• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الحسود لا يسود (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    عناية الصحابة رضي الله عنهم بحفظ القرآن وتدوينه ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    القسط الهندي (Pryone) في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    أوقات النهي عن الصلاة (درس 2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    الثبات على الدين: أهميته، وأسبابه، وموانعه في ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب صيانة كلام الرحمن عن مطاعن أهل الزيغ ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من مشاهد القيامة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    العلاقات الدولية ومناهجنا التعليمية
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    قراءات اقتصادية (65) رأس المال في القرن الحادي ...
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    التعامل مع شهوة المريض للطعام والشراب
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    وفد النصارى.. وصدق المحبة..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة (النسك وواجباته)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    سطور منسية.. من يكتب تاريخ الأسر وكيف يخلد؟ ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الاستشراق ووسائل صناعة الكراهية: صهينة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الرؤى والأحلام (1) أنواع الناس في الرؤى
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

بين الخليل عليه السلام وأبيه (خطبة)

بين الخليل عليه السلام وأبيه (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/7/2023 ميلادي - 2/1/1445 هجري

الزيارات: 6752

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين الخليل عليه السلام وأبيه

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ أما بعدُ:

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ‌نَفْسٍ ‌وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1].

 

أيُّها المؤمنونَ؛ إبراهيمُ عليه السلامُ فردٌ تجسَّدَ فيه معنى الأمةِ حين اجتمعَ فيه من خصالِ الخيرِ والإمامةِ ما تفرَّقَ في أمةٍ بأسْرِها؛ فكان هدايةً ربانيةً تسيرُ على الأرضِ بمرادِ ربِّ السماءِ، وغدا قدوةً للسائرين إلى اللهِ في طلبِ مراضيه ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ‌أُمَّةً ‌قَانِتًا ‌لِلَّهِ ‌حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120-123]، ومن فصولِ جوانبِ الاقتداءِ التي أبرزَها القرآنُ ذلكمُ التعاملُ الراشدُ الذي كان يُعامِلُ به إبراهيمُ عليه السلامُ أباه في دعوتِه، حين رآه سادِرًا مع قومِه في غيٍّ مبينٍ باتخاذِ الأصنامِ آلهةً تُعبَدُ من دون اللهِ؛ فبادرَه بدعوتِه إلى أعظمِ قضيةٍ خُلِقَ الوجودُ لأجْلِها؛ إلى توحيدِ اللهِ ونبْذِ الشركِ؛ قيامًا بواجبِ النصيحةِ، وحرصًا على استنقاذِ أبيه من وَخَمِ عاقبةِ الإشراكِ باللهِ، التي لا يُفلحُ أهلُها أبدًا، وقد ارتسمَ في دعوتِه إياه صفاتِ الداعي البصيرِ؛ إذ كان ملازمًا لها، وكانت من دواعي قبولِ دعوتِه؛ من تركيزٍ على الأهمِّ، وإجادةٍ في إقامةِ الحجةِ والإقناعِ، وحُسنِ التعاملِ، ورزانةِ العقلِ، وحكمةِ الردودِ، وكان ذا قلبٍ مفعمٍ بالشفقةِ والرحمةِ، وقد أبانَ اللهُ سبيلَ دعوةِ إبراهيمَ عليه السلامُ أباه في مواضعَ من كتابِه، كان أكثرُها تفصيلًا ما قصَّهُ اللهُ في سورةِ مريم -عليها السلامُ- التي كانت الرحمةُ من أخصِّ موضوعاتِها، وأكثرها حضورًا في آيِها؛ إذ يقولُ سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ ‌صِدِّيقًا ‌نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾[مريم: 41-48]، حوارٌ يشفُّ عما قامَ في قلبِ إبراهيمَ عليه السلامُ نحوَ أبيه من توقيرٍ واحترامٍ وشفقةٍ ولطفٍ؛ إذ سلكَ معه أسلوبَ الحوارِ الهادئِ المقنعِ بلفظِه ودلالتِه ومعناه، مخاطبًا إياه بلفظِ الأبوةِ دون ذِكرِ الاسمِ المجرَّدِ أو المقرونِ بوصفٍ، مكررًا إياه في كلِّ جملةٍ: ﴿ يَاأَبَتِ ﴾، مُفْتَتِحًا حوارَه بالسؤالِ المقنعِ الذي من شأنِه أنْ يُوقظَ الفكرَ، ويحملَه على اعتقادِ بطلانِ ما يَعبدُ ﴿ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾، فليس فيما تعبدُه أيُّ داعٍ لعبادتِه حين كان عاريًا من كلِّ صفاتِ الألوهيةِ، لا يملكُ لنفسِه حولًا ولا قوةً -فضلًا عن غيرِه- إذ كان جمادًا لا يسمعُ ولا يبصرُ، ولا يغني عن عابديه مثقالَ ذرةٍ في جلبِ الخيرِ لهم، أو دفعِ الشرِّ عنهم، وإبراهيمُ عليه السلامُ في دعوتِه أباه قد اتخذَ التواضعَ سبيلًا لشكرِ نعمةِ اللهِ حين علَّمَه وهداه، وطريقًا يَستميلُ به قلبَ أبيه كيما يَقبلَ نصحَه، ويبين به قدْر جهلِ أبيه بحقِّ ربِّه؛ إذ يقولُ: ﴿ يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾، فما دعوتُك إليه حقٌّ دلَّتْ عليه شواهدُ الشرعِ والكونِ بسمائه التي تُظِلُّكَ، وأرضِه التي تُقِلُّكَ، وهوائه الذي يَحُفُّكَ مما هداني اللهُ إليه، ولم يكنْ بقوةٍ مني أو ابتكارٍ، ثمَّ أَمْعَنَ في النصحِ بقبولِ ما دعاه إليه، طالبًا منه اتباعَه على ملتِه؛ ليَسلُكَ به الصراطَ المستقيمَ، الذي لا اعوجاجَ فيه ولا ضلالَ ولا حيرةَ ﴿ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾، كما لو كان معه في طريقٍ محسوسٍ، وأخبرَه أن ‌أمامَهم ‌مهالكَ لا يَنْجو منها أحدٌ، وأمَرَه أنْ يَسلكَ مكانًا غيرَ ذلك، لأطاعه، ولو عصاه فيه لعدَّه كلُّ أحدٍ غاويًا، ولما بينَ أنه لا نفعَ فيما يَعبدُه، ونبَّهه على الوصفِ المقتضي لوجوبِ الاقتداءِ به، بيَّنَ له ما في عبادةِ معبودِه من الضرِّ فقال: ﴿ يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾؛ فعبادتُه غيرَ اللهِ عبادةٌ للشيطانِ وطاعةٌ له؛ إذ كان الآمرَ بها والمزيِّنَ لها، ثم ذَكَرَ بأسلوبِ التأكيدِ السببَ الحاملَ على وجوبِ اعتقادِ عداوةِ الشيطانِ المقتضي عدمَ طاعتِه بقولِه: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾؛ إذ كيف يطيعُ مَن تمرَّدَ على ربِّه بالعصيانِ مع جزيلِ إنعامِه عليه؟! فإذا كان هذا حالَ الشيطانِ مع الرحمنِ وقد غمَرَه بنعمِه، فكيف يكونُ حالُه مع الإنسانِ الذي حسدَ أباه آدمَ عليه السلامُ، وبارزَه وذريتَه بالعداوةِ، ووعدَ بإضلالِهم أجمعين إلا عبادَ اللهِ المخلَصينَ؟! أمِثْلُ هذا يُطاعُ؟! ولما بيَّنَ الخليلُ عليه السلامُ لأبيه أنه بطاعتِه الشيطانَ، وإشراكِه باللهِ عاصٍ للمنعمِ، خوَّفَه مِن تعرُّضِه لسخطِه وغضبِه بإزالةِ نعمتِه، وذلك بأسلوبِ الخوفِ المؤكَّدِ الذي يرجو به يقظةَ قلبِ أبيه لنصحِه الذي يَقْطُرُ أدبًا ورِقَّةً، فقالَ: ﴿ يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾، قالَ ابنُ القيمِ: "فنَسَبَ الخوفَ إلى نفسِه دونَ أبيه كما يفعلُ الشفيقُ الخائفُ على مَن يُشفِقُ عليه، وقالَ: ﴿ يَمَسَّكَ ﴾، فذَكَرَ لفظَ المسِّ الذي هو ألطفُ من غيرِه، ثم نكَّرَ العذابَ، ثمَّ ذَكَرَ الرحمنَ ولم يقل: الجبارَ ولا القهارَ؛ فأيُّ خطابٍ ألطفُ وألينُ مِن هذا؟!".

 

وزادَ إبراهيمُ عليه السلامُ في تحذيرِ أبيه مِن مَغَبَّةِ طاعةِ الشيطانِ بأنَّ عُقْباها ولايةُ الشيطانِ، فقال: ﴿ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾، ويا ويلَ مَن تولاه عدوُّه! ويا وخيمَ عُقباه! ويا خسارةَ أمرِه! مع ما يُوصَفُ به من السخافةِ باتباعِ العدوِّ الدَّنِيِّ، واجتنابِ الوليِّ العليِّ! فلما وصلَ الخليلُ عليه السلامُ إلى هذا الحدِّ من البيانِ البليغِ، تُرى ما كان جوابُ أبيه؟ قابلَ ذلك الأدبَ العظيمَ والحكمةَ البالغةَ الناشئةَ عن لطافةِ العلمِ بغايةِ الفظاظةِ والنَّزَقِ والجهلِ، مُنْكِرًا عليه جميعَ ما قالَ، قائلًا: ﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ ﴾ هكذا بالاستفهامِ الإنكاريِّ؛ إذ كيف تجرؤُ على أنْ تَتركَ عامدًا عبادةَ آلهتي التي أُعَظِّمُها، فضلًا عن سَبِّكَ لها، ودعوتي إلى تركِها؟! ثم أَمعنَ معه في التهديدِ والوعيدِ مُقْسِمًا على ابنِه إنْ لم يكفَّ عن دعوتِه إياه إلى توحيدِ اللهِ، ونبذِ شركِه، وتسفيهِ آلهتِه أنْ يكونَ مصيرُه السبَّ المقْذِعَ، وقد يَمتدُّ إلى بَسْطِ الأبِ يدَه لقتْلِ ابنِه البارِّ وفِلْذَةِ كبدِه، وأنْ يهجرَه وقتًا طويلًا لأجلِ دعوتِه إلى التوحيدِ! قال: ﴿ يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾، هكذا يُعمي الشركُ صاحبَه حين يتشرَّبُه قلبُه حتى يُعميَ نظرَه، ويَسلخَهُ من أخصِّ سِماتِ الفطرةِ السويةِ، ويُجَرِّدَهُ من مشاعرِ الرحمةِ الأبويةِ!

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ؛ أما بعدُ:

فاعلموا أنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ.

 

أيها المؤمنونَ، وبعدَ أنْ صَبَّ الأبُ الحانقُ على مَسْمَعِ ابنِه الناصحِ قوارعَ الجهلِ والفحشِ، وسياطَ الوعيدِ المؤكَّدِ، ما كان جوابُ الابنِ البارِّ المستمسكِ بحبلِ هدايةِ اللهِ الوثيقِ نحوَ هذا المنطقِ الكفريِّ المستفِزِّ، إلا أنْ قابلَه برزانةِ العلمِ، وحليةِ وقارِه، ورحمةِ البرِّ: ﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾ فلك مني المسالمةُ والموادعةُ والبِرُّ، وألَّا ترى مني إلا كلَّ خيرٍ يُمْليه عليَّ واجبُ البِرِّ الأبويِّ، الذي أجَلُّهُ الاستغفار المستمر المؤكَّد الذي وعدَ إبراهيمُ عليه السلامُ أباه بأنْ يَطلبَه له من ربِّه الغفَّارِ: ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾؛ أخذًا بعادةِ حفاوةِ اللهِ، وإكرامِه أولياءَه، وكان ذلك منه قبلَ نهْيِهِ عن الاستغفارِ للمشركين؛ إذ ليسوا أهلًا لمغفرةِ اللهِ لهم، وكان ذلك الاستغفارُ من إبراهيمَ عليه السلامُ لأبيه المشركِ هو الأمرَ الوحيدَ الذي لا اتباعَ فيه؛ كما قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ ‌أُسْوَةٌ ‌حَسَنَةٌ ‌فِي ‌إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الممتحنة: 4]، وكان من مُقتضياتِ تلك المسالمةِ التي يُصان بها جَنابُ التوحيدِ ونشرُه اعتزالُ أبيه وقومِه وأصنامِهم، وهجرانُ بلادِهم مع ملازمةِ الدعاءِ الذي لا يَلْحقُ صاحبَه أيُّ شقاءٍ ﴿ ‌وَأَعْتَزِلُكُمْ ‌وَمَا ‌تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مريم: 48].

 

عبادَ اللهِ، ولإبراهيمَ عليه السلامُ مع أبيه موقفُ استرحامٍ أخيرٌ يومَ القيامةِ، أخبرَ عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه -فيما روى البخاريُّ في صحيحِه-: ((يَلقى إبراهيمُ أباه آزرَ يومَ القيامةِ، وعلى وجهِ آزرَ قترةٌ وغبرةٌ، فيقولُ له إبراهيمُ: ألم أقلْ لك لا تعصني؟ فيقولُ أبوه: فاليومَ ‌لا ‌أعصيكَ، فيقولُ إبراهيمُ: يا ربِّ، إنَّك وعدتني ألَّا تخزيَني يومَ يبعثونَ، فأيُّ خزيٍ أخزى من أبي الأبعد؟ فيقولُ اللهُ تعالى: إني حرَّمتُ الجنةَ على الكافرين، ثم يُقالُ: يا إبراهيمُ، ما تحت رجليك؟ فينظرُ، فإذا هو بذِيخٍ (وهو ذَكَرُ الضَّبُعِ) مُتَلَطِّخٌ (أي: متمرِّغٌ في قَذَرٍ)، فيُؤخذُ بقوائمِه، فيُلقى في النارِ))، هكذا كانت خاتمةُ عنادِ الأبِ حين أصرَّ على الشركِ، ولجَّ في الاستكبارِ؛ بأنْ مُسِخَ ضَبُعًا قَذِرًا في أثناء محاورتِه ابنَه واستعطافِه بُغيةَ شفاعتِه؛ حتى تنْفِرَ منه نفْسُ ابنِه، ولئلا يَلحقَ الابنَ غضاضةٌ حين يَبقى الأبُ على صورتِه، ويكونَ ذلك عقوبةَ إذلالٍ حين تكبَّرَ عن قبولِ الهدى، ومُجانسةً لعادةِ الحُمْقِ التي عُرِفَ بها الضِّباعُ -كما قال أهل العلم- حين تأبَّى عن الانقيادِ لطريقِ النجاةِ؛ فباءَ بالخسرانِ المبينِ ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ‌وَمَا ‌زَادُوهُمْ ‌غَيْرَ ‌تَتْبِيبٍ ﴾ [هود: 101].

 

ومن يكنِ الأشرارُ شيعةَ همِّه
فليس إلى مُوحي النصيحةِ سامعا





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رحلة مع الخليل عليه السلام
  • الخليل عليه السلام (2)
  • الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة الدعاء للذرية

مختارات من الشبكة

  • المسلم بين النضوج والإهمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أولادنا بين التعليم والشركاء المتشاكسين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرأة بين الإهانة والتكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موقفان تقفهما بين يدي الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البناء والعمران بين الحاجة والترف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اللسان بين النعمة والنقمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القوامة بين عدالة الإسلام وزيف التغريب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: وقفة شرعية (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • تقنية الذكاء بين الهدم والبناء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/4/1447هـ - الساعة: 10:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب