النساء لا تذهب إلى المساجد!

سلسلة (القصص الواقعية) لتعزيز القيم الإسلامية

النساء لا تذهب إلى المساجد

دقَّ قلبي بقوة، عندما ارتفع صوت أذان العِشاء عاليًا مدوِّيًا يشقُّ عَنان السماء، نعم، أعرف هذا الصوت القويَّ طالما استمعتُ له في صلاة التراويح خلف الإمام، يا لها من أيام! فاللهم بلِّغنا رمضان.

توقَّف الأولاد في الساحة عن لعب الكرة، سوف نذهب للصلاة، الحمد لله.

تصارعني دقَّاتُ قلبي، كم مرةً ذهبتُ لأطرُقَ الباب بعد العشاء، ولكن باب النساء كان مغلقًا! الحق يُقال: لم يألُ إمام المسجد جهدًا في تعليم النساء والأطفال، بل إنه حوَّله إلى دار مبارك في الصباح والمساء لتحفيظ القرآن، وبعض علوم الشريعة، فكان دار الجُود الذي جاد على كثير من النساء من شتى البُلدان؛ من اليمن ومصرَ، والسودان والسعودية، حتى من الهند وباكستان، فكانت دارًا مباركة على الجميع.

هل سأذهب إلى صلاة الجماعة؟ تسابقني خطواتي، اللهم ارزقني صلاة الجماعة في المسجد.

تُحدِّثني نفسي: لا ترهقي نفسك؛ فالباب مُغلَقٌ، والدار هذا الشهر إجازة.

أتذكر صديقتي السودانية سلوى التي فاضت روحها منذ سنوات قليلة، بعد أن أرهقها المرضُ، فماتت صابرةً محتسبةً، كم كانت تُصِرُّ على صلاة المغرب، وتنتظر إلى العشاء لتُصلِّي جماعةً، بل تأخذ المفتاح لتُغلِق الباب بنفسها عندما ينتهي دوام الدار!

كلما ذهبتُ إلى صلاة الجماعة، أتذكَّر حرصها على الجماعة، وأذكُرها هنا؛ لندعو لها جميعًا بالرحمة والمغفرة.

تتسارع دقَّاتُ قلبي مع خطواتي، يكاد الدمع يُذرَف من عيني، هل سأطرق الباب وأجده مغلقًا؟ نحن في بلد مسلم، وكلنا مسلمون، وأذهب لأطرُقَ باب المسجد فأجده مغلقًا، نعم، يمكن أن يصلي النساء في البيت، ولكننا نذهب إلى كل مكان، من المول للشارع، للسوق، للمطعم، للعمل، والمدرسة والجامعة، حتى الحدائق والمتنزهات، هل يُعقَل أن نذهب إلى كل هذه الأماكن، ولا نذهب إلى المسجد؟

أحاول فتح الباب.

يفتح الباب معي.

يا ألله يا ألله!

هل استجاب الله دعائي؟

لا يوجد أحدٌ في المسجد، أُصلِّي ركعتين تحيةً للمسجد، أنتظر إقامة الصلاة، أتذكر كلَّ مُعلِّماتي صديقاتي وصويحباتي، أدعو لهن كلهن، أتذكر الحلقات والكلمات ودويَّ التلاوات، أجلس منفردة في مسجد النساء ذي الطابقين، أتذكَّر أبا ذرٍّ: ((تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتُبعَث يوم القيامة وحدك)).

أتذكَّر الأنصار، وقد تركوا لُعاعة الدنيا، وفازوا بالله ورسوله: ((أترضَون أن يذهب الناس بالشاه والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟))، كلمةٌ قالها رسول الله للأنصار في توزيع غنائم حُنينٍ، فقد فازوا وما ضرهم أن فاتهم لعاعة الدنيا، فإنما الدنيا ساعة، ومتاعها لُعاعة، كاللعاعة التي تتبقى في إناء الشرب، وهذا الوصف ينطبق على الدنيا؛ لأنها قليلة البقاء وفانية.

سعيد بن المسيب لم يخرج إلى العقيق طيلة أربعين سنة؛ لئلا تَفُوته جماعة الصبح أو العِشاء.

آه يا سعيدُ، كم ضيَّعنا من جماعات وجماعات لكي نشهد حيواتٍ واجتماعات!

ولكن الكثير الكثير في عصرنا اليوم من الصالحين المصلحين لا يترك أحدهم صلاة الجماعة، ولو مزَّقته السِّهام، وحال بينه وبينها المرضُ والعجز والموت الزُّؤَام.

أتذكَّرُ غزةَ تجاهد منفردةً، وما ضرها من خذلها؛ فلقد فازت بالجهاد والشهادة، وسطَّرت أحرف العزة والكرامة، وأعادت الشعوب إلى ذاكرتها، والأنامَ إلى ورعها، ستظل غزةُ أرضُ العزة الطائفةَ المنصورة في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس.

حقًّا يا غزةُ مَن يرابط على الصلاة، فسيرابط على الجهاد، فهو امتحان يُقاس به الثبات والرباط، الآن عرفت السر في انتظار الصلاة بعد الصلاة كالرباط في سبيل الله؛ لأن من يصبر عليها هو من يصبر على الجهاد، امتحان نقيس به أنفسنا وصِدْقَنا مع الله؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويُرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط)).

يرتفع صوت الإقامة، أُصلِّي منفردةً، ولكن أشعر بالسَّكِينة والراحة، وبنعمة الله أن يمُنَّ عليك بصلاة الجماعة: ((من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله))، ((بشِّرِ المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)).

نعم، كثير من الرجال تفوتهم صلاة الجماعة، ولكن السبب وراء ذلك أن النساء يذهبن في كل مكان إلا المساجد:

والأم مدرسة إذا أعددتها أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ.

سوف يفوتك الخير الكثير إذا لم تَسْعَ، فقط تقرب إلى الله ذراعًا يتقرب إليك باعًا، فقط اسعَ واعمل الخير، فاللهم انصر أهل غزة، وداوِ جرحاهم، وتقبَّل شهداءهم، وارزقنا صلاة الجماعة على أعتاب بيت المقدس، تطير بها قلوبنا فرحًا، وتهفو نفوسنا إليها شوقًا، فاللهم اربط على قلوب المكلومين، واشفِ جروح المجروحين، وقوِّ أذرُعَ المجاهدين، ولا تحرمنا من طرق أبوابك، والدعاء لك واللوذ بجنابك، اللهم آمين.