• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    يا معاشر المسلمين، زوجوا أولادكم عند البلوغ: ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الأحاديث الطوال (23) وصول النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ففروا إلى الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    زمان الدجال.. ومقدمات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة الملائكة
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    استراتيجيات تحقيق الهدف الأول لتدريس المفاهيم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته؟
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قسوة القلب (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التمهيد للدرس (عرض تقديمي)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الخليل عليه السلام (3) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)

الخليل عليه السلام (3)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/3/2021 ميلادي - 18/8/1442 هجري

الزيارات: 23500

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخليل عليه السلام (3)

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ﴾

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الِاخْتِيَارُ وَالِاصْطِفَاءُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَصْطَفِي مِنْ خَلْقِهِ مَنْ يَحْمِلُونَ رِسَالَاتِهِ إِلَى الْبَشَرِ ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الْحَجِّ: 75]. وَلَمَّا اعْتَرَضَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الِاصْطِفَاءِ وَقَالُوا: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ﴾ كَانَ الْجَوَابُ عَلَيْهِمْ: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 124].

 

وَاصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَّا نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَ ذِكْرَهُ فِي الْقُرْآنِ، مُبَيِّنًا مَوَاقِفَهُ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ، وَأَوْصَافَهُ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا أَنْ يَكُونَ أُمَّةً كَامِلَةً وَهُوَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أُمَّةٍ مُؤْمِنَةٍ مِنَ الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ اجْتَمَعَ فِي الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَوُصِفَ بِأَنَّهُ وَحْدَهُ أُمَّةٌ ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 120]. وَالْأُمَّةُ هُوَ الْقُدْوَةُ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ، «قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «الْأُمَّةُ الَّذِي يُعَلِّمُ الْخَيْرَ». وَهُوَ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ، وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ صِفَاتٍ مِنَ الْخَيْرِ تَفَرَّقَتْ فِي غَيْرِهِ.

 

وَمَنْ قَرَأَ سِيرَةَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْقُرْآنِ وَجَدَ أَنَّ أَعْمَالَهُ الَّتِي قَامَ بِهَا أَعْمَالُ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَهُوَ كَانَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالنَّاسُ كَانُوا عَلَى الْكُفْرِ، لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ فِي وَقْتِهِ سِوَاهُ وَزَوْجُهُ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَّةُ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَزَوْجَهُ مِنَ الْجَبَّارِ الظَّالِمِ.

 

فَحَمَلَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِيمَانَ وَحْدَهُ، وَدَعَا إِلَيْهِ وَحْدَهُ، وَهَاجَرَ فِي سَبِيلِهِ، وَجَادَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، وَأُوذِيَ بِتَمَسُّكِهِ بِهِ؛ فَنَاظَرَ عُبَّادَ الْكَوَاكِبِ، وَنَاظَرَ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ، وَنَاظَرَ الْمَلِكَ الَّذِي ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، وَحَاوَرَ أَبَاهُ وَنَصَحَهُ، وَهُوَ فِي كُلِّ مُنَاظَرَاتِهِ رَابِطَ الْجَأْشِ، مَاضِيَ الْعَزِيمَةِ، ثَابِتًا عَلَى الْحَقِّ، لَمْ يَغْتَرَّ بِزُخْرُفِ قَوْلِهِمْ، وَلَمْ يَطْمَعْ فِي تَرْغِيبِهِمْ، وَلَمْ يَرْهَبْ مِنْ وَعِيدِهِمْ، فَدَحَضَ حُجَجَهُمْ، وَبَيَّنَ لَهُمْ شِرْكَهُمْ، وَأَعْلَنَ تَوْحِيدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ: ﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 78-79]. وَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى إِحْرَاقِهِ لَمْ يَضْعُفْ وَلَمْ يَهِنْ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 95 - 98].

 

وَلَمَّا اسْتَبَانَ لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُفْرُ قَوْمِهِ وَصُدُودُهُمْ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ بَيَانِهِ لَهُمْ؛ فَارَقَهُمْ وَاعْتَزَلَهُمْ وَهَاجَرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلَاءً لَهُ سُبْحَانَهُ، وَبَرَاءَةً مِنَ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 48]، ﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 26]، ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 99].

 

وَابْتُلِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي نَفْسِهِ وَأُسْرَتِهِ، فَتَأَخَّرَ إِنْجَابُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ، حَتَّى رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَلَدَ مِنْ هَاجَرَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَمَا كَادَ يَفْرَحُ بِالْوَلَدِ حَتَّى تَرَكَهُ وَأُمَّهُ فِي مَكَّةَ وَكَانَتْ وَادِيًا غَيْرَ ذِي زَرْعٍ، وَلَا مَاءَ فِيهَا، «ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ». ابْتِلَاءٌ عَظِيمٌ ثَبَتَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ، وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَتَرَدَّدْ أَوْ يَتَوَانَ عَنْ تَنْفِيذِ الْأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ. ثُمَّ لَمَّا شَبَّ الْغُلَامُ أُمِرَ بِذَبْحِهِ وَكَانَ ابْتِلَاءً أَعْظَمَ مِنَ ابْتِلَاءِ تَرْكِهِ فِي وَادٍ مَهْجُورٍ، فَامْتَثَلَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفَدَاهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَسَمَّى مَا مَرَّ بِالْخَلِيلِ ابْتِلَاءً مُبِينًا ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 103 - 107]، وَمَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً كَامِلَةً وَهُوَ وَاحِدٌ إِلَّا لِأَنَّ ثَبَاتَهُ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنَ النَّاسِ، حِينَ تَرَكَ وَلَدَهُ فِي وَادٍ مَهْجُورٍ، ثُمَّ بَاشَرَ ذَبْحَهُ بِيَدِهِ لَوْلَا الْفِدَاءُ.

 

وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ الَّذِي ابْتَنَى الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَحَجَّ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ إِلَيْهِ، وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ؛ فَتَبِعَهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَكَانَ أُمَّةً فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَكَانَ أُمَّةً فِي دَعْوَةِ النَّاسِ لِلْحَجِّ، تَبِعَهُ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَعْقَبَتْهُ ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الْحَجِّ: 27]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ: ﴿ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾ قَالَ: رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ: أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَحُجُّوا، قَالَ: فَسَمِعَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَفَلَا تَرَى النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟» رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

 

لَقَدْ كَانَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً فِي تَوْحِيدِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ أُمَّةً فِي دَعْوَةِ قَوْمِهِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَمُنَاظَرَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ أُمَّةً فِي هِجْرَتِهِ وَمَا لَاقَى فِيهَا مِنْ مَصَاعِبَ وَابْتِلَاءَاتٍ لَمْ تَحُدْ بِهِ عَنْ تَوْحِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَعِبَادَتِهِ، وَكَانَ أُمَّةً فِي بِنَائِهِ الْبَيْتَ، وَفِي أَذَانِهِ بِالْحَجِّ إِلَيْهِ، فَكَانَ وَحْدَهُ أُمَّةً فِي زَمَنِهِ، وَكَانَ لِمَنْ بَعْدَهُ قُدْوَةً وَأُسْوَةً ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الْمُمْتَحَنَةِ: 4].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثَمَّةَ ارْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ الرَّجُلِ الْأُمَّةِ، وَبَيْنَ الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مِنَ الرِّجَالِ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ، وَيُقْتَفَى أَثَرُهُ، وَتُتَّبَعُ سُنَّتُهُ، وَتُقْرَأُ سِيرَتُهُ. وَإِبْرَاهِيمُ قَدْ جَاوَزَ الِابْتِلَاءَ فَاسْتَحَقَّ الْإِمَامَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 124]. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَا ابْتُلِيَ أَحَدٌ بِهَذَا الدِّينِ فَقَامَ بِهِ كُلِّهِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ» ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النَّجْمِ: 37].

 

وَلِأَتْبَاعِهِ مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَهُ نَصِيبٌ مِنْ إِمَامَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا لَهُمْ بِالْإِمَامَةِ: ﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 124] فَنَالَهَا الصَّالِحُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَحُجِبَ عَنْهَا الظَّالِمُونَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعْطِي الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ عَلَى النَّسَبِ، وَإِنَّمَا يُعْطِيهَا عَلَى الدِّينِ، فَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ مَنْ نَالَ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْخَلِيلِ، وَقَدْ خَصَّهُ جَدُّهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَعْوَتِهِ فَقَالَ: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 129]. فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَةَ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَعَثَ خَلِيلَهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، فَكَانَتْ مِلَّتُهُ هِيَ مِلَّةَ الْخَلِيلِ، وَكَانَ أَتْبَاعُهُ هُمْ أَتْبَاعَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُمْ حَمَلَةُ دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَكَانَ الظَّالِمُونَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْخَلِيلِ الَّذِينَ حُجِبُوا عَنِ الْإِمَامَةِ هُمْ مَنْ خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67- 68].

 

فَتَمَسَّكُوا -عِبَادَ اللَّهِ- بِمِلَّةِ الْخَلِيلَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَنْ يُرِيدُونَ إِدْخَالَ مَنْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فِيهَا؛ فَإِنَّ عَمَلَهُمْ مَرْدُودٌ، وَسَعْيَهُمْ غَيْرُ مَحْمُودٍ وَلَا مَشْكُورٍ، وَمَآلَهُ إِلَى فَشَلٍ وَاضْمِحْلَالٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عَمُودَ مِلَّةِ الْخَلِيلَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحُبُّ فِيهِ، وَالْبُغْضُ فِيهِ، وَمُوَالَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُعَادَاةُ أَعْدَائِهِ، وَبِذَلِكَ يُسْتَكْمَلُ الْإِيمَانُ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)
  • الخليل عليه السلام (2)
  • الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}

مختارات من الشبكة

  • الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة: دعوته وهجراته ورد شبه المستشرقين(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل كان والد إبراهيم الخليل كافرا؟ وهل آزر هو والد إبراهيم؟ وهل أسلم أبو طالب؟ (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة البر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة الدعاء للذرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين الخليل عليه السلام وأبيه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مثير الغرام وخلاصة الكلام في فضل زيارة سيدنا الخليل عليه السلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ثناء الخليل عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من دعوات الخليل عليه السلام (٢) ويليه من فضل عشر ذي الحجة(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/2/1447هـ - الساعة: 3:54
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب