• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- بطلاب العلم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأمن.. والنعم.. والذكاء الاصطناعي
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    يا معاشر المسلمين، زوجوا أولادكم عند البلوغ: ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الأحاديث الطوال (23) وصول النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ففروا إلى الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    زمان الدجال.. ومقدمات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة الملائكة
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    استراتيجيات تحقيق الهدف الأول لتدريس المفاهيم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته؟
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة / في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
علامة باركود

غزوة الحديبية (خطبة)

غزوة الحديبية (خطبة)
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/6/2024 ميلادي - 30/11/1445 هجري

الزيارات: 3667

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غَزْوَةُ الحُدَيْبِيَةِ


الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ ».

 

وَالحُدَيْبِيَةُ اسْمٌ بِئْرٍ تَقَعُ عَلَى بُعْدِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْن كَيْلًا إِلَى الشِّمَالِ الغَرْبِي مِنْ مَكَّةَ وَتُعْرَفُ الآن بِالشُّمَيْسي، وَفِيْهَا حَدَائِقِ الحُدَيْبِيَةُ وَمَسْجِدُ الرِّضْوَانِ[1]، وَأَطْرَافُهَا تَدْخُلُ فِي حُدُودِ الحَرَمِ المَكِّي، وَمُعْظَمُهَا مِنَ الحِلِّ خَارِجَةٌ[2]، وَقَدْ سُمِّيَتِ الغَزْوَةُ بِهَا لِأَنَّ قُرَيْشًا مَنَعَتْ المُسْلِمِيْنَ مِنْ دُخُول مَكَّةَ وَهُمْ فِي الحُدَيْبِيَة.

 

وَكَانَ خُرُوجُ الرَّسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الحُدَيْبِيَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - فِي يَوْمِ الاِثْنَيْنِ مُسْتَهَلِّ ذِي القَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ السِّيْرَة [3]، وَقَصَدَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُرُوجِهِ للعُمْرَةُ، فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[4]، وَبَلَغَ عَدَدُ المُسْلِمِيْنَ فِي الحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمَائَةِ رَجُلٍ جَاءَ ذَلِكَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [5]، وَلَمَّا وَصَلَ المُسْلِمُونَ إِلَى ذِي الحُلَيْفَةِ صَلُّوا وَأَحْرَمُوا بِالعُمْرَةِ كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [6]، وَسَاقُوا الهَدْيَ سَبْعِيْنَ بَدَنَةً كَمَا فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ [7]، وَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنًا إِلَى مَكَّةَ هُوَ بِسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الخُزَاعِيُّ الكَعْبِيّ، كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [8]، وَمَضَى المُسْلِمُونَ إِلَى أَنْ وَصَلُوا عَسَفَانَ عَلَى ثَمَانِيْنَ كَيْلًا مِنْ مَكَّةَ فَجَاءَهُمْ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الكَعْبِيُّ بِخَبَرِ قُرَيْشِ وَأَنَّهَا سَمِعَتْ بِمَسِيْرَهُمْ، وَجَمَعَتْ لَهُمْ الجُمُوعَ بِصَدِّهِمْ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ، وَأَنَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ خَرَجَ بخَيْلِهِمْ إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ، عَلَى بُعْدِ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ كَيْلًا عَنْ مَكَّةَ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يُغِيْرَ عَلَى دِيَارِهِمِ، فَقَالَ: « أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ ؟ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ »، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ: « امْضُوا عَلَى اسْمِ اللهِ ». جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [9].

 

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّهَا النَّاسُ - كَثِيْرُ الاسْتِشَارَةِ لِأَصْحَابِهِ، وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي عَسَفَانَ، عِنْدَمَا عَلِمَ بِقُرْبِ خَيْلِ المُشْرِكِيْنَ مِنْهُمْ [10]، فَتَكُونُ أَوَّلَ صَلَاةِ خَوْفٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَسَفَانَ فِي الحُدَيْبِيَةِ.

 

وَسَلَكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرِيْقًا وَعِرَةً عَبَّرَ ثَنِيَّةِ المَرَارِ وَهِي مَهْبَطُ الحُدَيْبِيَةِ، وَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[11]، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ، فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»، قَالَ جَابِرِ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ.

 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ».فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَاللهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ.

 

وَقَدْ غَيَّرَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرِيْقُ جَيْشِهِ تَجَنُّبًا لِلقِتَالِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الوَلِيْدِ وَخَيَالَةِ المُشْرِكِيْنَ، فَلَمَّا أَحَسَّ خَالِدُ بِذَلِكَ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، وَلَمَّا اقْتَرَبَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الحُدَيْبِيَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - بَرَكَتْ نَاقَتُهُ: فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [12]، مِنْ حَدِيْثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ: « مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ».

 

ثُمَّ عَدَّلَ عَنْ دُخُولِ مَكَّة إِلَى أَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ قَلِيْلَةِ المَاء، فَاشْتَكَى المُسْلِمُونَ الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَمَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ.

 

فَكَانَ تَكْثِيْرُ المَاءِ - أَيُّهَا النَّاسُ - مِنْ مُعْجِزَاتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ الغَزْوَةِ، وَأَمَّا حَبْسُ نَاقَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْل العِلْمِ: أَنَّ ذَلِكَ لِيُعْلِمَهُ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ خَيْرًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطُهُ عَلَيْهِمْ الآنَ، وَأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ غَيْبٌ لَمْ يَأْتِ وَقْتُهُ، فَهَذَا تَعِلِيْمٌ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَأْدِيْبٌ وَتَعِلِيْمٌ لِأُمَّتِهِ لِيَرُدُّوا كُلَّ الأَمْرِ لَهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.

 

وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّهَا النَّاسُ - يَحْرِصُ عَلَى الاسْتِبْقَاءِ عَلَى حَيَاةِ قُرَيْشٍ وَيَأْمَلُ إِسْلَامِهِمْ وَإِفَادَةَ الدَّعْوَةَ مِنْهُمْ، فَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا وَقُرَيْشٌ مِنْ أَكْثَرِ العَرَبِ فَصَاحَةً وَذَكَاءً وَخِبْرَةً وَمَكَانَةً، وَاسْتِبْقَاؤُهُمْ لِلإِسْلَامِ فِيْهِ خَيْرٌ عَظِيْمٌ لِلدَّوْلَةِ وَالدَّعْوَةِ، كَمَا بَرْهَنَتِ الأَيَّامْ، وَهَا هُوَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَسَّرُ لِعِنَادِ قُرَيْشٍ وَفَنَائِهَا فِي الحَرْبِ مَعَ المُسْلِمِيْنَ، فَيَقُولُ كَمَا جَاءَ فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ [13]: « يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ، فَإِنْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ، دَخَلُوا فِي الْإِسْلاَمِ وَهُمْ وَافِرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، وَاللهِ إِنِّي لَا أزالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللهُ لَهُ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ».

 

وَلَقَدْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُرَيْشٍ عَنْ طَرِيْقِ رِجَالٍ مُحَايِدِيْنَ وَبِوَاسِطَةِ رُسُلٍ أَرْسَلَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُرِيْدُ الحَرْبَ، وَسَعَى لِبَيَانِ مَوْقِفِ أَمَامَ النَّاسِ جَمِيْعًا أَنَّهُ يُرِيْدُ زِيَارَةَ البَيْتِ الحَرَّامِ وَتَعْظِيْمِهِ، وَقَدْ قَدَّمَ عَلَيْهِ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّ قُرَيْشًا تَعْتَزِمُ صَدَّ المُسْلِمِيْنَ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ، فَأَوْضَحَ لَهُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْقِفَهُ، فَقَامَ بِتَوْضِيْحِهِ لِقُرَيْشٍ فَأَجَابَتْهُ ِقُرَيْشٌ: «وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا جَاءَ لِذَلِكَ، فَلَا وَاللهِ لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا عَلَيْنَا عَنْوَةً وَلَا تَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ الْعَرَبُ».

 

وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُسُلُهُ تَتْرَى إِلَى قُرَيْشٍ يُعْلِنُونَ مَقْصِدَهُمْ، فَأَرْسَلَ خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ، فَأَرَادَتْ قُرَيْشٌ قَتْلَهُ لَوْلاَ أَنْ مَنَعَهُمْ الأَحَابِيْشُ، وَأَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ عُمَرَ ثُمَّ عَدَّلَ عَنْهُ إِلَى عُثْمَانَ، عِنْدَمَا بَيَّنَ عُمَرُ شَدِيْدَ عَدَاوَتِهِ لِقُرَيْشٍ وَأَنَّهَا تَعْلَمُ ذَلِكَ، وَأَنَّ بَنِي عَدِيٍّ قَوْمَهُ لاَ يَحْمُونَهُ، فَذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى قُرَيْشٍ، فَأَجَارَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيْدٍ بْنِ العَاصِ حَتَّى أَبْلَغَهُمْ رِسَالَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَامَحَتْ لَهُ قُرَيْشٍ بِالطَّوَافِ فَأَبَى أَنْ يَسْبُقَ الرَّسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَخَّرَتْهُ قُرَيْشٌ، فَحَسِبَ المُسْلِمُونَ أَنَّهَا قَتَلَتْهُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبَيْعَةِ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمْرَةِ فَبَايَعُوهُ جَمِيْعًا سِوَى الجِدِّ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَ مُنَافِقًا - وَكَانَتْ البَيْعَةُ عَلَى المَوْتِ كَمَا فِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [14].

 

وَقَدْ سُمِّيَتْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ؛ لِأَنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَدْ رَضِيَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ البَيْعَةُ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ فِي قَوْلِهِ-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18].

 

وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ هَذِهِ البَيْعَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا» كَمَا جَاءَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[15].

 

وَقَالَ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ»، جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [16].

 

وَلَمَّا كَانَ عُثْمَانَ - أَيُّهَا النَّاسُ - مَحْبُوسًا فِي قُرَيْشٍ، فَقَدَ قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ اليُمْنَى: « هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ » [17].

 

ثُمَّ رَجَعَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى المُسْلِمِيْنَ بَعْدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ مُبَاشَرَةً.

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

 

صُلْحُ الحُدَيْبِيَّةِ

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ « غَزْوَةِ الحُدَيْبِيِّةِ ».

 

وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ « صُلْحِ الحُدَيْبِيِّةِ ».

 

أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ أَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ عَدَدًا مِنَ الرُّسُلِ لِلتَّفَاوُضِ، أَوَّلَهُمْ عُرْوَةَ ابْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، وَقَدْ لَاحَظَ تَعْظِيْم المُسْلِمِيْنَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحُبَّهُمْ لَهُ، وَتَفَانِيْهُمْ فِي طَاعَتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشُ، قَالَ كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [18]، « أَيْ قَوْمِ وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ: دَعُونِي أَئْتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«هَذَا فُلانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ»، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ قَوْمٌ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ ».

 

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا مِكْرَزٌ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَالَ سُهَيْلُ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ.

 

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ، أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ، وَعَلَى: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ، كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ، أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ، قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا.

 

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَجِزْهُ لِي، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى، فَافْعَلْ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ.

 

وَقَدْ تَمَّ الاِتِّفَاقُ عَلَى الأُمُورِ الآتِيَةِ:

عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مِنْ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَإِنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ.

 

وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَنَا هَذَا، فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ، خَرَجْنَا عَنْكَ، فَتَدْخُلُهَا بِأَصْحَابِكَ، وَأَقَمْتَ فِيهِمْ ثَلَاثًا مَعَكَ سِلَاحُ الرَّاكِبِ لَا تَدْخُلْهَا بِغَيْرِ السُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ ».

 

هَكَذَا كَانَ صُلْحُ الحُدَيْبِيَةُ - أَيُّهَا النَّاسُ - والوَاقِعُ أَنَّ المُسْلِمِيْنَ تَذَمَّرُوا مِنْ هَذِهِ الاتِّفَاقِيَّةِ وَضَاقُوا بِهَا ذَرْعًا، لِتَصَوُّرِ مُعْظَمِهِمْ أَنَّ فِي شُرُوطِ الصُّلْحِ إِجْحَافًا بِهِمْ أَدَّتْ إِلَى غَضَبِ المُسْلِمِيْنَ حَتَّى إِذَا أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَنْحَرُوا الهَدْيَ وَيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ بِمَشُورَةٍ مِنْ أُمِّ سَلَمَةٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَذَبَحَ بُدُنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ قَامُوا: « وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ لِبَعْضٍ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا » جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [19].

 

فَدَعَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ حَلَقَ ثَلاَثًا، وَلِمَنْ قَصَّرَ مَرَّةً، جَاءَ ذَلِكَ فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ[20]، وَكَانَ عَدَدُ مَا نَحَرَهُ المُسْلِمُونَ مِنَ الإِبْلِ سَبْعِيْنَ، جَاءَ ذَلِكَ فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ [21]، كُلَّ بَدَنَةٍ عَنْ سَبْعَةٍ، جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[22].

 

وَهَكَذَا - أَيُّهَا النَّاسُ - تَحَلَّلَ المُسْلِمُونَ مِنْ عُمْرَتِهِمْ، وَشُرِعَ التَّحَلُّلُ لِلمُحْصَرِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ القَضَاءُ.

 

ثُمَّ شَرَعَ النَّاسُ فِي التَّهَيُّؤِ لِلعَوْدَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ بَعْدَ أَنْ قَامُوا فِي المَدِيْنَةِ عِشْرِيْنَ يَوْمًا، وَفِي الطَّرِيْقِ إِلَى المَدِيْنَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - نَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1].

 

وَقَدْ عَبَّرَ الرَّسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَظِيْمِ فَرْحَتِهِ بِنُزُولِهَا بِقَوْلِهِ كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [23]، مِنْ حَدِيْثِ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: « لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾».

 

وَبِنُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - انْقَلَبَتْ كَآبَةُ المُسْلِمُونَ إِلَى فَرَحٍ غَامَرِ وَأَدْرَكُوا أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُحِيْطُوا بِالأَسْبَابِ وَالنَّتَائِجِ، وَأَنَّ التَّسْلِيْمَ لِأَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيْهِ كُلُّ الخَيْرِ لَهُمْ وَلِدَعْوَةِ الإِسْلَامِ[24].

 

اللهُمَّ افْتَحْ لَنَا فَتْحًا مُبِينًا، وَاهْدِنَا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَانْصُرْنَا نَصْرًا عَزِيزًا، وَأَتِمَّ عَلَيْنَا نَعْمَتَكَ، وَأَنْزِلْ فِي قُلُوبِنَا سَكِينَتَكَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَا فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ، وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

 

 



[1] «نَسَبُ حَرْب» (350).

[2] «زَادُ المِعَاد » (3/ 380).

[3] «دَلاَئِلُ النُّبُوَّةِ» (2/ 212).

[4] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4178).

[5] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4155)، وَمُسْلِمٌ (1856).

[6] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4178).

[7] (حَسَنٌ) رَوَاهُ وَأَحْمَد (4/ 323) وَسَنَدَهُ حَسَنٌ.

[8] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4179).

[9] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4179).

[10](صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد(1243)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «صَحِيْحِ أَبَي دَاوُد» (1133).

[11] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2780).

[12] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2542).

[13] (حَسَنٌ) رَوَاهُ وَأَحْمَد (4/ 323) وَسَنَدَهُ حَسَنٌ.

[14] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4169)، وَمُسْلِمٌ (1860).

[15] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2469).

[16] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4154).

[17] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3698).

[18] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2731).

[19] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2731).

[20] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَد (2/ 34).

[21] (حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَد (4/ 324).

[22] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2153).

[23] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4177).

[24] انْظُرْ: « السِّيْرَةُ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيْحَةِ» لِلدُّكْتُور/ العِمَرِي، بَاب غَزْوَةُ الحُدَيْبِيَةِ (2/ 434)، فَقَدْ اسْتَفَدُّتُ مِنْهُ كَثِيْرًا - جَزَى اللهُ مُؤَلَّفَهُ خَيْرًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث صلح الحديبية
  • ثمرات صلح الحديبية وعمرة القضاء (خطبة)
  • دروس من صلح الحديبية (خطبة)
  • صلح الحديبية
  • ما نزل في صلح الحديبية من القرآن
  • بعض ما أكرم الله نبيه وأصحابه في غزوة الحديبية (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لنصلح أنفسنا ولندع التلاوم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تغرنكم الحياة الدنيا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية ممارسة الهوايات عند الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العلاقات العاطفية وأثرها على الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات.. وأشواق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب منع وجلب المطر من السماء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دعوة للإبداع والابتكار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/2/1447هـ - الساعة: 16:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب