• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- بطلاب العلم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأمن.. والنعم.. والذكاء الاصطناعي
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    يا معاشر المسلمين، زوجوا أولادكم عند البلوغ: ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الأحاديث الطوال (23) وصول النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ففروا إلى الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    زمان الدجال.. ومقدمات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة الملائكة
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    استراتيجيات تحقيق الهدف الأول لتدريس المفاهيم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته؟
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

رحلة الإنسان من دنيا المقر إلى دار المستقر ( خطبة )

رحلة الإنسان من دنيا المقر إلى دار المستقر ( خطبة
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2014 ميلادي - 25/3/1435 هجري

الزيارات: 27251

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رحلَةُ الإنسانِ من دنيَا المقَرِّ إلى دَارِ المستقرِّ

 

الخطبة الأولى

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضرُّ إلا نفسه ولا يضرُّ الله شيئًا).

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

لقد عاش ابن آدم في هذه الدنيا يأكل ويشرب، ويسرح ويمرح، ويلهو ويلعب، فعاش للدنيا، ونسي الآخرة، ومنهم من نفعت فيه المواعظ، وزلزلت قلبَه الآيات، فعاش للآخرة، [... يَا ابْنَ آدَمَ! عَجَبًا لَكَ! كَيْفَ تَقَرُّ عَيْنُكَ أَوْ يترك الخوف والْوَجَلُ وَالإِشْفَاقُ قَلْبَكَ؛ وَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَاسْتَوْجَبْتَ بِعِصْيَانِهِ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ، وَالْمَوْتُ لا مَحَالَةَ نَازِلٌ بِكَ؛ بِكَرْبِهِ وَغُصَصِهِ وَنَزْعِهِ وَسَكَرَاتِهِ؟!

 

فَكَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ سَرِيعًا وَشِيكًا، وَقَدْ صُرِعْتَ لِلْمَوْتِ صَرْعَةً لا تَقُومُ مِنْهَا إِلا إِلَى الْحَشْرِ إِلَى رَبِّكَ؛ فَكَيْفَ بِكَ فِي نَزْعِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ، وَغُصَصِهِ وَسَكَرَاتِهِ وَقَلَقِهِ؛ وَقَدْ ظهر إِلَيْكَ الْمَلَكُ يَجْذِبُ رُوحَكَ مِنْ قَدَمَيْكَ؛ فَوَجَدْتَ أَلَمَ جَذْبِهِ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِكَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَرْبُ مِنْكَ مُنْتَهَاهُ، وَعَمَّ أَلَمُ الْمَوْتِ جَمِيعَ جَسَدِكَ، وَقَلْبُكَ وَجِلٌ مَحْزُونٌ، مُرْتَقِبٌ لِلْبُشْرَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغَضَبِ أَوْ بالرضى.

 

فَبَيْنَا أَنْتَ فِي كَرْبِكَ وَارْتِقَابِكَ إِحْدَى الْبُشْرَيَيْنِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ إِذْ نَظَرْتَ إِلَى صَفْحَةِ وجهِ مَلَكِ الْمَوْتِ بِحُسْنِ صُورَةٍ أَوْ بِقُبْحِهَا، مَادًّا يَدَهُ إِلَى فِيكَ لِيَنْزَعَ رُوحَكَ مِنْ بَدَنِكَ، وَعَايَنْتَ صَفْحَةَ وجهِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُكَ: مَاذَا يَفْجُؤُكَ مِنَ الْبُشْرَى مِنْهُ، بِسَخَطِهِ أَوْ بِرِضَاهُ؟

 

فَأُخِذَتْ نَفْسُكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبْرُ وَهَوْلُ الْمَطْلَعِ، ثُمَّ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ، وَانْتِظَارُكَ الصَّيْحَةَ.

 

فَبَيْنَا أَنْتَ كَذَلِكَ في قبرك سنين عديدة، وأزمنة مديدة؛ إِذْ سَمِعْتَ نَفْخَةَ الصُّورِ؛ فَانْفَرَجَتِ الأَرْضُ عَنْ رَأْسِكَ، فَوَثَبْتَ مِنْ قَبْرِكَ عَلَى قَدَمَيْكَ، بِغُبَارِ قَبْرِكَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْكَ، شَاخِصًا بِبَصَرِكَ نَحْوَ النِّدَاءِ، وَقَدْ ثَارَ الْخَلائِقُ مَعَكَ ثَوْرَةً وَاحِدَةً، فِي زَحْمَةِ الْخَلائِقِ؛ عُرَاةٌ صُمُوتٌ سكوت أَجْمَعُونَ، ﴿ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه: 108]، وَالصَّوْتُ يَمُدُّهُمْ بِالْمُنَادِي ينادي، وَالْخَلائِقُ مُقْبِلُونَ نَحْوَهُ، وَأَنْتَ فِيهِمْ سَاعٍ بِالْخُشُوعِ، وَالذِّلَّةِ والخضوع، حَتَّى إِذَا وَافَيْتَ الْمَوْقِفَ وَازْدَحَمَتِ الأُمَمُ كُلُّهَا:

 

مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ عُرَاةً أَذِلاءَ، قَدْ نُزِعَ الْمُلْكُ مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ، وَلَزِمَتْهُمُ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ؛ فَهُمْ أَذَلُّ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَصْغَرُهُمْ خِلْقَةً وَقَدْرًا، بَعْدَ عُتُوِّهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ عَلَى عِبَادِ اللهِ فِي أَرْضِهِ.

 

ثُمَّ أَقْبَلَتِ الْوُحُوشُ مِنَ الْبَرَارِي، وذرى الجبالِ وأعاليها منكَّسةً رؤوسُها، بَعْدَ تَوَحُّشِهَا وَانْفِرَادِهَا عَنِ الْخَلائِقِ، ذَلِيلَةً لِيَوْمِ النُّشُورِ، بِغَيْرِ بَلِيَّةٍ نَالَتْهَا، وَلا خَطِيئَةٍ أَصَابَتْهَا.

 

وَأَقْبَلَتِ السِّبَاعُ بَعْدَ ضَرَاوَتِهَا وَشِدَّةِ بَأْسِهَا منكِّسةٌ رؤوسَها، ذَلِيلَةً لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَتَّى وَقَفَتْ مِنْ وَرَاءِ الْخَلائِقِ بِالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ لِلْمَلِكِ الْجَبَّارِ.

 

وَأَقْبَلَتِ الشَّيَاطِينُ بَعْدَ تَمَرُّدِهَا وَعُتُوِّهَا، خَاضِعَةً خَاشِعَةً لِذُلِّ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ؟!

فَسُبْحَانَ الَّذِي جَمَعَهُمْ بَعْدَ طُولِ الْبَلاءِ، بِاخْتِلافِ خَلْقِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ، وَتَوَحُّشِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ! قَدْ أَذَلَّهُمُ الْبَعْثُ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمُ النُّشُورُ.

 

حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ عِدَّةُ أَهْلِ الأَرْضِ؛ مِنْ إِنْسِهَا وَجِنِّهَا وَشَيَاطِينِهَا، وَوُحُوشِهَا وَسِبَاعِهَا وَأَنْعَامِهَا وطيورِها وحشراتِها، وَاسْتَوَوْا جَمِيعًا فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ؛ تَنَاثَرَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَطُمِسَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ لِخُمُودِ سِرَاجِهَا، وَإِطْفَاءِ نُورِهَا، وَمَادَتِ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَدَارَتْ بِعِظَمِهَا مِنْ فَوْقِهِمْ، فأين أنت يا عبدالله؟! وما ذا تصنع؟ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَى هَوْلِ ذَلِكَ!

 

فَبَيْنَا مَلائِكَةٌ عَلَى حَافَّاتِ السموات؛ إِذِ انْحَدَرُوا مِنْهَا إِلَى الأَرْضِ، لِلْحِسَابِ والْعَرْضِ، فَيَفْزَعُ الْخَلائِقُ لِنُزُولِهِمْ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ أُمِرُوا بِهِمْ، وَتَفْزَعُ الْمَلائِكَةُ إِجْلالاً لَمَلِيكِهِمْ.

 

وَقَدْ كُسِيَتِ الشَّمْسُ حَرَّ سِنِينَ عديدة، وَأُدْنِيَتْ مِنَ الْخَلائِقِ قَابَ قَوْسٍ أَوْ قَوْسَيْنِ؛ فَلا ظِلَّ لِأَحَدٍ إِلا عَرْشُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَمِنْ بَيْنِ مُسْتَظِلٍّ بِظِلِّ الْعَرْشِ، وَبَيْنَ مُضَحٍّ محترقٍ بِحَرِّ الشَّمْسِ، قَدْ صَهَرَتْهُ وَأَسْكَرَتْهُ.

 

ثُمَّ ازْدَحَمَتِ الأُمَمُ مِنَ الْعَطَشِ، فَاجْتَمَعَ حَرُّ الشَّمْسِ، وَوَهَجُ أَنْفَاسِ الْخَلائِقِ، وَتَزَاحَمَ أَجْسَادُهُمْ، فَفَاضَ الْعَرَقُ مِنْهُمْ سَيْلا حَتَّى اسْتُنْقِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، ثُمَّ عَلا الأَبْدَانَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَمَرَاتِبِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ.

 

وَأَنْتَ كَأَحَدِهِمْ لا مَحَالَةَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مِنْكَ وَمِنْهُمُ الْمَجْهُودُ، وَطَالَ وُقُوفُهُمْ لا يَتَكَلَّمُونَ ولا ينطقون، وَلا يُنْظَرُ فِي أُمُورِهِمْ؛ فَمَا ظنك بوقوفهم ثلاث مئة عَامٍ أو أكثر لا يَأْكُلُونَ وَلا يَشْرَبُونَ، ولا يجلسون ولا يستريحون، وَلا يَنْفَحُ وُجُوهَهُمْ رَوْحٌ وَلا نَسِيمُ جَوٍّ وَلا رِيحٌ، وَلا يَسْتَرِيحُونَ مِنْ تَعَبِ قِيَامِهِمْ وَنَصَبِ وُقُوفِهِمْ، وَقَدِ اشْتَدَّ الْعَطَشُ، وجفت الأفواه، واحترقت الأجواف من فقد الماء.

 

فَيَفْزَعُونَ إِلَى حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْ شَارِبٍ مِنْ حَوْضِهِ، صَادِرٍ عَنْهُ بَعْدَ رِيِّهِ، مَسْرُورٍ قَلْبُهُ بِفَرَحِهِ بِالرِّيِّ، وَزَوَالِ شِدَّةِ عَطَشِهِ.

 

وَمِنْ مَصْرُوفٍ وَجْهُهُ عَنْ حَوْضِهِ، وَمُوَلٍّ بِعَطَشِهِ وَشِدَّةِ حَسْرَتِهِ، عَلَى مَا خُيِّبَ مِنْ أَمَلِهِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ حَوْضِهِ، ويقال لهم: سُحقًا سحقًا، بُعدًا بعدًا، ويُنَادِي الخائبُ الخاسر بِصَوْتِهِ الْمَحْزُونِ، عَنْ قَلْبِهِ الْحَسِرِ الْمَغْمُومِ: (أَتَيْتُ حَوْضَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُرِفَ وَجْهِي؛ فَوَاعَطَشَاهُ!).

 

وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يَحِلَّ بِهِ مَا حَلَّ بِهِ؛ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَغْمُومًا مَحْزُونًا، خَائِفًا أَنْ يُصْرَفَ وَجْهُكَ عَنْ حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَطَشِهِ.

 

فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ؛ في كرب وضيق، وشدة وأهوال فَزِعُوا إِلَى آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ فِي الرَّاحَةِ مِنْ مَقَامِهِمْ، وَإِلَى نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلامُ؛ فَكُلُّهُمْ قَالَ: (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْهُ قَبْلُ وَلا بَعْدُ)، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: (نَفْسِي نَفْسِي).

 

فَمَا ظَنُّكَ بِيَوْمٍ يُنَادِي فِيهِ الْمُصْطَفَى آدَمُ، وَالْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ، وَالْكَلِيمُ مُوسَى، وَالرُّوحُ وَالْكَلِمَةُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ؛ مَعَ كَرَامَتِهِمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِظَمِ قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ كُلٌّ يَقُولُ: (نَفْسِي نَفْسِي)؛ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟!

 

حَتَّى إِذَا أَيِسُوا مِنَ الشَّفَاعَةِ؛ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ الشَّفَاعَةَ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى رَبِّهِ؛ فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَحَمِدَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ؛ حَتَّى أَجَابَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى تَعْجِيلِ عَرْضِهِ، فَبَيْنَاهُ؛ إِذْ نَادَى مُنَادٍ: (إِنَّ الْجَبَّارَ جل جلاله، وعظمت قدرته قَدْ أَتَى لِعَرْضِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ لا يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاكَ، وَلا يَنْظُرُ إِلا فِي أَمْرِكَ).

 

ثُمَّ جِيءَ بِجَهَنَّمَ، ((يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا))، ثُمَّ زَفَرَتْ وَثَارَتْ إِلَى الْخَلائِقِ مِنْ بُعْدٍ، وَسَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، ثُمَّ تُحْمَلُ عَلَى الْخَلائِقِ حَتَّى يَتَسَاقَطُوا عَلَى رُكَبِهِمْ جِثِيًّا حَوْلَ جَهَنَّمَ، فَأَرْسَلُوا الدُّمُوعَ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْخَلائِقِ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ، وَقَدْ ذُهِلَتْ عُقُولُهُمْ لِعِظَمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفَرَّ مِنْكَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ، وَالأَخُ وَالصَّاحِبُ، والزوجةُ والقريب.

 

فَبَيْنَا الْخَلائِقُ عَلَى ذَلِكَ؛ فإذا بها "تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ"، ومن قتل نفسًا ظلمًا، فَابْتَلَعَتْهُمْ، ثُمَّ خَنَسَتْ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، تَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثًا.

 

ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: (سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، لِيَقُمِ الْحَامِدُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ)، فَيَقُومُونَ، فَيَسْرَحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ.

 

ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ، ثُمَّ بِمَنْ لَمْ تَشْغَلْهُ فِي الدُّنْيَا تِجَارَةٌ وَلا بيع على ذِكْرِ اللهِ، والمتوكلين على الله.

 

حَتَّى إِذَا دَخَلَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ؛ تَطَايَرَتِ الْكُتُبُ؛ فَآخِذٌ ذَاتَ الْيَمِينِ، وَآخِذٌ ذَاتَ الشِّمَالِ؛ حَتَّى تَقَعَ فِي أَيْمَانِهِمْ وشمائلهم، ونصبت الموزاين، وَأَنْتَ مُتَوَجِّلٌ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُكَ؟ فِي يَمِينِكَ أَوْ شِمَالِكَ؛ فَإِنْ وَقَعَ فِي يَمِينِكَ؛ فَقَدْ فُزْتَ، وَإِنْ وَقَعَ فِي شِمَالِكَ؛ فَقَدْ خَسِرْتَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

 

ثُمَّ تُنْشَرُ صُحُفُكَ وَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؛ فَقَدْ أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسِيتَهُ، ثُمَّ تُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وحدك ليس بينك وبين الله تَرجمان، وَقَدْ رَفَعَ الْخَلائِقُ إِلَيْكَ أَبْصَارَهُمْ، وَقَدْ خُلِعَ قَلْبُكَ فَزَعًا، حَتَّى أَتَوْا بِكَ إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ لَكَ: (يَا ابْنَ آدَمَ! فِيمَ أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ، وَمَالَكَ مِنْ أَيْنَ جَمَعْتَهُ، وَفِيمَ فَرَّقْتَهُ؟)، ثُمَّ يَسْأَلُكَ عَنْ قَبِيحِ فِعْلِكَ وَعَظِيمِ جُرْمِكَ؟

 

فَكَمْ لَكَ مِنْ حَيَاءٍ وَخَجَلٍ؛ مِنَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ إِلَيْكَ مُحْسِنًا، وَعَلَيْكَ سَاتِرًا؛ فبأي لِسَانٍ تُجِيبُهُ حِينَ يَسْأَلُكَ؟! وَبِأَيِّ قَدَمٍ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ؟! وَبِأَيِّ قَلْبٍ تَحْتَمِلُ كَلامَ الْجَلِيلِ؟! فَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ قَدْ كُنْتَ نَسِيتَهَا قَدْ ذَكَرَهَا؟! وَكَمْ مِنْ سَرِيرَةٍ قَدْ كُنْتَ كَتَمْتَهَا قَدْ أَظْهَرَهَا وَأَبْدَاهَا؟! وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ قَدَّمْتَهُ ظَنَنْتَ أَنَّهُ قَدْ خَلُصَ لَكَ، وَسَلِمَ بِالْغَفْلَةِ مِنْكَ إِلَى مَيْلِ الْهَوَى عَمَّا يُفْسِدُهُ، قَدْ رَدَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ بَعْدَمَا كَانَ أَمَلُكَ فِيهِ عَظِيمًا؟!

 

فَيَا حَسَرَاتِ قَلْبِكَ! وَيَا أَسَفَكَ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي طَاعَةِ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ!

حَتَّى إِذَا كَرَّرَ عَلَيْكَ السُّؤَالَ بِذِكْرِ كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَنَشْرِ كُلِّ مخبأ؛ فَأَجْهَدَكَ الْكَرْبُ، وَبَلَغَ الْحَيَاءُ مِنْكَ مُنْتَهَاهُ، بماذا تجيب؟ وماذا تقول إذا قال لَكَ: (يَا عَبْدِي! أَمَا أَجْلَلْتَنِي؟ أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي؟ اسْتَخْفَفْتَ بِنَظَرِي وَلَمْ تَهَبْنِي؟ أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟! أَلَمْ أُنْعِمْ عَلَيْكَ؟! مَا غَرَّكَ بِي؟! شَبَابَكَ فيمَ أَبْلَيْتَهُ؟ وَعُمْرَكَ فيمَ أَفْنَيْتَهُ؟ وَمَالَكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وفيمَ أَنْفَقْتَهُ؟ وَعِلْمَكَ مَاذَا عَمِلْتَ بِهِ؟!).

 

فَمَا يَزَالُ يُعَدِّدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْكَ أَشْيَاءَ وَأَنْتَ قَدْ طَارَ قَلْبُكَ، فَأَعْظِمْ بِهِ مَوْقِفًا، وَأَعْظِمْ بِهِ سَائِلاً، وَأَعْظِمْ مِمَّا يُدَاخِلُكَ مِنَ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَالتَّأَسُّفِ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي طَاعَتِهِ.

 

فَإِذَا بَقِيتَ مُتَحَيِّرًا: إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَكَ: (يَا عَبْدِي! أَنَا سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ)، الله أكبر ما أعظمه من فرج! الله أكبر ما أكبره من فوز ونجاح!

 

وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَكَ: (يَا عَبْدِي! أَنَا غَضْبَانُ عَلَيْكَ؛ فَعَلَيْكَ لَعْنَتِي؛ فَلَنْ أَغْفِرَ لَكَ عَظِيمَ مَا أَتَيْتَ، وَلَنْ أَتَقَبَّلَ مِنْكَ مَا عَمِلْتَ)، وَيَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ ذُنُوبِكَ الْعَظِيمَةِ، الله أكبر ما أعظمها من مصيبة! وما أكبرها من خسارة وفضيحة!

 

ثُمَّ يَقُولُ للملائكة الغلاظ الشِّداد: (خُذُوهُ)؛ فَمَا ظَنُّكَ بِاللهِ يَقُولُهَا؟ فَتُبَادِرُ إِلَيْكَ الزَّبَانِيَةُ بِفَظَاظَتِهَا وَغِلَظِ أَكُفِّهَا، وَأَنْتَ ذَلِيلٌ مُوقِنٌ بِالْهَلاكِ، وَأَنْتَ فِي أَيْدِيهِمْ وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِكَ إِلَى النَّارِ، مُسْوَدٌّ وَجْهُكَ، تَتَخَطَّى الْخَلائِقَ وَكِتَابُكَ بِشِمَالِكَ، تُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، حَتَّى تُسَاقَ إِلَى جَهَنَّمَ، فَتُذَاقَ أَلْوَانَ الْعَذَابِ.

 

فأشفِق يَا ابْنَ آدَمَ عَلَى ضَعْفِ بَدَنِكَ، وَتَخَفَّفْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الذُّنُوبِ، وَلِلْمَمَرِّ عَلَى الصِّرَاطِ الَّذِي هُوَ مَسِيرَةُ ألوف الأعوام، وَلِهَوْلِ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّمَا خَفَّ ذَلِكَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِهُمُومِهَا فِي الدُّنْيَا لِعُقُولِهِمْ، فَتَحَمَّلُوا فِي الدُّنْيَا ثِقَلَ هُمُومِهَا؛ حَتَّى خَشَعَتْ قُلُوبُهُمْ وَجُلُودُهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَخَفَّفَهَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مَوْلاهُمْ؛ فَأَلْزِمْ قَلْبَكَ خَوْفَهُ، وَاشْتَغِلْ بِطَاعَتِهِ، لَعَلَّهُ يَرَى اهْتِمَامَكَ فَيُبَلِّغَكَ؛ فَتَكُونَ مِمَّنْ قَدْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ، وَأَمِنَ غَمَرَاتِ الْقِيَامَةِ، وَاسْأَلْهُ التَّوْفِيقَ لِمَا يُدْنِيكَ مِنْهُ، وَمَا يُسَلِّي عَنْكَ غَمَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ؛ فَإِنَّهُ أَهْلُ الْفَضْلِ والإحسان والكرم]؛ المجالسة وجواهر العلم (7/ 151- 156 رقم 3058) بتصرف.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد:

أما من غفر له ربه، وعفا عنه ورضي، فقد قال سبحانه: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 73- 75].

 

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْه، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا ﴾، وَجَدُوا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا أو مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَكَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَاغْتَسَلُوا بِهَا, وتوضؤوا مِنْهَا, فَلَا تُشْعَثُ رؤوسهم بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَلَا تُغَيَّرُ جُلُودُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، كَأَنَّمَا ادَّهَنُوا بِالدِّهَانِ، وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ.

 

ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَطَهَّرَتْ أَجْوَافَهُمْ، فَلَا يَبْقَى فِي بُطُونِهِمْ قَذًى وَلَا أذًى، ولا سوءًا إِلَّا خَرَجَ، وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ:

﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾، وَتَتَلَقَّاهُمُ الْوِلْدَانُ كَاللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، كاللؤلؤ الْمَنْثُورِ، يُخْبِرُونَهُمْ بِمَا أعدَّ الله تعالى لَهُمْ، يُطِيفُونَ بِهِمْ كَمَا يُطيف وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ والصديق والحبيب يَجِيءُ مِنَ الْغَيْبَةِ.

 

يَقُولُونَ: (أَبْشِرْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا وَكَذَا، وَأَعَدَّ لَكَ كَذَا وَكَذَا)، ثُمَّ يَذْهَبُ الْغُلَامُ مِنْهُمْ إِلَى الزَّوْجَةِ مِنْ أَزْوَاجِهِ الحور العين، فَيَقُولُ: (قَدْ جَاءَ فُلَانٌ!) بِاسْمِهِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَسْتَخِفُّهَا الْفَرَحُ، حَتَّى تَقُومُ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا، فَتَقُولُ: (أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟!).

 

قَالَ: فَيَجِيءُ فَيَنْظُرُ إِلَى تَأْسِيسِ بُنْيَانِهِ؛ عَلَى جَنْدَلِ؛ أي: أساس بنيانه على صخور اللُّؤْلُؤِ؛ بَيْنَ أَخْضَرَ وَأَصْفَرَ، وَأَحْمَرَ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ.

 

ثُمَّ يَجْلِسُ، فَإِذَا زَرَابِيُّ أي وسائد مَبْثُوثَةٌ، وَنَمَارِقُ أي بسط وطنافس مَصْفُوفَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَنْظُرُ إِلَى سَقْفِ بِنَائِهِ.

 

فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تعالى قَدَّرَ ذَلِكَ لَهُ, وسَخَّرَ ذَلِكَ لَهُ، لَأَلَمَّ أَنْ يُذْهَبَ بِبَصَرِهِ، إِنَّمَا هُوَ مِثْلُ الْبَرْقِ، فَيَقُولُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا ﴾؛ الصحيح المسند من آثار الصحابة في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب، وانظر المطالب العالية للحافظ، رقم (4601).

 

نسأل الله جل جلاله أن نكون ممن قال فيهم: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].

 

ونسأله تعالى أن يشفِّع فينا نبيَّه محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، اللهم شفِّع فينا نبيَّك محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، اللهم لا تحرمنا شفاعتَه.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في الحياة.. والموت
  • الإيمان بالبعث بعد الموت
  • الموت وعظاته
  • رحلة الإنسان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الحج عبادة وتجارة، دنيا وآخرة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إسبانيا: برنامج "رحله إلى مجهول" يبدأ 2011 بحديث عن الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • شرح حديث: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"‏(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث كراهية النوم قبل العشاء(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة مجموع فيه ذم الدنيا لابن أبي الدنيا ومنتخب الزهد والرقائق للخطيب البغدادي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الدنيا في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحديث عن الدنيا في ديوان عبق الأمسيات للشاعر الدكتور حمزة أحمد الشريف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التحذير من قراءة القرآن للدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/2/1447هـ - الساعة: 16:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب