• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    يا معاشر المسلمين، زوجوا أولادكم عند البلوغ: ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الأحاديث الطوال (23) وصول النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ففروا إلى الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    زمان الدجال.. ومقدمات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة الملائكة
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    استراتيجيات تحقيق الهدف الأول لتدريس المفاهيم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته؟
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    قسوة القلب (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التمهيد للدرس (عرض تقديمي)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

لتكون ناجحا

لتكون ناجحا
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/6/2012 ميلادي - 24/7/1433 هجري

الزيارات: 9506

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لتكون ناجحًا


أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

في هَذِهِ الأَيَّامِ خَرَجَ مِنَ المَدَارِسِ أَبنَاءٌ لَنَا وَبَنَاتٌ مَسرُورِينَ مُبتَهِجِينَ، يَكَادُونَ يَطِيرُونَ فَرَحًا وَفَخرًا، بَينَمَا عَادَ آخَرُونَ مُنَكَّسَةً رُؤُوسُهُم ضَائِقَةً نُفُوسُهُم، لا يَرفَعُونَ إِلى نَاظِرٍ طَرفًا وَلا يُعطُونَ سَائِلاً إِجَابَةً. وَمَعَ أَنَّ الفُرَصَ كَانَت مُتَاحَةً لِلجَمِيعِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، إِلاَّ أَنَّ النَّاجِحِينَ اجتَهَدُوا فَأَدرَكُوا مَا أَمَّلُوا، بَينَمَا فَرَّطَ المُخفِقُونَ وَقَصَّرُوا، فَخَرَجُوا مِن مَوسِمِهِم وَلم يُدرِكُوا مَا كَانُوا يَرجُونَهُ، نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - لم يَكُنْ كُلُّ النَّاجِحِينَ عَبَاقِرَةً أَذكِيَاءَ، وَلا كُلُّ المُخفِقِينَ مُغَفَّلِينَ أَغبِيَاءَ، وَلَكِنَّهُ الجِدُّ في الطَّلَبِ وَدَوامُ السَّيرِ نَحوَ الهَدفِ، وَأَخذُ النُّفُوسِ بِالعَزِيمَةِ وَالصَّبرُ لإِدرَاكِ المُبتَغَى.

 

عِبَادَ اللهِ:

نَحنُ في هَذِهِ الحَيَاةِ في اختِبَارٍ دَائِمٍ، تَتَكَرَّرُ نَتَائِجُهُ في كُلِّ يَومٍ بَل في كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحظَةٍ، غَيرَ أَنَّهُ لا يَستَفِيدُ مِن تِلكَ النَّتَائِجِ وَيَستَثمِرُهَا في التَّقَدُّمِ نَحوَ الأَفضَلِ، إِلاَّ المُوَفَّقُونَ مِن ذَوِي البَصَائِرِ النَّيِّرَةِ وَالقُلُوبِ الحَيَّةِ، الَّذِينَ يَعلَمُونَ أَنَّ طُلاَّبِ الآخِرَةِ لَن يَرَوُا النَّتِيجَةَ النِّهَائِيَّةَ عَينَ اليَقِينِ إِلاَّ يَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [الروم:14- 16].

 

وَمِن أَجلِ هَذَا - عِبَادَ اللهِ:

