لسان العيد

لسان العيد

أيها المسلم، يا طبيب الإنسانية!

صمت رمضان إيماناً واحتساباً، وطويت صحيفتك فيه وهي حافلة بشتى معاني الطاعة، حاملة مختلف آثار الهداية، حاوية أسمى نتائج العبادة، حاشدة بأجلى مظاهر القوة، شاهدة بالإخلاص في التوبة والسير نحو الكمال.

أعربت بصيامك عن مبلغ تأثير الإيمان في نفسك، ونبهت بتقوية إرادتك نـزعات البر، وأرهفت شعور الخير، وأيدت حكم الهدى، وصقلت موطن التفكير، ورققت مدب الرأفة، وعدلت نـزوات الجسد، وجددت قوى الأعضاء، واقتصدت في النفقة، وانتظمت في السلوك، فأصبحت تسمع قول الحق، وصوت الضمير، ونداء الواجب، ونشيد الإيمان، وأضحيت تبصر جمال الإسلام، وجلال الاعتصام، وقدرة القرآن على إصلاح الفرد وإسعاد الجماعة.

وها أنت اليوم في عيد يشترك فيه إخوانك المسلمون أعضاء الأسرة الإسلامية الذين يبلغ عددهم نحو 400 مليون مسلم صاموا معك، وأفطرت معهم، وحق لمن وفق في عبادة رأيت بعض مآثرها أن يكون اليوم في عيد!

فأنت بعيدك تشكر الله على توفيقه إياك في طاعته، وتحمده على ما أسبغ عليك من نعمائه، وترجوه أن يعيد العيد بالبشر والهناء على إخوانك المسلمين الذين أخذوا في يقظتهم يطردون عن النفوس الحرة المؤمنة الهوان والشيطان، ويجلون عن العزيمة القوية صدأ العهد الوسنان، ويدفعون عن الأخلاق الكريمة غارة العاطفة الجامحة، ويكشفون عن الدين الحنيف سجف البدع المُزرية، ويقصون عن البلاد حبائل الدخيل الغاشم، ويعدون العدة لمستقبل تقي حر باسم، يكون فيه حكم الكتاب الخالد، وأمر الرسالة العامة، القول المطاع والكمال المنشود لأناس يملون على تاريخ الإيمان والتمدن، والحضارة والأخلاق، والمادة والروح، الفصل العربي الثاني الذي يعانق فيه القديم الصالح الجديد النافع، ويصافح فيه الآباء الأمجاد أبناءهم الأبرار، فرحين بإعادة المجد البريء سيرته الأولى حينما كانوا المثل الأعلى للعالم.

فلا تدنس أيها المسلم - بعد صيامك - الشكر بالعصيان، ولا تكدر الحمد بالنسيان والنكران، ولا تبع حرارة رجائك ببرودة التواني وحب الذات، وإيثار المنفعة الخاصة.

وإن حدثتك نفسك بشيء من ذلك، فاذكر أن الصيام ليس غاية بل هو وسيلة من وسائل الإصلاح، وذكرى تنفع المؤمنين، وان من كان نصيبه منه الجوع والظمأ فحسب، فقد خدع نفسه، واذكر أن ربك الذي زدت في تقواه برمضان أهل لأن يُعبد ويُتقى في كل آن، وأن من فتور الهمة وضعف الإيمان، حصر العبادة في شهر دون غيره إذا هو ولى ولت العبادة معه، كأنها ثوب الشتاء يخلع في الصيف، أو ثوب الصيف يرفع في الشتاء، تلك هي العبادة الجوفاء التي لا روع فيها ولا روح، فاحذر أن تكون عبادتك منها.

واعلم أن للجمعيات الإصلاحيات الخيرية المخلصة – كجمعية التمدن الإسلامي – حقاً عليك يجب أن تؤديه حسب استطاعتك مادةً ومعنى، فهي ثكنات للدين تنادي العاملين، وتسعى لأن يعود الإسلام مطاعاً في حكمه، محترماً في رأيه، فرحاً بأبنائه المهتدين الأبرار، الذين يصدق عليهم قول الله تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].

المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثامن، 1354هـ - 1935