• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الوصاية بالنساء في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الاستسقاء: أصله.. وأنواعه
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    قراءات اقتصادية (72) من قام بطهي عشاء آدم سميث: ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    خطبة بعدما حجوا وضحوا
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الامتداد الحضاري
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    فاحشة قوم لوط عليه السلام (6) التحول الجنسي
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ورزق ربك خير وأبقى (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حديث: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    ذكريات ومواقف من دراستي في المرحلة المتوسطة ...
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الصلاة على سجادة خوف العدوى من الإنفلونزا
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    {فأسرها يوسف في نفسه...} {نفقد صواع الملك}.. ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    فوائد من توبة سليمان الأواب (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    أم المحققين الباحثة البتول التي لم تدخل مدرسة ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    الطلاق.. والتلاعب فيه.. وخطره
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

المزاح والتنكيت بين المشروع والممنوع

المزاح والتنكيت بين المشروع والممنوع
سعد بن سلمان آل مجري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2016 ميلادي - 21/1/1438 هجري

الزيارات: 13929

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المزاح والتنكيت بين المشروع والممنوع


إنَ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70- 71].

 

أما بعد:

فأُوصِيكَم ونفسي بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتَم، وَأَزْيَنُ مَا أَظْهَرْتَم، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتَم، أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَم عَلَيْهَا، وَأَوْجَبَ لَنَا وَلَكَم ثَوَابَهَا.

 

يقول تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 43] يَعني قَضَى أَسباب الضَحك والبُكاء. وَمن أسبَابِ الضَحك، المُزاح ومُلحُ الكَلام ولنا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَالْأُسْوَةُ الْقُدْوَةُ، فَيُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأقوَالِهِ وأَحْوَالِهِ قَال ابن القيم رَحِمه الله: عن صِفةِ كلامهِ وضَحِكه كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحَ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَعْذَبَهُمْ كَلَامًا، وَأَسْرَعَهُمْ أَدَاءً، وَأَحْلَاهُمْ مَنْطِقًا، حَتَّى إِنَّ كَلَامَهُ لَيَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ وَيَسْبِي الْأَرْوَاحَ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ أَعْدَاؤُهُ. وَكَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا. وَكَانَ جُلَّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، بَلْ كُلُّهُ التَّبَسُّمُ، فَكَانَ نِهَايَةُ ضَحِكِهِ أَنْ تَبْدُوَ نَوَاجِذُهُ. وَكَانَ يَضْحَكُ مِمَّا يُضْحَكُ مِنْهُ، وَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْ مِثْلِهِ وَيُسْتَغْرَبُ وُقُوعُهُ وَيُسْتَنْدَرُ. انتهى كَلامُه رَحِمه الله.

 

وكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَازحُ أًصحَابه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَا حَقًّا» صححه الألباني.

 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَا النُّوقُ» صححه الألباني.

 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا وَكَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ» وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ أَرْسِلْنِي. فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» أَوْ قَالَ: «أَنتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ» صححه الألباني.

 

وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَتَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي فَقَالَ: «أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ» إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 36] حسنه الألباني.

 

إِخوةَ الإِيمان: إِنَّ المزَاحَ الذِي تَتَقَبَّلُهُ النَّفْسُ وَتَرتَاحُ لَهُ القُلُوبُ، يُعَدُّ صُورَةً مِنْ صُوَرِ الرِّفْقِ الذِي دَعَا إِلَيْهِ الإِسلاَمُ، وَرَغَّبَ فِي وُجُودِهِ بَيْنَ الأَنَامِ، وَالمزَاحُ وَالمُلاَطَفَةُ يَقْضِي عَلَى الرَّتَابَةِ وَالمَلَلِ، وَيُجَدِّدُ النَشَاطَ وَيُبْعِدُ الخُمُولَ وَالكَسَلَ، لأَنَّ القُلُوبَ إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ، وَإِذَا سَئِمَتْ فَتَرَتْ، وَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: ((رَوِّحُوا القُلُوبَ سَاعَةً فَسَاعَةً))

 

وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ -عِبَادَ اللهِ- إِلاَّ إِذَا رَاعَى المُسلِمُ فِي مزَاحِهِ جَمِيعَ الضَّوَابِطِ التِي تُقَرِّبُهُ مِنَ النَّاسِ وَلاَ تُنَفِّرُهُ، وتُحَبِّبُهُ فِيهِمْ وَلاَ تُبَغِّضُهُ، فَالمزَاحُ وَإِنْ كَانَ مُحَبَّبًا لِلنَّفْسِ، فَإِنَّ لَهُ أَوقَاتًا وَمُنَاسَبَاتٍ، وَدَوَاعِيَ وَحَالاَتٍ.

 

فَالمؤمن لاَ يُمَازِحُ فِي وَقْتٍ يَستَوجِبُ مِنْه الجِدَّ، وَلاَ بِشَخْصٍ نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ يَحْـتَاجُ إِلَى مَنْ يَحُثُّهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالجَلَدِ.

 

والمؤمن يُرَاعِي فِي مزَاحِهِ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالاستِهْـزَاءِ، بَعِيدًا عَنْ كُلِّ مَا يُسبِّبُهُ مِنْ ضَرَرٍ وَإِيذَاءٍ، مُبْـتَعِدًا عَنْ إِحْرَاجِ الآخَرِينَ أَو التَّنَابُزِ بِالأَلْقَابِ، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

 

وَالمؤمن لاَ يُمَازِحُ إِلاَّ صِدْقًا، وَلاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا، فَيَبتعِد فِي مزَاحِهِ عَنِ الكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ، وَمَا يُؤَدِّي إِلَى الكَرَاهِيَةِ وَالضَّغِينَةِ وَالبَغْضَاءِ، وَحَسْبُهُ فِي ذَلِكَ مَا حَذَّرَ مِنْهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ قَالَ: ((وَيْـلٌ لِلْذَي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ، وَيْـلٌ لَهُ، وَيْـلٌ لَهُ )) حسنه الألباني.

 

والمؤمن يَتَجَنَّبُ فِي مزَاحِهِ تَروِيعَ الأَنْفُسِ وَتَخْوِيفَهَا، مُمْـتَثِلاً بِذَلِكَ قَولَه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: ((لاَ يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسلِمًا)) صححه الألباني.

 

وأَلاَّ يُبَالِغَ المُؤمن فِي مزَاحِهِ وَيُكثر منه، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى قَدْرَ الإِمكَانِ فِي التَّقْلِيلِ مِنْهُ، لأَنَّ كَثْرَةَ المزَاحِ وَالمُبَالَغَةَ فِيهِ تُذْهِبُ الهَيْبَةَ وَالوَقَارَ أَمَامَ النَّاسِ، يَقُولُ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: ((اقتَصِرْ فِي مزَاحِكَ، فَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ البَهَاءَ، وَيُجَرِّئُ عَلَيْكَ السُّفَهَاءَ))، وَقَالَ عُمُرُ بنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: ((مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ))، فَحَرِيٌّ بِنَا - عِبَادَ اللهِ - أَنْ نَقْتَفِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - الذِين كَانُوا أَوفِيَاءَ لِلْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ فِي مزَاحِهِمْ، دُونَ أَنْ يُؤثِّرَ فِي الجِدِّيَّةِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ، أَو يُهْمِلُوا مَصَالِحَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَقَدْ سُئِلَ ابنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: ((هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ مِثْلُ الجِبَالِ))، فَطُوبَى لِمَنْ تَمَسَّـكَ بِهَذَا الهَدْيِ فِي مزَاحِهِ، وَجَعَلَ لَهُ أَوقَاتًا تُنَاسِبُهُ، وَأَحْدَاثًا تُواكِبُهُ، بِعَكْسِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الذِي يَهْوَى المزَاحَ الثَّقِيلَ، وَلاَ يَكْتَرِثُ لِمَشَاعِرِ الآخَرِينَ، وَلاَ يُبَالِي بِكَثْرَةِ مزَاحِهِ وَمَا يُسَبِّبُهُ لَهُمْ مِنْ ضَرَرٍ وَإِحْرَاجٍ، وَمَا يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ جَهْـلُهُ مِنَ ارتِكَابِ الحَمَاقَاتِ، فَهَذَا شَخْصٌ يَنْفِرُ مِنْهُ القَرِيبُ قَبْـلَ البَعِيدِ، وَيَحْذَرُ النَّاسُ مِنْ مُخَالَطَتِهِ وَمزَاحِهِ الحَذَرَ الشَّدِيدَ.

 

أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

 

الخطبة الثانية


الْحَمْدُ للِهِ وَحَّدَهُ وَالصَّلَاَةُ وَالسّلَامُ عَلَى مِنْ لَا نَبِيّ بَعده، أَمَّا بَعْدَ:

فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ-، وَتَجَنَّبُوا فِي مزَاحِكُمْ مَا يَضُرُّ الآخَرِينَ، وَأَخْلِصُوا فِيهِ النِّيَّةَ لِتَنَالُوا بِذَلِكَ رِضَا رَبِّ العَالَمِينَ. اِعْلَمُوا أَنَّ مَنِ الْمُزَاحَ مَا يُسْمَى بِالنُّكَتِ وَانْبَهُ إِلَى أَنّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ النُّكْتَةُ غَيْرَ وَاقِعَة فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنّهُ لَا يُجَوِّزَ اِخْتِلَاَقُهَا وَلَا تَدَاوُلُهَا.

 

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

عَمَّنْ يَتَحَدَّثُ بَيْنَ النَّاسِ بِكَلَامِ وَحِكَايَاتٍ مُفْتَعَلَةٍ كُلُّهَا كَذِبٌ: هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟

فَأَجَابَ: أَمَّا الْمُتَحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ مُفْتَعَلَةٍ لِيُضْحِكَ النَّاسَ أَوْ لِغَرَضِ آخَرَ: فَإِنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إنَّ الَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ الْقَوْمَ: وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ فِي جَدٍّ وَلَا هَزْلٍ وَلَا يَعِدُ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ شَيْئًا ثُمَّ لَا يُنْجِزُهُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ عُدْوَانٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَضَرَرٌ فِي الدِّينِ: فَهُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَفَاعِلُ ذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ: التَّفَكُّهُ بِالْكَلَاَمِ وَالتَّنِكِيتِ إذاَ كَانَ بِحَقٍّ وَصِدْقٍ فَلَا بَأسَ بِهِ، وَلَا سِيمَا مَعَ عَدَمِ الْإكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلا حَقًّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا مَا كَانَ بِالْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَيْلُ لِلَذَّيْ يُحَدَّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحَكَ بِهِ الْقَوْم، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ ـ أَخَرَّجَهُ أَبُو داوُد وَالتِّرْمِذِيَّ وَالنَّسائِي بِإِسْنَادِ جَيِّد. اهـ.

 

وَسَأَلَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ سَائِلُ فَقَال: فِي كَلَاَمِ الْبَعْضِ وَحِينَ مُزَاحِهِمْ مَعَ الْأصدقَاءِ يَدْخُلُ شَيْءٌ مَنْ الْكَذِبِ لِلضَّحِكِ، فَهَلْ هَذَا مَحْظُورٌ في الْإِسْلَامِ ؟

 

فَأَجَابَ: نَعَم، هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْكذبَ كُلّهُ مَحْظُورٌ وَيَجِبُ مِنهُ، قَال عَلَيهِ الصَّلَاَةُ وَالسّلَامُ: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) متفق عليه

 

وَعَلَى هَذَا، فَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ الْكَذِبِ كُلّهُ سَوَاءٌ مَنْ أَجْلِ أَنْ يُضْحَكَ بِهِ الْقَوْمِ، أَوْ مَازَحَا أَوْ جَادًّا. اهـ.

 

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ فقَالَ: ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ﴾ [الأحزاب: 56].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بدع الحجاج والمعتمرين من فتاوى علماء الحرمين
  • تذكير الحجاج والعمار بمواطن الأدعية والأذكار
  • بيان خطورة التنكيت بآيات قرآنية

مختارات من الشبكة

  • زيارة القبور بين المشروع والممنوع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شذا الريحان من مزاح سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب»(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المزاح المشروع والمزاح الممنوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المزاح المشروع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المزاح بين الإيناس والعداوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المزاح بين المحمود والمذموم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشروع براعم السنة - أحاديث التوحيد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وقف أحاديث الآحاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/6/1447هـ - الساعة: 19:28
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب