• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الوصاية بالنساء في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الاستسقاء: أصله.. وأنواعه
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    قراءات اقتصادية (72) من قام بطهي عشاء آدم سميث: ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    خطبة بعدما حجوا وضحوا
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الامتداد الحضاري
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    فاحشة قوم لوط عليه السلام (6) التحول الجنسي
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ورزق ربك خير وأبقى (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حديث: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    ذكريات ومواقف من دراستي في المرحلة المتوسطة ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الصلاة على سجادة خوف العدوى من الإنفلونزا
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    {فأسرها يوسف في نفسه...} {نفقد صواع الملك}.. ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    فوائد من توبة سليمان الأواب (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    أم المحققين الباحثة البتول التي لم تدخل مدرسة ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    الطلاق.. والتلاعب فيه.. وخطره
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الإنصاف.. خلق جميل

الإنصاف.. خلق جميل
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/11/2020 ميلادي - 26/3/1442 هجري

الزيارات: 45562

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإنصاف.. خلق جميل


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فَاطِرٍ: 1] نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ قَضَى بِالْعَدْلِ وَأَمَرَ بِهِ، وَحَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ مُحَرَّمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَمَرَ بِالْإِنْصَافِ، وَنَهَى عَنِ الْأَثَرَةِ وَالْجَوْرِ فِي الْأَحْكَامِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 112].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

الْإِنْصَافُ خُلُقٌ نَادِرٌ عَزِيزٌ، يَدُلُّ عَلَى عَدْلِ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ، وَيَدْخُلُ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ. فَالْإِنْصَافُ جُزْءٌ مِنَ الْعَدْلِ، وَهُوَ قِيمَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا يَجْرِي عَلَيْهَا أَيُّ اسْتِثْنَاءٍ، وَيُقَابِلُهُ الظُّلْمُ، وَهُوَ مَذْمُومٌ مُطْلَقًا، وَلَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْهُ أَبَدًا. وَكُلُّ أَمْرٍ بِالْعَدْلِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْإِنْصَافَ، وَكُلُّ نَهْيٍ عَنِ الظُّلْمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ عَدَمُ الْإِنْصَافِ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْإِنْصَافِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النَّحْلِ: 90]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النِّسَاءِ: 135]، وَيَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الْأَنْعَامِ: 152]، كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَحْكَامَ ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النِّسَاءِ: 58].

 

وَيَكُونُ الْإِنْصَافُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّفْسِ، وَمَعَ النَّاسِ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ وَمَنْ بَعُدَ، وَمَنْ وَافَقَ مِنْهُمْ وَمَنْ خَالَفَ. فَالْإِنْصَافُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بِصَرْفِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَيَاتِ الْإِيمَانِ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، فَالشِّرْكُ أَفْحَشُ الظُّلْمِ وَأَغْلَظُهُ، وَهُوَ يُجَافِي الْإِنْصَافَ ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لُقْمَانَ: 13]، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ مُجَافٍ لِلْإِنْصَافِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْعَبْدِ وَرَازِقُهُ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ سُبْحَانَهُ، فَوَجَبَ الْإِنْصَافُ مِنَ النَّفْسِ مَعَهُ بِمُقَابَلَةِ جَمِيلِهِ عَلَى عَبْدِهِ بِالشُّكْرِ وَالطَّاعَةِ.

 

وَالْإِنْصَافُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْدِيقِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَائِهِ، وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِهِ؛ فَهُوَ الَّذِي دَلَّ الْعَبْدَ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ دِينَهُ وَكِتَابَهُ. وَإِنْ نَجَا الْعَبْدُ وَفَازَ بِالْجَنَّةِ فَإِنَّمَا يَنْجُو بِسَبَبِهِ بَعْدَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ وَطَاعَتُهُ وَالذَّبُّ عَنْهُ، وَالِانْتِصَارُ لَهُ مِمَّنْ شَنَأَهُ، وَبُغْضُ مَنْ عَادَاهُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَالْإِنْصَافُ مَعَ النَّفْسِ بِأَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُجَنِّبَهَا مَا يَضُرُّهَا؛ وَلِذَا حُرِّمَ الِانْتِحَارُ وَإِتْلَافُ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ أَوْ مَنَافِعِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ. كَمَا أَنَّ الْإِنْصَافَ مَعَ النَّفْسِ يَقْتَضِي اجْتِنَابَ مَا يُسَبِّبُ لَهَا الْعَذَابَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَمَلَ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى سَعَادَتِهَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَذَلِكَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ. كَمَا أَنَّ الْإِنْصَافَ مَعَ النَّفْسِ يَقْتَضِي تَمَتُّعَهَا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَنَاكَحِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مِنَ الْمَتَاعِ الدُّنْيَوِيِّ. وَمِنَ الْإِنْصَافِ مَعَ النَّفْسِ أَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهَا فِي الْعِبَادَةِ مَشَقَّةً تَضُرُّهَا أَوْ تَضُرُّ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِهَا؛ وَلِذَا حُرِّمَتِ الرَّهْبَنَةُ فِي الْإِسْلَامِ، وَوَعَظَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي إِنْصَافِ نَفْسِهِ فَقَالَ: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَأَمَّا الْإِنْصَافُ مَعَ النَّاسِ فَكَلٌّ بِحَسَبِهِ: فَالْإِنْصَافُ مَعَ الْوَالِدَيْنِ بِبِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ حَقٌّ لَهُمَا، فَمِنْ إِنْصَافِهِمَا أَدَاؤُهُ ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 23]. وَالْإِنْصَافُ مَعَ الرَّحِمِ وَصْلُهَا وَعَدَمُ قَطْعِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَالْإِنْصَافُ مَعَ الزَّوْجَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى حَسَنَاتِهَا فِي حَالِ الْغَضَبِ عَلَيْهَا أَوْ كَرَاهِيَةِ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ أَيْ: لَا يَبْغَضُهَا لِمَا كَرِهَهُ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ فِيهَا مَا يُعْجِبُهُ، فَمِنَ الْإِنْصَافِ أَنْ يُوَازِنَ وَلَا يَظْلِمَ. وَالْإِنْصَافُ مَعَ الْأَوْلَادِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْهِبَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْإِنْصَافُ مَعَ الْجَارِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَالْإِنْصَافُ مَعَ أَيِّ مُسْلِمٍ فِي مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لَهُ كَمَا تُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَحَتَّى الْمُخَالِفُ فِي الدِّينِ؛ كَالْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ وَالْمُبْتَدِعِ يَجِبُ إِنْصَافُهُ وَلَوْ كَانَ عَدُوًّا، فَعَدَاوَتُهُ وَمُخَالَفَتُهُ فِي الدِّينِ لَا تُبِيحُ ظُلْمَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [الْمَائِدَةِ: 8]. وَاللَّهُ تَعَالَى حِينَ ذَمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِكُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ أَنْصَفَ أُنَاسًا مِنْهُمْ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 113-114]، وَأَنْصَفَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ فَذَكَرَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ مِنْهُمْ، كَمَا ذَكَرَ أَهْلَ الْخِيَانَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 75]، وَأَنْصَفَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِمْ فِي خَيْبَرَ يَخْرُصُ التَّمْرَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَالْإِنْصَافُ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ لَا يُسْتَثْنَى مِنَ الْقِيَامِ بِهِ أَحَدٌ، وَوَاجِبٌ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ أَحَدٌ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الْبَغْيَ وَالظُّلْمَ وَالِاعْتِدَاءَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

رَغْمَ أَنَّ الْإِنْصَافَ خُلُقٌ جَمِيلٌ، يُقْضَى بِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْخِلَافِ، وَتُسْتَجْلَبُ بِهِ الْمَوَدَّةُ؛ فَإِنَّهُ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ، وَيَقِلُّ فِيهِمْ زَمَنًا بَعْدَ زَمَنٍ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا فِي زَمَانِنَا شَيْءٌ أَقَلُّ مِنَ الْإِنْصَافِ». يَقُولُ ذَلِكَ مَالِكٌ عَنْ زَمَنِهِ وَهُوَ قَدْ عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي الْهِجْرِيِّ، حَيْثُ كَثْرَةُ التَّابِعِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ؛ مِمَّا حَدَا بِالْمُفَسِّرِ الْقُرْطُبِيِّ -وَهُوَ قَدْ عَاشَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ- أَنْ يَنْقُلَ قَوْلَ مَالِكٍ وَيُعَلِّقَ عَلَيْهِ قَائِلًا: «هَذَا فِي زَمَنِ مَالِكٍ فَكَيْفَ فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ الَّذِي عَمَّ فِينَا الْفَسَادُ وَكَثُرَ فِيهِ الطُّغَامُ! وَطُلِبَ فِيهِ الْعِلْمُ لِلرِّئَاسَةِ لَا لِلدِّرَايَةِ، بَلْ لِلظُّهُورِ فِي الدُّنْيَا وَغَلَبَةِ الْأَقْرَانِ بِالْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ الَّذِي يُقَسِّي الْقَلْبَ وَيُورِثُ الضَّغَنَ، وَذَلِكَ مِمَّا يَحْمِلُ عَلَى عَدَمِ التَّقْوَى وَتَرْكِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى». فَمَاذَا عَسَانَا أَنْ نَقُولَ وَنَحْنُ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسَ عَشَرَ الْهِجْرِيِّ؟!

 

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا أَحَبَّ أَسْرَفَ فِي حُبِّهِ، ثُمَّ أَسْرَفَ فِي مَدْحِهِ. وَإِذَا كَرِهَ أَسْرَفَ فِي كُرْهِهِ، وَأَسْرَفَ فِي ذَمِّهِ، وَلَا يُنْصِفُ أَبَدًا. وَمِنْهُمْ مَنْ إِذَا غَضِبَ عَلَى أَحَدٍ نَشَرَ مَعَايِبَهُ وَطَوَى مَحَاسِنَهُ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ سِيرِينَ: «ظُلْمًا لِأَخِيكَ أَنْ تَذْكُرَ فِيهِ أَسْوَأَ مَا تَعْلَمُ مِنْهُ، وَتَكْتُمَ خَيْرَهُ». وَوَضَعَ الْإِمَامُ ابْنُ حَزْمٍ مِيزَانًا دَقِيقًا يُعِينُ عَلَى الْإِنْصَافِ فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ الْإِنْصَافَ، فَلْيَتَوَهَّمْ نَفْسَهُ مَكَانَ خَصْمِهِ؛ فَإِنَّهُ يَلُوحُ لَهُ وَجْهُ تَعَسُّفِهِ». وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «الْإِنْصَافُ أَنْ تَكْتَالَ لِمُنَازِعِكَ بِالصَّاعِ الَّذِي تَكْتَالُ بِهِ لِنَفْسِكَ؛ فَإِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفَاءً وَتَطْفِيفًا».

 

وَمِنْ أَكْثَرِ مَا يَقَعُ مِنَ الظُّلْمِ وَمُجَانَبَةِ الْإِنْصَافِ أَنْ يُدَافِعَ الْمَرْءُ عَمَّنْ يُوَافِقُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ، وَيُهَاجِمَ مَنْ يُعَارِضُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى حَقٍّ، وَأَنْ يَقْرَأَ كَلَامًا حَسَنًا فَيُبْدِي إِعْجَابَهُ الشَّدِيدَ بِهِ، ثُمَّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ مَزَّقَهُ وَذَمَّهُ، أَوْ يَقْرَأَ كَلَامًا قَبِيحًا فَيَمْتَعِضَ مِنْهُ، ثُمَّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ اسْتَحْسَنَهُ أَوْ تَأَوَّلَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَرُدُّ الْحَقَّ إِذَا جَاءَ بِهِ مَنْ يُبْغِضُهُ، وَيَقْبَلُهُ إِذَا قَالَهُ مَنْ يُحِبُّهُ، فَهَذَا خُلُقُ الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ، قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: اقْبَلِ الْحَقَّ مِمَّنْ قَالَهُ وَإِنْ كَانَ بَغِيضًا، وَرُدَّ الْبَاطِلَ عَلَى مَنْ قَالَهُ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا».

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْإِنْصَافِ فَإِنَّهُ مِنْ أَجْمَلِ الْأَخْلَاقِ، وَأَنْ يُنْصِفَ غَيْرَهُ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا يُنْصِفُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإنصاف
  • مسلك الإنصاف ( خطبة )
  • الإنصاف
  • الإنصاف عزيز

مختارات من الشبكة

  • من أقوال السلف في الإنصاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جمال الإحسان إلى الجيران (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف بالجميل خلق إسلامي أصيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرد الجميل المجمل على شبهات المشككين في السنة النبوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول الجميل في الاعتراف بالفضل والجميل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كن جميلا تر الوجود جميلا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خمسون أصلا في تربية النفس على الإنصاف عند الخلاف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإنصاف في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/6/1447هـ - الساعة: 19:28
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب