• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    قصة التوكل والمتوكلين (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تنافس الصحابة - رضي الله عنهم - في حفظ القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أساليب الصليبية للغزو الفكري ومناهجنا التعليمية
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    أوقات النهي عن الصلاة (درس 1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    قاعدة للحياة الطيبة (ادفع بالتي هي أحسن)
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    مناهجنا التعليمية وبيان بعض القوى المؤثرة في ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    المذنب (ألم يعلم بأن الله يرى) فلماذا عصى؟
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    من أهوال القيامة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    كبار السن.. وإجلالهم..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    قصة الشاب الأنصاري في أول زواجه مع زوجته وتسلط ...
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    التوازن في الأكل في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    حديث: حين نزلت آية المتلاعنين: أيما امرأة أدخلت ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    لمن يحترق قلبه حزنا لحال المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الذكاء الاصطناعي وبعض انعكاساته السلبية
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    الاستشراق ووسائل صناعة الكراهية: الخوف من الإسلام
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    فقه الإحسان (5) الإحسان إلى الخلق
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

سورتا فجر الجمعة (4) سورة الإنسان

سورتا فجر الجمعة (4) سورة الإنسان
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/7/2019 ميلادي - 15/11/1440 هجري

الزيارات: 20084

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورتا فجر الجمعة (4)

سورة الإنسان

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾ [السَّجْدَة: 7- 8]، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرَّحْمَن: 2 - 4]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَتَرَكَهَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ؛ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا دِينَهُ وَلَا تُفَرِّقُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِهِ وَلَا تُضَيِّعُوهُ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزُّخْرُف: 43 - 44].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ سُورَةٌ سُمِّيَتْ سُورَةَ الْإِنْسَانِ، تُذَكِّرُهُ بِأَصْلِهِ، وَتَدُلُّهُ عَلَى مَصِيرِهِ، وَهِيَ سُورَةٌ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُقْرَأَ فِي فَجْرِ الْجُمْعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَيَسْتَعْرِضُ قَارِئُهَا وَسَامِعُهَا مَسِيرَةَ الْإِنْسَانِ؛ إِذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ أَوَّلَ حَالَةِ الْإِنْسَانِ وَمُبْتَدَأَهَا وَمُتَوَسِّطَهَا وَمُنْتَهَاهَا. فَذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ دَهْرٌ طَوِيلٌ وَهُوَ مَعْدُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ. ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ، خَلَقَ أَبَاهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مُتَسَلْسِلًا ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾ أَيْ: مَاءٍ مَهِينٍ مُسْتَقْذَرٍ، ﴿ نَبْتَلِيهِ ﴾ بِذَلِكَ؛ لِنَعْلَمَ هَلْ يَرَى حَالَهُ الْأُولَى وَيَتَفَطَّنُ لَهَا، أَمْ يَنْسَاهَا وَتَغُرُّهُ نَفْسُهُ؟ فَأَنْشَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَخَلَقَ لَهُ الْقُوَى الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ؛ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، فَأَتَمَّهَا لَهُ، وَجَعَلَهَا سَالِمَةً يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ تَحْصِيلِ مَقَاصِدِهِ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكُتُبَ، وَهَدَاهُ الطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرَغَّبَهُ فِيهَا، وَأَخْبَرَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِالطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إِلَى الْهَلَاكِ، وَرَهَّبَهُ مِنْهَا، وَأَخْبَرَهُ بِمَا لَهُ إِذَا سَلَكَهَا، وَابْتَلَاهُ بِذَلِكَ، فَانْقَسَمَ النَّاسُ إِلَى شَاكِرٍ لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، قَائِمٍ بِمَا حَمَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِهِ، وَإِلَى كَفُورٍ لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، أَنْعَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ بِالنِّعَمِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَرَدَّهَا، وَكَفَرَ بِرَبِّهِ، وَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَى الْهَلَاكِ ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الْإِنْسَان: 1 - 3].

 

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ الْجَزَاءِ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَمَا أَعَدَّ لِلْأَبْرَارِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ وَالْعَطَاءِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الْإِنْسَان: 4 - 5]. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «ارْفَعُوا هَذِهِ الْأَيْدِيَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلَ أَنْ تُغَلَّ بِالْأَغْلَالِ». أَيِ: ارْفَعُوهَا بِالدُّعَاءِ.

 

وَمِنْ أَعْمَالِ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ وَأَوْصَافِهِم وَقَد اسْتَحَقُّوا هَذَا الْجَزَاءَ الْعَظِيمَ أَنَّهُمْ ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 7 - 8]. فَهُمْ يُطْعِمُونَ مِنَ الطَّعَامِ أَحَبَّهُ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 92]، وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثيم إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ قَالَ: «أَطْعِمُوهُ سُكَّرًا فَإِنَّ الرَّبِيعَ يُحِبُّ السُّكَّرَ». وَلِسَانُ حَالِهِمْ يَقُولُ: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 9 - 10]. قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «أَمَا وَاللَّهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ».

 

لَقَدْ عَمِلَ الْأَبْرَارُ صَالِحًا فَأَوْفَوُا النُّذُورَ، وَأَطْعَمُوا الطَّعَامَ، وَاجْتَهَدُوا فِي الْإِخْلَاصِ؛ خَوْفًا مِنْ شَدَائِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ الشَّرِيعَةِ بِوَاجِبَاتِهَا أَنْ تُفْعَلَ، وَبِمُحَرَّمَاتِهَا أَنْ تُجْتَنَبَ؛ فِي حُكْمِ النَذْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الْبَشَرِ بِالْوَفَاءِ بِهَا، فَأَهْلُ الْبِرِّ وَالْإِيمَانِ وَفَوْا بِهَا ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 11]. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ الْوَجْهُ. ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 12 - 13]. « أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَرٌّ مُزْعِجٌ، وَلَا بَرْدٌ مُؤْلِمٌ، بَلْ هِيَ مِزَاجٌ وَاحِدٌ دَائِمٌ سَرْمَدِيٌّ ﴿ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الْكَهْفِ: 108]». ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 14 - 22]. فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ جَزَاءٍ، وَمَا أَنْفَعَهُ مِنْ سَعْيٍ، وَجَدُوا عُقْبَاهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَالُوا الْفَوْزَ الْعَظِيمَ، وَالْمُلْكَ الْكَبِيرَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَلِيلٍ، فَمَا أَهْنَأَهُمْ بِعَيْشِهِمْ، وَمَا أَشَدَّ فَرَحَهُمْ بِحَيَاتِهِمْ.

 

وَلَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ مُنْذُ بِدَايَتِهِ إِلَى نِهَايَتِهِ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا أَعَدَّ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَلِمَنْ عَصَاهُ؛ كَانَ هَذَا التَّفْصِيلُ وَالْبَيَانُ فِي كِتَابٍ مُنَزَّلٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، أَخْبَارُهُ أَصْدَقُ الْأَخْبَارِ وَأَوْثَقُهَا ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 23]. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْبَشَرِ يُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ، وَلَا يَتَّعِظُونَ بِهَذَا التَّذْكِيرِ، وَيُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ، أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَالْمُؤْمِنُونَ لَهُ تَبَعٌ- بِالصَّبْرِ وَالْعِبَادَةِ، وَنُهُوا عَنْ طَاعَةِ الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُورِدُونَ مَنْ أَطَاعَهُمُ الْمَهَالِكَ ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 24-26]. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 27-28]. فَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُهْلِكَهُمْ وَيُهْلِكَ الْبَشَرَ أَجْمَعِينَ، وَيَسْتَبْدِلَ بِهِمْ أَقْوَامًا يَعْبُدُونَهُ سُبْحَانَهُ وَلَا يَعْصُونَهُ ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 133]. ﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 29-31]. فَهَذِهِ السُّورَةُ الْعَظِيمَةُ تَذْكِرَةٌ، أَيْ: مَوْعِظَةٌ، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، أَيْ: طَرِيقًا مُوصِلًا إِلَى طَاعَتِهِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ. وَكُلُّ الْعِبَادِ مَشِيئَتُهُمْ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يَرْحَمُ مَنْ شَاءَ هِدَايَتَهُ فَيَهْتَدِي، وَيَضِلُّ عَنْ هُدَاهُ أَصْحَابُ الْغَوَايَةِ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَيُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا أَلِيمًا. نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ الِاسْتِجَابَةَ لِأَمْرِهِ، وَالِاسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سُورَةُ الْإِنْسَانِ سُورَةٌ عَظِيمَةٌ تُخْبِرُ الْإِنْسَانَ بِأَصْلِهِ، وَتَدُلُّهُ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَتُبَيِّنُ لَهُ أَهَمِّيَّةَ دِينِهِ، وَهِيَ تَذْكِرَةٌ أُسْبُوعِيَّةٌ لَهُ إِنْ قَرَأَهَا أَوْ سَمِعَهَا فَجْرَ الْجُمْعَةِ، فَمَا أَحْوَجَهُ إِلَيْهَا.

 

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: بَيَانُ حَالِ الْإِنْسَانِ وَأَطْوَارِهِ الَّتِي مَرَّ بِهَا، وَإِثْبَاتُ ضَعْفِهِ لِئَلَّا يَسْتَكْبِرَ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَتَكَبَّرَ عَلَى خَلْقِهِ.

 

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَزَقَهُمْ أَدَوَاتِ الْعِلْمِ؛ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْفُؤَادُ، وَبَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَ الْفَوْزِ وَالرَّشَادِ، وَطَرِيقَ الضَّلَالِ وَالْخُسْرَانِ، وَجَعَلَ لَهُمْ مَشِيئَةً يَخْتَارُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، فَلَا عُذْرَ لِكَافِرٍ فِي كُفْرِهِ، وَلَا لِمُنَافِقٍ فِي نِفَاقِهِ، وَلَا لِعَاصٍ فِي مَعْصِيَتِهِ.

 

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ؛ لِتَكُونَ حَافِزًا لِمَنْ سَمِعَهَا فَجْرَ الْجُمْعَةِ، وَزَادًا يَتَزَوَّدُهُ لِيَعْمَلَ صَالِحًا فِي أُسْبُوعِهِ. وَفِيهَا أَيْضًا: تَفْصِيلُ جَزَاءِ الشَّاكِرِينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَانُ مَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ الْمُلْكِ الْكَبِيرِ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ لِدَفْعِهِمْ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاسْتِصْغَارِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ مَتَاعٍ زَائِلٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ.

 

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: تَثْبِيتُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَحَثُّهُمْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ، وَبَيَانُ أَهَمِّيَّةِ الْفِرَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ الْفِتَنِ وَالْكُرُوبِ وَالْأَزَمَاتِ، وَذَلِكَ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْعِبَادَةِ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُصَابَ فِي الدُّنْيَا مُؤَقَّتٌ وَمَجْبُورٌ مَخْلُوفٌ، وَأَنَّ الْمُصِيبَةَ الْعُظْمَى هِيَ الْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ إِيثَارَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ خِذْلَانٌ وَخُسْرَانٌ.

 

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ: التَّحْذِيرُ مِنْ طَاعَةِ الْغَاوِينَ، الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مَنْ أَطَاعَهُمْ إِلَى أَعْمَالِ دَارِ السَّعِيرِ.

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَدَبَّرَ مَعَانِيَهَا حَالَ قِرَاءَتِهِ لَهَا، أَوْ حَالَ سَمَاعِهَا فِي فَجْرِ الْجُمْعَةِ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهَا وَبِمَا فِيهَا مِنْ آيَاتٍ بَاهِرَةٍ، وَمَوَاعِظَ نَافِعَةٍ، وَتَذْكِيرٍ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ؛ فَعَسَى أَنْ تُوقَظَ الْقُلُوبُ بِهَا، وَتُشْحَذَ الْهِمَمُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورتا فجر الجمعة (1)
  • سورتا فجر الجمعة (2) سورة السجدة
  • تفسير سورة الإنسان كاملة
  • قصة حياتك في سورة الإنسان

مختارات من الشبكة

  • مقاربات بيانية إيمانية لسورة الفجر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سورتا فجر الجمعة (2) سورة السجدة(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تفسير سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بكثرة الصلاة عليه يوم وليلة الجمعة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • صفة جمع المصحف في عهد عثمان والفرق بين جمعه وجمع أبي بكر الصديق رضي الله عنهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهيمنة العلمية والفكرية للإسلام على سائر الأديان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • هديه - صلى الله عليه وسلم - في التداوي بسور مخصوصة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أمران من عقائد النصارى أبطلهما القرآن بسهولة ويسر وإقناع عجيب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوحدة الموضوعية في مسائل العقيدة في سورتي: (الشورى والزخرف) [دراسة موضوعية] (WORD)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/3/1447هـ - الساعة: 2:4
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب