الحيرة بين الزواج ومساعدة الأهل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
السائل الفاضل، أرحب بك في موقع الألوكة، وعسى أن تجد في هذه السطور بُغيتك.

تسألني: ماذا أقول لهذه الفتاة التي آلت على نفسها خدمة أهلها، ومساعدتهم ثم تَتَفرَّغ لنفسها وحياتها؟
قبل أن أتم قراءة رسالتك، أدركت أنَّ هذه البنت غالبًا ستكون الوُسطى في أسرتها، الابن أو البنت الوُسطى بين الأبناء يَحملون هذه المشاعر: مشاعر الكبار والصِّغار في آن واحد، وتصيبهم الحَيْرة من توقعات الآخرين حيالهم، فهم ليسوا بالكبار لينضموا لهم، وليسوا بالصغار لينضموا لهم، إضافة إلى أن هذه الفتاة لديها مشاعر وحساسية مفرطة، ربَّما تجاه ما قدَّمه لها أخوها الكبير ووالدتها؛ لتتم تعليمها وهم أقرب للفقر من الثراء، فلِتَشْعر بالارتياح والرِّضا عن ذاتها (وتقدر ذاتها)؛ آثرت أنْ تردَّ لهم شيئًا من المعروف، ثم تتفرغ لنفسها.

ماذا نقول لها؟
علينا أن نتعامل معها من هذا المنطلق: منطلق التقدير والاحترام لمشاعرها وجهودها ووفائها، وعدم تخطيئها.

ومن هذا المنطلق نقول لها: إنَّها تستطيع القيام بالأمرين معًا، وليس الأمران مرتبطين ببعضهما، "ليسا سبب ونتيجة؛ أي: ليس إنْ لَم تتزوج وترتبط بحياة أسرية تستطيع مساعدة أهلها، والعكس صحيح".

بمعنى: أنَّها إنْ تقدَّم لها الشخصُ المناسب الذي ترضى دينه وأمانته، فلا ترفضه بدعوى التفرُّغ لرد الجميل لأهلها؛ بل توافق عليه، فقد يعينها أكثر على برِّ أمها، ولكنَّها قد توضح له أنَّها لو تسلمت عملاً، فسيكون مردوده كله أو بعضه لأهلها الذين هم بحاجة فعلاً لها، "ولا مانع أن يكون ذلك شرطًا يكتب بعقد الزواج، والمؤمنون على شروطهم".

ورد الجميل أيضًا يكون بالدُّعاء لهم باستمرار - وهذا ربَّما أكثر الوسائل جدوى - وزيارتهم، وتفقُّد أحوالهم، وتقديم الهدايا اليسيرة لهم، والتعبير عن حبِّها لهم وتقديرها لما قدموه لها، وهذه وسيلة مؤثرة جدًّا وفعالة أيضًا؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -:((من لم يشكر الناس لم يشكر الله))، والواحد منا عندما يُشكَر لجهدٍ قدَّمه، يشعر بالرِّضا أن جهده لم يضع هباء، ويُحفزه هذا للمزيد من العطاء، ولا يتعارض هذا مطلقًا مع إخلاص العمل لله.

وعليها أن تدعو الله - جل وعلا - لنفسها أن يسخِّر لها الطُّرق والوسائل التي تُمكن لها ويوفقها، ويقبل منها هذا خالصًا لوجهه - تعالى.

وبلِّغها تقديري واحترامي لمشاعرها الراقية ووفائها.

وفقها الله وسددّها.