فَإِنَّ العُقَلاءَ لا يَزدَادُونَ بِطُولِ العُمُرِ إِلاَّ نَجَاحًا في إِثرِ نَجَاحٍ، بَينَمَا لا يَزدَادُ المُفَرِّطُونَ بِتَقَدُّمِ أَعمَارِهِم إِلاَّ تَعَثُّرًا تِلوَ تَعَثُّرٍ وَإِخفَاقًا بَعدَ إِخفَاقٍ. وَيَتَسَاءَلُ مُرِيدٌ لِنَفسِهِ النَّجَاحَ وَالنَّجَاةَ: هَل مِن سَبِيلٍ لأَكُونَ مِنَ النَّاجِحِينَ الفَائِزِينَ؟ وَمَا مِقيَاسُ النَّجَاحِ الأُخرَوِيِّ لأَزِنَ بِهِ نَفسِي؟ فَيُقَالُ: إِنَّ مَن صَدَقَت نِيَّتُهُ وَسَمَت هِمَّتُهُ، وَصَبَرَ وَصَابَرَ وَجَاهَدَ وَأَحسَنَ، فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ لَهُ جُهدًا وَعَمَلاً، وَلا يُخَيِّبُ لَهُ رَجَاءَ وَأَمَلاً، غَيرَ أَنَّ لِذَلِكَ النَّجَاحِ مَسَارَاتٍ ثَلاثَةً، مَنِ التَزَمَهَا كَمَا يَنبَغِي وَحَقَّقَ السَّيرَ فِيهَا كَمَا يُرَادُ، فَهُوَ النَّاجِحُ بِإِذنِ اللهِ، وَمَن غَفَلَ وَتَسَاهَلَ وَكَثُرَ التِفَاتُهُ، فَفِيهِ مِنَ النَّقصِ بِقَدرِ مَا نَقَصَ مِنهَا.

 

تِلكُم - إِخوَةَ الإِيمَانِ - هِيَ عِلاقَةُ العَبدِ بِرَبِّهِ، وَتَعَامُلُهُ مَعَ نَفسِهِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ، وَصِلَتُهُ بِمَن حَولَهُ، وَقَد جَمَعَهَا إِمَامُ النَّاجِحِينَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - لِمَن أَوصَاهُ في كَلِمَاتٍ مَعدُودَاتٍ وَعِبَارَاتٍ مُوجَزَةٍ، فَعَن أَبي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اِتَّقِ اللهَ حَيثُمَا كُنتَ، وَأَتبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

إِنَّها مَوَازِينُ عَظِيمَةٌ وَمَقَايِيسُ وَاضِحَةٌ، وَسِمَاتٌ كَرِيمَةٌ بَيِّنَةٌ، يُمكِنُ لِلمَرءِ أَن يَعرِضَ نَفسَهُ عَلَيهَا لِيَعلَمَ أَينَ مَوقِعُهُ؟ فَتَأَمَّلْ حَالَكَ - عَبدَ اللهِ - وَأَنتَ تَسِيرُ إِلى أُخرَاكَ، كَيفَ أَنتَ مَعَ رَبِّكَ؟ هَلِ استَوَى ظَاهِرُكَ وَبَاطِنُكَ؟ هَل أَنتَ في الخَلوَةِ كَمَا أَنتَ في الجَلوَةِ؟ هَل تَخَافُ اللهَ في سِرِّكَ كَمَا تَخشَاهُ في عَلَنِكَ؟ هَل تَخشَعُ إِذَا كُنتَ وَحدَكَ كَمَا أَنتَ أَمَامَ المَلأِ؟ هَل تَذكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحيَانِكَ؟ هَل تَرَاهُ أَمَامَكَ كُلَّمَا هَمَمتَ بِمُخَالَفَةِ أَمرِهِ؟

 

إِن كُنتَ هَكَذَا حَقًّا وَصِدقًا، تَعِيشُ تَقِيًّا نَقِيًّا، وَتَحيَا خَائِفًا وَجِلاً، فَهَنِيئًا لَكَ، فَقَدِ امتَلأَت تَقوًى وَبَلَغتَ مَنزِلَةَ الخَشيَةِ، فَلَن تَغُشَّ إِذْ ذَاكَ أَحَدًا، وَلَن تَهتِكَ لِمُسلِمٍ عِرضًا، وَلَن تَقَعَ عَينُكَ عَلَى حَرَامٍ، وَلَن تَسمَعَ أُذُنُكَ قَبِيحًا، وَلَن تَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ تَعذِرُ مِنهُ غَدًا، لَن تَشتَغِلَ بِنَمِيمَةٍ وَلَن تَغتَابَ، وَلَن تَبهَتَ وَلَن تَكذِبَ، وَلَن تَشهَدَ بِزُورٍ وَلَن تَغشَى زُورًا، سَيَقشَعِرُّ جِلدُكَ كُلَّمَا هَمَمتَ بِمَعصِيَةٍ، وَسَتَنتَفِضُ كُلَّمَا دَعَتكَ نَفسُكَ لِشَهوَةٍ، وَسَتَتَذَكَّرُ يَومًا تَرجِعُ فِيهِ إِلى رَبِّكَ، وَسَيَكُونُ ذَلِكَ لَكَ رَادِعًا عَنِ الحَرَامِ مَانِعًا، وَسِيَاجًا دُونَ المُشتَبِهِ وَاقِيًا، لَن تَحتَاجَ إِلى رَقَابَةٍ مِن بَشَرٍ، وَلَن يَشرَئِبَّ عُنُقُكَ إِلى مَدحٍ مَادِحٍ، وَلَن يَتَطَامَنَ رَأسُكَ لِذَمِّ قَادِحٍ، وَلَن يُغَيِّرَكَ مَنصِبٌ وَلا جَاهٌ وَلا مَالٌ، فَأَنتَ مَعَ اللهِ وَحدَهُ تَتَعَامَلُ، لَهُ تَرجُو وَمِنهُ تَخَافُ، تُحِبُّ فِيهِ وَتُبغِضُ فِيهِ، وَلَهُ تُعطِي وَمِن أَجلِهِ تَمنَعُ، فَهَنِيئًا لَكَ قَولُهُ - سُبحَانَهُ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57، 61] وَقَولُهُ: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 2 - 4]، وَقَولُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ، وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

عِبَادَ اللهِ:

مَن نَجَحَ في عِلاقَتِهِ مَعَ اللهِ أَوَّلاً، فَكَانَ لأَمرِهِ طَائِعًا وَفِيمَا عِندَهُ طَامِعًا، وَلِمَا نَهَى عَنهُ مُجَانِبًا وَلِرِضَاهُ طَالِبًا، فَإِنَّهُ لَن يَجِدَ بَعدَ ذَلِكَ صُعُوبَةً في تَجَاوُزِ الاختِبَارِ الثَّاني وَالثَّالِثِ، إِذْ هُمَا مِن ذَاكَ الأَصلِ يَنطَلِقَانِ، وَعَلَيهِ يُبنَيَانِ، وَمِنهُ يَستَمِدَّانِ رُوحَهُمَا وَغِذَاءَهُمَا. مَنِ اتَّقَى اللهَ وَخَافَهُ بِالغَيبِ، وَعَرَفَ نَفسَهُ حَقَّ المَعرِفَةِ وَقَدَرَهَا قَدرَهَا، تَعَاهَدَهَا في كُلِّ حِينٍ، وَعَالَجَهَا مِن كُلِّ مَرَضٍ، وَزَمَّهَا عَنِ التَّعَدِّي وَالخَطَأِ، وَخَطَمَهَا عَنِ الظُّلمِ وَالبَغيِ، لماذَا؟ لِعِلمِهِ أَنَّهُ بَشَرٌ خَطَّاءٌ وَلا بُدَّ، مُعَرَّضٌ لِلزَّلَلِ وَلا مَحَالَةَ، طَبعُهُ النِّسيَانُ وَالغَفلَةُ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَشعُرُ بِحَاجَتِهِ إِلى مَا يَغسِلُ بِهِ أَدرَانَ نَفسِهِ، لِئَلاَّ تَجتَمِعَ عَلَيهِ فَتُلَوِّثَ قَلبَهُ وَتُدَنِّسَ عِرضَهُ، وَتُسَوِّدَ صَحِيفَتَهُ وَوَجهَهُ، فَلا تَرَاهُ لِذَلِكَ إِلاَّ تَوَّابًا أَوَّابًا، رَجَّاعًا لِلحَقِّ غَيرَ مُتَمَادٍ في البَاطِلِ، قَاعِدَتُهُ الَّتي يَسِيرُ عَلَيهَا في ذَلِكَ وَلا يَحِيدُ عَنهَا، قَولُ اللهِ - تَعَالى -: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، وَقَولُ اللهِ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، وَقَولُ رَسُولِ اللهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيمَا رَوَاهُ التَّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ: "كُلُّ ابنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

النَّاجِحُونَ في الحَيَاةِ قَومٌ مُوَحِّدُونَ، لِرَبِّهِم مُتَّقُونَ، وَمِن خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ، قُلُوبُهُم وَجِلَةٌ، ونُفُوسُهُم مُطمَئِنَّةٌ، وَصُدُورُهُم بِالإِسلامِ مُنشَرِحَةٌ، عَلَى نُورٍ مَن رَبِّهِم يَسِيرُونَ، وَإِلى مَن حَولَهُم يُحسِنُونَ، لا يُحقِرُونَ أَحَدًا وَلا يَتَكَبَّرُونَ، وَلا يَغمِطُونَ صَاحِبَ حَقٍّ وَلا يَظلِمُونَ، يُحِبُّونَ لإِخوَانِهِم مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّونَهُ لأَنفُسِهِم، حَيَاتُهُم بَينَ عَدلٍ وَإِحسَانٍ وَإِيتَاءٍ لِذِي القُربى، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ أَغلَى مِن أَن تَمضِيَ في حِقدٍ وَحَسَدٍ أَو بَغضَاءَ وَشَحنَاءَ، وَأَثمَنُ مِن أَن تُضَاعَ في تَبَادُلِ هَجرٍ وَقَطِيعَةٍ، وَأَسمَى مِن أَن تُلَوَّثَ بِطُولِ صُدُودٍ وَتَنَافُرِ وُدٍّ، وَأَمَّا الفَحشَاءُ وَالمُنكَرُ وَالبَغيُ فَهُم عَنهَا بَعِيدُونَ. لَقَد عَلِمُوا أَنَّهُ لا طَرِيقَ لِلنَّجَاحِ في عِلاقَتِهِم مَعَ الآخَرِينَ إِلاَّ لُزُومُ سَبِيلِ الإِحسَانِ إِلَيهِم وَالتَّوَاضُعِ مَعَهُم، وَتَجَنُّبُ الشُّحِّ وَالحَذَرُ مِنَ الكِبرِ وَالغُرُورِ، لأَنَّهُ مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ، وَلا تَكَبَّرَ أَحَدٌ إِلاَّ خَذَلَهُ وَوَكَلَهُ إِلى نَفسِهِ، وَإِنَّمَا تَسُوءُ عِلاقَةُ المَرءِ بِمَن حَولَهُ وَيَكثُرُ تَعَدِّيهِ عَلَيهِم وَظُلمُهُم، بِقَدرِ تَكَبُّرِهِ عَلَيهِم وَتَعَالِيهِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللهَ أَوحَى إِليَّ: أَنْ تَوَاضَعُوا حَتى لا يَفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَا مِن آدَمِيٍّ إِلاَّ في رَأسِهِ حَكَمَةٌ بِيَدِ مَلَكٌ، فَإِذَا تَوَاضَعَ قِيلَ لِلمَلَكِ ارفَعْ حَكَمَتَهُ، وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلمَلَكِ: دَعْ حَكَمَتَهُ " وَالحَكَمَةُ هِيَ: مَا يُحِيطُ بِحَنَكَيِ الفَرَسِ مِن لِجَامِهِ، وَالمُقصُودُ أَنَّ مَن تَوَاضَعَ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ، وَمَن تَكَبَّرَ وُكِلَ إِلى نَفسِهِ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم، وَأَقِيمُوا إِلَيهِ وُجُوهَكُم، وَلا يَغُرَّنَّكُم مَن نَجَحَ في دُنيَاهُ، وَهُوَ أَبعَدُ مَا يَكُونُ عَن مَولاهُ ﴿ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [الروم: 43 - 45].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم، وَتَأَمَّلُوا فِيمَا حَولَكُم، فَإِنَّ في الدُّنيَا عِبَرًا، وَوَرَاءَ المَوتِ خَبَرًا ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّه لا وَسِيلَةَ لِنَجَاحِ المَرءِ في عِلاقَتِهِ مَعَ رَبِّهِ وَمَعَ نَفسِهِ وَمَعَ الآخَرِينَ، كَمَثَلِ تَسلُّحِهِ بِالعِلمِ وَتَدَثُّرِهِ بِالفَهمِ، وَخَيرُ ذَلِكَ العِلمُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَمَن كَانَ بهما أَعلَمَ، كَانَ في حَيَاتِهِ أَكثَرَ نَجَاحًا وَسَعَادَةً، وَمَنِ اشتَدَّ بهما جَهلُهُ، وَقَصَّرَ في الأَخذِ مِنهُمَا قِرَاءَةً وَتَدَبُّرًا، فَأَنىَّ لَهُ أَن يَكُونَ مَعَ النَّاجِحِينَ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

 

وَمَعَ هَذَا - عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّهُ لا تَكفِي سَعَةُ العِلمِ وَلا قُوَّةُ الفَهمِ وَحدَهُمَا، مَا لم يَكُنْ لِلمَرءِ إِرَادَةٌ جَادَّةٌ وَعَزِيمَةٌ صَادِقَةٌ، وَحِرصٌ على تَطبِيقِ كُلِّ مَا يَعلَمُ، وَمُجَاهَدَةٌ لِنَفسِهِ عَلَى إِتبَاعِ الأَقوَالِ بِالأَفعَالِ، وَإِلاَّ كَانَ عِلمُهُ عَلَيهِ وَبَالاً، وَلم يَزدَدْ بِهِ إِلاَّ مَقتًا لِنَفسِهِ وَبُعدًا مِن رَبِّهِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

 

فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاعلَمُوا أَنَّ سَبَبَ فَشلِ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ وَإِخفَاقِهِ في حَيَاتِهِ، إِنَّمَا هُوَ ضَعفُ الإِرَادَةِ وَقُصُورُ الهِمَّةِ وَفُتُورُ العَزِيمَةِ، وَأَقوَى أَسبَابِ ذَلِكَ النِّسيَانُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، فَلازِمُوا العِلمَ وَالتَّعَلُّمَ، وَاحرِصُوا عَلَى الفِقهِ وَالتَّفَقُّهِ، وَتَآمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَتَنَاهَوا عَنِ المُنكَرِ ﴿ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صناعة النجاح
  • الناجح.. والعثرات التي تواجه نجاحه
  • سر النجاح بين أيدينا
  • لـذّة النجاح
  • كيف تصبح إنسانا فعالا وناجحا؟
  • كيف تكون ناجحا

مختارات من الشبكة

  • من معاني حديث: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • وقف الأراضي لتكون مقابر للمسلمين(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • عشرة أسباب لتكون مجاب الدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسميا غدا أول أيام رمضان المبارك: أفكار ملهمة لتكون أحد الفائزين برمضان(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أسرع الطرق لتكون مليارديرا (رحلة المليار) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ماليزيا: ماليزيا تسعى لتكون أكبر المصدرين للمنتجات الحلال في العالم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فلسطين المحتلة: فنزويلا تدعم فلسطين لتكون عضوا في الأمم المتحدة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • في ختام المنتدى العالمي للاقتصاد الإسلامي بجاكرتا: دعوة المصارف الإسلامية لتكون بديلاً عن نموذج وول ستريت(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/2/1447هـ - الساعة: 11:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب