التي ترغبينها وارتحتِ له بعد الرؤية الشرعيَّة، فاستَخِيري وتوكَّلي على الله، ثم قرِّري.

فالزواج إنْ كان ناجحًا وسعيدًا، يُساعِدنا كثيرًا على الشُّعور بالاستِقرار النفسي والأمان؛ وبالتالي يزيد من صبرنا وقُدرتنا على مُواجَهة وتحمُّل ضغوط الحياة ومَصاعبها؛ لأنَّ جزءًا كبيرًا من قُلوبنا وأرواحنا امتلأ واستقرَّ بعدما شعر بالراحة والسعادة والأمان.

وربما كان في مقدوركِ أنْ تجمَعِي بين الاثنين، وتتَّفِقي مع الخاطب أنْ تُؤجِّلا الزواج حتى تنتهي سنو دِراستك، إن لم يتبقَّ لها وقتٌ طويل كما يتَّضح من عمرك.

أرجو أنْ أكون قد أفدتكِ وساعدتك عزيزتي، فمهمَّتي أنْ أوضح لكِ الأمور، وأذكُر لكِ حسناتها وسيئاتها، وأذكُر لكِ خيارات وأمورًا من زاويةٍ قد تخفى عليكِ، ولكن القَرار في النهاية بيدكِ أنتِ، وأنتِ وحدَك التي ستُقرِّر؛ لأنها حياتك، وأنتِ مَن سيعيشها كاملةً بحلوِها ومرِّها.

لذا؛ استَخِيري كثيرًا، وادعي الله كثيرًا في جوف الليل وأوقات الإجابة.

أسأله سبحانه أنْ يُوفِّقك في الاختيار الصائب الصحيح، ويفتح بصيرتك، ويُيسِّر أمرك، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وتابعينا بأخبارك

وراسِلِينا متى ما احتجتِ المشورة